الحق في السكن هو الحق في العيش في مكان ما بأمان وسلم وكرامة. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يتضمن هذا الحق الحماية من الإخلاء القسري أو التدمير التعسفي لمسكن المرء، وحق المرء أن يكون حراً من التدخل في شؤونه الشخصية والعائلية في المسكن، والحق في اختيار مكان العيش أو الانتقال بحرية من مكان إلى آخر. كما يتضمن هذا الحق ضمان الحيازة؛ واستعادة المسكن والأرض والملكية؛ وإمكانية الوصول المتساوية إلى السكن الملائم؛ والمشاركة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا السكن، وفي كافة المستويات الحكومية.
ويجب أن يتضمن السكن الملائم أربعة جدران وسقف، وكذلك إمكانية الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي، وخدمات التخلص من النفايات، والحصول على الطاقة من أجل الطبخ والتدفئة والإنارة وتخزين الطعام. ويجب أن يكون المسكن ميسور الكلفة، وسليماً مادياً، ويحتوي مساحة كافية، وأن يوفر حماية ملائمة من التقلبات الجوية. كما يجب أن يأخذ في الاعتبار احتياجات الفئات المستضعفة والمهمشة وأن يحترم الهوية الثقافية للقاطنين فيه. وختاماً، يجب أن يقع في منطقة آمنة ماديا وبيئياً، وأن يكون قريباً من فرص العمل، ومرافق الرعاية الصحية، والمدارس، وغير ذلك من المرافق الاجتماعية.
أُقر الحق في السكن الملائم للمرة الأولى بموجب الحق في مستوى معيشة ملائم الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948. ويُعتبر الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966 أساس الحق في السكن الملائم، ويشير إلى “حق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبالحق في تحسين متواصل لظروف المعيشة” (المادة 11). وثمة عدة معاهدات دولية وإقليمية معنية بحقوق الإنسان تشير إلى الحق في السكن. ومصر هي دولة طرف في عدد من هذه الاتفاقيات، بما في ذلك الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين الصادرة عام 1951 (المادة 21)، واتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة (1989)، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990)، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1980).
الحق في السكن الملائم لا يُلزم الحكومة ببناء بيوت لجميع الناس، ولا يمنح الجميع حقاً بطلب السكن من الحكومة. وتتضمن مسؤولية الحكومة في إعمال الحق في السكن مكافحة عيش الناس دون منزل (ظاهرة المشردين)، والحماية من الإخلاء القسري، والقضاء على التمييز، وضمان معايير السكن الملائم، وتركيز الموارد على الجماعات الأشد ضعفاً وتهميشاً. مع ذلك، هذا لا يدل على أنه ينبغي على الحكومات أن تؤخر تأمين الحق في السكن إلى المستقبل البعيد. وفي الوقت الذي نقر فيه بمحدودية الموارد العامة والخاصة، يجب على الحكومات أن تأخذ إجراءات فورية من خلال التشريعات وخطط العمل لضمان الحق في السكن، واستخدام نفوذ الدولة وسيادة القانون لمنع الإخلاء القسري والتمييز في سياسات الإسكان.
وثمة دعوى قانونية رُفعت في عام 2000 وشكلت علامة فارقة في تحديد التزامات الحكومات في فرض الحق في السكن الملائم، وهي قضية غروتبوم (Grootboom) ضد حكومة جنوب أفريقيا. فبعد نهاية حقبة الفصل العنصري (الأبارتيد) والمشاركة الشعبية الواسعة في صياغة دستور جنوب أفريقيا، ضمن الدستور الجديد الحق في السكن الملائم. وفي إطار الخطة لإعمال هذا الحق، اعتمدت حكومة جنوب أفريقيا برنامجاً نشطاً للبناء لتوفير المزيد من المساكن. ومع ذلك، قام عدد من المواطنين (آيرين غروتبوم وآخرون) ممن يعيشون في ظروف بائسة بينما كانوا ينتظرون إقامة إسكانات حكومية، برفع دعوى ضد الحكومة لتوفير سكن مؤقت وخدمات عامة أثناء فترة الانتظار.
ووجدت المحكمة العليا لجنوب أفريقيا أن التزام الدولة بإعمال الحق في إمكانية الحصول على المسكن الملائم لا ينبغي أن يُلبى من خلال التوفير المباشر للمأوى لأولئك الذين لا يملكونه، ولكن من خلال “إجراءات تشريعية وإجراءات أخرى معقولة في إطار الموارد المتوفرة” (دستور جنوب أفريقيا القسم 26(ب)). وأشادت المحكمة العليا بإنجازت الحكومة في برامج الإسكان، ولكنها وجدت أنها أهملت الاحتياجات القصيرة الأجل للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، وذلك لتحقيق الأهداف المتوسطة الأجل والطويلة الأجل. “إن البرنامج الذي يستثني شريحة كبيرة من المجتمع لا يمكن وصفه بأنه برنامج معقول” (Grootboom 2000، ص. 34). ويجب على البرنامج “المعقول” أن يشمل جوانب لتوفير الإغاثة للأفراد الذين يعيشون ظروفاً لا تُحتمل أو في وضع أزمة (Grootboom 2000).
ويُعتبر الحكم في هذه القضية مهماً لأنه يفرّق بين الفئات التي تملك المال للحصول على سكن ملائم والفئات التي لا تتمكن من ذلك. وبالنسبة للفئات التي بوسعها تحمل كلفة السكن، يكمن التزام الدولة في توفير إمكانية الاستفادة من المساكن المتوفرة وتنفيذ تشريعات تمكينية لتيسير خدمات التقسيط المالي وتغيير المخططات العامة وأنظمة استخدام الأراضي لإتاحة إنشاء مساكن آمنة. أما بالنسبة للفئات التي ليس بوسعها تحمل كلفة السكن، فيعتمد التزام الدولة على السياق المحدد. فبعض المواطنين قد يحتاجون إمكانية الحصول على الأرض، فيما يحتاج آخرون مواد بناء أو تمويل، ويحتاج غيرهم إلى الحصول على خدمات المياه أو الكهرباء أو الصرف الصحي أو الطرق.
إن الحق في السكن والحماية من الإخلاء القسري لا يمنع الحكومات من مصادرة الأراضي من أجل الاستخدام العام، ولكنه يضع قيوداً على العملية التي تُنفذ من خلالها مثل هذه المشاريع التي تنطوي على مصادرة أراضٍ. فالحكومات مُلزمة بإشراك السكان المتأثرين في عملية صنع القرارات، وأن تراعي احتياجاتهم، وأن تقلص مدى نقل السكان إلى الحد الأدنى.
يضمن الدستور المصري الصادر عام 2012 الحق في السكن في المادة 68 منه، وهي تنص على أن الحق في المسكن الملائم والمياه النظيفة والغذاء الصحي هي أمور مضمونة بموجب هذا الحق. وقد تبنت الدولة خطة وطنية للإسكان تستند إلى العدالة الاجتماعية وتعزيز المبادرات المستقلة للسكن التعاوني، وتحدد أنظمة لاستخدام مناطق الدولة لغاية الإنشاء بما يتلائم مع المصلحة العامة ومع حق أجيال المستقبل.[1]
وأثار خبراء الإسكان عدة اعتراضات على هذه المادة: 1) إنها عامة وغامضة ولا تتناول الإسكان للمواطنين، بل تؤكد على المعاهدات الدولية التي وقّعت عليها مصر أصلاً (انظر أعلاه)؛ 2) لا تحدد المادة معايير السكن الملائم التي يجب استخدامها لقياس إعمال هذا الحق؛ 3) لا تشير المادة إلى التزامات الحكومة نحو المواطنين الذين لا يتمكنون من تحمل كلفة السكن. وسيتعين على مصر أن تواصل السعي لوضع استراتيجيات مبتكرة لتنفيذ الحق في “السكن الملائم”، ويجب الشروع في حوارات مع المواطنين المتأثرين ومع الخبراء والمجتمع المدني والمسؤولين الحكوميين بغية وضع خطط فورية لمواجهة هذا التحدي الصعب.
منذ عقد الثمانينات في القرن الماضي، طبّقت الحكومة المركزية سياسة ترمي إلى عدم تركيز المساكن في القاهرة، وأنشأت ما بين 20 إلى 40 مدينة في الصحراء (وهي في مراحل متفاوتة من الإنجاز) على أراضٍ مملوكة للدولة. وكانت الغاية من هذه المدن أن تعمل كمراكز صناعية وأن تستوعب غالبية النمو السكاني في القاهرة. ومع ذلك، غالباً ما تحولت هذه الخطط إلى مساعٍ للسيطرة على الأراضي من قبل الشخصيات المتنفذة وشريحة النخبة في الجيش، وفشلت هذه المشاريع في اجتذاب النمو السكاني، مما فاقم وضع الإسكان في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن معظم التطوير في هذه المدن الجديدة، والتي وعدت بأوضاع آمنة وهادئة وبمستويات تلوث أقل، كان يستهدف الطبقة الغنية تجاهل احتياجات أفراد الطبقتين المتوسطية والدنيا. وهناك أجزاء كبيرة من هذه المدن فارغة بسبب المضاربات على الأراضي وزيادة العرض.
واستخدمت الحكومة أحياناً الإخلاء القسري لإعادة توطين السكان في المناطق المهمشة بالمدينة، ودون أي استشارة للمواطنين أو أي مشاركة في عملية صنع القرار. ولم يقصر الأمر على أن عملية الإخلاء هذه واجهت معارضة من الناس وشكلت انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل أنها لم تحقق إلا القليل للحد من تدفق المهاجرين إلى وسط المدينة. ويتجاهل هذا النهج الجوانب الاجتماعية للمستوطنات غير الرسمية وثقافة الشعب، حيث يكون الجيران مستعدين أحياناً للتضحية باحتياجاتهم الشخصية لمصلحة الجيران الآخرين أو الناس المحتاجين. وتُعد ثقافة الشارع في المناطق الشعبية جانباً مركزياً من حيوية هذه المناطق – عادات الأفراح والأتراح، والعمل، واللعب، والنشاط الاجتماعي، والتجارة جميعها مرتبطة بهذه الأماكن العامة ورأس المال الاجتماعي فيها، وكل ذلك يتعرض للتدمير عندما يتم نقل تلك المجتمعات المحلية إلى مناطق أخرى.
تتمثل الخطوة الأولى التي يجب على الحكومة القيام بها في إقرار أهمية المناطق غير الرسمية في المدينة، وممتلكات المجتمعات المحلية في هذه المناطق، ومساعدة المجتمعات المحلية على مواصلة تحسين ظروف المعيشة. وتتضمن هذه المستوطنات أفراداً من الطبقة الوسطى ومن الطبقة الفقيرة، وقد استثمروا معاً بلايين الجنيهات في مجتمعاتهم المحلية وما زالوا يعملون على تحسين مناطقهم. وتدير المجتمعات المحلية سطوح المنازل، ومداخل البناءات، وسلالم البنايات، والشوارع التي تقتصر على استخدام المشاة. أما الشوارع العامة في تلك المناطق فتوصم بأنها “غير متحضرة” أو “قذرة”، وهذه الجوانب تقع خارج نطاق قدرة المجتمعات المحلية على تحسينها. وهذه الشوارع هي شرايين المواصلات، وتمثل 20 في المئة من الأماكن العامة، وتتطلب اهتماماً من الدولة.
وثمة بلدان عديدة في العالم تضمن دساتيرها الحق في السكن. ونحن ندرك أن هناك العديد من الأسئلة بشأن دور الحكومة في توفير المساكن للمواطنين. فهل ينبغي عليهم إقامة المساكن بأنفسهم بحسب برنامج الإسكان القومي للشباب الصادر عام 2005، وهو نهج من غير المرجح أن يواكب النمو السريع في الطلب؟ أم هل ينبغي على الحكومة أن تدعم أصحاب مشاريع البناء من القطاع الخاص من أجل بناء مساكن ميسورة الكلفة؟ أم هل يجدر بالحكومة التدخل في سوق قروض الإسكان لتمكين السكان من الحصول على رأس المال اللازم لبناء بيوت خاصة بهم؟ ومن المرجح أن إثقال كاهل أفراد الطبقة الدنيا بالدين لن يحسن أوضاع مساكنهم إذا لم يتوفر لهم دخل كافٍ لإعالة أنفسهم على امتداد فترة تسديد الدين.
إن الحق في السكن هو حق يصعب إعماله، ويؤثر على جميع الجوانب الرئيسية في الحوكمة الحضرية. ومع ذلك، فإن الحق في السكن هو الركن الأساسي للعدالة الاجتماعية والمجتمع المستدام.
[1] انظر http://www.egyptindependent.com/news/egypt-s-draft-constitution-translated
Constitutional Court of South Africa. 2000. Government of the Republic of South Africa and Others versus Irene Grootboom and Others. (11) BCLR, 1169 (CC).http://www.saflii.org/za/cases/ZACC/2000/19.pdf
الصورة المُستخدمة: http://www.posterfortomorrow.org/en/projects/home-for-everyone
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments