.وقد نص الدستور الجديد على الآتي: “تكفل الدولة دعم اللامركزية الادارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها، ويحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلي وحدات الادارة المحلية” (مادة 176)، وتضمن الدولة “تحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات” (مادة 176) وينظم القانون شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين، ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، ويحدد اختصاصاتهم (مادة 179) “ويُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلا مناسباً للمسيحيين وذوى الاعاقة. وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية” (مادة 180).
ومن هنا نوضح أن اللامركزية هي عملية تحول السلطة التنفيذية من الإدارة المركزية الى المستويات الإدارية المحلية المختلقة حسب التسلسل الهرمي الإداري. ففي مصر تمثل المحافظات المستوي الإداري المحلي الأعلى، يتلوها في ذلك المركز ثم المدينة والقرى وأحياء المدن.1 وتنقسم اللامركزية إلى لامركزية إدارية، ولامركزية مالية، ولامركزية سياسية. حيث تمنح اللامركزية الإدارية سلطة اتخاذ القرارات للكيانات المحلية، و تدعم اللامركزية المالية نقل الموارد المالية من السلطة المركزية الى الكيانات المحلية كذلك تدعم قدرة الكيانات المحلية على تحصيل الموارد المالية الخاصة بها، بينما تدعم اللامركزية السياسية قدرة المجتمع المحلي على انتخاب ممثليه في المجالس التنفيذية وليس تعيينهم من قبل السلطة المركزية.
ولكن ما نجده في التعديلات المقترحة أن مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد لا ينقل السلطة إلى المستويات اللامركزية، وخاصة المنتخبة منها (المجالس الشعبية المحلية). فمقترح القانون الجديد يوسع من صلاحيات المحافظين (والذين يتم اختيارهم وتعيينهم من قبل السلطة المركزية) دون أي تقدم يذكر في صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة مما يجعلها، كما كان الحال سابقاً، غير فعالة في منظومة الإدارة المحلية في مصر. بالإضافة إلى ذلك، لا يضمن القانون العناصر اللازمة لتطبيق اللامركزية حيث يظل قريبا جدا من قانون 43 لسنة 1979 نظرا لغياب الاستقلال المالي والسياسي للمستويات المحلية، لذلك فهو يعد تعديل للقانون وليس قانونا جديداً يرقى للتوقعات المرجوة منه. وتظل في هذا الإطار قدرة المواطنين على انتخاب القيادات المحلية، أو تفعيل حق المجالس الشعبية المنتخبة في الحصول على المعلومات أو مسائلة السلطة التنفيذية بصورة فاعلة آمالاً بعيدة المنال.
ما يلي هو تحليل موجز لأهم ملامح التعديلات المقترحة بقانون الإدارة المحلية:
1. إعطاء المزيد من السلطة إلى الكيانات المركزية وتهميش المستويات الأدنى
أولاً، يعطي مشروع القانون الجديد سلطة أكثر للكيانات المركزية وتحديدا الوزارة “المختصة بالإدارة المحلية”. ثانيا، يزيد القانون الجديد الدور الإشرافي والرقابي للمحافظ ويعطيه أيضا سلطات أوسع على المجالس المحلية التنفيذية والمنتخبة.
زيادة دور الكيانات المركزية
زيادة دور الوزارة المختصة بالإدارة المحلية وهي المسماة حاليا بوزارة التنمية المحلية، وكانت تلك الوزارة مسئولة سابقاً عن الإشراف على تطبيق نظام السلطة المحلية وتحديد كافة المتطلبات اللازمة لتفعيله وتطويره وبما يحقق أهدافه. أما طبقا لمشروع القانون الجديد، تصبح الوزارة مسئولة عن كافة المسائل المتعلقة بتنظيم شؤون الأجهزة المحلية ووحدات الإدارة، – فعلى سبيل المثال على الوزارة أن توفر “المرافق المحلية والنهوض بها” وعليها أن تضع “البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلي وحدات الإدارة المحلية” وأن تحقق “العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات” وهذا هو ما ينص عليه الدستور الجديد. وبالإضافة إلى ذلك تتولى الوزارة مهمة التفتيش المالي والفني والإداري على العاملين بالإدارات المحلية المختلفة والإشراف والرقابة عليهم ومتابعة إنجازهم لأعمالهم (مادة 6-10).
وينشئ القانون في مادة 10 أكاديمية تعليمية لتخريج متخصصين في مجالات الإدارة المحلية، وتتبع تلك الأكاديمية الوزارة المختصة بالإدارة المحلية وتهدف الأكاديمية إلى إعداد واعتماد الكوادر المختلفة، وإلى النهوض بالمستوى العلمي والوظيفي للعاملين في الإدارة وينظم اختصاصاتها ومواردها قرار من رئيس الجمهورية. وقد يرجح وإنشاء تلك الأكاديمية إلى أن الدولة لن تتجه إلى النظام الانتخابي في اختيار رؤساء المجالس التنفيذية بل ستعتمد على خريجي تلك الأكاديمية.
وتوسع المادة 11 اختصاصات المجلس الأعلى للإدارة المحلية في وضع الأطر العامة واللوائح الداخلية للمجالس الشعبية ووضع الضوابط اللازمة للسلوك الواجب لأعضاء الأجهزة التنفيذية ومناقشة تقارير الأداء للمجالس. ويُشكَل ذلك المجلس برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزير المختص بالإدارة المحلية والمحافظين ورؤساء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات، وهو ما يعد تعدً علي فكرة الديمقراطية وقوة المحاسبة والمسائلة لدي أعضاء المجالس المحلية المنتخبة حتي وان تم تفعيل نصوص دستور 2014 المتعلقة بتشكيل البرلمان المنتخب للحكومة، حيث تعطي تلك المادة نفوذاً للحكومة وان كانت منتخبة علي الكيانات المنتخبة الأقل والتي قد تمثل التيار المعارض لها.
وتنص المادة 12 على تشكيل مجلس للمحافظين برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزير المختص بالإدارة المحلية لاسيما لمناقشة “أدوات الدعم والرقابة علي الوحدات المحلية”. ومرة أخرى، يسمح ذلك بسيطرة مباشرة ومنتظمة من الإدارة المركزية على الادارة المحلية.
زيادة دور الكيانات المركزية علي المستويات الأقل (الإقليم والمحافظة)
زيادة الدور الإشرافي للمحافظ (مواد 13 الي 31). أصبح المحافظ مسئولا عن “حماية حقوق الإنسان بالمحافظة” (مادة 14) إضافة الى الأمن والأخلاق والقيم العامة التي كانت اختصاصات موجودة في القانون لسنة 1979. وقد يتساءل المرء عن دور المحافظ كحامي لحقوق الإنسان باعتبار أن المشروع الحالي لم يحدده. كما ترك المشروع الجديد المواد المتعلقة بإجبار المجالس المحلية المنتخبة علي أن ترسل قراراتها إلي المحافظ المعين ليبت فيها بالموافقة أو بالرفض كما هي، وهو ما يقلص من صلاحياتها ويدعم التدخل في قراراتها من قبل السلطات التنفيذية (مادة 20) كما أضاف القانون أن من حق المحافظ أن يحيل رؤساء الأجهزة التنفيذية الى التحقيق (مادة 22).
ووفقاً للمادة 28 يتم إنشاء مجلس تنسيقي بالمحافظة ويحدد أعضائه رئيس الوزراء، وهو مجلس يعمل بجانب المجلس التنفيذي للمحافظة، وهو مسئول عن متابعة خطط التنمية ووضع مقترحات ورؤي التنمية للمحافظات.
وخصص القانون باباً خاصاً لتعديل وتطوير الهيكل التنظيمي للعاصمة بما يحقق لها الاستقلال المالى وإدارة الأصول العامة الداخلة في نطاقها، وتطوير أسلوب تقديم الخدمات التعليمية والصحية، وجدير بالذكر أن الهدف من تلك المواد غير واضح لعدم قدرتنا على الحصول على كافة مواد الباب المختص بقانون العاصمة.
وأخيرا, تم تغيير مسمى الأقاليم الاقتصادية إلي أقاليم التنمية المحلية وتحديد أدوارها وآليات عملها ولكن لم يحدد القانون تقسيم تلك الأقاليم وحالياً هي غير واضحة إذا ما كانت على نفس تقسيم الأقاليم الاقتصادية القائمة (سبعة أقاليم اقتصادية على مستوى جمهورية مصر العربية) أم ستختلف طبقا للمتغيرات الجديدة وإعادة رسم حدود المحافظات.
2. دور المجالس المحلية في ظل غياب العناصر اللازمة لتطبيق اللامركزية وتركها دون دور مؤثر وفعال
لا يغير القانون الجديد من طبيعة الموارد المالية الضئيلة المتاحة حالياً للإدارة المحلية. فحالياً، تحصل الإدارة المحلية على ما يزيد عن 90% من مواردها المالية من الحكومة المركزية، وهو ما يعزز احتياج تلك الإدارة للحكومة.
وعلى صعيد آخر، يفرض القانون الجديد إتاحة المعلومات للمجالس الشعبية والمواطنين في المادة 17، ولكنه لم يحدد مدي الحرية في الحصول علي المعلومات وآليات هذا الإجراء، حيث تتحايل المجالس التنفيذية علي تلك الحرية في طلب تصاريح وطلبات مختومة من هيئات أمنية للحصول علي المعلومات وهي طلبات تعسفية وبيروقراطية. كما ألزم القانون الجديد المجالس المحلية بتنمية المجتمعات المحلية تنمية شاملة أساسها مكونات وإمكانيات المجتمع المحلى ولكنه لم يعطها الامكانيات والأدوات المناسبة لتفعيل هذا الدور.
وفيما يخص حق الاستجواب وطلبات الإحاطة ولجان تقصي الحقائق في مسودة القانون، فقد أعطى القانون الجديد بعض صلاحيات الاستجواب ومحاسبة أعضاء المجالس التنفيذية للمجالس المحلية ولكنه أيضا أخذ منها الدور التنفيذي وأعطاه لممثل الدولة ذي المستوى الإداري الأعلى علي حسب مستوى المشكلةـ، وهو ما يعد أيضا تعدً علي دور المجالس المحلية في الرقابة والمساءلة.
وأخيرا يدعم القانون مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العامة وذلك من خلال إجبار المجالس الشعبية على عقد جلسات استماع للمواطنين ولشركاء التنمية قبل إقرار خطة التنمية المحلية ولكن لم يحدد القانون الهدف من تلك الجلسات أو آليات عملها بالإضافة إلي كونها مجرد جلسات استماع وعرض وليس للمواطنين قوة الاعتراض أو التصويت علي الخطط.
كما يتوافق القانون الجديد مع دستور 2014 من جهة زيادة نسب المشاركة للمرأة والشباب دون سن الـ35 في المجالس المحلية المنتخبة، وفتح باب الانتخاب من سن 21 بينما كان من 25 سنة، واشتراط التمثيل الملائم لذوي الاحتياجات الخاصة والأقباط.
خاتمة
يبقي الوضع علي ما هو عليه. فقد ترك القانون الجديد المجالس الشعبية كما هي في قانون 1979، بلا صلاحيات حقيقية. وأتت التغييرات في طبيعة هذه المجالس المحلية المنتخبة دون التوقعات، خاصة عند مقارنتها بالصلاحيات الجديدة التي تم منحها للمحافظين (المعينين من قبل الحكومة المركزية) وذلك في مجال الإشراف علي أنشطة المجالس المنتخبة. فقد أعطى القانون الجديد هذه المجالس المنتخبة بعض الصلاحيات كالاستجواب وطلبات الإحاطة وتشكيل لجان تقصي الحقائق، ولكنه أيضا أعطي الكلمة الأخير للمجلس التنفيذي الأعلى للبت في نتائج التحقيق. كما لم يقدم القانون حلولاً لمشكلة ازدواجية التبعية الإدارية والفنية للمديريات القطاعية الخدمية (مثل الصحة والتعليم والشباب) والتابعة لكل من الوزارات المركزية، والمجالس التنفيذية المحلية في نفس الوقت.
بالفعل، يتوافق القانون الجديد مع التغيرات الطفيفة التي أوردها دستور 2014 في مجال الإدارة المحلية، ولكن يبقى أمامنا الكثير لكي يؤدي بنا هذا القانون إلى تغييرات حقيقية وفاعلة في منظومة الإدارة والحكم المحلي في مصر ترقى لتطلعاتنا جميعاً.
1.للمزيد من المعلومات يرجى قراءة مقالنا “لماذا توقفت الثورة عند مستوى المحليات”
الصورة المختارة من : ONA
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks