بقلم محمد الخطيب (مواصلة للقاهرة)
هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات حول التنقل الحضري في القاهرة الكبرى. انظر أيضاً: التنقل الحضري: أكثر من مجرد إنشاء شوارع
التنقل الحضري في القاهرة: الحوكمة والتخطيط
التنقل الحضري: تحويل عمليات الميكروباص في جوهانسبرغ
عندما قررتُ أن أكتب هذا المقال قبل عدة أشهر، كان ثمة أمر واضح بالنسبة لي: ليس هناك أي مقال أو كتاب يغطي جميع جوانب التنقل الحضري في مستوى التفصيل الذي أحتاجه. فمثلاً، لماذا لا توجد كتابات كافية حول هيئة النقل العام بالقاهرة وتاريخها التنظيمي، رغم أنها مشغّل رئيسي للأتوبيس/الترام في القاهرة؟ وكيف أصبحت جميع خطوط الترام مملوكة للدولة رغم أن تأسيسها وتشغيلها جرى أصلاً عبر شركات خاصة؟ ولمَ تعثّرت الأتوبيسات تحت ضغط المدينة المتوسعة التي باتت أكثر اعتماداً على وسائل التنقل الآلية؟
هذا المقال ليس دراسة أكاديمية للقضية، كما أنه لا يشمل جميع جوانبها. ولكن ما أسعى إلى تحقيقه هنا هو تسليط الضوء على المشاكل التنظيمية والهيكيلية التي خلقت أزمة التنقل الحضري في القاهرة، وذلك من خلال تتبع تاريخ المواصلات العامة في القاهرة، ومناقشة كيف تطورت إلى ما أصبحت عليه الآن.
سأبدأ أولاً باستعراض كيف بدأ كل ذلك في أواخر القرن التاسع عشر. ثم يتناول المقال المساعي المبكرة التي بذلتها الدولة للسيطرة على تشغيل المواصلات العامة في القاهرة، وتأثير الأزمة الاقتصادية في عقد السبعينات على شبكتي الأتوبيس والترام، والمساعي الدولية لدعم المواصلات العامة في القاهرة (مع دراسة حالة محددة لمشروع البنك الدولي في وسط القاهرة)، ثم سأتناول مشاريع مترو القاهرة في الفترة المعاصرة منذ حقبة مبارك وما يتجاوزها. وينتهي المقال بقسم مختصر يتناول الجوانب المهمة بخصوص المواصلات العامة والتنقل الحضري في القاهرة.
برزت مشكلة في مطلع القرن التاسع عشر إذ توسعت القاهرة إلى مناطق تبعد كثيراً عن الأزقة الضيقة التي تأسست في الفترتين الفاطمية والمملوكية. وإذ بدأت المدينة تتوسع إلى مسافات تتجاوز قدرة الناس على قطعها سيراً على الأقدام بعد إنشاء المنطقة المعروفة حالياً باسم وسط القاهرة، أصبح السكان يعتمدون على عربات تجرها الخيول (حنطور) (Chalcraft 2012)، وقد باتت هذه الوسيلة تحتكر خدمة المواصلات وكثيراً ما كان مشغلوها يفرضون ثمناً غالياً لاستخدامها. إضافة إلى ذلك، عمد الناس إلى ركوب الحمير كوسيلة نقل خاصة، ولكن بدأ هذا الوضع يتغير إذ كان ركوب الحمير يعتبر غير ملائم للعصر وغير مريح، كما بدأ العمل في العقد الأخير من القرن التاسع عشر بخطوط الترام الأولى والعربات التي تجرها الخيول وتتسع لعدة ركاب (Chalcraft 2012).
ورغم أن هذه الخدمات الجديدة كانت مرتفعة الثمن نسبياً في ذلك الوقت (Kilani 1968)، إلا أن العديد من الناس استخدموها. وبحلول عام 1914 أصبح الترام وسيلة مواصلات رئيسية في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد (Chalcraft 2004). وكان حي العتبة الخضرا – والمعروف حالياً باسم العتبة – مركزاً لجميع خطوط الترام في القاهرة، وكان يضم فندقين كبيرين وحديقة الأزبكية (Chalcraft 2012)، إضافة إلى رمز ثقافي رئيسي في ذلك الوقت: دار أوبرا الخديوي وحديقتها. وإضافة إلى شركة ترام القاهرة المملوكة لبلجيكا، كان هناك شركتان محليتان إضافيتان تشغلان الأتوبيسات: شركة مقّار وشركة ساويرس. ولتسريع أداء خدمات المواصلات العامة الحديثة التأسيس هذه، حظرت الحكومة على مشغلي العربات التي تجرها الخيول استخدام الطرق المعبدة الجديدة (والتي كان يُطلق عليها الخليج المصري)[1] وذلك لتمكين الترام من الانطلاق بسرعة. وكان ذلك أحد الأمثلة المبكرة على محاولات الحكومة دعم احتكار المواصلات، حيث فضلت في هذه الحالة وسائل النقل الجماهيرية على حساب الأشكال التقليدية للتنقل الشخصي.
ومن ناحية أخرى، عمل مشغلو عربات الخيول وغير ذلك من وسائل النقل المحلية على تكييف استراتيجياتهم لتتماشى مع قرارات الحكومة بمنعهم من استخدام الطرق الرئيسية، وذلك عن طريق نقل الركاب من نهاية خط الترام، أو في مناطق لا تغطيها خدمة الترام. إضافة إلى ذلك، عملوا في أوقات الليل بعد انتهاء فترة عمل الترام. بينما اكتسب آخرون مهارات جديدة، من قبيل تعلم اللغة الإنجليزية، كما عملوا على تحسين أوضاع مركباتهم. وتمثل أساليب التكيف هذه مثالاً لاستجابة القطاع الخاص وغير الرسمي للتغييرات في ظروف العمل؛ ويمكن أن نلاحظ ذلك حالياً بوسيلة الميكروباص التي كيّفت خطوطها لتعمل كروافد لمحطات الميترو في القاهرة، خصوصاً من المناطق غير الرسمية (Sims 2012).
بعد ثورة 26 يوليو/ تموز 1952، أدرك رجل أعمال شهير في تلك الفترة، يدعى عبد اللطيف أبو رجيلة، الحاجة إلى خدمات أتوبيس محسنة، وقرر أن يستثمر في قطاع المواصلات من خلال تأسيس شركة جديدة للأتوبيس (سماها شركة أبو رجيلة). ولا توجد سوى معلومات قليلة حول عمليات هذه الشركات، سواء شركة أبو رجيلة أو الشركات التي كانت موجودة قبلها، إلا أن روايات قليلة من صحيفة الأهرام وصحف أخرى تشير إلى أن شركة أبو رجيلة كانت أشهر شركة أتوبيس ووفرت خدمة أفضل مقارنة مع شركتي مقّار وساويرس.
مع ذلك انتهت مشاركة القطاع الخاص في المواصلات العامة بموجب المرسوم الرئاسي رقم 117/1961، إذ أممت الحكومة البنوك وشركات التأمين وبعض الشركات الكبرى (وربما شركات الأتوبيس الثلاث).[2] وأصدر الرئيس جمال عبد الناصر المرسوم رقم 1360/1959 الذي أسس مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة (لاحظ الفرق بين مؤسسة وهيئة في جزء لاحق من هذا المقال). ونصت المادة 3 من هذا المرسوم على أن يترأس مجلس إدارة مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة رئيس بلدية القاهرة، وأن يتضمن أعضاء المجلس ممثلين عن وزارة شؤون البلديات ووزارة النقل والمواصلات. وهذا أول سجل بشأن هيئة حكومية تملك وتدير مرافق النقل العام في القاهرة.
وتطورت مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة لتصبح هيئة النقل العام بالقاهرة الموجودة حالياً. ومن ناحية قانونية استمر وجود مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة كمؤسسة خاضعة لبلدية القاهرة حتى سنة 1964، وبعد ذلك تم تحويلها إلى القوات المسلحة بموجب المرسوم الرئاسي رقم 1460/1964.
وفي هذه الأثناء، صدر قانون جديد (61/1963) أقام آلية جديدة لتأسيس هيئات عامة. وعلى النقيض من المؤسسة، كانت ’الهيئة‘ شكلاً جديداً من الكيانات الحكومية والتي تشبه تشكيل الشركة ويديرها مجلس خاص فيها وبوسعها تحديد أساليب إدارتها ونظم التوظيف فيها، وذلك على العكس من الوكالات الحكومية العادية (الرئاسة المصرية/ مجلس الدولة 1963). وكانت هذه النزعة نحو البيروقراطية والتحول إلى اقتصاد رأسمالية الدولة هي نزعة مهيمنة في مصر في تلك الفترة (Sullivan 1996) وربما ساهم ذلك في المشاكل التي واجهتها هيئة النقل العام بالقاهرة لاحقاً إذ تغيرت أولويات التمويل لدى الدولة وابتعد تركيزها عن المواصلات العامة نحو تهيئة الظروف للسيارات الخاصة وإنشاء الطرق الجديدة. وعلى ضوء القانون المذكور أعلاه، تحولت مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة إلى هيئة في عام 1964،[3] ونالت اسمها الحالي “هيئة النقل العام بالقاهرة”. وبعد سنة من ذلك، أُلحقت الهيئة بوزارة النقل والمواصلات بموجب المرسوم الرئاسي رقم 3579 لسنة 1965.
ولم يستمر هذا الترتيب طويلاً، إذ حوّل الرئيس السادات هيئة النقل العام بالقاهرة من جديد إلى سلطة محافظة القاهرة – والتي حلت بدورها محل بلدية القاهرة – وعزز سيطرة الإدارة المحلية القانونية على وكالات النقل العام الموجودة في منطقة اختصاصها، وذلك بموجب المرسوم الرئاسي رقم 1167 لسنة 1975، ولاحقاً بموجب قانون الإدارة المحلية رقم 52 لسنة 1975.[4]
ونظراً لعدم إمكانية الحصول على مصادر ثانوية بخصوص هذا الموضوع، من الصعب تحليل كيف أثرت المراسيم الرئاسية المتعارضة – وسرعة إصدارها – على خدمات النقل العام المقدمة في القاهرة. ويمكن الاستدلال على بعض المؤشرات من ملاحظة التغيير المتواتر لمصدر أسطول الأتوبيسات التي تستخدمها هيئة النقل العام بالقاهرة، ونوعيته، وخصائصه التقنية. فمثلاً، عندما ظلت عربات الترام دون صيانة وخرجت من الخدمة، تم شراء عربات جديدة من تشيكوسلوفاكيا في بداية عقد السبعينات، ولكنها أصبحت غير صالحة بعد بضعة سنوات فقط (Zaumseil غير مؤرخ)، واستُبدلت بعد ذلك بعربات يابانية. ولوحظت الظاهرة نفسها أيضاً في الأتوبيسات العادية والأتوبيسات الكهربائية (ترولي) والتي ما عادت موجودة في القاهرة.[5] ويبدو أنه لم توجد سياسة محددة لصيانة مركبات الترولي القديمة وترميمها (وليس من الواضح ما إذا كان يجري العمل على مشروع ترام محدد في ذلك الوقت)، وهذا ما سعى البنك الدولي لمعالجته في المشروع الذي نفذه في عام 1982، والذي سيتناوله هذا المقال لاحقاً، ولم يحقق سوى نجاحاً محدوداً.
ومن ناحية ثانية، يمكننا أن نستنتج أن حالة النقل العام بدأت تتراجع بعد عام 1952، خصوصاً بعد عقد السبعينات عندما باتت هيئة النقل العام بالقاهرة غير خاضعة لسلطة وزارة النقل والمواصلات. وخلال هذه الفترة، كان التعداد السكاني للمدينة يتنامى بسرعة، وباتت وسائل المواصلات التي تعتمد على الطرق المعبدة تحظى بالأولوية ضمن الخطط العمرانية للقاهرة، وفي الوقت نفسه ظلت الهيئة تعاني من نقص التمويل مما أدى إلى الازدحام وتراجع حالة الأتوبيسات التابعة للهيئة.
أصبحت أسعار السيارات بحلول عقد السبعينات أكثر يسراً للطبقة الوسطى نتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادي، والسياسة العامة للدولة التي فضّلت التنقل بالسيارات الخاصة – خصوصاً مع إقامة الأحياء الجديدة والمدن التابعة الجديدة في الصحراء (2013 Huzayyin وSalem). وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في كثافة السير بسبب زيادة عدد السيارات وتقليص قدرات هيئة النقل العام بالقاهرة.
ومن ناحية أخرى، ظلت الأجور في معظم القطاعات ثابتة (World Bank Group 1993)، مما أدى إلى هجرة العقول، إذ عمد كثيرون من موظفي الدولة الماهرين إلى ترك العمل في الهيئات الحكومية. وخسرت هيئة النقل العام بالقاهرة الكثير من السائقين الماهرين والموظفين الإداريين، إلى درجة دفعت الدولة إلى استخدام مجندين في الجيش لتشغيل الأتوبيسات حتى تتمكن من توظيف سائقين جدد (World Bank Group 1993). وهذا زاد الوضع سوءاً إذ تسبب العديد من الموظفين الجدد بأضرار لمعدات الهيئة بسبب نقص التدريب والخبرة (المرجع السابق).
وسعياً لإيجاد حل لهذه الأزمة، توجهت هيئة النقل العام بالقاهرة إلى الوكالات الدولية للحصول على دعمها، من قبيل وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة وبعد ذلك البنك الدولي. وكان أول مشروع للمواصلات العامة تموله جهة مانحة هو مشروع لوكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، والتي قدمت لهيئة النقل العام بالقاهرة عدة أتوبيسات لتشغيلها على خطوطها (Sullivan 1996). وقد جرى تشغيلها من قبل شركة شبه حكومية (تنظمها هيئة النقل العام بالقاهرة) تدعى شركة أتوبيس القاهرة الكبرى. وأطلق الناس على هذه الأتوبيسات لقب “أتوبيسات كارتر” إذ تم تقديمها لمصر أثناء رئاسة جيمي كارتر للولايات المتحدة. ولكن كانت هذه الأتوبيسات تصدر ضجة كبيرة أثناء تشغيلها، وتعرضت للتعطل في فترة مبكرة عما كان متوقعاً، ثم أطلق عليها وصف ساخر هو “مقلب كارتر“.
ورغم كل هذه التدخلات الأولى، والفاشلة ربما، فقد يكون التدخل الأبرز الذي تموله منظمة دولية هو مشروع التطوير العمراني للقاهرة الكبرى الممول من البنك الدولي.
بدأ مشروع البنك الدولي كفكرة طموحة: إقامة مشاريع منخفضة الكلفة، ولكنها تحدث تحولاً، للحد من أزمة التنقل الحضري في القاهرة في ذلك الوقت. فبحلول نهاية عقد السبعينات، شرعت السلطات المحلية في القاهرة بالتعاون مع الهيئة العامة للطرق والكباري في سلسلة من المشاريع التي تهدف إلى تحسين حركة السيارات في الشوارع الحضرية الرئيسية. وتضمن ذلك إنشاء كوبري 6 أكتوبر (وهو طريق سريع مرفوع يربط شرق القاهرة بغربها) لحل ازدحام السير والاختناقات على طريق مدينة نصر – العباسية – وسط البلد – المهندسين.
كانت منطقتا مدينة نصر والمهندسين حديثتا التأسيس في ذلك الوقت، ولهما خلفيات مختلفة من حيث قصة تأسيسهما. فقد كانت مدينة نصر فكرة أخصائي التخطيط العمراني المصري سيد كريم، وأقيمت في الصحراء بين هليوبوليس والعباسية، وكانت مخصصة أصلاً لتكون عاصمة جديدة بعد ثورة عام 1952 (Cairobserver 2015). أما منطقة المهندسين، فقد أقيمت على أرض زراعية على الضفة الغربية لنهر النيل (Sims 2012) وكانت مملوكة سابقاً لهيئة الأوقاف (Tarabili 1996). وأصبحت سمة بارزة لمرحلة ما بعد ثورة عام 1952 رغم أن الخطط الأصلية لمنطقة المهندسين نشأت في عام 1944 (Sims 2012)، وكانت مخصصة لمساكن الطبقة الوسطى، مثل حالة مدينة نصر. وبطبيعة الحال، بدأت حركة سير كثيفة تتدفق من جانبي المدينة، إذ يتوجه قاطنو المنطقتين في رحلات بين العمل والبيت، إما في المناطق المضافة أو في وسط المدينة. وامتلأت منطقة وسط المدينة بسيل جارف من السيارات الخاصة، فقد اعتمدت المناطق الحديثة التأسيس اعتماداً كبيراً على السيارات الخاصة.
نظراً لما سبق، كان مشروع البنك الدولي يسعى إلى تحقيق عدة أهداف أولية: (أ) الشروع في نهج معدل للتنقل الحضري يستند إلى هندسة السير منخفضة الكلفة وإلى إجراءات إدارية؛ (ب) تعزيز قدرات محافظتي القاهرة والجيزة في تخطيط وإدارة مشاريع التطوير العمراني؛ (ج) تحسين كفاءة خدمة النقل العام في القاهرة الكبرى؛ (د) تحسين ظروف المعيشة لفقراء المناطق الحضرية في القاهرة الكبرى (World Bank Group 1982).
وتألف المشروع من ستة عناصر: هندسة السير وصيانة الطرق (بما في ذلك إقامة مرفقين عامين لاصطفاف السيارات)، وفرض قواعد السير، والتطوير المؤسسي، والارتقاء بالمنطقة، والمواصلات العامة (إنشاء مرفق كبير لصيانة الأتوبيسات في حي جسر السويس)، وإجراء دراسة لتحديد طريق ذات استيعاب كبير يربط شق المدينة بغربها (World Bank Group 1982). مع ذلك، تم تنفيذ خطة المشروع بصفة جزئية فقط.
وأقر تقرير البنك الدولي بأنه إضافة إلى نقص الرؤية المشتركة مع محافظة القاهرة، فقد فشل المشروع في “تحديد القدرة الاستيعابية المقدرة للوكالات التي تعمل في تنفيذ المشروع”. وألمح التقرير بالتالي إلى عدم قدرة هيئة النقل العام بالقاهرة على الانهماك في إجراءات تعاقد دولي معقدة لإقامة المرفق الخاص بصيانة الأتوبيسات (ورش جسر السويس)، إضافة إلى عدم قدرة محافظة القاهرة على تنفيذ الشروط المتعلقة بحركة المرور ضمن الاتفاقية.
ونظراً لمحدودية تأثير المشروع على هيئة النقل العام بالقاهرة ووضع النقل العام في القاهرة، فقد أضاف المشروع ديوناً إضافية على الهيئة (World Bank Group 1993)، مما تركها تملك مرفقاً لصيانة الأتوبيسات يعمل أقل من الطاقة المطلوبة، إضافة إلى مرفقين لاصطفاف السيارات لا يُستخدمان استخداماً كافياً (في العتبة، وفي موقع الأوبرا) في وسط القاهرة.
ويثير هذا المشروع أسئلة مهمة حول دور محافظة القاهرة وهيئة النقل العام بالقاهرة في توجيه أموال البنك الدولي لتخدم كرافد جديد في شبكة السياسات التي يتمثل هدفها الأساسي في تيسير التنقل بالسيارات الخاصة، بدلاً من خدمة المواصلات العامة. فأين المنطق في إقامة مرفقين كبيرين لاصطفاف السيارات قريبين من بعضهما؟ ولنترك جانباً أمر أن أحد المرفقين أقيم على بقايا أوبرا القاهرة التي احترقت وتهدمت في عام 1971، وما يزال هذا الأمر يثير الخلاف حتى يومنا هذا. فبما أن هذا الموقع كان مركزاً ثقافياً مهماً في القاهرة، فما الذي يدفع إلى إقامة مرفق متعدد الطوابق لاصطفاف السيارات بدلاً من إعادة بناء أوبرا القاهرة على موقعها الأصلي، أو تحويلها إلى مركز ثقافي (مع إضافة مرفق اصطفاف تحت الموقع)؟ ولماذا السرعة في وضع المدينة على مسار يهيئ الظروف للسيارات بدلاً من اعتماد النهج الشامل الذي اقترحه البنك الدولي؟
وثمة جانب آخر مهم لهذا المشروع الذي موله البنك الدولي، وهو ورش جسر السويس لتجديد الأتوبيسات التي أنشئت كي توفر على هيئة النقل العام بالقاهرة ما يقدر بـ 150 مليون دولار سنوياً من تكاليف صيانة الأتوبيسات واستبدالها (World Bank Group 1993)، ويُزعم أنها إحدى أكبر مرافق صيانة الأتوبيسات في الشرق الأوسط. ووفقاً لتقرير إنجاز المشروع الصادر عن البنك الدولي، لا يمكن لورش جسر السويس أن توفر نفقات على هيئة النقل العام بالقاهرة إلا إذا عملت بكامل طاقة خطوط الإنتاج. وحذّر التقرير نفسه من أن ما بين 3 إلى 5 خطوط إنتاج فقط كانت عاملة في وقت إعداد التقرير، مما يعني أن ورش جسر السويس لن تغطي تكاليفها، حتى أن التقرير حذر من أن هذا الوضع سيدمر نظام أتوبيسات القاهرة بسبب تراكم الديون الناشئ عن هذا الوضع (World Bank Group 1993).
أما السبب الرئيس لضعف أداء ورش جسر السويس في وقت إعداد تقرير البنك الدولي، فكان نقص قطع الغيار اللازمة لإجراء الصيانة وعمليات التجديد (World Bank Group 1993). ويبدو أن هذه المشكلة قد استمرت إلى يومنا هذا. وفي عام 2012، هدد العمال في ورش جسر السويس بالإضراب عن العمل حتى توفير قطع الغيار اللازمة. وليس من الواضح ما إذا كانت رئيسة هيئة النقل العام بالقاهرة، منى مصطفى، قد عالجت الوضع آنذاك.
وأثناء زيارة قام بها الدكتور جلال سعيد في العام الماضي إلى ورش جسر السويس، وكان يشغل منصب محافظ القاهرة آنذاك ويشغل حالياً منصب وزير النقل والمواصلات، أوضح أحد المسؤولين في هيئة النقل العام بالقاهرة للمحافظ بأنه يوجد في الورش 5 خطوط إنتاج وأن اثنين منهما فقط يعملان. وهذا يمثل تراجعاً عن معدل الأداء الذي وثقه البنك الدولي.
من الواضح أن توصيات البنك الدولي التي لم تلائم رؤية محافظة القاهرة والحكومة الوطنية لم تُنفذ، وكان هناك تركيز على “المشاريع الاستثمارية كثيفة رأس المال (المترو، الطرق المرفوعة، والكباري)، والتي أدت إلى تحسينات هامشية على حركة السير والمواصلات العامة التي ظلت تستخدم الشوارع العادية في المدينة” (Mitric 1992). ورغم أن المترو وشبكته (رغم محدودية انتشارها) يمثل استثماراً كثيفاً لرأس المال، إلا أنه ينقل عدداً كبيراً من المسافرين عبر المدينة (Huzayyin Salem، 2013) ويعمل كهيكل أساسي لنظام المواصلات (Huzayyin et al. 1990)، إلى جانب الأتوبيسات والميكروباصات التي تعمل كرافد يربط المناطق القريبة بمحطات المترو (Sims 2012).
إلا أن المشاريع كثيفة رأس المال التي تخدم استخدام السيارات الخاصة لا تخدم سوى أصحاب السيارات، والتي لا يملكها سوى 11% من الأسر في إقليم القاهرة الكبرى وفقاً للباحثين الدرغامي (2015) وسيمز (2012). أما بقية الأسر والتي تبلغ نسبتها 89% من السكان فعليها أن تتحمل تبعات محدودية الاستثمار في المواصلات العامة في المدينة. وتوقع الباحث ميتريك (1992) بأنه مهما كان عدد المسافرين الذين يتم تحويلهم عن الشوارع العادية عبر الجسور الجديدة والطرق المرفوعة، فسيتم خلق مسافرين جدد بسبب وجود طلب مكبوح وكبير الحجم على التنقل. كما أعرب عن شكوكه بأن ميزانية المدينة أو الدولة ستمتلك ما يكفي من الأموال لمواكبة حركة السير الجديدة التي تخلقها تلك الطرق.
وفي الفترة نفسها تقريباً، في بدايات عقد الثمانينات، أحيت وزارة النقل والمواصلات بالتعاون مع الهيئة القومية للأنفاق فكرة يعود تاريخها إلى عام 1934، عندما اقترح المهندس سعيد عبد الواحد الذي عمل مع الهيئة القومية لسكك حديد مصر آنذاك إنشاء قسم مرفوع لربط خدمة السكك الحديدية في حلوان المعادي مع خط القاهرة السويس (من محطة رمسيس إلى عين شمس)، مما سيشكل ركناً رئيسياً في مترو القاهرة. وقد برزت الفكرة عدة مرات بعد ذلك، ولكن أثارت أكبر قدر من الاهتمام في عام 1970، حينما تعاقدت وزارة النقل والمواصلات مع الشركة الاستشارية الفرنسية (SOFRETU) لإجراء دراسة لتخطيط المواصلات في القاهرة الكبرى (Huzayyin et al. 1990).[6]
ورغم أن 5 محطات فقط من الخط ستكون تحت الأرض، واجه المشروع ضغوطاً كبيرة من جميع الجهات. فقد برزت معارضة كبيرة من السكان المحليين (ومحافظة القاهرة) لأنه يتوجب قطع بعض الخدمات الأساسية وتحويلها عن طريق آخر. وكذلك، لم تكن جميع الهياكل الأساسية التي ستنشأ تحت الأرض قد دُرست بالتفصيل ووُثقت، مما يعني أنه ستجري انقطاعات غير متوقعة للخدمات بسبب الأعمال الإنشائية.
وللتغلب على هذه العقبات، اشترت الهيئة القومية للأنفاق آلة خاصة لإجراء مسح لباطن الأرض لاستكشاف خطوط الخدمات المختلفة تحت الأرض. وعلى الرغم من المصاعب الأولى، كان خط المترو هذا هو الأنجح، ويُعتبر إنجازاً كبيراً للرئيس السابق مبارك (Golia 2015).
مع ذلك، كان إنشاء خطوط المترو التي تلت ذلك بطيئاً، وظل دائماً متأخراً عن المواعيد الأصلية (Sims 2012). وزودت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي الحكومة المصرية بخطة (JICA 2002) – وهي تُدعى (CREATS) في بعض المؤلفات (Huzayyin 2004) – تضمنت شبكة من أربعة خطوط مترو، بما في ذلك الخطان ونصف الخط القائمان، وإنشاء ترام سريع وخدمة سكك حديد إلى الضواحي (أطلق عليها اسم الجناحين الشرقي والغربي) لربط وسط القاهرة مع ضواحيها بحلول عام 2022.
ورغم الخطط الشاملة التي وضعتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي وغيرها من الوكالات، وضعت الهيئة القومية للأنفاق خططها الخاصة استناداً إلى عناصر مختلفة عن جميع المقترحات المقدمة. وتقتضي خطة الهيئة إتمام الخطوط الثلاثة المتبقية بحلول عام 2050 ليصل عدد خطوط المترو إلى ستة خطوط كما هو موضح في الشكل أدناه.
وكما توضح الأشكال المختلفة، اختارت الهيئة القومية للأنفاق حلاً أكثر اعتماداً على المترو والسكك الحديدية، وتجاهلت تماماً الترام السريع والجناح الغربي. وقد أعيد تقديم الجناح الشرقي كفكرة بعد تقديم اقتراح بناء العاصمة الجديدة. وكان من شأن الترام السريع أن يخدم مناطق أكثر، ولكنه يتضمن مستوى أعلى من التنسيق التنظيمي والتخطيط مقارنة مع مشاريع المترو والتي تنهض الهيئة بمعظم المسؤولية عنها. ومن هنا يستمر استخدام الحلول الترقيعية لتجنب التحديات الهيكلية والقضايا المرتبطة بنقص التمويل من ميزانية المدينة أو الميزانية الوطنية.
وفي الواقع يزعم الكتاب الذي وضعه الباحث بهجت وآخرون (1999) أنه تم تقليص شبكة الترام ويعود ذلك جزئياً إلى منافستها مع مشاريع المترو. ومع ذلك، سيكون من الأجدى إقامة شبكة ترام بحيث تعمل كرافد أساسي للمترو ولنقل الناس مما يكمل عمل المترو. وثمة خريطة أعدها الباحث ماكميليان دوربيكر (Maxmilian Dörrbecker غير مؤرخ) تتضمن شبكة الترام بأكملها – ونطاق وصولها الأقصى كما كان في عام 1958 – وخطوط المترو الأول والثاني والثالث، وهي توضح جيداً هذا التكامل في النماذج لتحسين إمكانية التنقل.
تُظهر الخريطة أعلاه كيف يمكن للترام والمترو أن يعملا معاً بصفة ممتازة لدعم نظام النقل العام في القاهرة الكبرى، بشرط المحافظة على المركبات والهياكل الأساسية للترام في وضع جيد. وقد بدأ النموذج الجديد من العربات في العمل في شبكة ترام القاهرة في عام 1982 (باص بلانيت، غير مؤرخ (ب)). ولكن من غير الواضح لماذا لم تواصل هيئة النقل العام في القاهرة أو الهيئة القومية للأنفاق أو أي هيئة معنية بالتخطيط الاعتماد على الترام كجزء من النموذج المتكامل ولم تسعَ لصيانة شبكة الترام، ليس فقط كي تصبح جزءاً أصيلاً من شبكة المواصلات، بل أيضاً لتوفر بدائل متعددة لمستخدمي المواصلات العامة. وهذا نهج معقول تماماً، خصوصاً في مدينة ذات كثافة سكانية عالية كالقاهرة، والتي لا يلبي نظام المواصلات الحالي جميع الطلب الموجود فيها (UNDP 2015) – على الأقل على نحو كفؤ.
رغم أن مبارك أصبح رئيساً في عام 1981، أصبحت السمات الرئيسية المرتبطة بفترة حكمه، أي الاستقرار البيروقراطي (أو ما يطلق عليه المباركية) واضحة في قطاع المواصلات في أواخر عقد التسعينات فقط وفي بدايات العقد اللاحق.[7] وحسب الأرشيف المتوفر على شبكة الإنترنت لصحف التيار العام المصرية، ظلت الهيئة القومية للأنفاق تمثل موضوعاً مهماً في الصحافة المحلية، بما في ذلك ما يتعلق باعتصامات العمال الذين طالبوا بأجر أفضل أو تحسين ظروف العمل، إلى جانب فضائح تتضمن إساءة استخدام الأموال لشراء الزي الموحد لموظفي الهيئة، والذي لم يُستخدم أبداً. واهتم الصحفيون بموضوع تراجع حالة الأتوبيسات وازدحامها وعدم انتظامها في العمل وأزمة حركة السير، كما تواصلوا مع المسؤولين للتعرف على “الحلول” التي يقترحونها بهذا الشأن. وكان السبب الوحيد الذي يشير إليه المسؤولون بخصوص تراجع مستوى الخدمة هو نقص التمويل من الحكومة لدعم نظام الأتوبيس وغيره من وسائل النقل العام.
أما مترو القاهرة، فقد نجا من هذه المصير الذي انتهت إليه شبكة الترام، وذلك بفضل التمويل الأجنبي، وعلى الرغم من أنه اعتمد على تآلف هيئات محلية ووطنية ودولية إلا أنه اعتُبر إنجازاً شخصياً للرئيس مبارك. بيد أن هذا الأسلوب التمويلي غير مستدام، وتواصل وزارة النقل والمواصلات البحث عن حلول مبتكرة لتمويل مشاريعها.
وشهدت هذه الحقبة أيضاً إقامة ما يسمى “الخدمة الخاصة” للأتوبيس، والتي تضمنت أتوبيسات مزودة بمكيفات هوائية للمرة الأولى في مصر، وحملت هذه الأتوبيسات على جانبها الأحرف الأولى من اسم هيئة النقل العام بالقاهرة باللغة الإنجليزية (CTA). وكانت هذه الأتوبيسات تحديداً تحمل اسم هيئة النقل العام بالقاهرة رغم أن جميع اتوبيسات النقل العام في القاهرة (ما عدا التكسيات المشتركة والميكروباص) تعود في الواقع إلى الهيئة أو شركات مرتبطة بها. وكانت هذه الأتوبيسات تهدف إلى خدمة الركاب من الطبقة الوسطى الذين يستخدمون السيارات في العادة، وكانت رائجة بصفة خاصة بين طلاب الجامعات. وعلى العكس من الأتوبيسات العادية، كانت هذه الأتوبيسات ذات أجر أعلى ومزودة بمقاعد أفضل.
واستمرت هذه الأتوبيسات بالعمل حتى أواسط العقد الأول من القرن الحالي، ولكنها بدأت مسيرتها في التراجع. وظل العديد منها يعمل رغم حالتها السيئة ونادراً ما كان تكييف الهواء يعمل (والذي كان المبرر الأصلي لزيادة الأجرة بالمقارنة مع الأتوبيس غير المكيف). وكان ذلك في الفترة التي دخلت فيها عربات ترام جديدة إلى الخدمة، وهي من صناعة شركة مرسيدس، وحلت محل المركبات المنتجة محلياً والمملوكة للدولة في شركة نصر لتصنيع السيارات.
وفي هذه الأثناء، أجرت وزارة شؤون البيئة مشروعاً مع هيئة النقل العام بالقاهرة لاستخدام الغاز كوقود للأتوبيس للحد من الانبعاثات الضارة وتلوث الهواء الناجم عن محركات الديزل. ورغم هذا التقدم التقني في بعض أجزاء قافلة الأتوبيس، ظلت إدارة هذه الأتوبيسات الجديدة على عهدها القديم، إذ ظلت تفتقر إلى التمويل وغير قادرة على تلبية الطلب المتزايد للتنقل الحضري. وتمثل زيادة ملكية السيارات وخدمة الميكروباص في إقليم القاهرة الكبرى دليلاً على عدم تلبية الطلب على التنقل من قبل هيئة النقل العام بالقاهرة.
وكان مترو القاهرة يستقبل جزءاً أكبر من الطلب على التنقل، ولكن نظراً لمحدودية الأماكن التي يصل إليها، لم يتمكن من تلبية المزيد من الطلب. إضافة إلى ذلك، فإن خطة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (المقدمة إلى وزارة النقل والمواصلات) لإقامة ما مجموعه 6 خطوط مترو في القاهرة الكبرى تأخرت في التنفيذ، إذ اكتملت المرحلة الأولى من الخط الثالث في عام 2013، رغم أن الموعد الأصلي لإكمال الخط بجميع مراحله هو 2016/2017.
وظل معظم الطلب المتبقي يُلبى من خلال القطاع غير الرسمي، والتي يتألف من أتوبيسات صغيرة ومتوسطة، إضافة إلى التوك توك، وأشكال متنوعة من المركبات التي يعمل عليها أصحابها بما في ذلك السيارات الكبيرة حمولة 7 ركاب وأحياناً السيارات العادية.
وتاريخياً، برزت خدمة المكروباص استجابة لزيادة الطلب على التنقل في القاهرة في عقد السبعينات. وكان بعض هذه المكروباصات مرخصاً للعمل بين المدن، ولكنها تحولت نحو خدمة النقل في داخل القاهرة. ويوجد حالياً ما يُقدر بـ 15 ألف مكروباص غير مرخص، وثمة مصادر أخرى تشير إلى وجود أكثر من 80 مكروباص غير مرخص في شوارع القاهرة الكبرى، وهي مملوكة ملكية خاصة، ولا تكمل رحلاتها بالضرورة في المحطات التي حددتها محافظة القاهرة، بل أنها تتوقف على جوانب الطرق في المدينة، ولا تتبع أي جدول مواعيد (Mccormick et al. 2016).
وفي عام 1992، بدأت محافظة القاهرة بتنفيذ مشروع النقل الجماعي بالقاهرة من أجل “تنظيم الخطوط العشوائية (غير الرسمية”. مع ذلك، صدرت سلسلة من القرارات سعياً للسيطرة على انتشار المكروباص، بما في ذلك تجميد إصدار امتيازات للمكروباص في القاهرة والسعي لضمها لسلطة هيئة النقل العام بالقاهرة. ولكن توزع هذه المشروع لاحقاً على التقسيمات الإدارية الفرعية لمحافظة القاهرة، مما أدى إلى زيادة انتشار وسائل النقل غير الرسمية في المدينة. ويعمل بعض هذه الميكروباصات بين محطات المترو فقط والأحياء القريبة منها، وتؤدي بالتالي وظيفة الرافد لنظام المترو. مع ذلك، تظل المكروباصات غير رسمية ومستثناة من أن تكون جزءاً أصيلاً من نظام المترو من حيث إصدار بطاقات الركوب والتخطيط.
لقد شكلت جميع المشاريع والمبادرات الإصلاحية التي اقترحتها جهات فاعلة محلية ووطنية ودولية جزءاً من الحلول الترقيعية للتصدي لتحديات التنقل الحضري في إقليم القاهرة الكبرى. وقد تمكنت من حل قضايا مباشرة وتواصل المساهمة في تحسين الوضع قليلاً. ولكن، مع نقص السياسة الشاملة على نطاق المدينة والتي تعيد تركيز التنقل الحضري على الأفراد والمشاة، بدلاً من النهج القائم على السيارات، سنظل نقدم حلولاً ترقيعية لنظام المواصلات العامة.
رغم عدم وجود دراسات عديدة تبحث عميقاً لشرح المشكلة وجذورها الهيكلية والتنظيمية، إلا أنه لا يوجد نقص في الدراسات بشأن الحلول الممكنة لقضية المواصلات في القاهرة الكبرى. وتُبرز العديد من هذه الدراسات والمؤلفات الحاجة إلى القيام بشيء ما، إلا أنها تحجم عن ذكر المشكلة الكبرى المهملة التي تكمن في صميم أزمة التنقل الحضري في القاهرة: فلا يمكن أن توجد حلول فعالة دون وجود إرادة سياسية تؤمن بأهمية المواصلات العامة لحل أزمة التنقل الحضري في القاهرة، وتحويل الأموال العامة المحدودة التي تُصرف حالياً على مشاريع تعبيد الطرق، لدعم الهيئات التي توفر المواصلات العامة في المدينة.
ويتعين علينا أن نستغل الفرص التي توفرها مثل هذه المشاريع للارتقاء بالحلول على امتداد خطوط السير الكبرى التي بوسعها تخفيف التحديثات التي يواجهها العديد من القاهريين في رحلاتهم اليومية، وجعل المواصلات العامة ميسورة وإنسانية للجميع. وهذا سيجعل مدينتنا أكثر استدامة، وأكثر ملاءمة للناس، وخالية من الاختناقات المرورية المستمرة. إن المال هو تعبير عن القيمة، ويجب أن نستخدمه لخدمة مدينتنا وسكانها، وليس خدمة السيارات.
[1] وكان الخليج المصري يُعرف أيضاً باسم “الخليج القديم”؛ وهو قناة مائية تمتد من فم الخليج عند بداية القناة التاريخية وقريباً من المقر الحالي للمعهد القومي للأورام، ويمتد إلى منطقة باب الخلق.
[2] لم يتمكن كاتب المقال من الحصول على نصوص معظم القوانين والمراسيم المتعلقة بهيئة النقل العام بالقاهرة لغاية كتابة هذا المقل. وكان المصدر الوحيد المتوفر على شبكة الإنترنت هذه المادة على الصفحة الرسمية لهيئة النقل العام بالقاهرة على موقع فيسبوك.
[3] بموجب المرسوم الرئاسي رقم 1891 لسنة 1964، والمرسوم الرئاسي رقم 2716 لسنة 1966.
[4] تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون تضمن استثناء في حالة المرافق ذات الاستخدام القومي، أو ذات “الطبيعة الخاصة”، والذي يمكن تحديده بمرسوم رئاسي.
[5] وفقاً لمدونة ’باص بلانيت‘ (Bus Plant) (غير مؤرخ)، تم شراء 200 مركبة ترام من نوع (TATRA K5) التي تنتجه الشركة التشيكية (ČKD)، وذلك خلال الفترة 1970-1973، وظلت تعمل لبضعة سنوات فقط قبل أن في حالة سيئة. وتم استبدالها بمركبات من نوع (Kinki Sharyo series 6001-6140) في عام 1978. ولا توجد سوى مصادر قليلة جداً تشير إلى وجود الأتوبيس الكهربائي، باستثناء صور قليلة من تلك الفترة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعلومات متوفرة من مجموعة على شبكة الإنترنت للمعجبين بالأتوبيس/الترام، ولم يمكن التحقق منها وقت كتابة هذا المقال. لمزيد من المعلومات، يرجى الرجوع إلى الروابط التالية الرابط 1 باص بلانيت، الرابط 2 باص بلانيت، وهذا الرابط بخصوص مركبات (TATRA K5). وتم الرجوع إلى جميع هذه الروابط في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2016.
[6] Société Française d’Etudes et de Réalisations de Transports Urbains
[7] كانت الباحثة إيليس غولدبيرغ هي أول من استخدم مصطلح “المباركية”، وذلك في مجلة شؤون خارجية (Foreign Affairs)، وقد استخدمه آخرون أيضاً لوصف السياسات المرتبطة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك.
40 عاما على حريق أوبرا القاهرة “الخديوية”، متوفر على الرابط: http://archive.aawsat.com/details.asp?section=54&article=647118&issueno=12022#.WGUrafCLTIU, checked on 29-Dec-16.
عباس طرابيلي (1996) : شوارع لها تاريخ: سياحة في عقل الأمة: الدار المصرية اللبنانية.
مرسوم رئاسي (1964): مرسوم 1891 لسنة 1964.
مرسوم رئاسي (1965): مرسوم 3579 لسنة 1965.
مرسوم رئاسي (1966): مرسوم 2716 لسنة 1966.
محمد سيد كيلاني (1968): ترام القاهرة: دراسة تاريخية، إجتماعية، أدبية: دار الفرجاني
الصورة من: Mumbles Head (مستخدمة بتصريح)
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments