فعلى نفس منوال مشروع الفسطاط بالقاهرة القديمة، يُظهر لنا مشروع نزلة السمان الخاص بالرؤية الإستراتيجية كيف تتصور الدولة مستقبل المناطق ذات الأهمية التاريخية والمكتظة بالسكان. وهو تصور يقوم على طرد آلاف السكان من أجل ’حماية‘ الآثار؛ ولإقامة حدائق غنّاء وشوارع عريضة ومتاحف مفتوحة تراعي جميعها النواحي البصرية والجمالية. وهو تصور ينم أيضاً عن الفهم المحدود للدولة لمبدأ المشاركة. فمن ناحية تتعامل الحكومة مع أصحاب الشأن من أهالي المنطقة من أجل ترسيخ اهتمام الدولة بالترويج للسياحة والمحافظة على التراث، بينما، من ناحية أخرى، تتجاهل أو تسقط من حسابها أولويات الاقتصاد والمأوى لهؤلاء السكان، الأمر الذي قد يجلب عليهم معاناة أكبر، ويتركهم دون حماية في أوقات متأزمة اقتصادياً كهذه.
تحظى هضبة الأهرام بأهمية تاريخية وسياحية عالمية تميزها عن سائر مشاريع الرؤية الاستراتيجية لتنمية القاهرة حيث إن أصحاب الشأن في هذه الحالة يتجاوزون نطاق السكان المحليين. وتقع نزلة السمان على مشارف أهرامات الجيزة، وهي نقطة النهاية لمحور خوفو المثير للجدل والمقترح ضمن الـ22 مشروعاً المدرجة ضمن الرؤية الإستراتيجية للتنمية العمرانية في القاهرة الكبرى. كانت نزلة السمان موجودة قبل أن تعرف مصر التخطيط الحديث، كقرية تقوم بتوفير الخدمات للسياح الذين يزورون الأهرام. ومع التوسع العمراني في النصف الثاني من القرن العشرين فقدت المنطقة طابعها الريفي، ثم أصبحت تعتبر امتداداً عمرانياً غير رسمي لمدينة الجيزة التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على السياحة في اقتصادها. ومنذ أن قام الخديوي إسماعيل بإنشاء طريق الهرم لتسهيل الرحلة إليه من القاهرة، فإن المنطقة المحيطة بالأهرامات طالما كانت ضمن تطلعات خطط التنمية، الأمر الذي استمر وصولاً إلى المخططات الحالية للدولة، والمتمثلة في الرؤية الإستراتيجية للتنمية العمرانية في القاهرة الكبرى.2
ويساعد على زيادة جاذبية المنطقة وجود معبد الوادي بها، وهو امتداد للمدخل الرئيسي لمجمع الأهرامات الذي لا يزال مدفوناً، والمقرر أن يتم التنقيب عنه وفقاً لمخطط التنمية المقترح. يُذكر أنه خلال العقد الأخير من رئاسة مبارك تم البدء في مخططات لتنمية المنطقة يقوم عليها المجلس الأعلى للآثار (وزارة الآثار الآن) ووزارة الثقافة ومخطط القاهرة 2050 بوزارة الإسكان (والتي تمثلها الهيئة العامة للتخطيط العمراني) إلا أن أياً من تلك المخططات لم يثمر شيئاً على أرض الواقع.
تشجيع السياحة هو الهدف الذي طالما وضعه المسئولون عن السياسات نصب أعينهم دائماً، وحيث إن الأهرامات هي منطقة الجذب السياحي الرئيسية في مصر، فقد كانت (ولا تزال) السياسات المكانية لتطوير المنطقة تخضع لمنطق السياحة بدلاً من أن تتجه إلى الحفاظ على التراث للشعب.3
وفي محاولة لاستعادة ’قدسية‘ الأهرامات، قام زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار آنذاك، ببناء سور بطول ثمانية عشر كيلومتراً حول هضبة الأهرامات في عام 2002؛ لكي يعزل المنطقة عن الحياة العمرانية، وذلك كخطوة أولى على الطريق لإزالة كافة أشكال الإسكان والتجارة غير الرسمية بالمنطقة المجاورة لهضبة الأهرامات. وفي عام 2009 أثناء تولي أحمد نظيف رئاسة مجلس الوزراء قام مصطفى مدبولي، رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني سابقاً ووزير الإسكان حالياً (2014)، بالإعلان عن خطط الحكومة لإزالة جميع المساكن غير الرسمية في نزلة السمان والمناطق العشوائية المحيطة بهضبة الأهرامات، ونقل سكانها إلى مكان آخر. وقد أعرب حواس في مقال نشر في صحيفة الأهرام، عن تقديره لاهتمام نظيف بمعالجة ما أسماه بـ’التلوث البصري‘، ولم يكن بذلك يقصد شيئاً غير نزلة السمان. من هذا يتضح أن تدخلات الرؤية الإستراتيجية الحالية في نزلة السمان لا تختلف كثيرا عن المخطط الأصلي للقاهرة 2050 الذي أُعلن عنه عام 2009، على الرغم من وعود الحكومة بإعادة النظر في المخطط هو وما يتطلبه من عمليات للإخلاء الجماعي، بهدف الحد من تلك العمليات بعد أن واجهت سلسلة من الانتقادات الشديدة. فالمخططان الاثنان كلاهما يقوم على نقل المستقرات غير الرسمية المحيطة بالهضبة إلى مكان آخر، وتطوير المنطقة من أجل -ما يُفترض أنه- ’تعظيم‘ لقدراتها الاقتصادية.
أحد الأهداف الواضحة للرؤية الإستراتيجية هو القضاء على الزحف العمراني حول الأهرامات، وإخلاء أكثر من 50.000 من السكان المقيمين في نزلة السمان. وما لدينا من معلومات متاحة أو معلنة بشأن خطط الحكومة للإخلاء وتعويض السكان وإعادة توطينهم قليلة أو تكاد تكون منعدمة، وهو ما يجعل مسألة قبول الأهالي للمخطط مستبعدة، فمصادر الرزق بالنسبة لمعظم السكان ستتأثر سلباً بالتأكيد، إذ أن غالبية النشاط الاقتصادي في نزلة السمان يعتمد على السياحة المرتبطة بالأهرامات. وعلى الرغم من الطابع غير الرسمي للإسكان في المنطقة، فإن بعض العائلات التي تسكن نزلة السمان ثرية جداً، ومعظمها -إن لم تكن كلها- من أباطرة السياحة الذين يتمتعون بصلات قوية مع شخصيات حكومية نافذة. هذه العائلات ذات النفوذ تحتكر تقريباً معظم الأنشطة السياحية والتجارية في المنطقة، وتستفيد مادياً من بقاء الوضع على ما هو عليه. هذا القدر من الهيمنة الاجتماعية الذي تمتلكه تلك العائلات يتأكد بشكل غير مباشر عندما نرى التدخل المحدود للدولة حتى الآن بالمنطقة. من ناحية أخرى، فإن الشخص العادي من سكان المنطقة لن يعدو إلا أن يكون أحد أفراد الأسر ذات الدخل المنخفض، وعلى الأرجح فإنه يعيش في منطقة مبنية بشكل عشوائي، ويقطن في شقة مستأجرة، ويعمل لدى واحدة من العائلات القوية هذه التي تحدثنا عنها. هذه الديناميكية غير المتوازنة للقوى، إلى جانب الانفلات الأمني الذي زاد منذ عام 2011، كل هذا يجعل الحصول على موافقة السكان وقبولهم لمخطط الرؤية الإستراتيجية أمراً أكثر أهمية عن ذي قبل. لكن رغم أهمية موافقة السكان، فقد تبين للهيئة العامة للتخطيط العمراني ومجموعة البيئة والتنمية أن نزلة السمان هي واحدة من أكثر المناطق صعوبة من حيث محاولة إشراك سكانها في التخطيط.
تفاصيل المشروع
تتلخص الرؤية الإستراتيجية لهضبة الأهرامات في تحويلها إلى مزار سياحي عالمي، وتطوير المنطقة الواقعة بينها وبين المتحف المصري الكبير إلى متحف مفتوح يشتمل على حدائق وساحات عامة يخترقها شارع عريض تحفه الأشجار. ووفقاً للرؤية الإستراتيجية، فإن هذا التصور سيتحقق من خلال مخطط التطوير الذي تم وضعه لحماية المنطقة التاريخية من الزحف العمراني، ولدعم الأنشطة التجارية في المنطقة ورفع مستوى معيشة الأهالي أيضاً، وللتعامل مع حركة الزوار والمقيمين. وقد جاء في كتاب نشرته الهيئة العامة للتخطيط العمراني بعنوان »إستراتيجية التنمية العمرانية للقاهرة الكبرى- الرؤية المستقبلية والتوجهات الإستراتيجية» أن الرؤية الإستراتيجية ستعمل على رفع مستوى معيشة السكان في نزلة السمان من خلال التنمية المتكاملة (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية) التي توفر للسكان إمكانية الحصول على البنية التحتية والخدمات. غير أنه ليس من الواضح كيف سيجني سكان نزلة السمان هذه المكاسب، إذ أن التدخلات المقترحة تعطي الأولوية لإجلائهم ونقلهم لمكان آخر لإفساح المجال لمشاريع التنمية التي تخدم السياحة.
يتضمن تطوير هضبة الأهرامات ونزلة السمان هذه المشاريع الموضحة في الخريطة التالية: المتحف المصرى الكبير (170 فداناً)، منطقة للفنادق (56 فداناً)، خوفو بلازا (27 فداناً)، وشارعاً سياحياً (3 كم)، فضلاً عن 143 ألف فدان مخصصة لمشاريع فندقية في المستقبل.4
أحد الأهداف المعلنة لهذا المخطط هو إزالة أي مبانٍ قد تحجب مشهد الأهرامات، وخاصة تلك الواقعة بالمناطق القريبة من المتحف الكبير والأهرامات، حيث يحاط كلاهما بالساحات والمناطق الخضراء. ولإنشاء هذه الواحة، سيتم نقل 53.392 من سكان نزلة السمان على مدى ست سنوات إلى موقع آخر، بتكلفة 1.5 مليار جنيه تم تخصيصها لدعم عمليات الإخلاء والتعويض وإعادة توطين السكان. إن التقدير الدقيق لحجم عمليات الإخلاء القسرية التي ستطال كل نواحي المجتمع المحلي غير ممكن، حيث إن التعداد الرسمي لسكان نزلة السمان ليس متاحاً للجمهور، لكن من الواضح أن هذه المخططات ستؤثر على عدد كبير من الناس.
وفقاً للدكتور أحمد يسرى، المخطط العمراني الرئيسي للرؤية الإستراتيجية لمنطقة هضبة الأهرامات ونزلة السمان، فإن السكان الذين سيجري إجلاؤهم سيتم تعويضهم أو نقلهم إلى وحدات سكنية جديدة، ستقام على عدد من الأراضي الفضاء المملوكة للدولة أو التي تديرها هيئة الأوقاف المصرية.. موقع هذه الأراضي لم يُناقش تحديداً، لكن العرض الذي قدمه الدكتور يسرى اشتمل على خريطة أوضحت عدة مناطق محتملة لإعادة توطين السكان تقع شرق الطريق الدائري (حوالي أربعة كيلومترات إلى الشرق من نزلة السمان)، ومنطقة قريبة من تقاطع الطريق الدائري وطريق المريوطية (حوالي ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من نزلة السمان)، ومنطقة تقع على مسافة سبعة كيلومترات إلى الغرب من نزلة السمان. لم يتم التوصل إلى اتفاقيات نهائية لتخصيص قطع الأراضي هذه كمشاريع للإسكان البديل. والمعروف أن هذه النوع من الاتفاقيات غالباً ما يكون معقداً ومدعاة للمشاكل، حيث تؤدي البيروقراطية ومناوشات الهيئات الحكومية المختلفة فيما بينها إلى تأخير المشاريع وتعليقها.5
من المقرر أن يكون عدد السكان الذين سيتأثرون بالإخلاء وإعادة التوطين هو إجمالاً 53.392 مقسماً على خمس مراحل، وهذا سيتطلب 12.973 وحدة سكنية و242 وحدة مخصصة للاستعمال التجاري. ’سن العجوز‘، الواقعة إلى شمال نزلة السمان (المنطقة مظللة في الخريطة الأولى) والبالغ تعدادها 7.760، سيكون سكانها هم أول من يتم إجلاؤهم ونقلهم خلال سنتين. وسن العجوز هي من المناطق ذات الدخل المنخفض بها العديد من المباني المتهالكة، وقد صنفها صندوق تطوير المناطق العشوائية كمنطقة غير آمنة من المستوى الثاني، وهي مبنية على أرض مملوكة للدولة.6
وبالإضافة إلى إخلاء السكان، فإن خطة التطوير تتطلب إزالة ملعب الجولف الخاص بفندق مينا هاوس شرق أهرامات الجيزة، والمغلقة منذ عدة سنوات بسبب أعمال التجديد،7
وذلك من أجل إقامة خوفو بلازا.8
ومما يدعو للاستغراب أن مديرة عمليات التشغيل بفندق مينا هاوس ذكرت خلال مقابلة هاتفية إنها لا تدري شيئاً عن مخطط التنمية الذي تعده الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وعلى حد علمها فإن الفندق ماض قدماً في مشروعه لتجديد ملعب الجولف وإعادة افتتاحه في غضون سنوات قليلة.
وقد تضمنت البيانات عن الإخلاء وإعادة التوطين التي تم الاشتراك بها في العرض التقديمي عدة ثغرات في المعلومات. على سبيل المثال، فقد جاء في خطة إعادة التوطين أنه سيكون هناك احتياج إلى 12.973وحدة سكنية، في حين ذكر مخطط التنمية (لفترة عشر سنوات) أن عدد الوحدات التي سيتم بناؤها هو 5.848 وحدة فقط، مع عدم الإشارة إلى كيف يمكن أن يتم توفير الـ7.125 وحدة سكنية الباقية للسكان. ونظراً إلى تاريخ الدولة الذي لا يمكن وصفه بالممتاز في إعادة التوطين بصورة عادلة للسكان الذين يتم إخلاؤهم أو تعويضهم، فإننا لا نتوقع أن يكون من أولويات الحكومة أن تتسم خطة إعادة التوطين بالنزاهة في صرف التعويض المناسب أو بالحد الأدنى من إثارة المشاكل.
الاجتماع
أقامت مجموعة البيئة والتنمية في 23 يونيو 2014 حلقة نقاش لنتائج دراسة تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمشروع المقترح لتطوير هضبة الأهرامات ونزلة السمان، وقد اقتصر حضور هذا النقاش على من وُجهت إليهم الدعوة فقط.9
وكما كان الوضع في الاجتماعات التشاورية السابقة، ضم الحضور مسئولين من الهيئة العامة للتخطيط العمراني وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، بالإضافة إلى مدعوين آخرين ممثلين للحكومة ومشتغلين بالسياحة والآثار والتخطيط العمراني والتراث الثقافي، كما حضر الاجتماع نشطاء في مجال حقوق السكن وأعضاء من ائتلاف الإصلاح العمراني.10
غير أنه، على عكس حلقات النقاش السابقة التي كانت تدور حول مشاريع أخرى، لم يكن أي من الأهالي حاضراً. فقد قامت مجموعة البيئة والتنمية بدعوة العائلات صاحبة النفوذ فقط في نزلة السمان دون ممثلين عن السكان العاديين. ووفقاً لمجموعة البيئة والتنمية، قررت العائلات المعروفة مقاطعة الاجتماع بعد سماع ’شائعات‘ بأن المنطقة بأكملها سوف تتم إزالتها، على الرغم من أن المجموعة قد قامت بتوضيح الغرض من الاجتماع. وعلى ما يبدو فإن هذه العائلات القوية قد تكون شعرت بالضيق أيضاً من الموقع الغريب الذي تم اختياره لعقد الجلسة – في وسط القاهرة على بعد أكثر من 20 كم من نزلة السمان. وحتى لو كان بعض أعضاء المجتمع المحلي حضروا الاجتماع، فإن آلاف السكان الآخرين المتضررين سيظلون غير مطّلعين على المشروع، إذ ما من وسيلة لهؤلاء كي يصلوا من خلالها إلى المعلومات التي، إن لم تكن سرية، فهي شديدة التأمين.
وفقاً للدكتور مصطفى صالح، أحد الشركاء المؤسسين لمجموعة البيئة والتنمية، يتم إجراء دراسة تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي عبر عملية من أربع خطوات: تحديد الآثار الإيجابية والسلبية المحتملة؛ تحديد الأولويات على حسب تأثيرها المتوقع؛ تقديم حلول أولية لمعالجة الآثار السلبية ومناقشتها مع الأهالي (في جلسات نقاش)؛ إعداد خطة للحد من الآثار السلبية؛ و-أخيراً- وضع خطة للرصد والتقييم تنعكس نتائجها على خطة الحد من الآثار السلبية.
وعلى الرغم من أن الغرض من هذا الاجتماع هو عرض نتائج دراسة تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي، فإن مجموعة البيئة والتنمية لم تقدم خلاله أي نتائج كمّية من الدراسة، من قبيل قياس استجابات السكان بشكل كمّي تجاه إعادة التوطين، أو نسبة الأهالي الذين سيتأثر نشاطهم الأساسي المدر للدخل تأثراً بالغاً. ووفقا لمجموعة البيئة والتنمية، فقد أجرت مسوحات ميدانية كمّية وكيفية في المنطقة كأساس لتحليل تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي، ولكن ما تم عرضه كان الحد الأدنى من الاستنباطات وتحليل البيانات. وعلى هذا النحو يكون من الصعب تقدير مدى شمولية تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي على نزلة السمان ضمن الرؤية المستقبلية للقاهرة 2050. المعلومات التي تضمنها العرض التقديمي تتعلق بعدد السكان الذين سيتم إخلاؤهم، عدد الوحدات السكنية اللازمة لاستيعابهم، وتكلفة إعادة التوطين. غير أن الأرقام المقدمة كانت بالكاد يمكن للحضور رؤيتها، وقد مر مقدم العرض مرور الكرام على الشرائح المتتابعة دون أي توضيح أو طرح للنقاش. الرقم الوحيد الذي تكرر أثناء العرض هو عدد سكان سن العجوز الذين سيكونون أول من يتم إعادة توطينهم. من المحتمل أن يكون مقدم العرض قد فضل التركيز على المرحلة الأولى من إعادة التوطين (7.760 نسمة) على أن يجعلنا ننتبه إلى إجمالي عدد السكان الذين من المخطط أن يتم إعادة توطينهم (53.392 نسمة.)
كانت حلقات النقاش السابقة التي أجريت بخصوص مناطق أخرى بها بعض أوجه القصور، وقد تمت مناقشتها في مقال سابق لتضامن، ولكن على الأقل في هذه الاجتماعات قام المسئولون بعرض دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي على الأعضاء الحاضرين من المجتمع المحلي وكذلك الحلول المطروحة للحد من تأثيرها السلبي. أما اجتماع نزلة السمان فلم يوفر حتى تلك المعلومات بتفاصيل كافية. ما كان مثيراً للدهشة بوجه خاص هو أن الاجتماع لم يركز على الآثار الاجتماعية والاقتصادية والتدابير التي ستتخذ للحد منها، رغم إجراء مجموعة البيئة والتنمية، كما تقول، لمسح أولي للمنطقة يؤدي إلى فهم أفضل للديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية! وقد اقترحت تضامن التي حضرت الجلسة كأحد أعضاء ائتلاف الإصلاح العمراني أن يتم تبادل محتويات هذا التقرير مع الحضور لتشكيل فهم أكثر قوة وواقعية عن الحياة الاجتماعية في المنطقة. غير أنه ليس من المحتمل أن تعمم نتائج هذه الدراسة خارج الدوائر الحكومية، وذلك بسبب اتفاقيات سرية المعلومات مع الهيئة العامة للتخطيط العمراني.
إن الغرض من تقييم الآثار الاجتماعية والاقتصادية هو توفير المعلومات اللازمة لتقييم المشروع لصانعي القرار وأصحاب المصلحة الذين سيتأثرون بشكل مباشر، ولتحديد ما إذا كان ينبغي إجراء أي تعديلات على تصميمه، أم يجب رفضه برمته بسبب أضراره على الصالح العام اجتماعياً واقتصادياً. وكما وضحنا في هذا المقال، فقد تجاهلت مجموعة البيئة والتنمية، والهيئة العامة للتخطيط العمراني بصورة غير مباشرة، هذا المكون المهم لمشروع ضخم، تاركين الجمهور (بكل تنوعه) دون التحليلات والمعلومات اللازمة للفهم أو النقد أو إعادة التصميم، سواء للمشروع أو طريقة وتنفيذه أو الآثار الضارة المحتملة له.
غير أن هذا الاجتماع قد أتاح الفرصة لمنظمات المجتمع المدني لكي تعرب عن مخاوفها بشأن إتاحة المعلومات للجمهور، خاصة تلك الخاصة بالرؤية المستقبلية للقاهرة 2050 وتدخلاتها المخططة بالمنطقة، والتي كما سبق أن ذكرنا لم تختلف كثيرا عن تدخلات القاهرة 2050 المقترحة في عام 2009 – وهو الادعاء الذي أكده د/ يسرى. صحيح أن الوقت المحدد للعرض كان محدوداً، لكن كان يجب على المقدمين استثمار ذلك الوقت الثمين في عرض معلومات أكثر تفصيلاً عن نتائج تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي، بدلاً من إضاعته في مناقشة النظرة العامة للمشروع، خاصة أنه كان ينبغي على مجموعة البيئة والتنمية أن تتبادل مع المدعوين مسبقاً تلك النظرة العامة للمشروع، كما اقترح الحضور أثناء الاجتماع، حتى تتم الاستفادة من الاجتماع في مناقشة نتائج تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي والحلول التي من الممكن أن تخفف من الآثار السلبية بصورة أعمق.
وإجمالاً، فقد فشل الاجتماع في تحقيق غرضه الرئيسي، وهو مشاركة المجتمع المحلي في تصميم بدائل التطوير لمنطقته، وفقاً لعملية تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لمجموعة البيئة والتنمية ولمطبوعات الرؤية المستقبلية للقاهرة 2050. فأولاً أعضاء المجتمع المحلي الذين تمت دعوتهم، وهم صفوته، يمثلون الأقلية بين الأهالي، بينما باقي السكان العاديين تم استبعادهم من النقاش. بل أن أولئك الذين تمت دعوتهم قاطعوا الاجتماع – في سابقة لم تحدث من قبل بالجلسات النقاشية التي أجريت لمناطق أخرى. ثانياً، وفي حين أن مجموعة البيئة والتنمية تعترف أنها ما زالت في مرحلة وضع المخططات التفصيلية للمشروع، فقد كان التحليل الذي تم عرضه لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي ضحلاً ويفتقر إلى البيانات الكمّية للدراسة، وعمد إلى تقديم أدلة قليلة من تحليل شامل لمجموعة واسعة من النتائج السلبية المحتملة.
وأخيراً، حتى لو قمنا مؤقتاً بالتغافل عن غياب صوت المجتمع المحلي في هذه الجلسة، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القضايا التي أثيرت في الاجتماع من قبل المشاركين سوف يكون لها أثر فعلي على تدخلات الرؤية المستقبلية للقاهرة 2050 في المنطقة، فالهيئة العامة للتخطيط العمراني لا يوجد عليها أي التزام قانوني أن تتبنى توصيات تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لمجموعة البيئة والتنمية. هذه الجلسات إذا كانت تهدف حقاَ إلى السماح للمجتمعات المحلية بأن تشارك في إدارة مدينتها بطريقة ديمقراطية، فقد كان ينبغي أن تكون هناك آليات للمجتمعات المتضررة تؤثر بها على مخططات التطوير، بدلاً مما يحدث الآن من تداول غير فعّال للمعلومات (المنتقاة بعناية.) الأمر الآخر هو ما أعلنه وزير الإسكان مؤخراً من إنه سيقوم بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن وزارات الآثار والسياحة والأوقاف ووزارة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات التي تم استحداثها مؤخراً، لتقديم المخطط التنفيذي للمشروع إلى مجلس الوزراء خلال فترة شهرين، وذلك حتى تتمكن تلك الوزارات من البدء في التنفيذ في أقرب وقت ممكن. وهذا يدل على أن هذه الجلسات ’التشاركية‘ لم تكن مصممة لكي تتيح فرصة فعلية لأية تغييرات على المخططات المقترحة.
بعد طرح هذه الوقائع، لا يملك المرء سوى أن يصل إلى استنتاج أن اجتماع تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي على هضبة الأهرامات ونزلة السمان لم يكن إلا مجرد واجهة تشاركية، ملء خانة فقط لإضفاء الشرعية على خطة لا تكاد تختلف عن تلك التي تم وضعها منذ تسع سنوات لطرد أكثر من خمسين ألف شخص من مساكنهم.
1.كجزء من الجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والهيئة العامة للتخطيط العمراني لزيادة الشفافية وتحسين العلاقة بين الحكومة والمجتمع، في أعقاب ردود الفعل السلبية تجاه مخطط القاهرة 2050، كلفت منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية شركة استشارية خاصة، هي مجموعة البيئة والتنمية، بإجراء تقييم للأثر الاجتماعي الاقتصادي بجمع آراء السكان وردود فعلهم تجاه المشاريع الخمسة ذات الأولوية، ومن ثم نقل الاستجابات المجتمعية هذه إلى منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والهيئة العامة للتخطيط العمراني.
2. 1998. “The Giza Pyramids: Accommodation, Tourism, Leisure and Consumption.” City Kuppinger, Petra. and Society, vol. 1. June 1998..
3.iro Global dynamics and local strategies in Giza.” in Ca –“Pyramids and Alleys . 2006. Kuppinger, Petra Cosmopolitan Politics, Culture, and Urban Space in the New Globalized Middle East. Ed. Diane Singerman. Cairo: American University in Cairo Press.
4.المصدر: العرض التقديمي لجلسة مناقشة تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي في نزلة السمان 23 يونيو 2014.
5.على سبيل المثال، مشروع إقامة حديقة عامة بأرض اللواء (والذي تمت مناقشته بورشة عمل لـ تضامن عن دور المبادرات المحلية في التنمية العمرانية) توقف لمدة عامين تقريبا ريثما يتم الاتفاق بين محافظة الجيزة (منفذ المشروع) ووزارة الأوقاف (مالكة الأرض.)
6.صندوق تطوير المناطق العشوائية المستوى الثاني من المناطق غير الآمنة يضم تلك التي تتسم بظروف مأوى غير مناسبة، فتشمل المباني التي شيدت بمواد غير ملائمة والمواقع غير المناسبة للبناء.
7.كان ملعب جولف مينا هاوس أول ملعب جولف في مصر وهو مجاور لفندق مينا هاوس ويطل على الأهرامات. والفندق نفسه مملوك للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق (إيجوث) وهي شركة قطاع عام.
8.المصدر: العرض التقديمي لجلسة مناقشة تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي في نزلة السمان 23 يونيو 2014.
9.أقامت مجموعة البيئة والتنمية ثلاثة اجتماعات مماثلة لمناقشة تدخلات الرؤية المستقبلية للقاهرة 2050 في الوراق، المطرية، وشبرا المظلات، والتي سبق أن نوقشت في مقالة لتضامن
10.ائتلاف الإصلاح العمراني هو شبكة من خبراء تخطيط المدن والمجموعات الحقوقية والمواطنين المعنيين، تأسس في عام 2013 بهدف رصد السياسات والممارسات الخاصة بالتنمية العمرانية في مصر ومحاولة إصلاحها، وهو يهدف إلى تحقيق ذلك من خلال الأبحاث والأنشطة المختلفة التي يقوم بتنسيقها مع الجهات الفاعلة في مجال العمران؛ وبدعم الجهود الجماعية المنظمة على أرض الواقع من أجل توسع عمراني أكثر كفاءة وإنصافاً واستدامة، يعزز المبادئ الأساسية للحق في المدينة وجميع المستوطنات البشرية
الصوره مختارة من العرض التقديمي للهيئة العامة للتخطيط العمراني 2009 “الرؤية المستقبلية للقاهرة 2050 “.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks