إن المطالع للنهج الذي درجت على استخدامه وسائل الإعلام في تغطيتها لموضوع الطلب على السكن لا يفاجئه التعامل مع الموضوع من منظور قائم على فقه الضرورة؛ فالإعلان المتكرر عن مشاريع الإسكان الحكومية، من غير أن تفي بوعودها عادة- مثل مشروع المليون وحدة سكنية الأول والثاني – يوحي للمرء بأن أزمة السكن في مصر ليست أكثر من تعبير عن اختلال التوازن العددي الذي يتلخص علاجه في زيادة العرض في سوق الوحدات السكنية الجديدة. بيد أن التعقيد الذي يتسم به الطلب على السكن يتعدى حدود الحسابات العددية البسيطة. أما إذا صممنا على تصوير الطلب على أنه رقم ليس إلا، فسترتسم أمام أعيننا صور مشوهة عن الواقع الحقيقي، أولاها الافتراض بأن النمو السكاني في مصر يعمل بالضرورة على زيادة الطلب على السكن، لكنه افتراض قد لا يتحقق دائماً في الواقع نظراً لعدم امتلاك جميع الأسر حديثة التشكل لقوة شرائية متكافئة لطلب سكن جديد. كذلك، يميل التصور المفرط في التبسيط إلى الافتراض أنه يمكن ببساطة نقل قسم من السكان من مناطق عالية الكثافة السكانية ليعيشوا على رقعة فسيحة منخفضة الكثافة السكانية. مرة أخرى، يتجاهل هذا الاعتقاد أفضليات الطالبين التي تشكل بعضاً من العناصر الأساسية بالغة الأهمية عند محاولة تحديد الطلب العام على السكن. بوسع تلك التصورات إذن، إزالة الصبغة الإنسانية عن المسألة موضوع البحث وسلخها عن سياقها الاجتماعي الاقتصادي الذي يُفترض أن توضع فيه.
كي يتسنى لنا فهم مسألة الطلب على السكن في مصر، يجب علينا أولاً وضع هذا الطلب في سياق اجتماعي-اقتصادي، وحصر مختلف أنواعه، وفهم الطريقة التي قاسه بها باحثون آخرون، ومن ثم التركيز على إعطاء صورة شاملة عن الطلب على السكن وعن الحاجة إليه في مصر على وجه التحديد. هذا هو الأساس الذي تنطلق منه هذه الورقة في مناقشة الموضوع وذلك بالترتيب الآتي: أولاً، ستشرح الورقة مفهوم الطلب في علم الاقتصاد؛ وثانياً، ستعيد التأكيد على الفهم الأكاديمي لحدود التصور الاقتصادي للطلب على السكن. ومن ثم، تُورد الورقة الشروط والمحددات المتعلقة بالطلب على السكن وتلخص أنواعه المختلفة مع التعريف ببعض الطرق المتبعة في قياسه. وفي النهاية، تقدم الورقة عرضا سريعاً للطلب على السكن في مصر من منظور نوعي وآخر كمي مستندة في ذلك إلى ما هو متاح لها من المصادر الثانوية. والهدف من كل هذه الأقسام مجتمعة هو طرح نهج أكثر شمولية يعبر عن فهمنا للطلب على السكن في المناطق الحضرية في مصر.
تعارف المختصون على تعريف الطلب على السكن بأنه إجمالي عدد المساكن المطلوبة من قبل السكان في فترة محددة. لكنه تعريف يفتقر إلى العمق وذلك لعدم إشارته إلى النطاق الذي يعبِّر عنه هذا العدد فعلياً. فمن الأهمية بمكان ألا يُعنى الطلب على السكن بالرغبة في أو الحاجة إلى اقتناء منزل فقط، بل بالقدرة على دفع ثمنه أيضاً. ويجب -بنفس الدرجة من الأهمية- الإشارة إلى أن الطلب على السكن ليس مجرد قيمة عددية وحسب، بل وتنبؤاً بأفضليات الطالبين (Boumeester 2011). فإذا ما أردنا أن نقيس الطلب في مصر، فسوف يتعين علينا دراسة مجموعة الاختيارات التي يأخذ بها الناس لدى انتقالهم للعيش في وحدات سكنية جديدة من قبيل المكان الذي يفضلون العيش فيه والمدة التي سيقضونها في المكان الجديد ونوع المنزل الذي يرغبون في اقتنائه/ استئجاره. بالتالي يمكننا صياغة تعريف شامل للطلب على السكن يتضمن كل هذه العناصر كالآتي: هو قياس الأفضليات والتوقعات العددية المتعلقة بخيارات السكن في وقت محدد، مع النظر إلى المحددات الاقتصادية والفرص المتاحة في اقتصاد السوق.
يخضع الطلب على السكن لقوانين العرض والطلب والعلاقة بينهما نظراً لكونه حالة منبثقة عن الاقتصاد.[1] وتُظهر العلاقة بين العرض والطلب الطبيعية الدورية لاقتصاد السوق؛ (1) ففي البداية، عندما يزيد الطلب ترتفع الأسعار، (2) ثم يعمل هذا الارتفاع السريع في الأسعار على زيادة الكمية المعروضة ولكنه في نهاية المطاف يقلل من الكمية المطلوبة، (3) وعندما يقل الطلب ينخفض العرض مما يؤدي إلى هبوط الأسعار، (4) وعندما تهبط الأسعار يزداد الطلب فتتكرر الدورة مجدداً.
وبما أن هذه الحالة هي الحالة الاعتيادية لاقتصاديات السوق فإن تحقيق التوازن بين العرض والطلب أمر نادر الحدوث إما بسبب العرض الزائد أو الطلب الزائد.[2] وقد يحدث في سوق الإسكان أن يكون هناك فائض في عرض نوع معين من المساكن (سكن ذوي الدخل العالي، مثلاً) تزامناً مع نقص في عرض نوع آخر (سكن ذوي الدخل المنخفض، مثلاً).
يرتبط الطلب ارتباطاً مباشراً بالأسعار ولكن هناك أيضاً عوامل أخرى ذات صلة من المهم لنا أن نقبلها ضمن عملية البحث. دعنا بدايةً نتخيل العلاقة بين الطلب والأسعار على شكل منحنى عكسي في رسم بياني. تحدث الحركة على المنحنى نتيجة حدوث تغير في أسعار السلع. بيد أن هذا المنحنى ينزاح للأعلى أو الأسفل عندما تتأثر الكمية المطلوبة بعامل آخر غير السعر (Heakal, n.d.). لتوضيح ذلك أكثر، دعنا نفترض نظرياً أن الطلب كل سنة في مصر يتم على ثلاثة أحجام مختلفة من الشقق، كما يلي: 50% من المواطنين المصريين يطلبون شققاً مساحتها 70 متراً مربعاً، و40% منهم يطلب شققاً مساحتها 90 متراً مربعاً، و10% يطلبون شققاً مساحتها 120 متراً مربعاً (نظرياً). وعليه يعرض الموردون شققاً بهذه المساحات كل سنة. ولكن دعنا نفترض أن هؤلاء الموردين عرضوا للبيع في سنة من السنوات نوعاً واحداً فقط من الشقق هي شقق مساحتها 90 متراً مربعا لأي سبب كان. في هذه الحالة، ستحدث إزاحة في الطلب باتجاه الشقق بمساحة 90 متراً مربعاً لأنها تشكل الآن الحجم الوحيد المتاح من الشقق. والسبب في حدوث إزاحة وليس حركة في الطلب عائد إلى كون الزيادة في الطلب على الشقق مساحة 90 متراً مربعاً غير ناتجة عن تذبذبات في أسعار الشقق بل عن رد فعل إزاء النوع المعروض في السوق من الشقق.
ورغم الأهمية المعلقة على تذكُّر الطبيعة الاقتصادية للطلب على السكن، ينهى داني دورلنغ، أستاذ الجغرافيا بجامعة أكسفورد، عن اقتصار الدراسة على المؤشرات الاقتصادية المذكورة أعلاه (كالتغيرات في الأسعار، والتوازن/ الاختلال، وإزاحات المنحنى/ التحركات على المنحنى) لفهم الطلب على السكن وحسابه والتنبؤ به. ويحاجج دورلنغ بأن السكن لا يشكل أصولاً متداولة فقط بل سلعة اجتماعية أيضاً تمثل حاجة إنسانة معينة (Shook, 2014). فقد تكون الحسابات العددية، حسب دورلنغ، نظرية أكثر من اللزوم وغير متماشية مع التجارب الفعلية للناس والمشكلات التي قد يواجهونها لدى تعاملهم مع سوق الإسكان. ويركز دورلنغ على اقتصاد الإسكان في إنجلترا، الذي يعتقد الكثيرون في المملكة المتحدة أنه بحالة طيبة حسب ما تشير له أسعار الوحدات السكنية. ولكن المثير أن دورلنغ توصل إلى أن إنجلترا تعاني من أزمة إسكان رغم التزايد الذي تشهده أسعار المساكن. ومع تناقص عدد الأشخاص القادرين على شراء الوحدات السكنية في إنجلترا، باتت أكثرية الناس فيها تلجأ إلى الاستئجار. ونظراً لبدلات الإيجار غير المعقولة التي يطلبها الملاكون تجد أعداداً كبيرة من العائلات نفسها مضطرة مراراً لتعطيل مسيرة حياتها من أجل الرحيل إلى منزل آخر في معرض محاولتها العثور على وحدات سكنية أقل تكلفة. وبما أن المؤشرات الاقتصادية لا تظهر لنا جوانب معينة كالشعور بعدم الاستقرار الدائم، والانتقال غير المرغوب فيه، والتشرد، والتطهير الطبقي الذي يواجهه الناس، تكون الزيادة العددية في الطلب مضللة لأنها تعبِّر في الواقع عن نوع معين من الطلب، تحديداً طلب الفئات ذات الدخل العالي كالملاكين. ولا يشمل معسكر الرابحين من ازدهار قطاع الإسكان الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، فمستوى الطلب الخاص بها آخذ في الانخفاض فيما يتغير نوع هذا الطلب من ذلك الموجّه نحو الشراء إلى آخر يركز على الاستئجار.
نُدرك من خلال هذا الكشف أنه ربما كانت هناك دورات أخرى تتم ضمن عملية الطلب على مستوى الاقتصاد الكلي ولكنها لا تؤخذ في الحسبان على نطاق أكبر. ولذلك، لا يكفي أن نقوم بتقدير إجمالي الطلب على السكن أو بدراسة الأسعار المتقلبة كي نفهم تماماً وعلى نحو واقعي وضع الإسكان في أي بلد. يجدر بنا بالمقابل تشريح هذه المصطلحات والمؤشرات والبحث عن مختلف أنواع الطلب والدورات المحتمل وجودها على نطاق أصغر حجماً ضمن الإطار الأكبر للاقتصاد الكلي.
عندما يأتي الطالبون إلى سوق الإسكان، فإنهم يتخذون نقاط بدء مختلفة للغاية اعتماداً على الأفضلية المالية لكل منهم. فالأكثر ثراء لديهم من رأس المال ما يكفي لشراء عدة وحدات سكنية، بينما يمتلك أصحاب الدخل المتوسط مالاً يكفي فقط لاستئجار مسكن فيما لا تملك الفئات الأشد فقراً المال الكافي لأي منهما. الوضع في مصر مشابه تماماً لهذا الوضع حيث يملك ذوي الدخل العالي العديد من الوحدات السكنية في مواقع مختلفة فيما يعجز أصحاب الدخل المنخفض عادة عن تدبير ثمن وحدة سكنية واحدة في قطاع الإسكان الرسمي. وبناء عليه، يتوجب علينا توسيع السياق الاقتصادي للطلب على السكن بحيث نتمكن من ربطه بحالة الاقتصاد الوطني ككل.
بعد أن وضحنا وجوب وضع الطلب على السكن ضمن إطار اجتماعي اقتصادي، دعنا نطرح السؤال الآتي: ما هي محددات الطلب على السكن؟ أو، بعبارة أخرى، ما هي العوامل المؤثرة على الطلب على السكن؟ يعتمد قياس الطلب على السكن، في نهاية الأمر، على أفضليات الأسرة بالنسبة للمسكن من جهة وعلى أنواع الوحدات السكنية المتوفرة من جهة أخرى. وتشير عبارة الأسرة هنا إلى الوحدة الديموغرافية المؤلفة من عدد معين من الأفراد الذين يشتركون في وحدة سكنية واحدة. وقد تكون هذه الوحدة على شكل عائلة واحدة أو عدة عائلات تعيش معاً أو شخص أعزب أو أشخاص عزاب يعيشون معاً أو أشخاص عزّاب وعائلات يعيشون معاً… إلى آخر تلك الاحتمالات. ويجب أن يكون للعوامل التي تؤثر في الطلب تأثير على أيٍّ من هذين العنصرين: أي الأسر أو الوحدات السكنية.
تعتبر التغيرات الديموغرافية أكثر العوامل المؤثرة على الطلب وضوحاً. وتشير الديموغرافية الاجتماعية إلى أنماط الهجرة المحلية والدولية للسكان (Ableti, Marco, & Gebremedhin 2011). وتؤثر التغيرات في توزيع الأشخاص على عدد الوحدات السكنية المرغوب فيه ومختلف أنواع الوحدات السكنية المطلوبة (Thompson 2014). فعلى سبيل المثال، يعمل موقع مزدهر من الناحية الاقتصادية في مدينة ما عادة على زيادة الطلب على السكن في تلك المنطقة بالتحديد، كما أنه يؤثر على أحجام المنازل وهياكلها بحسب مستويات الكثافة. وبالتالي تؤثر الهجرة والانتقال على الطلب على السكن في مختلف المناطق.
كذلك تعتبر الديموغرافية الطبيعية أحد المحددات الرئيسية للطلب على السكن. قد يدفع النمو السكاني إلى زيادة الكمية المطلوبة من الوحدات السكنية الجديدة. ولكن هذا لا ينطبق على جميع الحالات بسبب عدم امتلاك جميع الأسر حديثة التكوين المقدرة على شراء وحدات سكنية جديدة. بل يميل الكثير من الأسر، في واقع الأمر، إلى امتصاص فائض الطلب من خلال الاكتظاظ الزائد. ولتلافي نزعة الاختزال العددي، فإنه من الأهمية بمكان تصنيف السكان بدقة أكبر عن طريق قياس التغيرات الديموغرافية الأخرى من قبيل حجم الأسرة والحالة الاجتماعية والتغيرات على مستوى النسب المئوية للفئات العمرية.
وعلى هذا الأساس، قد تكون الأسر شابة أو متقدمة في السن، كبيرة أو صغيرة، مؤلفة من شخص واحد أو اثنين أو من أسرة نواة أو من عدة أسر تعيش في نفس الوحدة السكنية أو… إلى آخره. وبناء على هذه الخصائص الديموغرافية للأسر يتخذ الطلب على السكن شكله من الناحيتين الكمية والنوعية.
تؤثر مستويات الدخل أيضاً على الطلب على السكن بطرق عدة. فقد يؤدي الارتفاع في مستوى الدخل إلى نشوء مظاهر جديدة من الطلب، وبالتالي يتسبب في ارتفاع الطلب سواء على الصعيد العددي جراء نشوء أسرة جديدة قد ترغب في امتلاك وحدة سكنية جديدة أو على الصعيد النوعي جراء الرغبة المحتملة للأسرة الحالية في العيش في وحدة سكنية أكبر حجماً أو السكنى في مواقع بعينها.
وهناك عوامل أخرى تؤثر على الوحدات السكنية، من قبيل يُسر التكلفة والتغيرات المتوقعة في أسعار الوحدات، ومن ثم تؤثر هذه العوامل في الطلب على السكن. بالنسبة ليسر التكلفة، فالقانون العام هو: كلما كانت تكلفة الوحدة السكنية أكثر يسراً كلما زادت الكمية المطلوبة منها. ويمكن أن يتأثر يسر التكلفة (1) بتغير أسعار الوحدات السكنية جراء النمو أو الركود الاقتصادي؛ و(2) بالتغير في السياسات الضريبية أو سياسات الدعم الحكومي فيما يتعلق بالمنازل، الأمر الذي قد يثني المستهلكين عن شراء بيوت جديدة أو يحثهم على ذلك. كذلك تؤثر التغيرات المتوقعة في أسعار الوحدات السكنية على خيارات المستهلكين فيما يتعلق بالسكن. فعندما يكون متوقعاً أن ترتفع قيمة الوحدات السكنية مستقبلاً، يزداد على نحو اعتيادي الطلب القائم على المضاربة في صفوف ذوي الدخل العالي فيما يُهمش ذوو الدخل المنخفض – كما هي الحال بالنسبة لسوق العقارات المصرية. ومن هنا تعتبر التغيرات الفعلية والمتوقعة في الأسعار محددات ذات أهمية للطلب على السكن.
ومن المحددات المهمة للطلب على السكن توافر الوحدات السكنية وموقعها. ففي الفلبين على سبيل المثال، وجد الباحثون أن النقص في عرض الوحدات السكنية للإيجار يؤثر سلباً على الطلب على السكن بسبب رغبة الناس في نوع معين من الحيازة لم يكن مطروحاً للعرض (Ballesteros, 2002). ويؤثر موقع الوحدات السكنية المعروضة للبيع أيضاً على الطلب على السكن بطريقة مماثلة. فمن المرجح أن تؤثر المنازل المعروضة للبيع في مواقع بعيدة تأثيراً سلبياً على الكمية المطلوبة من قبل الزبائن الذين يؤثِرون ابتياع منازل في مناطق قريبة من المرافق والشبكات الاجتماعية. وتؤثر هذه العوامل جميعها، من يسر التكلفة والسياسات الحكومية إلى التوافر والموقع، على الطلب العام على السكن إما بدفعه نحو التزايد العارم أو بالضغط عليه باتجاه التناقص.
يفيد تصنيف الطلب إلى أنواع في جعل التقييم الخاص بالإسكان أقل إبهاماً وأكثر نفعاً لصانعي السياسات، كما كشفته سابقاً بحوث دورلنغ. ومن الطرق الشائعة لتصنيف الطلب استخدام المقاييس الكمية والنوعية. تشير المقاييس الكمية إلى عدد غرف المنزل أو الحد الأدنى من المساحة السكنية للشخص الواحد. ويمكن استخدام هذا النوع من الطلب لقياس نسب المساحة إلى عدد الأشخاص بغية تقييم مستويات الاكتظاظ الزائد والشغور. بالمقابل، تشير المقاييس النوعية إلى عناصر محددة يكتسب وجودها في المسكن أهمية مركزية في الحياة الحضرية، من قبيل المياه الجارية والمراحيض الداخلية والكهرباء والتهوية ودخول أشعة الشمس ونوع المواد المستخدمة في البناء وعمر الوحدة السكنية. ومن ضمن هذه العناصر أيضاً سهولة الوصول إلى المواصلات والخدمات العامة وقرب السكن من أماكن العمل. بالإجمال، تشير المقاييس النوعية إلى تلك “العناصر الداخلة في النواحي الإنشائية للمنازل التي تميّز البيت عن المأوى المجرد” (Ableti, Marco, & Gebremedhin 2011).
ومع ذلك، يبدو أن الناس يرتبون أولوية العوامل النوعية المختلفة بطرق مختلفة وفقاً لاحتياجاتهم وقدراتهم. فعلى سبيل المثال، يُفترض ألا تكون الوحدات السكنية القديمة جداً أو الخطرة جداً صالحة للسكنى، ولكن قد يقرر الناس في مصر العيش في مثل هذه الأبنية بسبب عوامل اقتصادية أو اجتماعية أخرى. وثمة عدد لا يُحصى من حالات انهيار المباني غير الآمنة التي تسبب انهيارها في سقوط جرحى وقتلى. وقد كشف مشروع ’انهيار المباني في مصر‘ الذي جمع فيه الباحثون البيانات حول انهيار المباني السكنية خلال الفترة من تموز/ يوليو 2012 وحتى حزيران/ يونيو 2013، عن حقائق صادمة منها أنه: في سنة واحدة انهار 392 بناءً في مختلف أنحاء مصر مما أسفر عنه وفاة 192 شخصاً وإصابة 379 آخرين وتشريد 824 أسرة. وكانت السبب الأكبر وراء انهيار المباني هو وضعها الآيل للسقوط حيث تكرر ذلك في 112 حالة.
وهكذا قد يساعد تقسيم الطلب إلى كمي ونوعي الباحثين على توصيف الحاجة للسكن وتقييمها على النحو الملائم. والشيء الأهم من ذلك هو تمكننا من صياغة تصور أعمق للطلب مستعينين بدراسة جميع القرارات التي اتخذها الناس في اختيار منازلهم والطريقة التي رتبوا فيها أولوية العوامل المختلفة.
ويمكن أيضاً تصنيف الطلب على السكن إلى نوعين طلب فعلي وطلب كامن. يشير الطلب الفعلي إلى مقدار السلع والخدمات التي يشتريها الزبائن في سوق ما في الوقت الحاضر. أما الطلب الكامن فيشير إلى الطلب غير القائم في الوقت الراهن لكنه قد ينشأ في المستقبل بسبب تغييرات في الاقتصاد أو تغيير في القدرات المالية للزبائن أو في أفضلياتهم. بعبارة أخرى، الطلب الكامن هو “رغبة المشتري أو حاجته لشراء منتج معين أو خدمة معينة ولكنه لا يستطيع فعل ذلك لافتقاره للمال اللازم أو عدم معرفته بالمنتج/ الخدمة” (Kimmons n.d.). ويعتبر تصنيف الطلب إلى طلب فعلي مقابل طلب كامن أداة مفيدة للتمييز بين الطلب القائم حالياً والطلب المحتمل مستقبلاً.
ويمكن بدلاً من ذلك تصنيف الطلب على السكن إلى طلب مرن مقابل طلب غير مرن. والطلب المرن هو الرغبة في سلعة ما مع تذبذب هذه الرغبة بسهولة وفقاً للتغير في أسعار السلعة. لتوضيح ذلك، تعتبر السلع التي تنخفض الكميات المطلوبة منها انخفاضاً كبيراً عند ارتفاع أسعارها سلعاً مرنة جداً. من الأمثلة على السلع المرنة السيارات والأجهزة الإلكترونية. بينما لا يتأثر الطلب على السلع غير المرنة، كالخبز، بسهولة بتذبذب أسعارها. ويفيدنا تقسيم الطلب على هذا النحو في تحديد نوع الأسر التي يتذبذب الطلب عندها (الأسر الشابة أو المتقدمة في السن مثلاً) ونوع المنازل الأسهل تأثراً بتغيرات الطلب المنبثقة عن تقلبات اقتصادية.
ومن الطرق الأخرى المتبعة في هذا المجال تصنيف الطلب وفقاً لنوع قطاع السوق الذي يتعامل معه الزبائن. فهناك “تقييم الطلب ثنائي القطاع” الذي يقسم اقتصاد السوق إلى قطاعين؛ عام وخاص. ويختلف الطلب على الوحدات السكنية المعروضة من قبل القطاع الخاص –كماً ونوعاً- عن الطلب على تلك المعروضة من قبل القطاع العام. إذ يكون إسكان القطاع الخاص في العادة أرقى نوعياً من إسكان القطاع العام كونه يستهدف في المعتاد الأسر ذات الدخل المرتفع. وهناك أيضاً طلب في كثير من البلدان النامية، كمصر، على الوحدات السكنية المعروضة من قبل قطاع ثالث في السوق يتخذ هيئة المورّد الوسيط ويدعى القطاع غير الرسمي (Holmans 2013). ومن شأن تقسيم الطلب على السكن إلى أنواع مختلفة وفقاً للطلب على القطاع الخاص والعام وغير الرسمي أن يزود دارسة الطلب على السكن بأداة للمقارنة تظهر لنا أيّ هذه القطاعات هو الأكثر ديناميكية وسبب ذلك.
بصفة عامة، هناك طريقتان لقياس الطلب على السكن، تدعى الأولى “دراسة احتياجات السكن والطلب عليه” وهي تشكل نهجاً أكثر شمولية في هذا المضمار لاستخراج الطلب بناء على تقييم لسوق الإسكان شامل لكل شيء، بما في ذلك حالة الاقتصاد ورصيد المساكن الحالي والتغيرات الديموغرافية المتوقعة والعرض المتوقع. أما الطريقة الثانية –وهي أقل شمولية من الأولى- فتهدف إلى تحديد جوانب معينة من الطلب من قبيل مقارنة الطلب في مواقع مختلفة وتحليل لأنواع معينة من الطلب عند الأسر وما شابه. ويجوز أن تعتمد كلا الطريقتين على بحث أولي، من قبيل إجراء استقصاءات، أو على بحث ثانوي، من قبيل تحليل البيانات الإحصائية. ومن الممكن أن تعتمد الطريقتان أيضاً على بحث كمي أو جمع للبيانات النوعية. وتمثل كل طريقة من هاتين الطريقتين، بحد ذاتها، أداة مفيدة لفهم الطلب على السكن وقياسه.
تسعى الطريقة المسماة دراسة احتياجات السكن والطلب عليه إلى تقييم احتياج جماعات معينة للمسكن وتحليل “مدى الحاجة إلى سكن بتكلفة ميسرة في المجتمع” (BC Housing 2010). وتسند هذه الطريقة عادة إلى ما يلي: (1) تقييم للطلب السابق الذي لم تتم تلبيته، و(2) التوقعات المتعلقة ببروز طلب جديد، و(3) تحليل للعرض الحالي (BC Housing, 2010). والغرض من ذلك هو إرشاد السياسات الحضرية وتزويد الصناعات الإنشائية والمؤسسات المالية المنخرطة في قطاع الإسكان بالمعلومات النافعة. وفيما يلي سرد مفصل للمراحل التي تمر بها دراسة احتياجات السكن والطلب عليه كما أجرتها الهيئة المركيز للإحصاء في إثيوبيا ومعهد البحوث السكانية-المجلس الوطني للبحوث في إيطاليا، نوردها هنا لاعتقادنا أن كل حالة منها تزودنا بالدروس المفيدة لقياس الطلب في مصر.
دراسة حالة ”الظروف السكنية والطلب على السكن في المناطق الحضرية بإثيوبيا“
نطاق اختصاص الدراسة: تضمنت هذه الدراسة إجراء تحليل للطلب على السكن في جميع المناطق الحضرية بإثيوبيا على مستوى الأقاليم والمستوى الوطني وفي 13 بلدة على وجه التحديد (Ableti, Marco, & Gebremedhin 2011).
المرحلة 1- تقييم الطلب السابق الذي لم تتم تلبيته: ويشتمل ذلك أولاً على دراسة الرصيد الحالي من المساكن من الناحيتين الكمية والنوعية، والتحليل السكاني للمناطق الحضرية في إثيوبيا، ومن ثم تصنيف الطلب إلى طلب على الترميم مقابل طلب على الوحدات السكنية الجديدة.
المرحلة 1أ- تم كخطوة أولى تقييم الطلب السابق الذي لم تتم تلبيته (القسم أ). ومن أجل تقييم الطلب السابق الذي لم تتم تلبيته (أو الحاجة الراهنة) قام الباحثون أولاً بدراسة رصيد المساكن الحالي من المنظور الكمي والمنظور النوعي. وقام الباحثون، إلى جانب أشياء أخرى، بحساب عدد الأشخاص لكل غرفة وعدد الغرف في كل وحدة سكنية. وقيَّم الباحثون أيضاً نوع البناء، ومادة بناء الجدران والأرضيات والأسقف، وعمر الوحدات السكنية (بغية تقييم حالة الوحدات والحاجة المتوقعة للاستبدال)، ونوع الإضاءة في الوحدات السكنية.
المرحلة 1ب: أجرى الباحثون في هذه الخطوة تحليلاً لسكان المناطق الحضرية في إثيوبيا، حيث عاينوا أعمار السكان وحالتهم الاجتماعية ودورة حياة الأسرة (الزواج، وإنجاب الأطفال، ومغادرة الأطفال لمنزل الوالدين، وانتهاء الحياة الزوجية، إلى آخره) وعدد الأشخاص لكل وحدة سكنية مُعبّراً عنه بنسبة مئوية.
المرحلة 1ج: استخدم الباحثون هنا المعلومات التي جمعوها عن السكان ورصيد المساكن في المنطقة لتصنيف الطلب غير الملبى على السكن إلى: طلب على ترميم رصيد المساكن الموجود أصلاً، وطلب على بناء وحدات سكنية جديدة.
الطلب على الترميم: ينشأ هذا النوع من الطلب عن وجود منازل دون المستوى المعياري من الجودة، ويتم تقييم هذا النوع من المنازل وفقاً لجودة مواد البناء المستعملة بالإضافة إلى توفير المرافق الأساسية كالماء الجاري والمراحيض الداخلية ومرافق الاستحمام والكهرباء. أما مواد البناء التقليدية فتعتبرها هذه الدارسة من المعايير السكنية غير الملائمة. وبالتالي، إذا كان عمر الوحدة السكنية كبيراً وكانت مستنفذة [لعمرها الافتراضي]، فربما توجب استبدالها بواحدة جديدة. غير أنه من الممكن، في بعض الحالات التي تكون فيها جودة المنزل غير ملائمة، تصليح المنزل عن طريق تدخلات ترميمية بسيطة. وتعتمد مسألة ما إذا كان سيتم حل مشكلة المنزل دون المستوى المعياري من حيث الجودة عن طريق الترميم أو البناء على مقدار التدخل اللازم أو مستواه. فالمنزل الذي فيه صدع ما في الجدار يتم ترميمه بينما إذا كانت جدران المنزل تعاني من تصدعات عديدة بسب تسرب المياه فربما يلزم إلى هدمها واستبدالها بمنازل جديدة.
الطلب على بناء وحدات سكنية جديدة: ينشأ هذا النوع من الطلب عن الاكتظاظ الزائد. واستخدمت الدراسة مؤشر “مصفوفة الاكتظاظ” التي تعتمد على نسبة عدد الأشخاص إلى عدد الغرف. وثمة نسب معيارية يتم استخدامها لتقييم مستوى مقبولية الكثافة السكنية المقسمة إلى ثلاث فئات، هي: ناقصة الإشغال وملائمة الإشغال ومكتظة. فإذا تجاوزت النتيجة نسبة معيارية معينة،[3] يتم حسابها باعتبارها مكتظة ومن ثم ترجمتها إلى طلب على السكن لم تتم تلبيته. ولا يمكن تلبية هذا النوع من الطلب إلا من خلال زيادة عدد الوحدات السكنية المتوفرة.
المرحلة 2- تقييم الطلب المستقبلي: بعد أن تم قياس الطلب السابق غير الملبى، اتجه الباحثون إلى تقييم الطلب المستقبلي على السكن. ولا تتضمن هذه الدراسة على الخطوة الإضافية المتمثلة في مقارنة الطلب على السكن مع العرض الحالي للسكنات. وإذا أردنا، حسب هذه الدراسة، تقييم الطلب المستقبلي على السكن، يجب علينا أخذ الديناميات السكانية الناتجة عن التقلبات الاجتماعية والطبيعية في الحسبان (Ableti, Marco, & Gebremedhin 2011). وبمعرفتنا للطلب المستقبلي على السكن والطلب السابق غير الملبى يصبح بين أيدينا تقدير للطلب العام على السكن في المناطق الحضرية.
كما ذكرنا سابقا، هناك تصور خاطئ يرى أن الأرقام المحضة هي الوسيلة الوحيدة القادرة على التعبير عن الطلب، وهذا التصور الخاطئ أدى ببلد مثل مصر إلى تطبيق سلسلة من الحلول غير الناجحة لحل أزماته السكنية التي لا يلبي فيها معظم العرض أي طلب موجود. وظل هذا التصور مهيمناً طيلة عقود على البرامج والسياسات الوطنية المتعلقة بتوفير المساكن في المناطق الحضرية، ومنها مشاريع المدن الجديدة التي أخفقت في اجتذاب السكان بالأعداد المستهدفة من بنائها، إذ بلغت نسبتهم 27% من العدد المنشود في أفضل الأحوال ولم تتجاوز 3% في أسوأ الأحوال، وذلك على الرغم من الاستثمارات العامة الضخمة التي أُغدقت على بنائها (Tadamun 2015). وتجلى ذلك أيضاً في المحاولات التي بذلتها الحكومات لإزالة المستوطنات غير الرسمية واستيعاب الطلب على السكن لأصحاب الدخل المنخفض من خلال بناء مساكن منخفضة التكلفة. يمكن وصف هذه السياسات بأنها نخبوية لكونها مبنية على فكرة قادمة من أعلى إلى أسفل فيما يتعلق بالطلب؛ فكرة ترى الطلب على السكن عند ذوي الدخل المنخفض باعتباره قيمة عددية صرفة يمكن إحداثُ نقلةٍ فيها أو نقلها إلى موضع آخر دون أية صعوبات. نحن نعلم أن قرار العائلات العيش في مستوطنات غير رسمية لم يأتِ بمحض الصدفة، بل لأن تكاليف المعيشة في هذه المناطق هي بالحد الأدنى، ولأن الحس المجتمعي يكون عالياً فيها بشكل ملحوظ ولأن الشعور بالمسؤولية عن العمل الجماعي قوي للغاية. ومع ذلك، لا يمكننا القول إن كل بيت في المناطق غير الرسمية هو ترجمة لطلب لم تتم تلبيته، فبعض الوحدات السكنية غير الرسمية جودته أعلى من بعض الوحدات السكنية الرسمية، بما في ذلك تلك الوحدات التي بُنيت على يد القطاعين الخاص والعام. علاوة على ذلك، تنتمي الأسر التي تعيش في المستوطنات غير الرسمية إلى مستويات دخل مختلفة وبالتالي ستنشأ على الأرجح أنواع مختلفة من الطلب في هذه المناطق، قد يكون بعضها من أصحاب الدخل المنخفض وبعضها الآخر من ذوي الدخل المتوسط. وينبغي أخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان قبل القفز إلى التدخلات.
نخلص من ذلك إلى أن فهم الطلب على السكن في مصر وقياسه بفعالية له أهمية حاسمة ضمن التوجه نحو إحداث تغيير إيجابي في السياسات الإسكانية. إذن، كيف يتم قياس الطلب على السكن في مصر؟ حسب علمنا، لا يقدم التقدير الرسمي الوحيد للطلب على السكن عرضاً لمنهجيته في العمل سوى أنه يزودنا فقط بعدد الوحدات السكنية. وركزت مؤسسات أخرى درست موضوع الطلب على السكن على نواحي معينة منه أو أجرت، ببساطة، مسحاً للوقوف على فهم الناس لسوق الإسكان. ولا توجد أية دراسة منشورة لاحتياجات السكن والطلب عليه في مصر – مما يشكل نقصاً تجب معالجته فوراً.
ما الذي تخبرنا به التقديرات العددية عن الطلب على السكن في مصر؟
ثمة تضارب في التقديرات العددية للطلب على السكن في مصر.
لا يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بجمع البيانات حول إجمالي الطلب على السكن. بالمقابل، تقول ورقة صادرة عن البنك الدولي سنة 2008 بعنوان “Framework for Housing Policy Reform in Urban Areas in Egypt” إن 70-80% من سكان مصر ينتمون إلى الشريحة “الدنيا والمتوسطة من فئة الدخل المنخفض” (World Bank, 2008a). تحتاج هذه الشريحة، حسب البنك الدولي، ما بين 165,000 و197,000 وحدة سكنية سنوياً (World Bank 2008a). وإذا افترضنا أن هذا الرقم يعبر عن تقدير سنوي، نستدل منه بأن إجمالي الطلب على السكن في مصر يقع ما بين 235,714 و281,428 وحدة سكنية.[4] ويؤكد البنك الدولي على أنه لا يوجد، من الناحية النظرية، نقص في العرض لأن معدل النمو السكاني السنوي (1.9% خلال فترة الواقعة ما بين إحصائي عام 1986 و1996) كان أقل من معدل العرض السنوي للسكن (3.6%) (World Bank, 2008a). ويقول البنك الدولي إنه في الفترة التالية لذلك أي 1996-2006، بلغ معدل النمو السنوي في رصيد المساكن 2.8%. وبحلول منتصف عام 2005، بلغ العدد الإجمالي للأسر في المناطق الحضرية نحو 6.84 مليون أسرة بينما بلغ العدد الإجمالي للوحدات السكنية في المناطق الحضرية نحو 9.49 مليون وحدة (World Bank 2008a). غير أن البنك الدولي، وفي ورقة أخرى نُشرت في نفس السنة، حدد معدل الطلب السنوي على الوحدات السكنية بين 300,000 –400,000 وحدة للفترة الواقعة بين عامي 2008-2023 (World Bank 2008b). واستناداً إلى ورقتي البنك الدولي هاتين، يتراوح الطلب التقديري على السكن في مصر بين 235,714 و400,000 وحدة في السنة، مما يكشف عن تضارب عددي هائل حتى بين أرقام المصدر نفسه.
وعلى الجانب الآخر من هذا الطيف، قدّرت مجموعة مختلفة من الباحثين قيم الطلب على السكن بمعدلات أعلى بكثير من الأرقام التقريبية المذكورة أعلاه. ففي عام 2005، أشارت شركة الاستثمار الخاص الخارجي إلى تقديرات وضعتها خدمة التصنيفات والمستثمرين في الشرق الأوسط (MERIS)، وهي عبارة عن وكالة خدمة للمستثمرين تقدم خدمات التصنيف الائتماني في مصر وغيرها من بلدان المنطقة، تقول فيها إن الطلب السنوي على السكن في مصر يبلغ 750,000 وحدة في السنة.
وهناك أيضاً بعض الباحثين ممن قدروا الطلب السنوي عند أرقام أعلى بكثير من هذه. إذ قدّر يحيى شوكت (2013) الطلب السنوي على السكن بـ 870,000 وحدة سكنية في السنة خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2000 و2011 مفترضاً أن نسبة الطلب على السكن عند سكان المناطق الحضرية تبلغ 2.8%. ولحساب مقدار النقص في المساكن في مصر، قام شوكت بطرح مقدار العرض السنوي (البالغ 295,000 وحدة بما في ذلك العرض من جهة الإسكان غير الرسمي) من مقدار الطلب السنوي (870,000)، ليخرج برقم يساوي 575,000 وحدة سكنية هو القيمة التقديرية للنقص- أي تقريباً ضعف عدد الوحدات السكنية الذي يتم إنتاجه سنوياً. وللحصول على رقم أدق، طرح شوكت عدد الوحدات السكنية الذي يتم حجبه سنوياً عن السوق (على الأغلب لعدم كونها معروضة للبيع) من إجمالي عدد الوحدات المعروض سنوياً لاستخراج القيمة الإجمالية للنقص الفعلي فكانت 663,000 وحدة في السنة (Shawkat 2013). إضافة إلى ذلك، قدَّر شوكت مقدار النقص في عرض الوحدات السكنية استجابة “للطلب العاجل” (من قبيل الطلب الناتج عن تشكل أسر جديدة والبالغة قيمته 41.6% من إجمالي الطلب) بنحو 194,000 وحدة في السنة. وتختلف تقديرات شوكت وتقديرات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية اختلافاً كبيراً عن تقديرات البنك الدولي إلى درجة التناقض التام، في واقع الأمر، فيما يتعلق بقضايا مهمة معينة (منها مثلاً: مسألة النقص مقابل فائض العرض).
لا تقتصر مشكلة الأرقام المذكورة أعلاه على وجود تضارب كبير بين أقل التقديرات وأعلاها لقيمة الطلب على السكن (235,714 وحدة مقابل 870,000 وحدة) بل وبكونها لا تزود صانعي السياسات أو القائمين على التنمية أو المستثمرين بمعلومات مفيدة. ويكتسب حساب الطلب السنوي على السكن أهمية فقط طالما كان يقدم صورة ملتوية صيغت على عجل لسوق الإسكان. غير أن هذه الأرقام، وبعد إخضاعها للدراسة الشاملة، لا تنبئنا إلا بالقليل عن الطلب غير الملبى مقابل الطلب المستقبلي، والتباينات في الطلب على مختلف المستويات الإقليمية ودون الإقليمية، والطلب الكامن (أي الطلب غير القائم حالياً لكنه منطوٍ على احتمالية الظهور مستقبلا) مقابل الطلب الفعلي (أي الطلب القائم حالياً)، ومستوى الدخل مقابل الطلب على السكن. والتعامل مع الطلب على السكن فقط من منظور عددي محض يخلق هو الآخر إشكالية لأنه لا يحدد الطلب على السكن في المناطق الحضرية الذي يؤلف في العادة القسم الأعظم من إجمالي الطلب على السكن. بعبارة أخرى، لا تنطوي التقديرات العددية للطلب على السكن على قيمة كبيرة، من الناحية العملية، وربما تكون في الواقع مضللة ما لم تأخذ في حسبانها التغيرات المستقبلية على صعيد الخصائص الديموغرافية والتقلبات الاقتصادية.
النهج النوعي الذي يذهب لما وراء الأرقام
فوّض وزير الاستثمار مشروع المساعدة الفنية لإصلاح السياسات-2، وهو مشروع تابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، عام 2006 بإجراء دراسة على الطلب على السكن في المنطقة الحضرية من القاهرة الكبرى. وتمخضت الدراسة عن فهم أعمق للقضية، لكنّ ما جاءت به من أفكار متبصرة يتعلق فقط بالسكن في القاهرة الكبرى فقط ولا يمكن تعميمه على المدن الأخرى في مصر. ولذلك، جاءت الدراسة الاستقصائية للسكن في مصر عام 2008 التي أُجريت بناء على طلب وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ووزارة الاستثمار، امتداداً للدراسة أعلاه. وقد صُممت العينة الاستقصائية المكونة من 21,580 أسرة بحيث تعطي نتائج تمثيلية من الناحية الإحصائية لجميع الأسر في المناطق الحضرية في مصر – باستثناء تلك الموجودة في المحافظات الحدودية. وكانت هذه الدراسة الاستقصائية الأولى من نوعها في الثلاثين سنة السابقة (TAPR II 2008) والدراسة الأخيرة التي تم نشرها حتى هذه اللحظة.
يقدم تحليل الدراسة الاستقصائية للسكن في مصر النهج الأكثر شمولية لدراسة الطلب من منظور نوعي لما يوفره من معلومات حول ما يسعى قاطنو المناطق الحضرية للحصول عليه عند بحثهم عن وحدات سكنية. ويتناول التحليل سلوك سوق الإسكان المصري ويعاين نطاقاً واسعاً من العوامل الاجتماعية الاقتصادية التي تؤثر على الطلب على السكن في مصر، بما في ذلك: تبادلات السوق، وتنقل الأسر والهجرة، وكيفية حصول الأسر على المعلومات حول السكان، وأفضليات الطلب المعبّر عنها بما في ذلك نسبة الطالبين، وأماكن تركز الطلب، والأسباب التي تقف وراء الطلب، والطلب على الوحدات السكنية مقابل الطلب على الأراضي، والطلب حسب الموقع، والحيازة، وطريقة تمويل عمليات الشراء، وخصائص الوحدات المطلوبة، والأفضليات المتعلقة ببرامج الإسكان المدعومة من قبل الحكومة. كما أنها تحتوي على معلومات حول رصيد المساكن المشغولة في مصر بما في ذلك نوعها وأحجامها وعدد الغرف فيها ومرافقها وحالة الحيازة والأمن ومستوى الرضا. أما القسمين الأخيرين من الدراسة فيتعلقان بخصائص الأحياء وخصائص المنازل.
وحددت هذه الدراسة الاستقصائية 1,735 طالباً فقط – وهؤلاء أشخاص كانوا يبحثون بجد عن منازل- من مجمل العينة. وأظهرت النتائج أن 46% من هؤلاء الطالبين يبحثون عن بيت كي يتزوجوا، و16% عن بيت أكبر، و15% لأسباب تتعلق بضمان الحيازة، و10% منهم تمثل أسرةً نواة تريد العيش في بيت مستقل. وكشفت النتائج أيضاً عن أن 14% من الطالبين كانوا يبحثون عن طلبهم منذ خمس سنوات أو أكثر. وكانت أعمار أكثرية الطالبين في العشرينات والثلاثينات وكان 98% منهم من الذكور.
وكان 4% فقط من الطالبين يبحثون عن أرض مخدومة للبناء عليها بينما كان البقية يبحثون عن وحدات مبنية ومعظمهم (97%) كان يبحث عن شقق. وكانت المساحة المرغوبة عند جميع طالبي الشقق حوالي 80 متراً مربعاً وكان 63% منهم يريد شققاً مشطبة.
وأظهرت العينة على نحو يثير الاهتمام أن 6% من مجمل الطالبين كانوا يبحثون عن وحدات سكنية في محافظة أخرى. وأظهرت كذلك أن أكثر من نصفهم (52%) كان يبحث في نفس الحي (فيما كان البقية يبحثون في نفس المدينة أو في مدينة ثانية ولكن في نفس المحافظة). وتشير هذه البيانات إلى تدني معدل التنقل بين المراكز الحضرية المختلفة على العكس من التصور الشائع على نطاق واسع. وترتبط الأسباب الكامنة وراء تحبيذ الطالبين مناطق بعينها ارتباطاً كبيراً بالعوامل الاقتصادية؛ حيث وافق 66% منهم، على سبيل الماثل، على أن يسر تكلفة الوحدة عامل حاسم في هذا المجال، فيما ذكر 53% منهم عامل قرب المنطقة إلى العمل و25% عامل توفر المواصلات. وشكلت شبكات العلاقات الاجتماعية أيضاً عاملاً مهماً جداً إذ أعرب 56% من الطالبين عن ميلهم لاختيار موقع معين بسبب قربة من الأقارب والأصدقاء.
بالنسبة لأفضليات التمويل، قال 52% من الطالبين إنهم يدخرون المال لتملك السكن، وبلغت نسبة المتعاملين مع البنوك 20% فقط فيما عبّر 29% عن نيتهم الحصول على قروض من البنوك لتمويل السكن.
من ناحية أخرى، تميِّز الدراسة بوضوح بين “الطلب المُعبَّر عنه”، الذي يعكس تصورات المستطلعة آراؤهم وأفضلياتهم، وسلوكيات الطلب الحقيقي، وهما ليسا بالضرورة متساويين (TAPR II 2008). وأوصت الدراسة بتوخي الحذر في تعميم النتائج نظراً لصغر حجم العينة. ومع ذلك، تقدم هذه الدراسة نظرة ثاقبة فيما يتعلق بالخصائص التي يرغبها الطالبون وأفضلياتهم والتي تذهب إلى ما هو أعمق من الحسابات العددية، وهي بالتالي قادرة على إدخال تحسينات على السياسات والبرامج المتعلقة بالسكن.
التعلم من التجارب العالمية
عوضاً عن كل الدراسات السابقة، لا تزال مصر بحاجة إلى دراسة وطنية لاحتياجات السكن والطلب عليه. وإذا جعلنا من دراسة “الظروف السكنية والطلب على السكن في المناطق الحضرية بإثيوبيا” مرشداً لنا، فإن تحديد إجمالي الطلب سيتطلب: أولاً، دراسة الطلب غير الملبى عن طريق تحليل رصيد المساكن بغرض تحديد الوحدات السكنية غير الملائمة (دون المستوى المعياري) والتي تحتاج إلى ترميم واستبدال، وتقدير مستويات الاكتظاظ الزائد والتشارك في السكن الذي تنشأ عنه الحاجة إلى بناء وحدات سكنية جديدة. ثم، تقدير الطلب المستقبلي القائم على تقييم الخصائص الديموغرافية المستقبلية. وبإضافة كلا التقديرين، الطلب غير الملبى والطلب المستقبلي، يمكننا الخروج بتقدير عددي تقريبي للطلب العام – بما في ذلك الطلب على الترميم.
معظم البيانات حول خصائص رصيد المساكن الحالي متوفر بالفعل من خلال “تعداد السكان والمساكن والمنشآت” الذي أجراه “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”. ويُجرى الاستقصاء الوطني مرة كل عشر سنوات (آخر هذه التعدادات المنشورة كان تعداد سنة 2006، فيما يُتوقع الكشف عن تعداد سنة 2016 في وقت ما من هذا العام). الهدف من استمارة “خصائص أفراد الأسرة والظروف السكنية” المستخدمة في الاستقصاء هو جمع البيانات حول نوع الوحدة السكنية وحالة الحيازة والانتفاع بخدمات المياه والصرف الصحي وعدد الحجرات والإيجار وغير ذلك من الظروف السكنية. علاوة على ذلك، يشمل الاستقصاء أيضاً على “سجل حصر المباني ومكوناتها” الذي يُستخدم لجمع البيانات عن عمر البناء ومواد البناء المستخدمة واتصاله بشبكات المنافع إضافة إلى مكونات أخرى.
ويتمثل التحدي في هذه الحالة في تحديد رصيد المساكن الحالي الذي سيتم اعتباره طلباً غير ملبى – سواء للوحدات دون المستوى المعياري أو الوحدات المكتظة، وكيفية تحددي المعايير/ الحدود القصوى التي سيتم التصنيف بناء عليها.
ينص قانون البناء الموحد المصري (قانون رقم 119 لسنة 2008) على المعايير المتفق عليها رسمياً لقياس مدى ملاءمة الوحدات السكنية، مع أن مقارنة المعايير القانونية مع واقع الظروف السكنية في مصر ستقودنا إلى اكتشاف كم كبير جداً من الوحدات السكنية غير المطابقة لهذه المعايير. وبنفس الطريقة، إذا استخدمنا المعايير الدولية فإن هذه المعايير لن تكون واقعية تماماً بالنظر إلى السياق الاجتماعي-الاقتصادي المصري والسياسات الليبرالية الجديدة التي هيمنت لعقود على إدارة الأراضي وتوفير السكن في مصر. ومن شأن إدراج كل وحدة سكنية غير مطابقة للمواصفات تحت الطلب غير الملبى أن يضع بين أيدينا مؤشراً مضللاً ولا ريب. غير أن إنشاء مثل هذا المؤشر يحتاج إلى دراسات متعددة التخصصات تغطي جميع المناطق الجغرافية في مصر، وذلك من أجل تحديد المعايير الدقيقة لقياس الطلب غير الملبى. وربما احتجنا إلى تقسيم كل فئة إلى فئات أصغر واعتبار الفئات الأعلى منها فقط طلباً غير ملبى.
من جهة أخرى، يعتمد الطلب المستقبلي على التغيرات الديموغرافية الطبيعية والاجتماعية. ويجب علينا هنا تسليط الضوء على بعض الحقائق القادرة على إعطائنا فكرة أعمق عن طبيعة هذا الطلب المستقبلي، مع أن حساب مقدار الطلب المستقبلي لا يشكل بأية حال محور اهتمام هذه الورقة. وفيما يتعلق بالتغيرات الديموغرافية الطبيعية، يبلغ معدل النمو السكاني في مصر 2.4% حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS 2016). ويعد هذا المعدل مرتفعاً عند مقارنة بمعدلات النمو السكاني في بلدان نامية أخرى. يبلغ عدد سكان مصر اليوم 92,434,491 نسمة[5]، حيث ارتفع العدد مليوني نسمة خلال سنة واحدة فقط (CAPMAS, 2016). ويعيش 43.1% من السكان في مناطق حضرية وهي نسبة مرشحة للارتفاع. إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يكون قسم كبير من الأسر الجديدة شاب وباحث عن العمل مما قد يؤشر على طلب عالي المستوى على المناطق الحضرية. بيد أنه من المحتمل أن يتم، بالمقابل، الحد من هذا الطلب بواسطة عدد من العوامل بما في ذلك مستويات الدخل المتدنية وتزايد معدلات الفقر في المناطق الحضرية بمصر. بعبارة أخرى، إذا ما اتبع الطلب المستقبلي نفس الأنماط السابقة للطلب على السكن فإن جل هذا الطلب سيكون كامناً فيما يكون قسم يسير منه فقط فعلياً.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن معظم النمو السكاني الحضري المصري يحدث في وادي النيل ومنطقة الدلتا، وبالتالي فإنه من المرجح أن يتّبع النمو السكاني في المستقبل النمط نفسه سيما وأن مدن الصحراء لا تجتذب أية أعداد ذات شأن من السكان. ويتعين علينا كذلك الإقرار بأن النمو السكاني في المستوطنات غير الرسمية هو النمو الأسرع في مصر؛ إذ ينمو عدد سكان المناطق غير الرسمية بالقاهرة بنسبة بمعدل 2.57% سنوياً مقارنة بمعدل نمو سكاني وسيط يبلغ 0.40% سنوياً عند سكان المناطق المخططة بالقاهرة (World Bank 2008b).[6] ومن الصعب التنبؤ بما إذا كان ذلك سيُترجم مباشرة إلى طلب على سكن ذوي الدخل المنخفض والدخل المتوسط نظراً لأرجحية أن تكون مستويات الطلب الكامن عند الأسر التي تسكن المناطق غير الرسمية والذي لا يُترجم إلى طلب فعلي أعلى بسبب المقيدات المالية.
لا تشكل التغيرات الديموغرافية الاجتماعية في المناطق الحضرية المصرية أهمية كبيرة بالنسبة للطلب المستقبلي على السكن في المناطق الحضرية، والسبب في ذلك عائد إلى كون السكان المصريين غير متنقلين إلى حد كبير ولأن معظم الهجرة حاصل بين المناطق الحضرية (World Bank 2008b). ويرجع السبب في حالة عدم التنقل هذه في المعظم إلى ارتفاع أسعار العقارات المصحوب بتدني قدرات القوة الشرائية. وعليه، يعتمد الطلب المستقبلي على السكن في مصر في معظمه على التغيرات الديموغرافية الطبيعية أكثر من اعتماده على الديناميات الديموغرافية الاجتماعية.
يعتبر السكن سلعة اجتماعية وليس مجرد أصول يتم تداولها في السوق. ولذلك، ينبغي أن تعبّر التوقعات المتعلقة بالطلب على السكن عن واقع سوق الإسكان وتعقيداته بدلاً من الاعتماد على عمليات حسابية عددية نظرية. ويعد تغيير التصورات الدارجة فيما يتعلق بالطلب على السكن في مصر المقدمة الأولى نحو إحداث تغيير فعلي على صعيد السياسات في هذا المضمار. فالطلب لا يمكن اختزاله في رقم دالٍ على عدد الوحدات اللازمة، وبالتالي ينبغي أن لا يقتصر الرد على بناء عدد من الوحدات السكنية مساو لهذا الرقم. فخصائص الأسر وقدراتها الشرائية وقدرتها على التنقل وأفضلياتها من جهة، ومواصفات العرض المتعلق بالإسكان (من قبيل توفر الوحدات السكنية ويسر تكلفتها وموقعها، والتغير المتوقع في أسعارها) من جهة ثانية، مسؤولة جميعها عن تحديد الطلب على السكن. كما أن عوامل التوسع العمراني وعملياته وإدارة الأراضي وتقديم الخدمات هي جوانب وثيقة الصلة تماماً بالموضوع.
الأهم من ذلك، تُعتبر مسألة الحيازة بالنسبة للطالبين عاملاً ذي أهمية رئيسية. ويجب على الباحثين وصانعي السياسات التمييز بين الطلب على استملاك العقار والطلب على الاستئجار.
وتعتري البحث في مجال الطلب على السكن في مصر ثغرات هائلة، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله لتناول طبيعة اقتصاد الدولة بما لها من إسقاطات على قطاع الإسكان. يتحدد الطلب على السكن في مصر عن طريق اقتصاديات العرض والطلب وهو مرتبط أيضاً بأنماط التنمية والتوسع العمرانييّن. من شأن السياسات الليبرالية الجديدة التي تأخذ في حسبانها احتياجات الأشخاص من غير ذوي السعة أن تقود في نهاية المطاف إلى نشوء مزيد من المنازل غير الرسمية المبنية بمواصفات دون المستوى المعياري، إضافة إلى مقدار كبير من الاحتياجات غير الملباة. وما لم يدرك صانعو السياسات التعقيدات التي تنطوي عليها أفضليات الطالبين ومقدراتهم فسيبقى نفس الاختلال القائم في التوازن بين العرض والطلب يشكل قضية، رغم المحاولات الرامية إلى بناء مليون وحدة سكنية أو أكثر.
[1] ينص قانون الطلب على أنه، إذا ظلت بقية العوامل ثابتة، كلما ارتفع سعر السلعة كلما قلّت الكمية المطلوبة من تلك السلعة. بالمقابل، ينص قانون العرض على أنه أذا ظلت بقية العوامل ثابتة، كلما ارتفع سعر السلعة كلما زادت الكمية المعروضة من هذه السلعة (Heakal, n.d.). والسبب هو أنه كلما ارتفع السعر كلما حقق الموردون عائدات أكبر. كما يتوقع قانون العرض ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع في حالة وجود نقص في العرض (عندما تتجاوز الكمية المطلوبة الكمية المعروضة، ومن ثم سترتفع أسعار السلع).
[2] يشير التوازن إلى حالة في السوق حيث يزود الموردون جميع السلع التي أنتجوها ويحصل الزبائن على جميع السلع التي يطلبونها.
[3] استندت الدراسة إلى سقفين في تقييم زيادة الاكتظاظ. تعتبر الأولى البيت الذي يسكنه ثلاثة أشخاص للحجرة الواحدة مكتظاً، بينما تحدد الثانية النسبة بشخصين اثنين للحجرة الواحدة. وهكذا نتج عن الدارسة تقديرين للاكتظاظ الزائد على مستوى القطر ومستوى الإقليم ولكل مدينة من المدن.
[4] تم حساب هذا الرقم بضرب (100) في (165,000) وقسمة الناتج على (70) أولاً، ومن ثم تكرار نفس العملية الحسابية للـ (165,000) وحدة.
[5] تم استخراج الرقم من الرابط http://capmas.gov.eg/، في يوم الخميس 7 شباط/ فبراير 2017 الساعة 12:45 بعد الظهر بتوقيت القاهرة.
[6] لاحظ أنه طالما كانت هذه بيانات من عام 2006، لا يمكننا تأكيد مدى اعتبارها بيانات قديمة اليوم.
Abelti, Gebeyehu, Marco Brazzoduro, and Behailu Gebremedhin. 2001. Housing Conditions and Demand for Housing in Urban Ethiopia. Addis Abba, Ethiopia: Central Statistical Authority (CSA), Institute for Population Research – National Research Council (Irp-Cnr). https://www.irpps.cnr.it/etiopia/pdf/Housing_Conditions_and_Demand_for_Housing.PDF.
Ballesteros, Marife Magno. 2001. “The Dynamics of Housing Demand in the Philippines: Income and Lifecycle Effects.” Discussion Papers, Philippine Institute for Development Studies 2001 (15): 2001–15.
BC Housing. 2010. “Housing Needs and Demand Study.” https://www.bchousing.org/research-centre/library/tools-for-developing-social-housing/housing-needs-and-demands-study-template.
Blumenfeld, Hans. 1944. “A Neglected Factor in Estimating Housing Demand.” The Journal of Land & Public Utility Economics 20 (3): 264. doi:10.2307/3159254.
Chappelow, Jim. 2019. “Learn about Law of Supply and Demand.” Investopedia. Accessed November 18, 2019. https://www.investopedia.com/terms/l/law-of-supply-demand.asp.
Dorling, Daniel. 2015. All That Is Solid the Great Housing Disaster. London: Penguin Books.
Follain, James R., and Emmanuel Jimenez. 1985. “Estimating the Demand for Housing Characteristics: A Survey and Critique.” Regional Science and Urban Economics 15 (1): 77–107. doi:10.1016/0166-0462(85)90033-x.
Holmans, Alan. 2013. “New Estimates of Housing Demand and Need in England, 2011 to 2031.” Town & Country Planning Tomorrow Series Paper 16. https://www.cchpr.landecon.cam.ac.uk/Downloads/HousingDemandNeed_TCPA2013.pdf.
Boumeester, H.J. 2011. “Traditional Housing Demand Research.” In Measurement and Analysis of Housing Preference and Choice, edited by Sylvia Jansen, Henny Coolen, and Roland Goetgeluk , 27–55. Springer.
Kimmons, Ronald. 2016. “What Is the Difference Between Demand and Effective Demand?” Houston Chronicle. October 26. https://smallbusiness.chron.com/difference-between-demand-effective-demand-17957.html.
McKie, Anna, Erin K. Wilson, Roger Smyth, Matthew Reisz, Suzanne Franks, John Gilbey, and Jack Grove. 2015. “All That Is Solid: The Great Housing Disaster, by Danny Dorling.” Times Higher Education. October 23. https://www.timeshighereducation.com/books/all-that-is-solid-the-great-housing-disaster-by-danny-dorling/2011337.article.
Salford City Council. 2012. “Strategic Housing Market Assessment 2012.” https://www.salford.gov.uk/housing/strategies-policies-and-partnerships/housing-research/strategic-housing-market-assessment-2012/.
Shehayeb, Diana, and Marion Fischer. 2009. “Advantages of Living in Informal Areas.” In Cairo’s Informal Areas Between Urban Challenges and Hidden Potentials Facts. Voices. Visions., edited by Regina Kipper, 35–44. Cairo: GTZ.
Sims, David, Hazem Kamal, and Doris Solomon. 2008. “Housing Study for Urban Egypt.” https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/PNADY276.pdf.
TADAMUN. 2015. “Egypt’s New Cities: Neither Just nor Efficient.” December 31, 2015. http://www.tadamun.co/egypts-new-cities-neither-just-efficient/?lang=en#.Xfu8XNZKjOQ.
Thompson, Warren S. 1937. “Population Growth and Housing Demand.” The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science 190 (1): 131–37. doi:10.1177/000271623719000115.
World Bank. 2008a. “A Framework for Housing Policy Reform in Urban Areas in Egypt: Developing a Well Functioning Housing System and Strengthening the National Housing Program.” Economic and Sector Work Studies. Washington, DC. June 1. http://hdl.handle.net/10986/7955.
World Bank. 2008b. Egypt-Urban Sector Update. Washington, DC: World Bank. http://documents.worldbank.org/curated/en/749891468023382999/Urban-sector-update
الصورة المعروضة من: DiGiTaL_SiN، وتم تحريرها من قبل: تضامن.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments