ما هي “يوميات رئيس حي“؟
تنامت في مصر بعد ثورة 2011 المناطق غير الرسمية والنمو العمراني غير الرسمي والباعة المتجولون والتعارض في اللوائح والسلطات، مع قيام بعض السكان في الوقت نفسه باستغلال الفراغ في السلطة السياسية ليقوم ببناء مبانٍ جديدة أو تجديد أخرى بسرعة، وغالباً بشكل غير قانوني.
واشتكى العديد من المصريين من “التعدّيات”، والتي غالباً ما نافست الأسواق وورش العمل وقوانين الترخيص وجهات العمل القائمة الأخرى. ومثّل انتشار هذه “التعديات” مصدر إزعاج للبعض، في حين قام البعض الآخر بالاستفادة من الوضع الجديد عبر قيامهم بمد أعمالهم لتأخذ جزءاً من الشارع أو افتتاح أعمال جديدة من دون ترخيص مناسب، أو إضافة طوابق غير قانونية إلى مبانيهم السكنية، أو بيع ملابس أو منتجات تجارية على الشوارع والأرصفة، وهو الأمر الذي زاد من تفاقم سوء الوضع المروري وحركة المشاة السيء أصلاً.
وفي خريف عام 2013، ازداد التعاون بين عناصر الشرطة والسلطات المحلية في محاولة لإنهاء حالة التعديات العمرانية تلك مع تولي الفريق – ثم الرئيس – عبد الفتاح السيسي السلطة. وعَلا كعب القوات العسكرية والأمنية من جديد ليشهد ميزان القوى تحولاً نحو مؤسسات حكومية وأمنية وعسكرية مركزية وممثليها على أرض الواقع على مستوى الحي.
وفي سبتمبر من عام 2013، أي بعد بضعة أشهر من الإطاحة بالرئيس مرسي، بدأ محافظ القاهرة المعيّن حديثاً حملة على فيسبوك بعنوان “يوميات رئيس حي”، ركزت على تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه رئيس الحي. وتضمنت هذه الحملة إنشاء ثلاث وثلاثين صفحة منفصلة على فيسبوك، خُصصت كل واحدة منها لحي محدد داخل القاهرة.1 ويتم في العادة تعيين رؤساء الأحياء كموظفين عموميين على يد رئيس الوزراء لتمثيل الحكومة المركزية على مستوى الحي في مدينة القاهرة، وللتأكد من تنفيذهم سياسة الحكومة المركزية في الحي وفقاً للخطة القومية والميزانية السنوية.
وعلى مدار عامين، عرض رؤساء الأحياء على صفحات “يوميات رئيس حي” الخاصة بهم الإنجازات التي حققتها إداراتهم المحلية في أحيائهم والتحديات التي واجهتها أيضاً. كما أوجدت صفحات فيسبوك هذه أيضاً مساحة للمجتمعات للتعرف على أحيائها، والتواصل مع إداراتها المحلية، ونشر شكاويها، والتعبير عن عدم رضاها عن رئيس الحي أو الجوانب الأخرى المتصلة بإدارة الحكومة المحلية وسياساتها. كما وفّرت صفحات يوميات رئيس حي منصة لمشاركة المعرفة والخبرات، وعززت المنافسة والدافع لتحسين أداء الأحياء المحلية وأداء مسؤوليها أيضاً.
وكان لهذه الحملة عدة دوافع محتملة؛ أولها بلا شك محاولة تحسين صورة الحكومة المحلية. فلسنوات، كان موظفو الحكومة المحلية، التابعون لوزارة التنمية المحلية، متهمين في كثير من الأحيان بتفشي الفساد والمحسوبية. ونتيجةً لذلك، حاولت هذه الحملة إنتاج صورة جديدة للإدارة المحلية قوامها الشفافية والتواصل (في مصر، يُشار إلى الحكومة المحلية باسم الإدارة المحلية).2
ثانياً، ربما كانت صفحات يوميات رئيس حي محاولة من جانب رؤساء الأحياء وباقي الأفراد في الحكومة للحد من شعبية جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما على المستوى المحلي، من خلال محاولة الحكومة تقويض فرص الإخوان لاكتساب شعبية بين السكان المحليين ودعمهم عبر قيام الأولى بتحسين تواصلها مع هؤلاء السكان وتقديم الخدمات العامة لهم. ولطالما حظيت جماعة الإخوان المسلمين وباقي الجماعات الإسلامية الأخرى بالشعبية بين العديد من الأحياء ذات الدخل المنخفض والمهمشة والتي تعاني من نقص الخدمات لقيام تلك الجماعات في كثير من الأحيان بتقديم السلع والخدمات الهامة – مثل المساعدات المالية والمواد العينية والخدمات التعليمية والرعاية الصحية والمرافق الرياضية وبرامج الشباب – في منافسة لما توفره الحكومة من سلع وخدمات، إن لم يكن أكثر.3
ولفهم نطاق حملة يوميات رئيس حي وتأثيرها والدوافع الكامنة وراءها، قامت “مبادرة التضامن العمراني في القاهرة – تضامن” بمراقبة نشاط أربعة من رؤساء الأحياء في القاهرة على صفحات فيسبوك وتحليلها، حيث سلّطت هذه الصفحات الضوء على عدد من الأسئلة حول العلاقة بين رئيس الحي والإدارة المحلية والمجتمع على غرار الأدوار التي يلعبها رؤساء الأحياء، وأسباب استياء المجتمع، وفيما إذ كان النقد وعدم الرضا المعبّر عنه على صفحات فيسبوك نابعاً من الحاجة إلى إعادة النظر في قانون الإدارة المحلية رقم 43 في مصر – أي القانون الأساسي الناظم لسلطة الإدارة المحلية وصلاحياتها الإدارية– لزيادة المساءلة العامة عن اتخاذ القرارات المحلية والحكم المحلي.
المنهجية
اختارت “تضامن” أربعة أحياء في القاهرة ورصدت صفحات فيسبوك الخاصة برؤساء تلك الأحياء على فترة امتدت شهراً واحداً. ومثّل كل حي من الأحياء الأربعة المختارة حياً ينتمى إلى منطقة مختلفة من مناطق القاهرة (من شرق القاهرة وغربها وشمالها وجنوبها).4 وقام فريق “تضامن” بتحليل منشورات صفحات فيسبوك التي أدرجت إجراءات رؤساء الأحياء، بالإضافة إلى تعليقات المجتمع عليها. كما تم أيضاً الاطلاع على مجموعة عشوائية من صفحات الأحياء الأخرى خلال فترات زمنية مختلفة للتحقق مما إذا كانت النتائج متشابهة وقابلة للتعميم.
وكان لدى صفحات فيسبوك الأربع التي رصدتها “تضامن” الهيكلية ذاتها، والتي تضمنت وجود وصف موجز لأهدافها ضمن علامة التبويب “حول”، ومنشورات رؤساء الأحياء، وصور، وتعليقات قاطني الحي. وتختلف الأوصاف بين صفحة وأخرى، حيث تمثّل صفحة حي عين شمس، الموضحة في الصورة رقم 1، مثالاً نموذجياً على ذلك، إذ تذكر أن هدف الصفحة هو: “عرض إنجازات رئيس الحي والتواصل مع المواطنين لعرض المشكلات وإيجاد الحلول للارتقاء بمستوى الحي” (صفحة عين شمس، فبراير 2016)؛ في حين تُظهر الصورة 2 أدناه في صفحة رئيس حي منشية ناصر المكونات الرئيسة الثلاثة: المنشورات والصور وتعليقات القاطنين.
المنشورات
كانت أغلب منشورات رؤساء الأحياء على فيسبوك متصلة بالقضايا العمرانية، حيث احتوت بعض تلك المنشورات، وليس جميعها، على عناوين وتضمنت عموماً وصفاً موجزاً للإجراء الذي اتخذته الإدارة المحلية في ظل قيادة رئيس الحي. وذكرت العديد من المنشورات أسماء المسؤولين عن هذا القرار أو السياسة المحددة ووظائفهم. وكان يتم نشر المنشورات أسبوعياً وأحياناً يومياً. ويمكن تصنيف الإجراءات الموضحة في المنشورات إلى ثلاث فئات:
أ. إزالة التعديات: إجراءات تطبِّق القوانين التي تمنع التعديات على غرار إزالة البائعين المتجولين، والبناء المخالف، وما إلى ذلك.
ب. تنمية المناطق: تقتصر هذه الإجراءات عادةً على غسل الشوارع أو كنسها، وتحسين إنارة الشوارع، وما إلى ذلك.
ج. توفير خدمات جديدة: والتي يمكن أن تتضمن افتتاح مدارس أو مستشفيات جديدة مثلاً. وتعتبر الموارد المالية والإدارية لرؤساء الأحياء شحيحة للغاية، حيث تتحكم وزارة الإدارة المحلية ومراكزها الإقليمية بالعديد من الخدمات العامة النموذجية، مثل التعليم أو الصرف الصحي أو المياه، وتكون مسؤولة عن توزيعها. بالتالي، لم يكن بمقدور رؤساء الأحياء تقديم العديد من الخدمات الجديدة (تضامن 2013أ).
الصور
كان المكون الرئيس الثاني لصفحات فيسبوك الصور المرفقة بالمنشورات التي كان ينشرها مسؤولو الصفحة، بمعدل صورة أو أكثر لكل منشور تقريباً. وكانت الصور تجذب تعليقات القاطنين والذين كثيراً ما كانوا يشيرون إلى المحسوبية والمخالفات الكامنة في سياسات الإدارة المحلية (موضحة بمزيد من التفاصيل أدناه).
تعليقات السكان
أما المكوّن الثالث فكان تعليقات سكان المنطقة على كل مشاركة. وتقريباً احتوت جميع المنشورات في صفحات فيسبوك الثلاث والثلاثين على تعليقين اثنين على الأقل من تعليقات السكان المحليين. وكانت التعليقات إيجابية في بعض الحالات (تقديم الشكر لرؤساء الأحياء على ما يقومون به)، وتعبّر عن حالات استياء في حالات أخرى أكثر تواتراً. وعلاوة على ذلك، اشتكى العديد من “المتابعين” لصفحات فيسبوك الفردية من مشكلات أخرى غير متصلة بوظائف رؤساء الأحياء، حيث حاول البعض تسليط الضوء على المشاكل الحرجة الأخرى في المنطقة مثل تأثير الصرف الصحي السيئ على صحة المجتمع؛ في حين كتب آخرون عن كيفية تأثير الأنشطة غير القانونية سلباً عليهم. ونادراً ما كان مسؤولو الحكومة المحلية يردون على هذه التعليقات أو يشاركون في مناقشة عبّر فيها الجمهور عن استيائه من موضوع غير ذي صلة بالمنشور.
وكان عدد “متابعي” صفحات فيسبوك كبيراً، مما يشير إلى اهتمام كبير بين السكان بالتعرف على رؤساء الأحياء والمسؤولين المحليين والتدخلات الحكومية. وتراوحت أعداد المتابعين في الأحياء الشعبية بين 3000 و7000 شخص خلال فترة الرصد (يناير/ كانون الثاني – فبراير/ شباط 2016). وكان لدى الأحياء التجارية مثل وسط القاهرة عدد محدود من المتابعين (364). واجتذبت أحياء الطبقة الوسطى مثل المعادي ومدينة ناصر أكثر من 12 ألف متابع. وقد يكون سبب التباين في معدلات الاستخدام والوصول عبر الإنترنت عائداً إلى اختلاف مستويات التعليم والثروة عبر الأحياء المختلفة.
تحليل: ما الذي تخبرنا به صفحات يوميات رئيس حي؟
أ. نطاق عمل رؤساء الأحياء: قدرات إدارية ومالية محدودة
كشف التحليل الخاص بصفحات فيسبوك اتجاهاً هاماً تمثل في استخدام رؤساء الحي لتلك الصفحات لنيل تقدير شخصي لما ينبغي أن يكون أنشطة معيشية أو روتينية، على غرار، “كجزء من جهود السيد/السيدة….تم تنظيف الشوارع” أو “تم تصريف مياه الأمطار من الشوارع”. وكثيراً ما كان رؤساء الحي يدرجون أسماء المسؤولين والإداريين المسؤولين عن التدخل، والمنتمين إلى إدارات ومستويات إدارية مختلفة، مثل مساعد رئيس المنطقة وعناصر شرطة المَرافق.
بمعنى آخر، حاولت صفحات فيسبوك إظهار كيف كان رؤساء الأحياء وفرقهم يعملون جنباً إلى جنب ويؤدون أداءً جيداً في أمرٍ يبدو غريباً إلى حد ما على اعتبار أن ما كان يُنجز هي أمور روتينية بعيدة عن الاستثنائية ويجب إنجازها من دون الحاجة إلى دعاية أو إلى قيادة مميزة لرئيس الحي أو مساعديه. وتتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة لدى قراءة هذه المنشورات، على غرار مقدار السلطة التي يجب أن يتمتع بها رئيس الحي حقاً لتلبية احتياجات القاطنين في الحي ونطاق صلاحياته في الحي.
يعيّن رئيس الوزراء في مصر رؤساء الأحياء، إلا أنهم يخضعون للإشراف الإداري للمحافظ (الذي يعينه رئيس الوزراء أيضاً)، فضلاً عن تلقيهم التوجيهات إلى حد كبير من وزارة الإدارة المحلية. وجميع رؤساء الأحياء أعضاء في المجلس التنفيذي للمحافظة، وبالتالي يلعبون أدواراً رئيسة في التخطيط والميزنة ورصد جميع أنشطة المحافظة.5 كما أن لديهم أيضاً اختصاصات مالية وإدارية واسعة النطاق (قانون الإدارة المحلية 43 لعام 1979، القسم 2، المواد 63 إلى 65).6 ووفقاً للقانون، تشمل واجبات رئيس الحي تشكيل المجلس التنفيذي وقيادته بمشاركة رؤساء جميع الإدارات التنفيذية داخل الحي وأمانة الحي.7
ويقع على عاتق المجلس التنفيذي مسؤوليات عديدة مثل فرض ضرائب معينة وتقييم المشروعات ومراقبتها وتقديم الخدمات العامة، واقتراح تخصيص الاستثمارات على مستوى الحي. كما أنه يساعد العاصمة في إعداد الخطط الإدارية والمالية للحي. وفي حالة القاهرة، هناك ثلاثة مستويات من الخطط الإستراتيجية (الوطنية والإقليمية والمحافظة) تعدها الهيئة العامة للتخطيط العمراني وإداراتها الفرعية.
وعلى مستوى المحافظة، تتولى إدارة التخطيط والتطوير العمراني في المحافظة مسؤولية إعداد “الخطط التفصيلية”، والتي هي مستوى آخر من الخطط العمرانية تحدد تشريعات البناء والتخطيط والبرامج ومشاريع التطوير (القانون رقم 119، المواد 9 و11 و14 و15).8 وينص القانون على ضرورة إعداد هذه الخطط بمشاركة الوحدات المحلية والمجالس الشعبية والسلطات التنفيذية. كما تمنح المادة 15 المحافظة مسؤولية إعداد خطط وأنظمة مؤقتة إذا لم تقم الهيئة العامة للتخطيط العمراني بتغطية قضايا معينة أو توضحيها. وتساهم الخطط التفصيلية في تحديد الاحتياجات المحلية وأولويات المشروع على المستوى المحلي ضمن الخطط واللوائح الاستراتيجية الوطنية التي أعدتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني. وهي تحدد احتياجات البناء، والتخطيط لاستخدام الأراضي، ومشاريع البنية التحتية، ومشاريع التصميم العمراني.
ومع ذلك، يواجه رؤساء الأحياء تحديات إدارية ومالية كبيرة عند محاولة اقتراح المشاريع ذات الأولوية على المحافظة من أجل عملية التخطيط. فعلى المستوى الإداري، تركز الطبيعة الهرمية للنظام السياسي في مصر السلطة بين يدي الوزارات وتحد من سلطة المسؤولين المحليين، إذ عادةً ما تفرض الوزارات خططها وجدول أعمالها المركزيين على الإدارات الإقليمية والمحلية، تاركةً مساحة محدود للمسؤولين المحليين لمعالجة الأولويات المحددة على المستوى المحلي.9 كما أن للإدارات المحلية أيضاً قدرات مالية محدودة وفقاً لهذا النظام المركزي، وبالتالي لديها استقلالية محدودة فيما يتعلق بتخصيص تلك الموارد وفقاً لأولوياتها الخاصة. ولهذا، فإن رئيس الحي والمجلس التنفيذي والمجالس الشعبية المحلية كلهم ملزمون بتبني خطط وسياسات الحكومة المركزية وتنفيذها، مع امتلاك رؤساء الأحياء في الوقت نفسه لهامش مناورة مالي محدود لمعالجة ما يعتقدون أنه احتياجات مجتمعاتهم الملحة.
ويعزز حقيقة تعيين رؤساء الحي بدلاً من انتخابهم هذا الاتجاه، حيث يجعلهم مسؤولون أمام رؤسائهم في وزارة الإدارة المحلية، أو مكتب المحافظ، أو الوكالات البيروقراطية القوية الأخرى، بدلاً من أن يكونوا مسؤولين أمام ناخبيهم. وكان عام 2008 هو آخر عام تم التنافس فيه على مقاعد على أدنى مستوى من التمثيل السياسي، وهي المجالس الشعبية المحلية.10 وفي يونيو 2011، وبعد الإطاحة بحكومة مبارك، قامت الحكومة المؤقتة الجديدة بتفكيك المجالس الشعبية على اعتبار أنها كانت تمثل معقل الحزب الوطني الديمقراطي السابق. بالتالي، لم يتمكن السكان المحليون من تمثيل مصالحهم واهتماماتهم في هيئة منتخبة منذ عام 2011، على الرغم من قيام الرئيس السيسي والبرلمان المصري بقطع وعد بتحديد موعد انتخابات بلدية قريب.
ولا يذكر رؤساء الأحياء للعامة في كثير من الأحيان التحديات والقيود الإدارية والمالية التي يواجهونها وذلك لدى مناقشتهم لسياساتهم وتدخلاتهم، ولا يصرّحون عندما يتم انتقادهم بأن أفعالهم تمليها خطة الحكومة المركزية وجدول أعمالها، فضلاً عن أنهم يبذلون جهداً محدوداً في شرحهم كيف أن نطاق عملهم يشمل تنفيذ سيادة القانون وحماية الجمهور من المخالفات مثل الإنشاءات غير القانونية أو الباعة الجائلين. ونتيجةً لذلك، لا يكون أغلب السكان مدركين للخطط والسياسات الوطنية والإقليمية، أو القرارات القادمة من أعلى والتي يتعين على رؤساء الأحياء تنفيذها.
وكما ذُكر أعلاه، يترأس رؤساء الأحياء المجالس التنفيذية (المادة 64 من القانون رقم 43) الموجودة على مستوى الحي ومستوى المحافظة. وفي الوقت نفسه، يجلس رؤساء إدارات الحي ضمن المجلس نفسه (المادة 65 من القانون رقم 43).11 وتخلق هاتين المادتين في القانون 43 تناقضاً كامناً في عمل رؤساء الأحياء والمجالس التنفيذية: إن رئيس الحي هو الشخص الذي يتابع أداء مختلف الإدارات والمديريات ويقيّمه، لكن كيف يمكن له الإشراف عليها عندما تنص المادة 65 على وجوب أن يكون رؤساء الإدارات والمديريات أعضاء في المجالس التنفيذية بقيادة رئيس الحي؟ هل يشير هذا الترتيب إلى أنه من المتوقع أن يشرف رؤساء الإدارات على أنفسهم؟
ويضعف هذا الترتيب من دور رئيس الحي – بصفته رئيساً للمجلس التنفيذي – ويقوض وظيفة المجالس التنفيذية ذاتها. وليس من المستغرب، في ظل هكذا ظروف، أن تواجه الإجراءات التي تتطلب مشاركة إدارات متعددة عقبات. وقد يكون من الصعب تحقيق مستوى التعاون الذي يتوقعه المرء في العمل البلدي في غياب قائد مفوض لتوجيه الفريق، حيث يعاني الأداء السليم للإدارات الإدارية والتنفيذية من ضعف شديد نظراً لتضارب المصالح المتأصل في عمل المجالس التنفيذية. وتسلّط صفحات فيسبوك الضوء على هذه المشكلة، لكونها مليئة بالإشارات إلى التعديات التي تشير إلى فشل الإدارة على المستوى المحلي.
ب. تصور المجتمع لرؤساء الأحياء ومسؤولي الإدارة المحلية
أما الاتجاه الثاني الذي كشفه تحليل صفحات يوميات رئيس حي فيتمثل في عدم الرضا والشك لدى سكان القاهرة. وقد علق سكان الأحياء على كل إجراء لرئيس الحي منشور على صفحات فيسبوك تقريباً، حيث أثنى البعض على جهود رؤساء الأحياء وشجعه وأشار إلى مجالات جديدة أو إضافية تحتاج إلى اهتمامهم، في حين أثارت غالبية التعليقات الشكوك حول التدخلات والتي وصفوها في كثير من الأحيان بأنها “وهمية” أو “سطحية”. ومالت الانتقادات في الأحياء الأربعة التي تم رصدها إلى التركيز على ثلاث قضايا: عدم المساواة المتصوَّرة، وعدم الفاعلية، واستخدام رؤساء الأحياء الجائر وغير الضروري للقوة في عملياتهم.
عدم المساواة
عبّر العديد من السكان الذين نشروا تعليقات على صفحات فيسبوك عن استيائهم من تدخلات رئيس الحي ضد أشخاص عاجزين أو فقراء مثل الباعة الجوالين أو أصحاب العربات، حيث تساءلوا في كثير من الأحيان عن سبب معالجة رئيس الحي لمخالفة في مربع سكني وغض النظر عن مخالفة مماثلة في مربع سكني قريب، وأحياناً في نفس الشارع. وأشار السكان إلى أن رؤساء الأحياء يستهدفون الضعفاء ويتجاهلون التعديات التي يقوم بها ذوي النفوذ. وسخر الكثيرون من السلطات بعبارات من قبيل “بتتشطروا على الغلابة”، أو “تستعرضون عضلاتكم على الضعفاء”. وقلّص وعي الناس بهذه التفاوتات وتعاطفهم مع ضحاياه من ثقتهم واحترامهم للحكومة المحلية.
وأشار سكان آخرون إلى أن انتشار الفساد هو السبب الكامن وراء عدم المساواة هذا أمام القانون، إذ يعود سبب انتقائية المسؤولون فيما يتعلق بالتدخلات، على حد تعبير بعضهم، إلى تلقيهم الرشاوى. وقال أحد السكان في صفحة عين شمس على فيسبوك: “ليس لدى رئيس الحي خطة للحي، ولا يرغب في فرض النظام لأن ذلك لن يساعده على نيل الرشاوى، وهو يفضِّل التركيز على قضايا الترخيص لجمع الرشاوى”. (صفحة عين شمس على فيسبوك، يناير 2016).
عدم الفاعلية
كما علّق السكان أيضاً على عدم فاعلية سياسة الإدارة المحلية، إذ ذكر الكثير منهم، سواء أكانوا موافقين أم غير موافقين على أداء الحكومة المحلية، عجز الحكومة عن متابعة سياساتها بالخطوات المنطقية التالية. وأشار بعض السكان إلى أنه بعد تدخل الإدارة المحلية بفترة قصيرة، عاد الوضع الذي تطلب تدخل الإدارة إلى ما هو عليه. وقام بعض السكان بنشر صور لهذه التدخلات غير الفاعلة، والتي عادت بسرعة إلى وضعها السابق. وكما كتب أحد سكان حي عين شمس: “ما الفائدة من التدخلات إذا لم تكن هناك متابعة ولا اهتمام مستمر من جانب الإدارة المحلية، أم أنكم فقط تنشرون صوراً لمجرد النشر؟”
الاستخدام الجائرللقوة
وأخيراً، أشار بعض السكان إلى زيادة استخدام مسؤولي الحي للقوة و”عسكرة” سياسات ضمان الامتثال. وبينما كانت تدخلات المسؤولين أقل عدوانية في عام 2013، ازدادت “التدخلات” الرسمية لإزالة البائعين أو التعديات في الشوارع أو المباني غير القانونية بشكل أكبر وأكثر عسكرة بحلول عام 2016. وتظهر الصورة 10 متطوعين يشاركون في تنظيف وتجميل الشوارع في المدرجات في حي المطرية بشكل يناقض الصورة 11 والتي تقوم فيها قوات الأمن بإزالة التعديات غير المشروعة.
من نافلة القول أن هناك عدة عوامل تحول دون قدرة رؤساء الحي على القيام بما يلزم، منها نظام الحكم المركزي الذي يحد من الاستقلال الإداري والمالي لرئيس الحي، وطريقة اختيار رئيس الحي (غير المنتخب) والتي تُخضعه للمساءلة أمام الحكومة المركزية بدلاً من احتياجات السكان وأولوياتهم، والهيكل البيروقراطي للمجالس التنفيذية الذي يضع طبقات إضافية من الروتين. علاوة على ذلك، ساهم الحد الأدنى من الجهود التي بذلها رئيس الحي لتوضيح القيود الإدارية والمالية التي يواجهها للجمهور في الفجوة بين قدرات الإدارة المحلية وتوقعات السكان.
ولا تزال تصورات الجمهور بشأن رئيس الحي في غير صالحه إلى حد كبير على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين التواصل مع السكان. وتبدو العوامل الرئيسة وراء ديمومة هذه الآراء السلبية حيال الإدارات المحلية: عدم المساواة المتصورة، الذي يغذيه الفساد واسع النطاق، والإجراءات غير الفاعلة التي اتخذتها الإدارات المحلية لمعالجة التعديات غير القانونية أو تلبية احتياجات التنمية، وزيادة استخدام القوة من جانب الإدارات المحلية.
المضي قُدماً: ما الذي يمكن أن تحققه صفحات “يوميات رئيس حي” على فيسبوك؟
ثمة إمكانية لأن تشكّل صفحات يوميات رئيس حي على فيسبوك وسيلة ناجعة لتحسين العلاقات بين الإدارة المحلية والسكان، حيث يمكن أن تكون بمثابة الكفة الموازنة لتلك الخاصة بالحكومة المركزية والسياسات التي تجدها المجتمعات المحلية إشكالية أو تهمل احتياجاتهم وأولوياتهم. ومع ذلك، صورت الصفحات حتى الآن وإلى حد كبير عدم فاعلية الإدارة المحلية وتصرفاتها غير العادلة أو المفتقرة إلى المساواة مع محاولة الأخيرة بدورها تلبية أولويات الحكومة المركزية وأهدافها.
فيسبوك كمساحة للحوار
وتمكنت صفحات فيسبوك، على مدار عامين، من تشجيع النقاش والحوار بين رؤساء الأحياء والقاطنين وذلك بالرغم من الآراء السلبية حيال بعض رؤساء الأحياء، وميل النقاش إلى أن يكون بشكل مواجهة بدلاً من أن يكون نقاشاً مثمراً. ويبدو أن عمل رؤساء الأحياء والمسؤولين المحليين معرقلاً نتيجةً لنطاقات العمل الإدارية المتضاربة وحقيقة أنهم يعملون في ظل سياسات لا يضعونها هم، بل تضعها الوزارات المركزية التي تتمتع بسلطة وموارد أكثر بكثير تساعدها على تنفيذ ذلك. وفي الوقت نفسه، كان السكان المحليون يستخدمون تلك الصفحات للتعبير عن المظالم وللمطالبة بتوفير الخدمات الكافية، والتي لدى وزارة التنمية المحلية سيطرة محدودة جداً عليها. ولم يكن السكان على دراية دائماً بهذه الخطوط البيروقراطية للسلطة ونطاقات العمل والتمويل، الأمر الذي جعلهم يوجهون لمسؤولي في الحي بشكل كبير كل مخاوفهم وشكاويهم.
وتقدم صفحات يوميات رئيس حي على فيسبوك لمحة عن الفضاء الافتراضي الذي أنشأه رؤساء الأحياء لتوضيح إنجازاتهم ولإرضاء الحكومة المركزية، إلا أن سكان تلك الأحياء استخدموا هذا المساحة في الوقت نفسه لبدء مناقشة جادة أثاروا فيها قضايا مهمة عديدة على الصعيدين المحلي وحتى الوطني. وفي حالات قليلة، كان الحوار الذي تلا ذلك مع رؤساء الأحياء ورد الأخيرين على تعليقات السكان وسيلة بالنسبة لبعض رؤساء الأحياء لتقدير الاحتياجات العامة بشكل بنّاء والتوضيح للجمهور في الوقت نفسه القيود الإدارية والمالية التي يواجهها رئيس الحي. وبينما اقتصرت ممارسة ما سبق على صفحات قليلة من بين الصفحات الثلاثة والثلاثين ليوميات رئيس حي، كانت هناك بعض الحالات المثيرة للاهتمام للحوار الفعال والمشاركة العامة.
فعلى صفحة فيسبوك لرئيس حي الوايلي، أعرب أحد السكان عن استيائه قائلاً إن “… حي الوايلي، في ميدان أحمد نجيب وشارع مختار باشا … مليء بالسيارات المتهالكة والقمامة”، ليجيب رئيس الحي (أو يُحتمل أكثر أن يكون مدير الصفحة): “يريد السيد عادل أن تعرف أن رسالتك قد وصلتنا وأننا نعمل حالياً على حل هذا الموضوع. إن شاء الله، سنقوم صباح الغد بإزالة السيارات والقمامة (صفحة رئيس حي الوايلي على فيسبوك، 2016)”.
وعلى صفحة عين شمس على فيسبوك، نشأ نقاش بين بعض السكان ورئيس الحي حول إزالة المباني المخالفة في عام 2016. وغالباً ما يسبب هذا النوع من التدخل ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف المنخرطة في القضية: رئيس الحي، والمقاولون الذين يستفيدون من المباني التي تم إنشاؤها بشكل مخالف أو غير مرخص، والسكان الذين يتضررون من نفس المباني والعوائق الجديدة لأشعة الشمس أو المناظر أو الأماكن العامة.
وفي المناقشة، سأل أحد السكان رئيس الحي: “لماذا يسمح رؤساء الأحياء بتشييد مباني سكنية مخالفة ليقوموا لاحقاً بهدمها بدلاً من منع بنائها في المقام الأول؟” وجرّب رئيس الحي عندها عزو سبب حدوث ذلك إلى عدم كفاية القوانين واللوائح، بحجة أنه ليس لديه خيار قانوني آخر سوى إزالة التعديات على المباني (أي هدم المخالفات أو إزالتها) بعد وقوعها. وبعد رد رئيس الحي، واجه السكان رئيس الحي بحقيقة أخرى مع قول أحدهم: “لماذا تركزون على إزالة المباني غير القانونية في حين أن البرلمان على وشك أن يقر قانون المصالحة؟” (صفحة عين شمس، 2016).12
وفي مناقشة أخرى، اعترض المقاولون والقاطنون على رؤساء الأحياء احتجاجاً على إزالة مباني مخالفة. ونشأت مسألة عدم المساواة في المناقشات التي دارت بين السكان ورؤساء الأحياء بشأن عملية الإزالة. وفي إحدى النقاط، دعا رئيس الحي السكان المهتمين إلى اجتماع لمعالجة المشاكل الحالية واستكشاف طرق لتحسين الوضع. وفي أحد منشورات فيسبوك، يكتب “رئيس حي عين شمس” (أو مسؤول الصفحة):
ينزعج الناس من عمليات الإزالة … ولكن ثمّة سؤال واحد: لماذا يبني الناس بشكل مخالف؟ ثمّة فساد هائل، بما في ذلك البناء غير القانوني للطوابق الإضافية ضمن المباني. على سبيل المثال، عندما يصدر الحي انتهاكاً لقانون البناء، عادة ما يتم اكتشاف أن هذه الطوابق المضافة كانت مكتوبة تحت اسم شخص متوفى، مما يُبطل الانتهاك. الجانب الأكثر أهمية، في رأيي، هو أن المقاولين يدركون هذه المشاكل، لكنهم لا يزالون يفشلون في الحصول على تصاريح بناء. وبشكل عام، سيتم التصديق على قانون المصالحة قريباً. لذلك، هاتفي متاح في أي وقت. دعونا نجتمع ونناقش هذه المشكلات (صفحة عين شمس، 12 فبراير 2016).
بعد بضعة أيام، نشر رئيس الحي نسخة من وثيقة تؤكد فيها شركة استشارية قانونية أن رخصة البناء لحي عين شمس صحيحة. قدّم المنشور الدليل للسكان المتشككين بالعملية القانونية وراء الموافقة على تصريح بناء وأنشأ خط تواصل بين رئيس الحي والمقيمين. ونقرأ في تحديث للمنشور: “أصبح الحلم حقيقة: تصريح البناء صحيح التوقيع” (صفحة عين شمس، 16 فبراير 2016). ويبدو أن هذا التبادل المحدد يوضح الحاجة إلى تغيير النظام والقوانين القائمة.
وعلى الرغم من أن حالات الحوار، مثل الحالة المذكورة أعلاه، قليلة العدد عبر ثلاث وثلاثين صفحة من صفحات يوميات رئيس حي، كانت هناك بعض الحالات الواعدة الأخرى للحوار الفعال والمشاركة العامة. ويمكن لمثل هذه الممارسات، إذا تم تعزيزها، أن تساهم في تحسين العلاقة بين الدولة والمواطن مستقبلاً، بالإضافة إلى أنها قادرة على تسليط الضوء على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي كقناة اتصال سهلة الوصول وشفافة، إذ يمكن لفيسبوك إنشاء مساحة للمناقشة العامة إذا كان المسؤولون المحليون جادين في معرفة المزيد عن المشكلات في أحياءهم وإشراك السكان في حوار لتحسين السياسة العمرانية.
يوميات رئيس حي كفضاء لبناء الثقة؟
أدى إهمال الحكومة للاحتياجات المحلية وتصور واسع النطاق بأن المسؤولين الحكوميين فاسدين ويفضلون النافذين وذوي العلاقات إلى تدهور ثقة الجمهور بالحكومة على مدار العقود القليلة الماضية. ويزداد عدم الثقة ذاك عندما يتصرف رؤساء الأحياء والمسؤولون المحليون الآخرون من دون مراقبة محلية. وقد تكون هناك إمكانية باستخدام صفحات فيسبوك لإعادة بناء الثقة بين المجتمع والسلطة المحلية ورؤساء الأحياء كمنصة فعالة لتثقيف الجمهور حول نطاق سلطة الإدارة المحلية، وعرض جهود الإدارة المحلية، والسماح للسكان بنشر مظالمهم.
ومع ذلك، لا تزال تظهر غالبية تعليقات السكان على صفحات فيسبوك عدم المساواة المتصورة والفساد وعدم الكفاءة على نطاق واسع. وهذا قد يعزز ويديم الانطباع السلبي لدى الجمهور بشأن أداء وسياسات الحكومة المحلية غير المنصفة وغير الفاعلة. لذلك، من الأهمية بمكان بالنسبة إلى رؤساء الأحياء عدم جعل تلك الصفحة ترتد سلباً عليهم بتجاهل ما يُكتب فيها أو عدم الاستجابة بكفاءة للمظالم العامة التي يطرحها السكان على متن تلك الصفحات. ومن المهم أيضاً لرؤساء الأحياء الشرح باستمرار قدرتهم المحدودة على الاستجابة بشكل كامل للاحتياجات المحلية أو تحديد موارد إضافية، كونهم مكلفين بتنفيذ السياسات والخطط والمشاريع والقوانين القومية.
خاتمة
أنشأ رؤساء الأحياء ومحافظة القاهرة صفحات فيسبوك هذه لتسليط الضوء على إنجازات الإدارة المحلية، من الواجبات الروتينية البلدية – مثل كنس الشوارع – إلى المشاريع العامة الأكبر – مثل تجديد مركز الشباب المجتمعي. وقدمت هذه الصفحات منبراً لحوار بين المجتمع والدولة على نطاق أوسع فيما يتعلق بجودة ونطاق عمل الحكومة المحلية نظراً لطبيعة فيسبوك كوسيط. كما قام رؤساء الحي (أو مسؤولو صفحاتهم) بعرض إنجازات فرقهم من ناحية، عبر منشوراتهم، ومن ناحية أخرى تقديم المعلومات حول التحديات البيروقراطية والميزانية التي يواجهونها، والرؤى وراء عملية صنع القرار. وكانت المنشورات المتصلة بمختلف المشاريع المحلية متاحة للجمهور للتعليق عليها والذين بدورهم عبّروا عن إحباطهم أو قلقهم أو ثنائهم، مع قيامهم في الوقت نفسه باقتراح مجالات أخرى بحاجة إلى اهتمام وتنمية محلية.
وكان يتم تجاهل تعليقات القاطنين أحياناً، وفي أحيان أخرى يحصلون على ردود من رؤساء الأحياء، وحتى نقاشات مثمرة. وقد يوفر هذا النوع من المناقشة بين القاطنين ورؤساء الأحياء على صفحات فيسبوك فرصة لبناء علاقات قيّمة بين المجتمع والإدارة المحلية، حيث يمكنه حشد الدعم المحلي للقضايا المهمة، وتعزيز التنمية التشاركية والتخطيط العمراني ليتم وضعه في سياقه الصحيح محلياً، والتأثير على عملية صنع القرار بطريقة تجعلها تلبي احتياجات المجتمع المحلي بدلاً من أهداف الحكومة المركزية. كما يمكن من خلال هذا الحوار سماع أصوات المجتمع المحلي وبالتالي توفير الشرعية والزخم للخطط العمرانية المقترحة.
علاوة على ذلك، يواجه رؤساء الأحياء عقبات كبيرة في عملهم بسبب القوانين غير الكافية أو التي عفا عليها الزمن وديناميات القوة الإشكالية. وقد يساعد تعزيز الشفافية في عملية صنع القرار ضمن الحكومة المحلية، مثل النوع الذي تم إنشاؤه بواسطة صفحات يوميات رئيس حي، السلطات المحلية على تعزيز مقترحاتها للتنمية أو توضيح احتياجات وأولويات أحياءها بشكل أفضل عندما تتفاعل مع المستويات الأعلى ضمن الدولة المصرية.
وتستخدم أندريا كورنوال، في بحثها المتصل بمساحات المشاركة الديمقراطية، مصطلح “المساحات المدعوة” للإشارة إلى ساحات المشاركة التي تتواصل الحكومة من خلالها مع المواطنين، أو أنواع أخرى من المشاركة (بالمقارنة مع “المساحات الشعبية”، وهي تلك التي أنشأها مواطنون بشكل مستقل عن الحكومة، أو في كثير من الأحيان ضدها [2004]). وسهّلت حملة يوميات رئيس حي طرقاً جديدة للتواصل بين المواطنين والمسؤولين المحليين على الرغم من أن هذا قد لا يكون هدفها الأصلي. ويمكن اعتبار صفحات فيسبوك هذه بمثابة نوع من “المساحات المدعوة” الافتراضية، أو على الأقل شيء يشبه إلى حد بعيد واحدة.
وقد تختلف “المساحات المدعوة” في الشكل الذي تتخذه وديناميكية المشاركة التي تنتجها؛ فقد تكون نتاج إرادة سياسية حقيقية لتوسيع مشاركة المواطنين، أو ببساطة نتيجةً للضغوط السياسية (كورنوال 2004). وتفتح صفحات يوميات رئيس حي سبيلاً (وإن كان محدوداً) لمشاركة المواطنين في الأنشطة اليومية للحكومة المحلية لم تكن موجودة سابقاً على الرغم من أنها لا تنشئ أي أساس مؤسسي أو قانوني لرؤساء الأحياء للاستجابة لمطالب المجتمع. وكما ذكرنا سابقاً، لا يتم انتخاب رؤساء الأحياء بل يعيّنهم رئيس الوزراء. إن مشاركة المعلومات حول صنع القرار في هذا المنصب والرؤية العامة لردود فعل المواطنين أمران جديران بالملاحظة. وكما قال الباحثان كورنوال وكويلو، “يمكن أن يؤدي فتح عمليات صنع قرار، لم تكن مفتوحة سابقاً، أمام المشاركة العامة إلى إنشاء مواضيع سياسية جديدة وكذلك سياقات جديدة” (كورنوال وكويلو 2007، 21).
وعلى الرغم من قيام يوميات رئيس حي بإنتاج منصة جديدة لإشراك المواطنين والمسؤولين المحليين، إلا أنها سلطت الضوء على مناخ من عدم الثقة وعدم تلبية السياسات والإجراءات التقليدية للحكومة المحلية لتطلعات المستفيدين منها. كما أظهرت الصفحات القيود الخطيرة وعدم الكفاءة لسياسات رئيس الحي والدور التبعي لرؤساء الأحياء أمام بعض موظفيهم، والحكومة المركزية، وحتى لأفراد المجتمع الأقوياء ذوي العلاقات القوية. علاوة على ذلك، يتمتع رؤساء الأحياء بالحرية في إدارة المحتوى الموجود على صفحاتهم واختيار تعليقات القاطنين التي يريدون الرد عليها وتجاهل أخرى.
ولا تعد صفحات رؤساء الأحياء أو غيرها من المساحات التشاركية بديلاً عن أي نوع من أنواع المساءلة العامة المؤسسية التي تنشئها حكومة محلية منتخبة؛ لكن أصبحت يوميات رئيس حي على الأقل مساحة جديدة للتعبير عن المخاوف والاهتمامات المحلية.
1. شملت قائمة الأحياء الثلاث والثلاثين ستة أحياء في شمال القاهرة (شبرا، الساحل، الشرقية، روض الفرج، حدائق القبة والزيتون)، وتسعة أحياء في جنوب القاهرة: (القاهرة القديمة، البساتين، دار السلام، المعادي، حلوان، معصرة، التبين، طره، السيدة زينب)، وثمانية أحياء في وسط القاهرة (الموسكي، الخليفة، المقطم، باب الشعرية، الجمالية، عابدين، النزهة، مركز القاهرة)، وسبعة أحياء في شرق القاهرة (القاهرة الجديدة، مدينة نصر، الوايلي، العباسية، عين شمس، المرج، المطرية، منشأة ناصر، السلام)، وأخيراً حي واحد في غرب القاهرة (بولاق). يمكن النظر على سبيل المثال إلى صفحة حي المطرية على فيسبوك. [كانت سارة الدفرواي هي من قدّم تقسيم الأحياء هذا، ولا يمكننا تغييره الآن من دون الرجوع إليها، وهو الأمر الذي لا أريد القيام به. لنترك الوضع على ما هو عليه، على الرغم من أن دينا أشارت إلى عدم صحة التقسيم. لقد قمت بتصحيح طريقة كتابة أسماء الأحياء بالإنجليزية في البحث، لكن البعض الآخر يحتاج إلى تصحيح هنا].
2. سنحلل هنا صفحات “يوميات رئيس حي” ولكن لمزيد من المعلومات حول الإدارة المحلية في مصر، يرجى الاطلاع على مبادرة التضامن العمراني في القاهرة. “بحكم التعريف، لا يوجد لدى مصر حكومة محلية، ولكن بدلاً من ذلك إدارة محلية -وهي مسألة لها دلالات واسعة النطاق. ويعتبر فهم هذه النقطة أمراً بالغ الأهمية لفهم التحديات التي تواجه المجتمعات في المدن المصرية. وفيما يتعلق بالسياسة، الإدارة المحلية هي هيئة مسؤولة عن تنفيذ مجموعة من القوانين والسياسات، في حين أن الحكومة المحلية هي هيئة لا تدير فقط القوانين والسياسات بل تقوم بإصدارها أيضاً” (مبادرة التضامن العمراني في القاهرة، 2013).
3. في أعقاب سقوط جماعة الإخوان المسلمين في عام 2013 والعنف ضدها، أغلقت حكومة السيسي العديد من الجمعيات الخيرية التي عرفت باسم “الجمعيات الخيرية الإسلامية” والتي لم تكن تابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الحركات السياسية الإسلامية. أعيد فتح بعضها لكن البعض الآخر ظل مغلقاً. للاطلاع على مناقشة أوسع للنمو الشامل للأعمال الخيرية الإسلامية في مصر، انظر عطية (2013).
4. كان اختيار الأحياء الأربع يرجع إلى تعاون سارة الدفراوي مع Shehayeb Consultancy في تلك الأحياء لوضع أدلة بعنوان: “Maximizing Use Value Manual Set: An Approach to Upgrade Informal Areas” الذي يوفر الدعم الفني لموظفي الحكومة المحلية للتعامل مع التدخلات العمرانية.
5. وفقاً للمادة 32 من قانون الإدارة المحلية 43، يرأس المحافظ المجلس التنفيذي للمحافظة الذي يتضمن نواب المحافظ ورؤساء المدن والدوائر والإدارات والهيئات العامة بالمحافظات وأمين المحافظة. تحدد المادة 33 تسع ولايات من المجلس لتنسيق السياسات الحكومية العامة وتخطيطها وتنفيذها وإدارتها.
6. تم تعديل القانون 43 مرتين خلال عهد الرئيس مبارك: في عامي 1988 و1996، لكن لم يُعدّل هذا الجزء من القانون. تبرز سلطة وولاية رئيس الحي ثلاث مواد (63-65).
7. “كان لكل مستوى من مستويات الإدارة الحكومية (كل إقليم، محافظة، مدينة، وكذلك بعض القرى) أربعة مكونات قبل ثورة 2011: مسؤول تنفيذي، وموظف إداري، ومجلس تنفيذي، ولجان شعبية محلية (مايفيلد 1996). وكان من بين موظفي الإدارة المحلية مديريات الخدمات والموظفين الشخصيين للسلطة التنفيذية وسلسلة من الإدارات ذات الصلة بالتنمية. وكان يترأس كل مجلس تنفيذي مسؤول تنفيذي، ويضم مساعد المدير التنفيذي، والرؤساء التنفيذيين للوحدات الإدارية في المحافظات الفرعية، ورؤساء الإدارات العامة والوكالات والسلطات داخل المحافظة أيضاً. ويمكن للمحافظ أيضاً دعوة رؤساء المرافق العامة ليكونوا في المجالس (انظر مايفيلد، 1996).
8. لمعرفة المزيد عن الخطط التفصيلية، قم بالاطلاع على القانون رقم 119 لعام 2008 (قانون البناء) و مبادرة التضامن العمراني في القاهرة 2015. تناقش الصحافة في بعض الأحيان خطط المحافظ التفصيلية لمدينتهم؛ ويمكن العثور على مثال على ذلك بينما يناقش محافظ الأقصر خطط إنشاء “مدينة ذكية” جديدة في مكان قريب. انظر وكالة أو نيوز (2015).
9. لفهم مفصّل أكثر للمؤسسات التي تدير القاهرة وغيرها من المدن في مصر، راجع قسم “اعرف حكومتك” في مبادرة التضامن العمراني في القاهرة (2013).
10. قبل الثورة، كانت المجالس الشعبية المحلية، وهي الهيئة التمثيلية للحكومة المحلية، تتمتع بقدر ضئيل جداً من الاستقلال الذاتي، ولا تتمتع بسلطة تشريعية، فضلاً عن أن لديها موارد اقتصادية قليلة، وتفويض محدود، مع سماح الحزب الوطني الديمقراطي لأصوات المعارضة القليلة للغاية بالفوز في الانتخابات (انظر مبادرة التضامن العمراني في القاهرة 2013). في انتخابات عام 2008، التي شارك فيها خمسة في المائة فقط من الناخبين المؤهلين، فاز أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي، الذين خاضوا الانتخابات دون معارضة، بنسبة 80 في المائة من إجمالي مقاعد المجالس المحلية البالغ عددها 52000 مقعداً، ومن المقاعد المتبقية المتنافس عليها، فاز الحزب الوطني الديمقراطي بـ 95 في المائة (انظر حرز الله وحمزاوي 2008، 15).
11. رؤساء إدارات الخدمات والإنتاج المحددة في اللائحة التنفيذية للقانون رقم 43، المادة 60، تشمل: الداخلية، والتعليم، والصحة، والإسكان، والزراعة، والخدمات البيطرية، والري، والشؤون الاجتماعية، والضمان الاجتماعي، والقوى العاملة، وتجارة الإمداد، والكهرباء والثقافة والشباب والرياضة والأوقاف والأزهر والتمويل والبنك الزراعي.
12. “عمليات الإزالة” هي موضوع حساس للغاية لأنها لا تعني فقط إزالة المباني أو هدمها، أو لأنها تخضع لإجراءات قضائية طويلة للغاية، بل تعني أيضاً خسارة الناس لمساكنهم واستثماراتهم في هذه الممتلكات المتنازع عليها، وهو ما يمثل خسارة كبيرة لمعظم العائلات. يمكن للمهندسين المحليين، على مستوى الحي، إصدار أوامر الهدم، لكن يمكن أيضاً الطعن في تلك الأوامر أمام المحكمة وغالباً ما تمر بعمليات قانونية وأمنية معقدة للغاية. ويشعر العديد من سكان المجتمع أن العملية المعقدة عرضة أيضاً للرشوة والفساد في كل مرحلة من مراحلها. ويهدف قانون المصالحة فيما يتعلق بانتهاكات المباني، والذي تم الإعلان عن مسودة أولية له في مايو 2014 في عهد رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، إلى تنظيم المباني التي تم إنشاؤها بشكل غير قانوني في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 نتيجة التعديات وانتهاكات قانون البناء. ويجوز لأولئك الذين ينتهكون قانون البناء قبل التصديق على قانون المصالحة، أن يطعنوا في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بصفتهم الممثل المفوض بموجب المادة السادسة من القانون 119، بإيقاف المخالفات قيد الإزالة من قبل السلطات. بعد دفع غرامة، كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من قانون المصالحة، يحق لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تشكيل لجان فنية للتعامل مع بعض انتهاكات المباني، باستثناء: (1) المباني المشيّدة بشكل يعتبر “غير آمن” ؛ (2) التعدي على لوائح تقسيم الأحياء؛ (3) ارتفاع المباني بشكل يتجاوز القيود التي تحددها هيئة الطيران المدني؛ (4) انتهاكات قوانين وأنظمة مواقف السيارات، والتي تشمل، على سبيل المثال، تحويل مواقف سيارات خاصة إلى مواقف تجارية من دون نيل التصاريح اللازمة (لا يحدد القانون الأحياء السكنية أو التجارية في هذه الحالة)؛ (5) المباني التي شُيدت على أراض محمية بموجب قانون الحفاظ على الآثار؛ و (6) والمباني التي شيدت على ممتلكات عائدة للدولة. توافق اللجنة الفنية، المؤلفة من رئيس استشاري هندسي واثنين من المهندسين المحترفين في وظائف غير إدارية، على عمليات الإزالة أو توفر فترة عفو لتعديل (وفي النهاية مسامحة) الانتهاكات. تحدث الموافقة على التعديلات فقط عندما يتم إثبات السلامة الهيكلية للمبنى من خلال شهادة سلامة المبنى الصادرة عن اللجنة عند عمليات التفتيش النهائية. انظر القرناشاوي (2014) للاطلاع على المسودة الكاملة لقانون المصالحة.
صفحة عين شمس. 2016. على فيسبوك. منشور من قبل رئيس حي عين شمس يستجيب فيه على شكاوى القاطنين والمقاولين المحليين بشأن انتهاكات المباني وتصاريح البناء. 12 فبراير، 5:59 صباحاً. البيانات ذات الصلة مأخوذة بتاريخ 7 يوليو 2016.
صفحة عين شمس. 2016. على فيسبوك. صورة مرفقة بمنشور من رئيس حي عين شمس يعرض نسخة من وثيقة أعدتها هيئة استشارية قانونية تؤكد صحة تصريح بناء الحي. 16 فبراير، 9:13 مساءً. البيانات ذات الصلة مأخوذة بتاريخ 7 يوليو 2016.
عطية، منى .2013. Building a House in Heaven: Pious Neoliberalism and Islamic Charity in Egypt. منيابوليس، مطبعة جامعة مينسوتا
القرشاوي، شيماء . 2014. “المسودة الكاملة لقانون المصالحة“. المصري اليوم. 24 يوليو.
كورنوال، أندريا (2004). ”Introduction: New Democratic Spaces? The Politics and Dynamics of Institutionalized Participation“. نشرة IDS، 35 (2)، 1-10.
كورنوال، أندريا وفيرا شاتن كويلو. (2007). ”.Spaces for Change? The Politics of Citizen Participation in New Democratic Arenas“. لندن ونيويورك: زيد بوكس.
حرز الله، محمد وعمرو حمزاوي. 2008. ”Egypt’s Local Elections Farce Causes and Consequences“. كارنيجي إندومينت بوليسي أوتلوك، واشنطن، البيانات ذات الصلة مأخوذة من http://www.policyarchive.org/handle/10207/bitstreams/6520.pdf
مايفيلد، جيمس. 1996. Local Government in Egypt: Structure, Process, and the Challenges of Reform. مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، القاهرة.
وكالة أنباء أو نيوز .2015. “بدر يبحث وضع مخططات تفصيلية استراتيجية لمدينة الأقصر“. وكالة أو نيوز، 29 ديسمبر.
رجب، محمد. ”نظام الإدارة المحلية في مصر“. شركاء في التنمية، مصر.
دينا شهاب .2016. وآخرون. قيد الصدور: ”Maximizing Use Value Manual Set: An Approach to Upgrade Informal Areas“. برنامج التنمية التشاركية في الأحياء العمرانية (PDP)، GIZ، مصر.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن (2013). ”Why Did the Revolution Stop at the Municipal Level“ يونيو 23.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن (2013 أ) ”Who Pays for Local Administration“ يونيو 23.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن (2015). ”What to Expect from Egypt’s New Building Tax Law“ مارس 23.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن. ”المجالس المعيَّنة للأحياء“.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن. ”المجالس الشعبية المحلية“.
مبادرة التضامن العمراني في القاهرة: تضامن. ”المراكز الإقليمية للهيئة العامة للتخطيط العمراني.“
يوميات رئيس حي الوايلي على فيسبوك .2016. تعليق من قاطن على منشور مسؤول رئيس الحي والرد اللاحق من مسؤول صفحة رئيس الحي. وصف المنشور الأصلي عملية التنظيف والتجديد في أحياء معينة تزامناً مع موسم الأعياد المسيحية. 7 يناير، 1:05 مساءً و 18 يناير، 5:13 مساءً. البيانات ذات الصلة مأخوذة بتاريخ 7 يوليو 2016.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments