إن الحق في البيئة المستدامة هو حق الجميع بأن يتمتعوا ببيئة آمنة ونظيفة في الوقت الحالي ولأجيال المستقبل. وهو حق جميع الناس أن يتنفسوا هواءً نظيفاً، ويشربوا مياه نظيفة، ويتمتعوا بالعيش في أحياء خالية من المياه العادمة والنفايات، وأن يمشوا بأمان في الشوارع. وهو يعني حماية البيئة من الأصوات المزعجة، وتلوث الهواء، وتلوث المياه السطحية، ومن إلقاء المواد السامة في الأماكن المكشوفة. وهذا الحق يتضمن التزاماً أيضاً. فكما أن المدينة تتبع لجميع سكانها، تتبع البيئة لجميع من يعيشون فيها، لذلك ثمة مسؤولية جماعية على الدولة والجهات الفاعلة من غير الدول وعلى الأفراد لحماية البيئة.
وُضع الحق في البيئة المستدامة على جدول الأعمال الدولي للمرة الأولى في إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (إعلان ستكهولم) الصادر عام 1972. وينص الإعلان على أن: “للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة وفي التمتع بظروف حياة ملائمة في ظل بيئة تتيح له التمتع بالحياة الكريمة والسلامة، وتقع عليه مسؤولية مقدسة لحماية وتحسين البيئة لصالح الأجيال الحالية والقادمة. وفي هذا الصدد، فإن السياسات التي تشجع أو تديم الفصل العنصري والتفرقة العنصرية والتمييز والأشكال الاستعمارية وغير الاستعمارية للاضطهاد وللسيطرة تستحق الإدانة ويجب القضاء عليها”.
وفي عام 1992، عُقد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية (والمعروف باجتماع قمة الأرض) في مدينة ريو دي جانيرو، ودعا الحكومات إلى إعادة التفكير في التنمية الاقتصادية والعثور على طريقة لإيقاف التدمير الذي لا رجعة فيه للموارد الطبيعية. ووقّعت وفود من 178 بلداً (من بينها مصر) على إعلان ريو للبيئة والتنمية، والذي ورد فيه: “من أجل تحقيق التنمية المستدامة، يجب أن تشكل حماية البيئة جزءاً أصيلاً من عملية التنمية، ولا يمكن التفكير فيها بمعزل عنها”. وفي حين تشكل المواد المتعلقة بالحق في البيئة المستدامة المحتوى الأساسي لاجتماعات القمة والمؤتمرات الدولية هذه، إلا أنها ترد بصفة ضمنية أيضاً في معظم الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان. فمثلاً، يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في مستوى معيشة كافٍ، والحق في السكن، والحق في الكرامة، والحق في المساواة. ومن دون بيئة آمنة وصحية نعيش ونعمل ونلعب ونقوم بنشاطنا الاجتماعي فيها، لا يمكن إعمال أي من تلك الحقوق.
يهدد التلوث في القاهرة صحة القاهريين وعافيتهم، ويضعف نوعية الحياة، ويقيّد إمكانات المدينة. وربما كان تلوث الهواء هو المشكلة البيئية الأكثر إلحاحاً واستعصاءً في القاهرة، بيد أن القاهرة مبتلاة أيضاً بمشكلة النفايات المتعاظمة، وسوء مرافق المياه والصرف الصحي في بعض الأحياء. وفي حين أن جميع الناس يرغبون بالاستمتاع بشوارع نظيفة، وشرب المياه النقية، وعدم القلق بشأن النفايات، إلا أن الخدمات العامة لا تُوزع دائماً بإنصاف. فمواطنو مناطق مدينة دمياط لا يتمتعون بالمستوى نفسه من المياه النظيفة الذي يتمتع به سكان جاردن سيتي أو الزمالك في إقليم القاهرة الكبرى. حتى الهواء النظيف غير موزع بإنصاف بين العديد من المستوطنات المنخفضة الدخل الواقعة بالقرب من المناطق الصناعية.
يسود في القاهرة واحد من أسوأ مستويات تلوث الهواء في العالم (Leitzell 2011). وتُظهر دراسة أصدرتها منظمة الصحة العالمية أن التنفس لمدة يوم في القاهرة يعادل تدخين علبة سجائر (Khaled 2013). وفي حين تُعتبر القاهرة العاصمة الاقتصادية التي لا منافس لها في مصر، إلا أن البيئة عانت من أضرار من جراء ذلك. ويوجد في مصر حوالي أربعة ملايين سيارة، ونصف هذا العدد موجود في القاهرة. وثمة آلاف المصانع في محيط القاهرة تبث المخلفات الكيميائية السامة في الهواء، مما يزيد حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي (Abdel-Halim et al. 2003). وثمة غمامة سوداء تخيّم فوق القاهرة سنوياً في أشد أيام الصيف حرارةً عندما يقوم المزارعون بحرق المخلفات الزراعية على مسافة تبعد مئات الكليومترات عن القاهرة. كما أن الموقع الجغرافي للقاهرة ومناخها الجاف يزيد الوضع سوءاً. فالرياح القوية تحمل الملوثات من مسافات بعيدة لتستقر في وادي النيل، وبما أن تساقط الأمطار نادر في القاهرة، فبالتالي ليس ثمة عملية تنظيف طبيعية (Leitzell 2011).
يمثل طرح النفايات مشكلة بيئية كبيرة أخرى في القاهرة. وينتج سكان القاهرة 17,000 طن من النفايات يومياً، ويقوم الزبالون بجمع حوالي 8,000 طن منها في حين تجمع شركات خاصة 3,000 طن، ويظل 6,000 طن في الشوارع حيث تُطرح في القنوات المهجورة، وأحياناً في نهر النيل (El Deeb 2012). وثمة العديد من المستوطنات في القاهرة، خصوصاً شبه الحضرية، لا تتوفر فيها مرافق كافية للصرف الصحي مما يؤدي إلى انتشار الأمراض من قبيل البلهارسيا (Hopkins and Mehanna 2003) وإصابات عديدة بأمراض الإسهال. وتطلق مئات المصانع نفايتها الصناعية بصفة مباشرة في نهر النيل دون علاج، كما أن المياه التي تسيل من المزارع المحيطة بنهر النيل تهدد نوعية المياه في القاهرة (“حل التلوث” 2012). ومما يفاقم هذه المشكلة أن نهر النيل هو مصدر المياه الرئيسي الوحيد في البلد، وإذا قصّر المصريون عن حمايته، فما مورد المياه الذي سيعتمدون عليه في المستقبل؟
عالج دستور عام 2012، الذي أُلغي لاحقاً، الحق في البيئة المستدامة في المادة 63: “لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة. تلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة، والحفاظ على حقوق الأجيال فيها”.
كما تناول الدستور الحقوق البيئية بصفة ضمنية في مواد أخرى، بما في ذلك المادة 15 التي تضع المسؤولية على الدولة بحماية الأراضي الزراعية وزيادتها، كما وضعت المادة 18 المسؤولية على الدولة لحماية الموارد الطبيعية، وأعلنت المادة 19 أن نهر النيل والموارد المائية الأخرى تشكل ثروة قومية وتُلزم الدولة بحمايتها، وتنص المادة 20 على وجوب أن تحمي الدولة الشواطئ والبحار والمجاري المائية، والبحيرات.
إضافة إلى الدستور المصري، يمثل القانون رقم 4 لسنة 1994 المرجع الرئيسي للأنظمة البيئية وإدارتها والتخطيط البيئي في مصر، وقد أعاد هذا القانون تشكيل جهاز شؤون البيئة ومنحه مسؤوليات جديدة أوسع لاستبدال مؤسسة البيئة التي تأسست في عام 1982. ووفقاً لهذا القانون، يمثل جهاز شؤون البيئة الذراع التنفيذي لوزارة شؤون البيئة.[1] ومنذ سن هذا القانون، أصبح جهاز شؤون البيئة هو السلطة الوطنية لصياغة السياسات البيئية الوطنية والمحلية، وإعداد المشاريع البيئية وتنفيذها، وتعزيز العلاقات المعنية بالبيئة مع البلدان الأخرى.
ركز مؤتمر القمة العالمي للبيئة المستدامة الذي عقد في جوهانسبرغ في عام 2002 على أهمية تعزيز مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرارات البيئية، بما في ذلك توفير المعلومات المتعلقة بالقوانين والأنظمة، إضافة إلى السياسات والبرامج المتعلقة بقضايا البيئة. وبما أن مصر شاركت في اجتماع القمة في جوهانسبرع في عام 2002، فقد اتخذت خطوات محددة لتحسين مشاركة المواطنين وإمكانية حصولهم على المعلومات. وكانت إحدى الخطوات المهمة التي اتخذها جهاز شؤون البيئة هي اعتماد اللامركزية في هيكل إدارة البيئة.
يُخوّل القانون رقم 4 لسنة 1994 وزارة البيئة بتأسيس مكاتب فرعية لجهاز شؤون البيئة في أقاليم الدولة. وأسس المرسوم الوزاري رقم 187 لسنة 1995 ثمانية مكاتب فرعية في الأقاليم، وكل منها مسؤول عن محافظات قليلة في المناطق المختلفة من البلد. وفي يونيو/ حزيران 2003، أسست الوزارة وحدات إدارة البيئة كسلطة محلية على مستوى المحافظات لتطوير الخطط والمشاريع البيئية المحلية في المدن والقرى وتنفيذها والإشراف عليها. وتعمل وحدات إدارة البيئة ووحدة خطة العمل البيئية في المحافظة بصفة مباشرة مع المحافظات في وضع الخطط البيئية المحلية وتنفيذها.
وتمتلك المؤسسات المحلية ووحدات إدارة البيئة ووحدات خطة العمل البيئية في المحافظات السلطة لتطوير خطط بيئية وتنفيذها والإشراف عليها. إلا أن تخصيص الموارد يعتمد على جهاز شؤون البيئة إذ أنه يمثل السلطة الوطنية. ويستعرض جهاز شؤون البيئة ووزارة البيئة المقترحات المقدمة من المستوى المحلي بخصوص المشاريع البيئية ويقرران كيفية تخصيص الموارد والأموال المتوفرة، ثم ينسقان مع المؤسسات المعنية التابعة للحكومة المركزية (من قبيل وزارة الصحة والسكان) ومع الجهات الدولية المانحة (من قبيل منظمة المساعدات التنموية التابعة للولايات المتحدة) لتخصيص مواردها للمشاريع المحلية المختارة. وغالباً ما تنفذ تلك المشاريع من قبل الإدارات المحلية التي تخضع لسلطة جهاز شؤون البيئة.
بيد أن اعتماد اللامركزية في هيكل إدارة البيئة لم يترافق مع خطوات قوية لتعزيز مشاركة المواطنين في عمليات صناعة القرارات البيئية. وللأسف، يولي جهاز شؤون البيئة اهتماماً أكبر للخبراء المصريين والدوليين بدلاً من التفاعل مع الجهات الفاعلة من الوسط الشعبي وتعبئتها (Hopkins and Mehanna 2003).
يتطلب الحق في البيئة المستدامة تعاوناً وثيقاً بين السكان والمنظمات غير الحكومية على المستوى المحلي، وبين الهيئات الحكومية المركزية والمحلية، إضافة إلى تعاون من الجهات المانحة الإقليمية والدولية. وقد قامت وزارة البيئة بعدة خطوات لتحسين نوعية البيئة، فقد استبدلت آلاف التاكسيات القديمة وغيرها من السيارات القديمة بسيارات جديدة للحد من انبعاثات عادم السيارات في هواء القاهرة، كما أنشات محطة تنقية مياه جبل الأصفر لخدمة المناطق التي تسكنها الطبقتان الوسطى والفقيرة في القاهرة، وعملت على نحو وثيق مع المنظمات الدولية من قبيل برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أجل تطوير خطط للبيئة المستدامة.
ومع ذلك، ستستمر الضغوط على بيئة القاهرة بالتزايد. فعدد السيارات في القاهرة سيزداد، كما ستتنامى سعة المصانع مع تنامي طلب الناس على المواد وعلى مزيد من فرص العمل، وسيزداد حجم النفايات التي تنشأ في المدينة، وسيحتاج عدد أكبر من الناس إلى خدمات المياه والصرف الصحي. وبوسع الأنشطة الرامية إلى تحقيق الاستدامة أن تكون فعالة بصفة مؤقتة، لذا فإن خطط الاستدامة تتطلب تغييراً هيكلياً. ويمثل اعتماد اللامركزية في وضع السياسات البيئية بداية على الطريق، إلا أن ذلك يتطلب مشاركة فاعلة من المواطنين في كافة مستويات وضع الخطط وتنفيذها والإشراف عليها.
وعلى الرغم من الأهمية الحاسمة للبيئة المستدامة في حياتنا، إلا أنها لا تتمتع بالأولوية ضمن جدول الأعمال السياسي في حقبة ما بعد الثورة. وفي حين شهد الميدان السياسي في مصر حوارات مكثفة حول جميع القضايا، إلا أن موضوع البيئة المستدامة بالكاد ورد في هذه النقاشات. يجب إضافة موضوع توعية الجمهور بالمشاكل البيئية إلى جدول الأعمال السياسي في حقبة ما بعد الثورة. وثمة حركة معنية بالبيئة تتنامى بصفة متدرجة في مصر، بيد أنه ينبغي شمول السكان في المناطق الأشد تأثراً بالتدهور البيئي في هذه الحركة، ويجب وضع استراتيجيات لتحسين البيئة في المناطق الحضرية في مصر وفي البلد ككل. وثمة حاجة ماسة لممارسة الضغط من الأوساط الشعبية على السياسيين، وإقامة تحالفات مع المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والعلماء والناشطين من أجل التصدي للتحديات البيئية الحالية والمستقبلية.
[1] تسلم أول وزير مصري لشؤون البيئة زمام منصبه في عام 1997.
Abdel-Halim, A. S., E. Metwally and M.M. El-Dessouky. 2003. “Environmental pollution study around a large industrial area near Cairo, Egypt.” Journal of Radioanalytical and Nuclear Chemistry, 257(1): 123-124.
El Deeb, Sarah. 2012. “Egypt’s Garbage Problem Continues to Grow.” Huffington Post. September 1, 2012. http://www.huffingtonpost.com/2012/09/01/egypt-garbage-problem_n_1849254.html
Khaled, Rana. 2013. “Air pollution indoors and outdoors high, threaten health and environment.” Egypt Independent. 21 April, 21, 2013. http://www.egyptindependent.com/news/air-pollution-indoors-and-outdoors-high-threaten-health-and-environment.
Hassanein, Saleh. (n.d.). “Air Pollution in Cairo: The Cost.” Arab World Books. http://www.arabworldbooks.com/articles1.html
Hopkins, Nicholas S. and Sohair R. Mehanna. 2003. “Living with Pollution in Egypt.” The Environmentalist, 23: 17-28.
Ismail, Abdel-Mawla. 2008. “Drinking Water Protests in Egypt and the Role of Civil Society.” In Reclaiming Public Water: Achievements, Struggles and Visions from Around the World, edited by Belén Balanyá, Brid Brennan, Olivier Hoedeman, Satoko Kishimoto and Philipp Terhorst. Transnational Institute and Corporate Europe Observatory
Leitzell, Katherine. 2011. “A black cloud over Cairo.” Earth Observatory System Data and Information System, NASA. September 22, 2011. http://earthdata.nasa.gov/featured-stories/featured-research/black-cloud-over-cairo.
“The Solution to Pollution.” 2012. American University of Cairo. Accessed July 14, 2013. http://www.aucegypt.edu/newsatauc/Pages/story.aspx?eid=934
Wingqvist, Gunilla Ölund, Ben Smitth and Holger Hoff. 2010. “A Concept Note on Water in the MENA-region.” The Swedish International Development Cooperation Agency (Sida). https://www.vub.be/klimostoolkit/sites/default/files/documents/a-concept-note-on-water-in-the-mena-region.pdf
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments