انطلقت هذا الأسبوع بالقاهرة، ولمدة ثلاثة أيام، فعاليات “المنتدى المصري الحضري الأول” الذي ينظمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بالتعاون مع وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات ووزارة الاسكان والمرافق والتنمية العمرانية. وفقاً لوثائقه الرسمية، يهدف المنتدى إلى توفير أرضية مشتركة للحوار بين شركاء التنمية المختلفين حول قضايا التحضر المستدام، وضمان متابعة أفضل لقضايا الإسكان على المستوى القومي، وعرض أفضل الممارسات العمرانية سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وخلق المناخ الملائم لبناء التحالفات اللازمة لإصلاح سياسات التنمية الحضرية، وأخيراً تفعيل المساهمات المصرية في الحوار الدولي القائم حول قضايا السكن والتحضر.
تعد هذه هي المرة الأولى التي يعقد فيها مثل هذا المنتدى في مصر، وهو جزء من مجموعة من الفعاليات التي تتم الآن على المستوى الدولي إعداداً لـ”مؤتمر الأمم المتحدة للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة”، المعروف اختصاراً بـ“هابيتات ٣”، والمزمع عقده في مدينة “كيتو” بالإكوادور في أكتوبر ٢٠١٦. نظراً لأهميته، بدأت عملية التحضير لـ”هابيتات ٣” في سبتمبر ٢٠١٤ بعقد اللجنة التحضيرية الأولى بمقر الأمم المتحدة بنيو يورك، والتي قامت بتأسيس لجان وطنية لإعداد تقارير عن قضايا واستراتيجيات التحضر على مستوى كل دولة، والتي يعقبها إعداد تقارير مماثلة على المستوى الإقليمي، ثم تقرير عالمي يصدر هذا العام. وفي إبريل ٢٠١٥، تم عقد اللجنة التحضيرية الثانية بنيروبي (كينيا)، والتي حددت بصورة أكثر وضوحاً تفاصيل الفعاليات القادمة، ومنها اللجنة التحضيرية الثالثة والمقرر عقدها في ٢٠١٦، كذلك ناقشت بصورة أكثر تعمقاً محاور النقاش المتوقعة في “هابيتات ٣”، كذلك المخرج الأساسي المتوقع من “هابيتات ٣”، ألا وهو “الأجندة الحضرية الجديدة”.
كما يتضح من اسمه، يعد “هابيتات ٣” هو الثالث من نوعه في سلسلة من المؤتمرات المماثلة تعقدها الأمم المتحدة حول المستوطنات البشرية كل ٢٠ عام. تم عقد المؤتمر الأول في فانكوفر (كندا) في ١٩٧٦ تحت مسمى “مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية”. كما تم عقد المؤتمر الثاني تحت نفس المسمى في إسطنبول (تركيا) في ١٩٩٦. ظهرت الحاجة لعقد هذه المؤتمرات بعد الازدياد المطرد لعدد سكان المناطق الحضرية على مستوى العالم في ستينات وسبعينات القرن العشرين نتيجة الهجرة من الريف للمدن. صاحب ذلك، وعلى الأخص في الدول النامية، نمو سريع لمناطق ومستقرات السكن غير الرسمي داخل، وعلى حدود المدن. في ذلك الوقت، لم تعرف العديد من حكومات الدول المختلفة كيفية التعامل مع هذه التطورات السريعة، مما قادها إلى معاداة سكان تلك المناطق ومحاولة طردهم منها بالقوة – وهو ما لم يقدم حلاً لتلك المشكلة.
في ذلك الوقت، كانت مفاهيم التنمية الدولية متأثرة برؤى تركز في الأساس على “النمو الاقتصادي” لمجابهة الفقر وتنمية المناطق الريفية كوسيلة لكبح جماح ظاهرة التحضر الآخذة في الاضطراد. ولم يدرك الكثيرون وقتها مدى حجم أزمة التحضر وعلاقتها بقضايا الفقر واللامساواة بين السكان. لم تمتلك الحكومات وقتها حلولا لمواجهة تلك المشاكل، وظلت تجارب التعامل مع تلك القضية محلية في الأساس دون تبادل حقيقي للخبرات على المستوى الدولي. قاد ذلك الأمر الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد مؤتمر فانكوفر في ١٩٧٦، لكي يجتمع ممثلو حكومات عديدة من حول العالم وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني لتبادل خبراتهم في هذا الشأن. نتج عن ذلك المؤتمر إصدار “إعلان فانكوفر للمستوطنات البشرية”، كذلك تأسيس “مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية” في ١٩٧٧، والذي تحول فيما بعد إلى برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
اعترف إعلان فانكوفر بالمستوى المتدهور للعديد من المستوطنات البشرية حول العالم، وتأثيرها على جودة حياة ملايين السكان الذين يعيشون في ظروف إنسانية غير مقبولة. وأرجع الإعلان أسباب هذا التدهور إلى اللامساواة في النمو الاقتصادي، والتدهور البيئي والاجتماعي والاقتصادي، والنمو السكاني والتحضر المطرد، وتدهور أوضاع الريف، والهجرة غير الطوعية سواء نتيجة لظروف سياسية أو اقتصادية. واعتبر الإعلان أن حل هذه المشكلات يجب أن ينبني على تحقيق كرامة البشر، والمساواة والعدل واحترام حقوق المواطنين، والتكاتف بين أطراف المجتمع الدولي. كذلك اعتبر أن هذه الحلول يجب أن ترتبط بالوفاء باحتياجات السكان الأساسية من فرص عمل وإسكان وصحة وخدمات أساسية وتعليم وترفيه. وانتهى الإعلان بإصدار ٦٤ توصية لتتبناها الحكومات على المستوى الوطني.
وبالرغم من طاقة الدفع التي أعطاها هذا المؤتمر لقضايا التحضر حول العالم إلا أن معظم الحلول التي تبنتها الحكومات بعد المؤتمر سيطر عليها – وما زال في بعضها – المعتقد الخاطئ أن حل قضايا المستوطنات البشرية هو حل تقني من خلال بناء المزيد من الوحدات السكنية، وليس تناول السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المعقد للمستوطنات البشرية. كما ركز المؤتمر على مشاركة الحكومات المركزية فقط كطرف أساسي في تناول قضايا المستوطنات البشرية – في إغفال واضح لدور السلطات والإدارات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني.
حاول مؤتمر “هابيتات ٢” والذي انعقد في إسطنبول في عام ١٩٩٦ تلافي ذلك من خلال توسيع قاعدة المشاركة فيه لتشمل العديد من السلطات والإدارات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين وممثلي القطاع الخاص. استمد “هابيتات ٢” أهميته من مؤتمر آخر للأمم المتحدة تم عقده في عام ١٩٩٢، وهو “قمة الأرض” في ريو دي جانيرو (البرازيل) والتي أدرجت بقوة قضايا البيئة والتنمية المستدامة على الأجندة الدولية. وبدوره، تأثر “هابيتات ٢” بقضايا الاستدامة التي أصبحت منذ وقتها جزء أصيل من أجندة التنمية الحضرية. كان لـ”هابيتات ٢” العديد من الوثائق والمخرجات، ولكن يظل أهمها هي “إعلان إسطنبول للمستوطنات البشرية” و“الأجندة الحضرية”.
أكد “هابيتات ٢” في فعالياته على مخرجات “هابيتات ١” (فانكوفر ١٩٧٦) من ناحية ضرورة الارتقاء بمستوى المعيشة في المستوطنات البشرية حول العالم، ولكنه زاد على ذلك بتوسيع قاعدة المشاركة في المؤتمر ومخرجاته لتشمل – بخلاف الحكومات المركزية – الأطراف التي سبق ذكرها، كذلك التركيز على قضية التنمية المستدامة، وأخيراً التأكيد على هدف توفير الحق في المسكن الملائم للجميع.
كانت لـ”الأجندة الحضرية” انعكاساتها على الأهداف الإنمائية للألفية والتي تبنتها الأمم المتحدة في 2001 لترسم ملامح التنمية حتى عام ٢٠١٥. فقد اشتملت أهداف الألفية على هدف ” تحقيق تحسين كبير بحلول عام ٢٠٢٠ لمعيشة ما لا يقل عن ١٠٠ مليون من سكان الأحياء الفقيرة”. وبرغم أن الأمم المتحدة تصرح أن هذا الهدف قد تحقق بالفعل منذ عدة سنوات، إلا أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في أحياء فقيرة قد وصل إلى ٨٦٣ مليون شخص في عام ٢٠١٢، مقارنة بـ ٦٥٠ مليون في عام ١٩٩٠، و ٧٦٠ مليون في عام ٢٠٠٠.
اليوم يتزايد الاهتمام بقضايا النمو الحضري والفقر على مستوى المدن، وأصبحت ظاهرة التحضر جزءاً أساسياً من النقاش حول أفاق التنمية في الألفية الثالثة. ولكن على الجانب الآخر، لم تفلح مخرجات “هابيتات ٢” في التعامل بصورة فاعلة مع تلك التحديات. فالعولمة وانجذاب السكان المتزايد للمدن كمراكز اقتصادية واجتماعية وثقافية متوهجة أدت جميعها لنمو المدن خارج نطاق سيطرة الحكومات. ففي عام ٢٠٠٧ – ولأول مرة في التاريخ – زاد عدد سكان المناطق الحضرية على عدد سكان المناطق الريفية على مستوى العالم.
صاحب ذلك النمو الحضري ارتفاع مطرد في مستويات الفقر والحرمان وغياب للعدالة الاجتماعية، واختلال توزيع الموارد بين المناطق الحضرية المختلفة، وخاصة في الدول التي تبنت الليبرالية الجديدة ووثقت بصورة مطلقة في اقتصاد السوق ونظرية تساقط ثمار النمو، مع غياب واضح لدور الدولة الاجتماعي في حماية ضحايا هذا النوع من التنمية خاصة من الطبقات الأقل حظاً. قادت هذه العمليات جميعاً لمستويات غير مسبوقة تاريخياً في اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بين طبقات المجتمع والمناطق العمرانية المختلفة – وأصبحت سياسات التنمية العمرانية بدورها سبباً أساسياً في انتاج اللامساواة وتغييب قضايا العدالة الاجتماعية.
جو شائك إذن يتم الإعداد فيه لمؤتمر “هابيتات ٣”. فبخلاف الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة، يشهد عام ٢٠١٥ حدثين دوليين لا يقلان أهمية عن “هابيتات ٣”. الحدث الأول هو “قمة الأمم المتحدة لتبني أجندة التنمية فيما بعد ٢٠١٥” والتي ستنعقد في نيو يورك في سبتمبر ٢٠١٥. وتهدف هذه القمة لتبني الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة ما يسمى بـ“أهداف التنمية المستدامة”، والتي ستستبدل بدورها “الأهداف الإنمائية للألفية” التي تنقضي بالفعل في ٢٠١٥. الحدث الثاني هو “مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي” والمقرر انعقاده في باريس في شهر ديسمبر من هذا العام والذي سيرسم سياسات التعامل مع التغير المناخي – وخاصة في المناطق الحضرية – لعقود قادمة.
بلا شك، ستلقي هذه الأجندة الدولية المشحونة بظلالها على “هابيتات ٣” والذي يشهد رغبة واسعة من العديد من الحكومات للمشاركة فيه لصياغة سياسات التنمية الحضرية للعقدين القادمين. فـ”هابيتات ٣” – والذي أصبح اسمه “مؤتمر الأمم المتحدة للسكن والتنمية الحضرية المستدامة” – سيعطي اهتماماً أكبر لقضايا العدالة والاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. كذلك سيعمل على تحديث “الأجندة الحضرية” التي تم صياغتها منذ عقدين في “هابيتات ٢” بهدف صياغة “الأجندة الحضرية الجديدة”. سيؤثر ذلك الجهد بلا شك على صياغة توجهات الأمم المتحدة، ومؤسسات أخرى مثل البنك الدولي ووكالات التنمية الدولية، كذلك الحكومات المختلفة نحو التعامل مع المناطق الحضرية في الفترة القادمة.
ولكن يبقى السؤال: ما الذي تعنيه كل هذه الآليات والفعاليات المحلية والدولية لمواطن مصري يعيش في الدويقة أو اسطبل عنتر، أو مواطنة مصرية تعيش في ناهيا أو مدينة السلام؟
للأسف قد لا يعني الكثير. فعلى المستوى الدولي، تهربت أغلب الحكومات من التزاماتها التي وقعت عليها في “هابيتات ١ و٢”. وبالرغم من إدراج الحق في المسكن الملائم في دساتير أكثر من ١٠٠ دولة حول العالم في العقود الأخير، إلا أننا ما زلنا نشهد تزايداً مطرداً في انتهاكات هذا الحق. يضاف إلى ذلك أن مؤتمرات “هابيتات” بطبيعتها هي مؤتمرات لحكومات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس لمؤسسات المجتمع المدني والسلطات والإدارات المحلية ومجموعات السكان. وبالتالي، فالحكومات وحدها هي المسئولة عن صياغة الأجندة الحضرية خلال هذه المؤتمرات وهي التي توافق على مشاركة الأطراف غير الحكومية الأخرى من عدمه. وللأسف، فإن المفاوضات الأولية حول “هابيتات ٣” لا تنبئ حتى الآن بمشاركة واسعة للأطراف غير الحكومية بخلاف ما حدث في “هابيتات ٢” بإسطنبول.
أما على المستوى المحلي، فالواقع الأليم للعمران المصري لا يخفى على أحد. فتشير بعض التقديرات إلى أن ما يصل إلى ثلثي سكان القاهرة الكبرى يعيشون الآن في مناطق العمران غير الرسمي (أو ما يطلق عليه العشوائيات) والتي يعاني أغلبها من قلة الاستثمارات العامة. هذا عن السكن، أما عن قضايا المياه والصرف الصحي والخدمات الأساسية والمواصلات العامة والحفاظ على التراث الحضري فالمشاكل أكثر تفاقماً.
في واقع الأمر، لا يختلف الجدل القائم في مصر حول قضايا العمران عن مثيله الذي يجري حول العالم الآن.
في هذا السياق، يمكن القول أن هناك توجهين مختلفين في التعامل مع قضايا العمران سواء محلياً أو دولياً. الأول هو توجه تقني يركز على المشروعات العملاقة والحلول الكَمية مثل إمكانية حل مشكلة السكن من خلال بناء نصف مليون وحدة كل عام، أو من خلال توجيه أغلب موارد الدولة لبناء مدن جديدة تسكنها أقلية من السكان، أو الحديث عن نسب تغطية شبكات المياه والصرف الصحي بالمناطق المختلفة دون ذكر جودة وكفاءة تلك الشبكات، أو أن حل مشكلات الإدارة المحلية يكمن فقط في بناء قدرات موظفيها دون حديث جاد حول آليات المشاركة الشعبية أو مسائلة المواطنين الفعالة لأجهزة الدولة. على الجانب الآخر، يركز التوجه الثاني على تحقق جودة الحياة في المناطق العمرانية، وعدالة توزيع الموارد العامة بين تلك المناطق، وقضايا الحق في المدينة، والحق في حكم محلي رشيد وكفء وشفاف يمكن مسائلته من قبل المواطنين.
لا يمكن القول أن أي من هذين التوجهين يملك الحقيقة المطلقة. فحالة الشد والجذب بينهما، والاشتباك الفكري بين من يتبنونهما هما ما يثريان الحوار حول قضايا العمران في عالمنا الراهن. ومحاولة تبني مقاربات جديدة للتعامل مع العمران من خلال تبني مفاهيم التوجه الثاني هي ما قادت إلى إفراز العديد من الحلول الإبداعية في دول أمريكا اللاتينية والتي ارتبطت بصورة مباشرة بالحركات الاجتماعية وقضايا الحق في المدينة في تلك الدول.
أما عن مصر، فقد غاب عنها هذا الحوار خلال العقود العديدة الماضية. والأهم، هو غياب صوت المواطنين العاديين – وليس الخبراء – عن أي نقاش جاد يمس حياتهم في مناطقهم العمرانية المختلفة. لعقود عديدة، سيطر، وما يزال، التوجه التقني على سياسات العمران في مصر. والنتيجة هي اختلال شديد في توزيع الموارد العامة بين المناطق العمرانية المختلفة. ووصلت أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة لا يتحملها غالبية المواطنين نتيجة سياسات تسليع الأرض والسكن التي تتبعها الدولة. أما عن الإدارة المحلية، فلا يبدو لنا في الأفق أي نقاش جاد حول رفع كفاءتها، أو تفعيل دور المواطنين في اتخاذ القرارات التنموية التي تمس حياتهم في المقام الأول، أو إعطائهم الحق في الوصول للمعلومات العامة، أو جعل هذه الإدارة خاضعة لمسائلة حقيقية من قبل المواطنين.
في مصر، بلغت ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (والتي يسكن بها حوالي ٦ مليون مواطن في أفضل تقدير) في العام المالي ٢٠١٤-٢٠١٥ حوالي ٢٣ ضعف الميزانية المقررة لوزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات والمعنية بمصير ما يزيد عن ١٢ مليون مواطن يعيشون في مناطق مصر العشوائية. وفي عام ٢٠٠٩-٢٠١٠ تشير التقارير الرسمية إلى أن المواطن الذي يسكن بالقاهرة يحصل على نصيب من الماء النقي يزيد عن ٧ أضعاف نصيب المواطن الذي يسكن بمحافظة المنيا. ولسنوات عديدة تطالعنا تصريحات وزراء الإسكان أننا في حاجة لبناء ٥٠٠ ألف وحدة سكنية سنوياً للقضاء على أزمة السكن، في حين تطالعنا الإحصاءات الرسمية أنه في عام ٢٠٠٦ وصل عدد الوحدات السكنية الشاغرة في مصر إلى ٧ مليون وحدة يمكن إذا تم إتاحتها في السوق من خلال السياسات الملائمة أن تحل هذه الأزمة لعقود قادمة. أما عن الإدارة المحلية، فلم تزد نسبة الانفاق عليها في عام ٢٠١١ في مصر عن ١٦٪ من الإنفاق الحكومي الكلي المتكرر، مقارنة بـ ٣١٪ في كمبوديا، و ٣٩٪ بموزمبيق، و ٤٥٪ في أفغانستان.
هل يقتحم “المنتدى الحضري المصري الأول” تلك القضايا الشائكة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسهم عملية التحضير لـ”هابيتات ٣” في إدارة حوار حقيقي في مصر حول ارتباط سياسات التنمية الحضرية بقضايا العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد وتحكم آليات السوق المنفلتة في سياسات العمران، والأهم مدى ارتباط كل ذلك بحق المواطنين في المشاركة الديموقراطية في إدارة العمران؟
قد لا تنبئ بدايات “المنتدى الحضري المصري الأول” – الذي ينعقد في أحد الفنادق المطلة على النيل ولم ينشر موقعه الإلكتروني سوى باللغة الإنجليزية – بالكثير. وقد لا تنعكس فعاليات “هابيتات ٣” على تحسين جودة حياة ملايين المصريين. فذلك ما يخبرنا به تاريخ عملية هابيتات على مدى الأربعة عقود الماضية. ففي مقابل مرواغة وتسويف حكومات الدول المختلفة، لم يتحقق تغير ملموس على الأرض سوي من خلال المطالبات الدؤوبة لمؤسسات المجتمع المدني بتفعيل التزامات تلك الحكومات، وكفاح ملايين البسطاء حول العالم الذين بنوا – وما زالوا يبنون – مجتمعاتهم الذاتية من الصفر غير عابئين بكل تلك الآليات الدولية.
مع ذلك تظل المشاركة الفعالة في عملية التحضير لـ”هابيتات ٣” فرصة حقيقية للمصريين لتناول قضايا عمرانهم ولو لمرة واحدة بصورة مختلفة عما درجنا عليه. فرصة يجب أن نغتنمها جميعاً لإقامة حوار حقيقي يشارك فيه المواطنون العاديون من سكان مناطقنا المختلفة في صياغة “أجندة حضرية شعبية” تعيننا لعقود قادمة على إصلاح ما فسد من أحوال العمران.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments