وسّعت الحكومة المصرية شبكات توزيع المياه خلال العقود الثلاثة الماضية لزيادة تقديم الخدمات في المناطق الحضرية والريفية، مما رفع التغطية الوطنية إلى 96% في عام 2004، إضافة إلى تحقيق تحسينات كبيرة في نوعية المياه واستمرارية الخدمة (الشبكة المصرية للتنمية المتكاملة، غير مؤرخ). ومع ذلك، لم يحظَ قطاع الصرف الصحي بالمستوى نفسه من الاستثمار، حسبما توضح إحصاءات عام 2006 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. تبلغ نسبة الأسر المصرية المربوطة بخدمة الصرف الصحي 46.6% فقط، في حين تعتمد البقية على أساليب غير رسمية للصرف الصحي، وهي أساليب لا يمكن الاعتماد عليها دائماً، مما يؤدي إلى فيضان المياه العادمة وتسربها من الحفر الامتصاصية، ويترك بالتالي تأثيراً كبيراً على الصحة والبيئة المعمورة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يؤدي تسرب المياه العادمة إلى تلويث المياه الجوفية، كما تتسرب أحياناً إلى أنابيب مياه الشرب والمحاصيل الزراعية في المناطق الريفية. وتعمل مرافق المياه الملوثة على نشر الأمراض المنقولة بالماء من قبيل الإسهال والبلهارسيا. وفي عام 2004، بلغت نسبة الوفيات المرتبطة بخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية 4.1% من مجموع الوفيات في مصر. وفي عام 2015، مثّلت أمراض الإسهال 10.9% من أسباب الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي تسرب المياه من الأنابيب وتجمّع النفايات العضوية تحت المنازل إلى انجراف التربة. ووفقاً لأحد الخبراء، فإن الانجراف الصخري في الدويقة الذي أدى إلى مقتل 98 شخصاً في أيلول/ سبتمبر 2008، نجم جزئياً عن التخلص غير الملائم من المياه العادمة، مما أضعف السلامة الإنشائية للمباني في المنطقة (De Albuquerque, 2010).
وعلى ضوء هذه الأخطار – والتي تتضح أكثر في المجتمعات المحلية الريفية، طورت مؤسسة معاً للتنمية والبيئة مشروع رؤية لتنمية قرية عزبة يعقوب في محافظة بني سويف.[1] يجري هذا المشروع بتمويل من مؤسسة المجموعة المالية هيرميس للتنمية الاجتماعية، وتنفذه مؤسسة معاً، ويشمل إنشاء مرفق لمعالجة المياه العادمة بإدارة مجتمعية، ويخدم قريتين في محافظة بني سويف. وتوفر المبادرة نموذجاً بديلاً ناجحاً لنظام صرف صحي كافٍ لمجتمع محلي ريفي صغير، ويعتمد نجاح المبادرة على مشاركة المجتمع المحلي والابتكارات التقنية.
تكشف التغطية الحالية لنظام الصرف الصحي الحكومي في مصر عن تفاوت اجتماعي-اقتصادي وجغرافي كبير. فوفقاً لصحيفة وقائع نشرها مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعي في عام 2012، فإن 88% من سكان المناطق الحضرية موصولون بنظام الصرف الصحي، في حين تصل النسبة إلى 27.4% فقط في المناطق الريفية (2014). وهذا يعني أن أنظمة الصرف الصحي ومرافق معالجة المياه العادمة تغطي 6% فقط من القرى المصرية (مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2014). وتعتمد الأسر المعيشية غير الموصولة بأنظمة الصرف الصحي العمومية على وسائل صرف في الموقع وحلول غير رسمية للتخلص من المياه العادمة. وباتت هذه الأساليب غير مستدامة بسبب النمو السكاني، وتغيّر تدفقات المياه، وارتفاع منسوب المياه الجوفية (De Albuquerque, 2010).
ويتمثل أحد الحلول الأكثر انتشاراً في نظام البيارة، والحفر الامتصاصية (الترنشات). وعادة ما تكون جودة إنشاء هذه الحفر غير كافية ولا “تضمن الفصل الصحي بين الفضلات الإنسانية وبين الناس” (De Albuquerque, 2010). إضافة إلى ذلك، فإن تسرب المياه العادمة ليس أمراً نادراً. ويتعين التعاقد مع شركات خاصة لتفريغ الحفر الامتصاصية التي تستخدمها أسر متعددة. ويكلف نقل المياه العادمة إلى أماكن الجمع المعالجة ما بين 30 إلى 50 جنيهاً مصرياً على كل أسرة في كل مرة، ويتعين على بعض الأسر تفريغ الحفرة مرة واحدة في الأسبوع. وعادة ما تؤدي كلفة تفريع الحفر الامتصاصية إلى تثبيط الأسر المعيشية عن تفريغها بصفة منتظمة، مما يؤدي إلى تراكم المياه العادمة ومن ثم زيادة حالات فيضان المياه العادمة وتسربها. وأحيانا، وبسبب نقص الرقابة الحكومية، يقوم متعاقدو تفريغ الحفر بطرح المياه العادمة في تجمعات مائية محلية بدلاً من نقلها إلى مرافق المعالجة. وبالمثل، تقوم الأسر المعيشية غير المستعدة أو غير القادرة على دفع كلفة مثل هذه الخدمات بطرح المياه العادمة في المجاري المائية أو ببساطة في الحقول المجاورة.
يتجاوز إنتاج المياه في مصر حالياً قدرتها على جمع ومعالجة المياه العادمة، إذ يتم جمع ثلثي المياه المنتجة فقط، كما أن أقل من نصف المياه التي يتم جمعها تُعالج على نحو ملائم (الشبكة المصرية للتنمية المتكاملة، غير مؤرخ). ويعود جزء كبير من سبب عدم قدرة الحكومة على توسيع أنظمة الصرف الصحي بسرعة كافية (De Albuquerque, 2010) والأداء الضعيف للقطاع إلى تشظي السلطات المعنية بهذا القطاع، وتشعّب الإدارة العامة، والتحديات المالية، والصعوبات التقنية (Raslan, 2013).
وبدأت جهود لإصلاح القطاع في عام 2004 وأدت إلى تأسيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وهي جهاز مركزي مكلف بتنقية مياه الشرب وإزلة ملوحتها ونقلها وتوزيعها وبيعها، إضافة إلى جمع المياه العادمة ومعالجتها والتخلص منها بصفة آمنة بالتعاون مع شركات حكومية قابضة تابعة لها. إضافة إلى ذلك، تأسس بموجب الإصلاحات الحكومية جهاز تنظيم مياه الشرب لتنظيم ورصد الأنشطة في قطاعي المياه والصرف الصحي.
وفي حين تؤدي الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي دوراً رئيسياً، ثمة وزارات وجهات متعددة تشارك في إدارة قطاعي المياه والصرف الصحي. فعلى سبيل المثال، تنهض وزارة الصحة والسكان بالمسؤولية عن فرض معايير مياه الشرب والتفتيش على محطات تنقية المياه العادمة؛ أما وزارتا المالية، والتخطيط والتعاون الدولي فتضمنان وتوزعان الاستثمارات والدعم في القطاع، في حين تنهض وزارة الصناعة بالمسؤولية عن تحديد المعايير والأنشطة الصناعية (Soulie 2013). ومن السهل أن نتخيل ما يؤدي إليه تعدد الجدهات الفاعلة من تحديات في التنسيق وتداخل في الاختصاصات، مما يجعل من الصعب ضمان مساءلة الجهات والوزارات المتعددة.
ويشرف الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي في القاهرة والإسكندرية على الاستثمارات في قطاعي المياه والصرف الصحي، في حين تؤدي المنظمة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي هذا الدور في جميع المحافظات الأخرى ما عدا محافظة السويس. وتموَل الاستثمارات جزئياً من الدولة بدعم من جهات مانحة أجنبية. ويوضح تقرير صادر عن الشبكة المصرية للتنمية المتكاملة أن إدارة القطاع تعمل على تقييم الاحتياجات الاستثمارية ثم تنتظر تخصيص الموارد العامة. وبما أن القطاع يواجه منافسة شرعية من جهات حكومية أخرى تسعى للحصول على مخصصات من الموازنة، لذا فإن الأموال المخصصة للقطاع غير كافية. ومن ناحية أخرى، توجّه أغلبية الأموال من الجهات المانحة الأجنبية نحو تمويل مشاريع في مناطق ذات أولوية عليا، ولمساعدات تقنية للجهات الحكومية المعنية، أو نحو تصميم استراتيجيات للتغطية الشاملة ولتقدير التكاليف المطلوبة.
وتقدم الحكومة دعماً مالياً كبيراً لكلفة مياه الشرب والصرف الصحي، وبالتالي فإن التعرفات المنخفضة المفروضة على المستهلكين تعيق الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي والشركات التابعة لها عن زيادة ميزانيتها عبر نهج استعادة الكلفة.[2] وتُظهر دراسة أُجريت في عام 2013 أن إدارة وتشغيل جمع المياه العادمة ومعالجتها يكلف الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي حوالي 75 قرشاً/ م3، في حين تدفع الأسر 8 قروش/ م3، وتغطي الحكومة فجوة الكلفة هذه (Spit and Ismail, 2013) كما تغطي الدعم المتقاطع من المستخدمين التجاريين والصناعيين.[3] وأوضح السيد ممدوح رسلان، نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، في مقابلة تلفزيونية أن التكاليف التي تكبدتها الشركة بلغت حوالي 10 بلايين جنيه، في حين تم جمع 7 بلايين جنيه من تعرفات المياه، وخصصت ميزانية الحكومة 700 مليون جنيه للشركة. وقد تسبب ذلك بعجز مالي للشركة مما أعاق قدرتها على تنفيذ مسؤولياتها كاملة وصيانة الشبكات.
نظراً لحجم التكاليف المطلوبة لتحديث شبكة الصرف الصحي وتوسيعها، ليس بوسع الحكومة أن تعتمد فقط على نهج الاستثمار العام المكلف، وثمة حاجة إلى إيلاء انتباه للجهود القائمة على الأرض والاستفادة منها. ومن بين هذه الجهود، مشروع رؤية الذي يستخدم نظام الأرض الرطبة المُنشأة لمعالجة المياه العادمة في المجتمعات المحلية الريفية في محافظة بني سويف. ويوفر هذا النظام المطبق حلاً مكيفاً وملائماً للسياق المحدد للصرف الصحي للمجتمع المحلي المعني. وقد نبذت المنظمة غير الحكومية التي تدير المشروع نهج الحل الموحد الذي يلائم جميع الأوضاع والذي عادة ما تنتهجه الحكومة، مما أتاح للمنظمة توفير حل أكثر فاعلية من حيث الكلفة ولا يتطلب تقنيات معقدة، ومع ذلك فإنه يلبي احتياجات المجتمع المحلي.
ظلت مؤسسة معاً للتنمية والبيئة منهكمة منذ تأسيسها في عام 2006 في تنفيذ مشاريع بيئية في جميع أنحاء صعيد مصر. يقع مقر المؤسسة في محافظة المنيا، وهي تنفذ أيضاً مشاريع تركز على تقديم الخدمات الاجتماعية والتمكين الاقتصادي. يشغل المهندس سامح سيف منصب المدير التنفيذي للمؤسسة ورئيس مشروع رؤية الذي تأسس في عام 2008، وقد أوضح لمبادرة تضامن أن نقص خدمات الصرف الصحي الملائمة يمثل أحد أهم المشاكل التي تواجه القرى المصرية. فتلوث المياه الجوفية الناشئ عن التخلص من المياه العادمة غير المعالجة يمثل مشكلة كبيرة نظراً للاعتماد الكبير على المياه الجوفية لتوفير مياه الشرب في المناطق الريفية. وهو بالتالي يؤكد على الحاجة إلى تطوير حلول صغيرة الحجم وفعالة من حيث الكلفة لمشكلة الصرف الصحي في المناطق الريفية.
وتألف المشروع في البداية من إنشاء محطة صغيرة لمعالجة المياه لخدمة سكان قرية عزبة يعقوب في مركز الفشن في محافظة بني سويف، وهي بين المحافظات الأدنى مرتبة من حيث مؤشر التنمية البشرية، وفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2010. ومع ذلك، أجرت مؤسسة المجموعة المالية هيرميس للتنمية الإجتماعية، وهي جهة مانحة، دراسات تقييم، وقررت تمويل مشروع أكبر يهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للقرية. وشمل مشروع رؤية، إضافة إلى العنصر الخاص بالصرف الصحي، ترقية مادية لمنازل القرية، وتنفيذ مشاريع اقتصادية لزيادة دخل الأسر، وخلق أماكن خضراء في القرية، إلى جانب إنشاء مركز للخدمات المجتمعية يتضمن مخبزاً ومركز تدريب وحضانة أطفال. وتم استكمال ذلك بحملات توعية حول قضايا البيئة والصحة.
وفّر المشروع حلاً متكاملاً للصرف الصحي، وهو يتألف من ثلاث عمليات متميزة: جمع المياه العادمة ونقلها إلى محطة المعالجة، ثم معالجة المياه العادمة، وأخيراً التخلص منها.
أضاف نظام الصرف الصحي الجديد شبكة وصلات فردية لجمع المياه العادمة على مستوى الأسرة المعيشية، ومن ثم نقلها إلى محطة معالجة محلية. وتم إنشاء محطة المعالجة على أرض خالية تملكها وزارة مصادر المياه والري في عزبة يعقوب، وهي تخدم 5,000 ساكن، إضافة إلى 4,500 ساكن في قرية جعفر القريبة.
وتجري المعالجة عبر ثلاث مراحل في محطة المعالجة. ففي المرحلة الأولى، تتلقى الخزانات المياه العادمة من محطة ضخ يجري فيها عزل الفضلات غير العضوية من المياه. وفي الخزانات، تُعالج المياه العادمة باستخدام بكتريا لاهوائية، ثم تتم تهويتها عند مخرج الخزان وعبر سد منخفض قبل أن تتدفق إلى غرفة حقن بالأكسجين. وفي المرحلة الثانية، تركد المياه في أحواض مملوئة بالحصى وتنمو فيها نباتات حيث تُعالج المادة العضوية من خلال البكتيريا اللاهوائية وتُصفى من الشوائب. ثم يتدفق الماء إلى حوض إنضاج حيث تُعالج بأشعة الشمس. وحسب الأنظمة، تتدفق المياه المعالَجة بعد ذلك إلى شبكة تصريف زراعية. وفي الخطوة الثالثة من المعالجة، يتم نقل الحمأة والفضلات الصلبة التي بقيت في الحفرة الامتصاصية في المرحلة الثانية، ثم يتم نشرها كي تجف في أحواض تجفيف. ثم يمكن خلط الحمأة مع فضلات الحيوانات وفضلات الزراعة لصنع سماد طبيعي. وكبديل عن ذلك، يمكن استخدام هذه الفضلات لإنتاج الغاز الأحيائي. ومؤخراً، عمل مركز الأبحاث القومي، بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، على تركيب وحدة في محطة المعالجة لإنتاج الغاز الأحيائي. وفي هذه الحالة تُرفع المياه العادمة التي تُركت في أحواض التجفيف مرة أخرى وتوضع في غرفة ضخ الهواء.
تتماشى الفضلات المعالجة المتبقية مع المعايير التي وضعتها وزارة البيئة للمياه العادمة المعالجة. ويجري أخذ عينات بصفة دورية من الفضلات المعالجة وفحصها من قبل شركة بني سويف لمياه الشرب والصرف الصحي للتحقق من استمرارية جودة المعالجة.
وفقاً لمؤسسة معاً للتنمية والبيئة، بلغت تكاليف مشروع التنمية المتكاملة للقرية 28 مليون جنيه مصري، بما في ذلك ترقية المنازل وتنفيذ مشاريع للتنمية الاقتصادية. وفي حين تم في البداية تقدير كلفة تنفيذ مشروع الصرف الصحي بمبلغ نصف مليون جنيه فقط، إلا أن توسيع المشروع تطلب محطة أكبر لمعالجة المياه العادمة لتغطي قريتين بدلاً من قرية واحدة، مما زاد الكلفة إلى 1.75 مليون جنيه. مع ذلك، تجدر ملاحظة أن تقدير الكلفة لم يغطي كلفة الأرض التي بُنيت عليها محطة المعالجة. وكما أشرنا أعلاه، كانت الأرض تتبع أصلاً لوزارة الموارد المائية والري، والتي منحت الإذن للجمعية باستخدامها للمشروع. إضافة إلى ذلك، لا يشمل التقدير العمل و/أو المساهمات الطوعية التي بذلها السكان للمشروع، والتي بلغت قيمتها 15% من تكاليف المشروع.
واستناداً إلى هذه التكاليف، قدرت الجمعية كلفة إقامة المشروع بـ 210 جنيهات لكل شخص في عام 2010. ونظراً للارتفاع اللاحق في أسعار المواد والعمالة والذي بلغ حوالي 30% على امتداد السنتين اللاحقتين، يُقدِر المهندس سامح سيف أن مشروعاً مكافئاً سيكلّف ما بين 300 إلى 350 جنيهاً للشخص في عام 2014.
كانت مؤسسة معاً للتنمية والبيئة مسؤولة عن تصميم المشروع وإدارته أثناء مرحلة التنفيذ. وقام ممثلون عن وزارة الزراعة، ووزارة الموارد المائية والري، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بزيارة الموقع وتابعوا تقدم المشروع أثناء مرحلة التنفيذ. إضافة إلى ذلك، جرى الإشراف على الإدارة المالية التي قامت بها مؤسسة معاً من قبل مؤسسة المجموعة المالية هيرميس للتنمية الإجتماعية بوصفها الجهة المانحة، ووزارة التضامن الاجتماعي، والجهاز الحكومي للرقابة.
وعند إنجاز المشروع، تم تسليم إدارته إلى جمعية التنمية المجتمعية لعزبة يعقوب، وكانت الجمعية قائمة آنذاك ولكنها لم تكن فاعلة.[4] وينحصر دور مؤسسة معاً حالياً في الرصد وتوفير المساعدة التقنية عند الحاجة.
وليتحقق النجاح للجهود التي يقودها المجتمع المحلي، يجب بناء التضامن الاجتماعي وضمان تعاون السلطات (Walnycki, 2015). وتمثل مبادرة مؤسسة معاً مثالاً شيقاً لانهماك المنظمات المدنية ومشاركة المجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ والرصد لمشروع للبنية الأساسية في مصر. وقد تم حشد التضامن الاجتماعي المطلوب من أجل العمل على تحقيق هدف مشترك من خلال تنظيم ورشات عمل واجتماعات وحملات توعية. وفي البداية، لم يُظهر الناس اهتماماً كبيراً لأن فهمهم للصرف الصحي الملائم كان يقتصر على تنفيذ تطويرات صغيرة للمراحيض المشتركة المزودة بحفر امتصاصية. وقد استُخدمت ورشات العمل المجتمعية لشرح أهمية المشروع قبل تنفيذه. وحالما فهم الناس أهمية الصرف الصحي والنظافة الصحية والوفرات المالية التي تستتبع ذلك، قدموا دعمهم للمشروع. ومع ذلك، واصلت بعض الأسر في الأيام الأولى لعمل المشروع في طرح الفضلات في القنوات، إذ كانت تخشى أن الحفر الامتصاصية الملحقة بمنازلها ربما تفيض إذ كانت تفيض بصفة منتظمة قبل المشروع. واستجابة إلى ذلك، كثّفت الجمعية حملات التوعية، ولم تحدث سوى حالات محدودة فاضت فيها المياه العادمة أو تسربت خلال السنوات الثلاث الأولى من تنفيذ المشروع. وقد بدأ الناس يشعرون بثقة كبيرة بالمشروع، وبلغت مساهماتهم النقدية والعينية للمشروع 15% من تكاليفه.
وفي الوقت الحالي، تعمل جمعية التنمية المجتمعية لعزبة يعقوب على تشغيل محطة المعالجة. وقد أتاح العنصر المتعلق ببناء القدرات في تصميم المشروع تسليم عملية تشغيل محطة المعالجة بسهولة إلى جمعية التنمية المجتمعية. وقد قامت مؤسسة معاً بتدريب أعضاء في جمعية التنمية المجتمعية بشأن الجوانب الإدارية والمالية لإدارة المشروع، من قبيل الحصول على الموافقات من السلطات المحلية، وجمع الرسوم من السكان، وتسجيل التدفقات النقدية والنفقات. وعلى المستوى الفني، ضمنت مؤسسة معاً، بالتعاون مع جمعية التنمية المجتمعية لعزبة يعقوب، مشاركة ما بين أربعة إلى ستة شباب في جميع خطوات التنفيذ الفني وتدريبهم للتعامل مع حالات انسداد الأنابيب، وتصليح المحركات، أو معالجة المشاكل التي تنشأ في أحواض محطة المعالجة. ووفقاً للمهندس سامح سيف، تضمن هذه المشاركة المحلية توفير الخدمات والصيانة في الوقت المطلوب وبالشكل الملائم. وإذا ما ظهرت مشاكل أو أعطال في النظام، يتم إبلاغ جمعية التنمية المجتمعية التي تعمل على معالجتها فوراً. وأعرب المهندس سامح سيف عن قناعته بأنه لو كانت شركة بني سويف لمياه الشرب والصرف الصحي هي من يقدم هذه الخدمة، فلن تتمكن من معالجة الشكاوى بسرعة وكفاءة على النحو الذي تقوم به جمعية التنمية المجتمعية. وفي الوقت نفسه، تجري متابعة الأداء الفني للنظام والعمليات المالية للمنظمة غير الحكومية من قبل سلطات الدولة والوكالة المانحة.
المشروع مستدام مالياً بفضل الرسوم الشهرية التي تدفعها كل أسرة، وتبلغ 5 جنيهات. ويتم جمع ما بين 3,000 إلى 3,500 جنيه شهرياً من عزبة يعقوب، إضافة إلى 500 جنيه يتم جمعها من قرية جعفر لقاء استخدام محطة المعالجة، وهذه المبالغ تغطي كلفة التشغيل وكلفة الصيانة السنوية.
كما أن نظام الأراضي الرطبة الذي تم إنشاؤه مستدام بحد ذاته إذ يحاكي دورة الطبيعة ويستخدم البكتيريا والعمليات الطبيعية لمعالجة الفضلات البشرية. وبالتالي، وعلى العكس من الأنظمة الميكانيكية، يتطلب نظام الأراضي الرطبة جهود صيانة أقل، حيث يتم إغلاق النظام لمدة أسبوع في السنة لقص النباتات. ويُترجم هذا النهج إلى كلفة أقل على مدى حياة المشروع مقارنة مع أنظمة المعالجة التقليدية.
يكمن في صميم نجاح هذه المبادرة وجود منظمة غير حكومية راسخة محلياً ومبدعة. وكما أوضح المهندس سامح سيف لمبادرة تضامن، بغية تصميم نظام صرف صحي وتنفيذه، عمل فريق مؤسسة معاً على مسح مشاريع الصرف الصحي القائمة وابتكر نظاماً يجمع جوانب من مشاريع مختلفة للخروج بأفضل تصميم للموقع المستهدف. وثمة عامل حاسم آخر لنجاح المشروع هو توفر التمويل والمرونة من الجهة المانحة لتغيير عناصر وإضافة أخرى مقارنة مع المقترح الأولي، مما أتاح للمؤسسة تنفيذ مشروع أكثر شمولاً خدم عدداً أكبر من الناس. وقد عنى إنشاء محطة معالجة أكبر حجماً أنه بوسع المشروع خدمة قريتين بدلاً من قرية واحدة؛ وهدم منازل في القرية نظراً لحالتها المتداعية وإنشاء منازل جديدة مما أتاح استعداداً أعلى من السكان للمشاركة في مشروع معالجة المياه العادمة. كما أن توفر تمويل كافٍ أتاح للمؤسسة توظيف موظفين إداريين وفنيين يتمتعون بالخبرة لدعم تصميم المشروع وتنفيذه. إضافة إلى ذلك، عملت العلاقة الجيدة التي تتمتع بها الجهة المانحة مع السلطات على تيسير عملية الحصول على تصاريح من الوزارات المختلفة، وخصوصاً وزارة التضامن الاجتماعي.
تمكنت مؤسسة معاً في عام 2014 من تكرار نسخة أقل كلفة من نظام الصرف الصحي، وذلك في قرية عبد القوي شعيتان في محافظة الفيوم. وجرى تمويل إنشاء محطة التنقية القائمة على الأراضي الرطبة من قبل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي. وتبرع أحد السكان المحليين بالأرض المطلوبة لإنشاء المحطة، رغبة منه بإعادة استخدام المياه المعالجة إذ أن المياه المخصصة للزراعة شحيحة في الفيوم، وخطط لاستخدام المياه المعالجة في حقوله. ومنحت وزارة البيئة ترخيصاً لمؤسسة معاً لإعادة استخدام المياه المعالجة لري النباتات التي لا تؤكل. إضافة إلى ذلك، اختارت مؤسسة سيمينز المهندس سامح سيف ليكون جزءاً من مجموعة لمشاطرة المعرفة العالمية. وتمكن من خلال مشاركته هذه من تنفيذ أنظمة صرف صحي شبيهة في بيرو وغواتيمالا.
يبدو أمراً إشكالياً أن الوكالات الدولية أدركت فائدة هذا النهج وكفاءته، في حين ظلت الحكومة المصرية غير قادرة على التحرك فيما يتجاوز نظام الصرف الصحي الأكثر كلفة والأقل استدامة مالية وبيئية الذي تستخدمه حالياً. وأثناء مقابلة أجرتها مبادرة تضامن أشار المدير التنفيذي لمؤسسة معاً أن الحصول على التصاريح من الوزارات والجهات المعنية بخصوص المشروع في الفيوم كان مختلفاً عما سبق. فقد استغرق الحصول على التصاريح أكثر من سنة، ويعود ذلك جزئياً إلى فترة تغيير النظام خلال السنوات الماضية وما رافقها من عدم استقرار في الوزارات المختلفة. وأعرب المدير التنفيذي عن اعتقاده بأن العقبات البيروقراطية قد تحول دون تكرار هذا النموذج في أماكن أخرى أو توسيعه. ورغم تواصل المدير العام مرات عديدة مع عدة محافظين ومؤسسات حكومية لإطلاق هذا النهج المستدام والملائم للبيئة في أمكان أخرى، لم تُظهر الجهات الحكومية اهتماماً كبيراً مقارنة مع الاهتمام الكبير من القطاع الخاص والمنظمات الدولية. وحتى عندما أظهر بعض المسؤولين الحكوميين بعض الاهتمام بالحلول التي قدمتها المؤسسة، ظلت جهات رسمية رئيسية أخرى، من قبيل الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي ووزارة الإسكان تنظر باستهانة إلى تلك الحلول ذات الحجم الصغير. وربما يمكن عزو ذلك إلى نفور الأطر المؤسسية والتنظيمية من الابتكار والحلول غير المألوفة، ويتجلى هذا الأمر في غياب أنظمة الصرف الصحي البديلة والحلول المتكاملة في السياسات والممارسات الحكومية المعنية بإدارة المياه العادمة. ولكن حينما حصل المهندس سامح سيف على جائزة مبادرة تكريم للابتكارات في التنمية المستدامة، تلقى هذا النهج تغطية إعلامية كبيرة مما دفع عدداً من المسؤولين الحكومية لإظهار اهتمام بالمشروع.
كانت هذه المبادرة مدهشة على عدة مستويات. فمن ناحية مكانية، مثلت نظاماً غير مركزي يخدم قريتين، في مقابل نهج المجموعات الحكومي المركزي للمناطق الريفية حيث يتم تخطيط كل مجموعة لخدمة 100,000 شخص يسكنون في عدة قرى (الشبكة المصرية للتنمية المتكاملة، غير مؤرخ). وثمة عدة تأثيرات للامركزية المكانية على حجم محطة المعالجة وعلى الخصائص الفنية لنظام المجاري، مما يقلص الكلفة المطلوبة.
ومن وجهة نظر تقنية، فإن تقنية معالجة المياه العادمة هي نظام طبيعي إذ يحاكي الدورة البيولوجية التي تستخدم الوظائف الطبيعية للنباتات وعمليات البكتيريا اللاهوائية لتنقية المياه العادمة وجعلها سليمة إيكولوجياً. إضافة إلى ذلك، لا يعتمد النظام على الآلات، وبالتالي فإنه يتطلب قدراً أقل من الطاقة مما يحد من انبعاثات غازات الدفيئة، كما يجعل النظام أكثر استدامة على ضوء أزمة الطاقة التي تعاني منها مصر حالياً. وتختلف تقنيات التنفيذ اختلافاً كبيراً عن تقنية معالجة الحمأة التي تستخدمها الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وهي نظام يعتمد بشدة على الآلات. وفي حين تنتج هذه التقنية تدفقاً مائياً عالي النوعية، إلا أن النظام يتطلب قدراً كبيراً من الطاقة، وعمالة عالية المهارة وتوفر قطع الغيار للآلات، مما يجعله نظاماً مكلفاً. لذا، فإن النظام غير مجدٍ إلا في حالة الأنظمة الكبيرة المركزية التي تخدم ملايين الناس. ولا يقتصر الأمر على أن المحطات المركزية الكبيرة تتطلب إنشاء محطات أكبر على قطع أراضي أكبر، بل أن عملية جمع المياه العادمة المستخدمة في المحطات المركزية يتطلب خطوط توريد أطول تمتد مسافات تصل إلى كيلومترات عديدة توضع في أعماق كبيرة في الأرض. وهذا يجعل من غير المجدي مالياً ربط القرى الصغيرة والنائية.
يُعتبر مشروع مؤسسة معاً أحد الأمثلة الأكثر شمولاً إذ يشمل نهجاً متكاملاً لخدمات الصرف الصحي، بدءاً من جمع المياه العادمة إلى معالجتها، ومن ثم التخلص من المياه الناتجة. لقد أنشأت المبادرة ونفذت بنجاح نهجاً فعالاً وكفؤاً من حيث الكلفة لتوفير خدمات الصرف الصحي للقريتين المذكورتين. ويقدّر المهندس سامح سيف أن كلفة المشروع لكل شخص تصل إلى حوالي 5% من الكلفة التي تتحملها الحكومة عند تنفيذ شبكة تقليدية للمياه العادمة.
أكدت أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة على أهمية خدمات المياه والصرف الصحي، وتشجع الغاية 6-2 من هذه الأهداف على “تحقيق إمكانية الوصول إلى خدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية الكافية والمتكافئة للجميع من أجل إنهاء ظاهرة التغوط في العراء، مع إيلاء اهتمام خاص لاحتياجات النساء والبنات والفئات المستضعفة” بحلول عام 2030. ويُعد تقديم خدمات المياه والصرف الصحي الكافية وإيصالها للجميع ركناً أساسياً لتحسين الصحة العامة (Castro and Heller 2009). إضافة إلى ذلك، فإن إمكانية الحصول على الخدمات العامة، بما فيها خدمات المياه والصرف الصحي، هي جزء أساسي من الحق في السكن الملائم كما يفصّله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالتالي، ما زال الحوار جارٍ بشأن ما إذا كانت الحكومة تتحمل مسؤولية تزويد المواطنين بالحق الأساسي بخدمات المياه والصرف الصحي، أم أن للقطاع الخاص دوراً ليؤديه في توفير خدمات أكثر كفاءة. ويرى الموقف الأول بأن خدمات المياه والصرف الصحي هي سلعة عامة وليس هناك سوى القليل من الحوافز للأفراد للاستثمار فيها، لذا فإن المسؤولية تقع على الدولة. ويحاجج مناصرو هذا الرأي بأن إمكانية الحصول الشاملة على مثل هذه الخدمات هي حق اجتماعي أساسي للمواطنين، والذين لا يجوز إخضاعهم لمبادئ السوق وقدرة المستخدمين على الدفع.
ومن ناحية نظرية، وفي النموذج الحكومي لتقديم الخدمات، فإن المرافق تتبع للمجتمعات المحلية، والمسؤولية مضمونة من خلال المسؤولين المنتخبين. ومع ذلك، يحاجج النقاد بأن هذا الطرح ليس صحيحاً دائماً في الواقع العملي، ففي الممارسة العملية يجد المرء نقصاً في الفصل بين السياسات وبين وظيفة تقديم الخدمات، مما يتيح تدخل السياسيين في الاعتبارات التشغيلية، ويقود بالتالي إلى مشاكل من حيث عدم الكفاية وقلة الفاعلية في النظام (Castro and Heller, 2009). وبالمثل، يمكن لنقص الرصد والإشراف الملائمين أن يقود إلى ممارسات فساد في المؤسسات التي تتوقف عن النهوض بمسؤولياتها. وعلى ذلك، فإن المؤسسات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية تشجع تنظيم خدمات المياه والصرف الصحي بناء على مبادئ السوق من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، أو بمشاركة القطاع الخاص (Castro and Heller, 2009). وهذا جعل الحق الأساسي المتمثل بالحق في الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي مصدراً للربح لرأس المال الخاص. وقد تبنت بلدان عديدة هذه النظرة، وكان عقد التسعينات من القرن العشرين هو عقد خصخصة خدمات المياه والصرف الصحي – وعلى مستوى عالمي – إلا أن هذه الخصخصة لم تحقق كفاءة أكبر ولم تخفض السعر ولم تجتذب استثمارات. ولم تحقق هذه الجهود النجاح دائماً، إذ ظلت تفتقر للاستثمارات في البنية الأساسية، كما أدت إلى ارتفاع أسعار الخدمات، ومخاطر بيئية، وانعدام الإنصاف في التوزيع (Balanyá, 2005). وقد ساهم ذلك في نزعة متزايدة باستعادة السيطرة الحكومية على إدارة المياه والصرف الصحي. وقد وثّق المعهد عبر الوطني 180 حالة لمدن ومناطق وبلدان شهدت “استعادة سيطرة البلديات” في مقابل حالات قليلة جداً من الخصخصة في الفترة 2000 إلى 2014.
لا يفرض الدستور المصري على الدولة توفير خدمات المياه والصرف الصحي. وظلت خدمات الصرف الصحي، بما في ذلك جمع المياه العادمة ومعالجتها والتخلص منها، تخضع تقليدياً لسيطرة الحكومة، في حين يشارك القطاع الخاص في نظام الصرف الصحي في مرحلة معالجة المياه العادمة (Arefin، قيد الإعداد). وفي يونيو/ حزيران 2009، منحت مصر أول امتياز من نوعه لمرفق لمعالجة المياه العادمة في القاهرة الجديدة. وقد أحيلت هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخطة بناء محطة معالجة وتشغيلها ومن ثم تسليمها إلى الحكومة بعد انقضاء فترة الامتياز، على تحالف بين شركة أوراسكوم للإنشاءات، وهي شركة مصرية، وبين شركة أكويلا الإسبانية. وقد استُخدمت الشراكات بين القطاعين العام والخاص منذ ذلك الوقت لاجتذاب الاستثمارات وتنفيذ المشاريع في قطاع الصرف الصحي والمياه العادمة، وخصوصاً في المدن الجديدة بما يتماشى مع النهج التقليدي للحكومة بالاعتماد على المحطات المركزية الكبيرة.
وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي خُصصت لهذا القطاع، أشار الوزير السابق لمرافق مياه الشرب والصرف الصحي، الدكتور عبد القوي خليفة، في تصريح صادر في عام 2012 أنه ما تزال هناك حاجة لحوالي 80 بليون جنيه مصري خلال فترة الـ 10-15 سنة المقبلة لتحقيق التغطية الشاملة في خدمات الصرف الصحي.[5] وللتغلب على نقص التمويل المطلوب للتغطية الشاملة في المناطق الريفية، تخطط الحكومة لربط القرى غير المخدومة بمحطات المعالجة القريبة التي لديها قدرات استيعاب إضافية حتى يتوفر التمويل لإقامة محطات معالجة جديدة. ومع ذلك، فإن عدم كفاية التمويل تشير إلى أن شبكة الصرف الصحي لن تكون متاحة على نحو متساوٍ لسكان المناطق الريفية، وأن الأداء الضعيف للنظام المركزي سيستمر على حاله.
عادة ما يتم سد فجوات الخدمة في مصر وفي العالم من قبل مزودي خدمة مستقلين، ومن خلال توفير الخدمة ذاتياً، ومن المنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية، أو من خلال شراكات بين السلطات المحلية والمنظمات المجتمعية حيث تقوم معاً بتوفير الخدمة. وقد عرّف الباحث أسوتروم (1996) مصطلح ’الإنتاج المشترك‘ بأنه “عملية يجري من خلالها تحويل مدخلات الأفراد غير المنتمين إلى المنظمة نفسها إلى سلع وخدمات”. وثمة نطاق واسع من خيارات التعاون المحتملة والتي غالباً ما يُعتقد أنها أكثر فاعلية وكفاءة من حيث الكلفة. فعلى سبيل المثال، عادة ما تحقق مثل هذه الترتيبات بدائل، وتقنيات أكثر كفاءة، وتحظى بإمكانية الوصول إلى رأس المال، أو أنها توفر مصداقية أكبر ضمن المجتمعات المحلية. ففي باكستان، مثلاً، وفر برنامج أورانجي للبنية الأساسية والتحديث، وهو برنامج يملكه ويديره المجتمع المحلي، خدمات صرف صحي محسنة لأكثر من مليون شخص، وأثّر على توفير خدمة الصرف الصحي على المستوى الوطني. ورغم ما ينطوي عليه الإنتاج المشترك من تحسينات محتملة في الكفاءة وتخفيض الكلفة، يمكن أن ينظر إليه كطريقة للتخلي عن المسؤوليات وتمريرها إلى المجتمعات المحلية، مما قد يثير القلق والشكوك في نوايا السلطات.
تنبع ضرورة توفير خدمات صرف صحي ملائمة للجميع من عدة جوانب. فنقص الخدمات الملائمة يتسبب بتهديدات خطيرة على الصحة العامة للمواطنين غير الموصولين بالخدمة. ولا تتعلق هذه التهديدات بالمناطق الريفية وحدها، ولكن تلوث المياه الناشئ عن طرح المياه العادمة غير المعالجة في التجمعات المائية المحلية يترك تأثيرات واسعة النطاق على على سكان المناطق الحضرية القاطنين في الأجزاء الأبعد على مجرى نهر النيل. ويؤدي تلوث المياه إلى تفاقم مشاكل المياه في مصر. وفي عام 2010، كانت كمية المياه المتجددة المتوفر في مصر أقل من 800 متر مكعب لكل شخص سنوياً، مما يجعل مصر من بين البلدان التي تعاني شحاً مائياً. وبما أنه لا يمكن زيادة مصادر المياه المتجددة، كما أن الطلب على المياه يتزايد بسبب الزيادة السكانية والأنشطة الاقتصادية، سيواجه البلد نقصاً في موارد المياه المتوفرة. وثمة حاجة لإجراءات فورية وتغييرات في السياسات إذ أن تأثيرات هذه المشكلة ستتعاظم من جراء التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ. ويمثل استخدام المياه المعالجة بديلاً جذاباً لتغطية النقص المتوقع في إمدادات المياه.
وعلى الرغم من نجاح هذه المبادرة، إلا أن الحكومة لم تسعَ لمأسستها. بل على العكس، يظل إرث البيروقراطية لنظام الإدارة الحكومي (العمليات الطويلة للحصول على التراخيص ومقاومة الحكومة للأفكار الجديدة المبتكرة) عائقاً قوياً أمام التكرار الواسع النطاق لهذا النظام. ويقيم ريموند وآخرون (2012) الحجة بأنه تم التعامل مع مسألة الصرف الصحي في المناطق الريفية بعقلية “إما كل شيء أو لا شيء”، والتي تمنع تنفيذ الحلول الصغيرة والمرحلية رغم أنها ميسورة الكلفة. وما من شك بأن كل نهج بشأن توفير خدمات المياه والصرف الصحي يتضمن فرصاً وقيوداً، وليس ثمة حل يناسب جميع الأوضاع ولجميع السياقات: فصغر حجم المشاريع ليس دائماً مجدياً من حيث الكلفة، ولا تنطوي اللامركزية دائماً على الكفاءة. مع ذلك، ثمة مبادرات ناجحة مثل هذه المبادرة، وهي تثبت أنه يمكن العثور على حلول فعالة وميسورة الكلفة وقائمة على المشاركة، وهي تستحق أن ندرسها بتمعن لاستخلاص الدروس المستفادة ولتكرارها في الأوضاع التي يمكن أن تحقق فيها مساهمة إيجابية.
Arefin, Mohammed. 2016. “Waste, Capital, and Desire: The Politics of Sanitary Infrastructures in Cairo.” PhD Dissertation, University of Wisconsin. University of Wisconsin.
Balanyá Belén. 2005. Reclaiming Public Water: Achievements, Struggles and Visions from around the World. Amsterdam: Transnational Institute.
Castro, Jose Esteban., and Heller Léo. 2009. Water and Sanitation Services: Public Policy and Management. London: Earthscan.
مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. 2014. الحق في المياه والصرف الصحي. صحيفة وقائع.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. 2009. الصرف الصحي في مصر.
De Albuquerque, Catarina. 2010. Report of the Independent Expert on the Issue of Human Rights Obligations Related to Access to Safe Drinking Water and Sanitation. UN Human Rights Council. https://digitallibrary.un.org/record/685823?ln=en
الشبكة المصرية للتنمية المتكاملة. (غير مؤرخ) الصرف الصحي الريفي في مصر. موجز سياسات.
Ostrom, Ellen. 1996. “Crossing the Great Divide: Coproduction, Synergy, and Development.” World Development, 24(6), 1073-1087.
Raslan, Mamdouh. 2013. “The Legislation Framework for Water Services in Egypt.” Presented at the First Aquaknight International Conference, Alexandria, Egypt, May 15, 2013. http://docplayer.net/41187293-Eng-mamdouh-raslan-holding-company-for-water-and-wastewater.html
Reymond, Philippe, Rifaat Abdel Wahaab, and Moustafa Moussa. 2012. Small-Scale Sanitation in Egypt: Challenges and Ways Forward. EAWAG Aquatic Research. https://bit.ly/2QcUYSk
Soulie, Michel. 2013. Review and analysis of status of implementation of wastewater strategies and/or action plans; National report Egypt. Sustainable Water Integrated Management (SWIM).
Spit, Jan, and Ashraf El-Sayed Ismail. 2013. “Towards Innovative Sanitation Facilities and Treated Effluent Reuse for Rural Areas in Egypt.” http://www.janspitcsdelft.nl/downloads/150/file_block/5c76c2a6ebc98821238406062e27e2de
Walnycki, Anna. 2015. “Urban Water and Sanitation Services in the Global South.” Presentation, University College London.
[1] محافظة بني سويف هي محافظة زراعية بمعظمها، تقع على بعد حوالي 110 كيلومترات إلى الجنوب من القاهرة.
[2] تم تبني سياسات الدعم الشامل في مصر قبل عقود من الزمن لضمان أن الخدمات العامة، بما فيها المياه والصرف الصحية، ميسورة الكلفة للجميع. وبلغ دعم الحكومة لمياه الشرب مبلغاً قدره 1.2 بليون جنيه في عام 2014. وسعياً من الحكومة المصرية لتخفيض فاتورة الدعم، فقد ظلت تزيد تعرفة المياه على الاستهلاك السكني والتجاري خلال السنوات القليلة الماضية، رغم وجود معارضة قوية من قطاعات عديدة في مصر بشأن زيادة الأسعار.
[3] 100 قرش يساوي جنيه واحد.
[4] أسس الرئيس عبد الناصر في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي وحدات اجتماعية لتطوير المجتمعات المحلية عبر توفير مرافق صحية وتعليمية، وتعاونيات للمستهلكين، ومرافق بنكية، إضافة إلى أنشطة أخرى. وكانت هذه الوحدات تابعة للقطاع العام. ولاحقاً، شجعت الحكومة السكان على المشاركة في تلك الجهود الإنمائية، وفي أعقاب صدور القانون رقم 32 لسنة 1964، أصبحت جمعيات تطوير مجتمعية، وقد مثّل ذلك تحولاً عن الجهود الإنمائية المدارة من أعلى إلى أسفل، ونحو نهج أكثر اعتماداً على المجتمع المحلي. وقبل الشروع في مشروع رؤية، يزعم المهندس سامح سيف أن جمعية التنمية المجتمعية في عزبة يعقوب كانت غير فاعلة، وأن المشروع دفع الجمعية لتولي دور ناشط من جديد.
[5] اندمجت وزارة مرافق مياه الشرب والصرف الصحي لاحقاً مع وزارة الإسكان لتشكل وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments