هل وقع نظرك يوماً على مبنى قديم يلوذ منهكاً متصدعاً بظل مبنى شاهق يقف بجواره؟ أو استرعى انتباهك مبنى آخر أوصدت أبوابه وأُحيط بسياج من كل جانب؟ لا بد أنك قد شاهدت مثل هذا المبنى مرات ومرات خاصة إذا كنت من قاطني القاهرة أو الجيزة أو واحدة من مدن مصرية أخرى كثيرة. وربما ستتساءل بعقلانية: “ليكُن، فما الغريب في ذلك؟” وقد يؤيدك شخص آخر بالرأي مردفاً: “خير لنا أن نهدم المباني التي لا تصلح لشيء ونستغل كل تلك المساحة”، بينما قد يرد عليه آخر موبخاً: “كيف تجرؤ على قول شيء كهذا؟ وماذا عن تاريخنا وتراثنا؟
هاتان الرؤيتان ليستا بالضرورة متضاربتين؛ فمبدأ الجدوى أو الربحية لا يتناقض حُكماً مع مبدأ حفظ التراث. ولو قمنا بترميم مثل هذه المباني ومن ثم استخدمناها من جديد على نحو آخر لعادت علينا بالفائدة وربما حققت ربحاً مالياً أيضاً. والأدلة على ذلك موجودة بل يمكن العثور على أمثلة على ذلك في مدينتنا هذه. فكما نعلم، ثمة عدد من الأبنية في القاهرة الكبرى يقف اليوم شاهداً على إمكانية المحافظة على التراث العمراني مع تحقيق قدر أكبر من الفائدة. ومن بين هذه المباني، على سبيل المثال لا الحصر، متحف أحمد شوقي ومكتبة القاهرة الكبرى (ElKadi & Elkerdany, 2006).
ثمة مباني نراها اليوم في حالة يُرثى، كانت الدولة قد أعادت استخدامها ولكن لغرض غير الغرض الأصلي الذي شُيدت من أجله، ومن أمثلة ذلك القصر المهجور ذو اللون الوردي الغامق بشارع شامبوليون وسط مدينة القاهرة. فرغم أنه بدأ سيرته قصراً للأمير سعيد حليم باشا حفيد محمد علي باشا، إلا أنه احتضن لاحقاً مدرسة الناصرية للبنين.1 وهناك أيضاً قصر السلطانة ملك في هيليوبوليس الذي خضع هو الآخر لمسار تحول مماثل (Raafat, 2005).2
لا ريب أن الحال الراهن التي آلت إليه القصور أعلاه، وكذلك غيرها من القصور التي حُوِّلت إلى مدارس مثل قصر عمر طوسون في شبرا، مدعاة للتساؤل: هل كان من الجائز تحويل هذه القصور الفخمة المهيبة، التي صُممت بهذا الجمال والتعقيد على يد أشهر المهندسين المعماريين، بكل قسوة إلى مدراس؟ وهل كان من الجائز ترك أطفال بعمر المدرسة يدخلونها؟
فهل تنطوي تلك المباني، بما آلت إليه أحوالها، على تحذير ينبغي أن نأخذ منه العِبر؟ وهل المصير نفسه ينتظر المباني التي أُعيد استخدامها مؤخراً وفتحها لاستخدام الجمهور والمجتمع المحلي؟
عند تحويل بناء مهجور أو غير مستخدم إلى مدرسة أو مكتبة أو فندق فإنك تصيب عصفورين بحجر واحد: الأول هو المحافظة على الطراز المعماري للمبنى وسماته، والثاني تحويل بناء قديم متعب إلى مساحة مفيدة. من الناحية النظرية، تبدو الفكرة صائبة تماماً، أما عن نجاحها في الواقع العملي، فتلك مسألة تتوقف على مدى ملاءمة الاستخدام الجديد للمكان وما إذا كان قد تم تكييف المبنى ليتلاءم مع هذا الاستخدام وهل تتم صيانته على النحو الصحيح؟ وحين نأتي إلى مسألة تحديد نوع الاستخدام المناسب علينا أن نضع في حسباننا أنه لا توجد (ولا ينبغي أن توجد) اختيارات مطلقة الصوابية، وأن تحويل جميع الأبنية المهددة، مثلاً، إلى متاحف أو فنادق درجة خاصة لا يمثل مقاربة منزّهة عن الخطأ أو المقاربة الأمثل – وخاصة إذا كان الهدف من العملية هو الحفاظ على التراث العمراني وتحقيق منفعة عامة. هذا فضلاً عن أن تحويلها إلى مرافق خدمية كالمدارس (كما في حالة قصر سعيد حليم وقصر السلطان ملك) قد يكون خياراً مناسباً أيضاً. وخلاصة القول، لا يمكن الجزم على نحو قاطع إن استخداماً بعينة أفضل دائماً من غيره، فالمباني والسياقات والاحتياجات تختلف وبالتالي يجدر بنا تقييم كل حالة على حدة.
إن تطبيق الفكرة مع مراعاة خصوصيات السياق والاحتياجات الراهنة قادر على تحقيق فوائد متعددة شاملة لمختلف الصعد. ومن المشاريع التي طبّقت الفكرة ونجحت إلى حد كبير، مشروع الآغا خان في حي الدرب الأحمر الفقير بالقاهرة. وسوف يناقش هذا المقال مشروع الآغا خان والطريقة التي هيأ بها مبانٍ تاريخية قائمة في هذه المنطقة منخفضة الدخل حتى أضحت جزءاً حيوياً من المجتمع المحلي.
في أواخر العقد الأخير من القرن الماضي، تحوّل اهتمام صندوق الآغا خان للثقافة- وهي وكالة تابعة لشبكة الآغا خان للتنمية- نحو الدرب الأحمر: ذلك الحيٌّ الذي يعاني من حاله متردية رغم طابعه الغني وتاريخه الحافل. وكان الصندوق قد بدأ بالفعل آنذلك بالعمل على الموقع المرتفع المطل على الحي في مشروع غايته منح القاهرة “رئة خضراء” ألا وهي حديقة الأزهر.3 في تلك الأثناء، كان الصندوق يأمل، في الدرب الأحمر، بتلبية الاحتياجات المادية والاجتماعية-الاقتصادية على حد سواء، وذلك بصفة جزئية عن طريق ترميم الأبنية المهمة من الناحية المعمارية والتاريخية ومن ثم إعادة استخدامها. ومن المباني التي استهدفها الصندوق مدرسة سابقة في زقاق أيباك إضافة إلى منزل بشراع باب الوزير يعود تاريخه إلى العهد العثماني (وسنشير إليهما من هنا فصاعداً “مدرسة درب شغلان” و “البيت العثماني” على الترتيب)؟
مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية- مصر (AKCS-E) هي المؤسسة المحلية التابعة لشبكة الآغا خان والتي نفّذت هذه التدخلات وتدخلات أخرى غيرها في المنطقة. بعد ذلك، تم تأسيس شركة تنمية مجتمع الدرب الأحمر لإدارة المشروع وبرامجه المختلفة.
كانت مدرسة درب شغلان والبيت العثماني في حالة يرثى لها قبل المشروع، وهذا ناتج بطبيعة الحال عن الإهمال الذي امتد لعقود. كانت أكوام الغبار والأنقاض تملأ المكانين اللذين فقدا الكثير من معالمهما الأصلية، لا سيما الأعمال الخشبية التي تفككت تدريجياً بمرور السنين. أما الهياكل الخارجية فبقيت سليمة نوعاً ما وظلت نقوشها ورسومها ظاهرة للعين. أما باقي المعالم الداخلية وعلى الرغم من أنها لم تسلم من الأذى إلا أنها كانت بحالة كافية لاستنباط المواد والفنون التي استُخدمت عند بنائها. ولكن تلك الحالة التي وجدنا عليها البنائين لم تكن إلا انعكاساً لحالة التدهور التي ألمّت بالنسيج العمراني لحي الدرب الأحمر، ولم تكن المسألة مجرد بعض مبانٍ عالية القيمة تُركت ليطويها النسيان بل منطقة بأكملها لا تبلي بلاء حسناً أبداً كما كشف عنه استطلاع أساسي أُجري سنة 2003. واعتبر معظم الذين شملهم الاستطلاع حالة مسكنهم سيئة وخطيرة ونظراً لتدني مستويات الدخل بشدة دون المعدل الوطني، ولم يكن معظم هؤلاء يتمتع بمستوى معيشي مريح. وكان من بين الشواغل التي وردت في الاستطلاع آنذاك، كثرة القمامة في المنطقة ورداءة شبكات البنية التحتية وانعدام الأنشطة الخاصة بالأطفال (Shehayeb, 2004).
يتألف المبنى البارز لمدرسة درب شغلان من أربعة طوابق ويقع مباشرة بجوار السور الأيوبي. وقد بُنيت المدرسة سنة 1911 أصلاً لغايات السكنى (O’Kane, 2009). وفي أربعينيات القرن الماضي احتضن البناء “مدرسة فاطمة النبوية الأساسية للبنات”، ولكن بعد أربعين سنة من ذلك ظهرت على المبنى علامات التدهور وبالتالي انتقلت المدرسة إلى مكان آخر (AKTC، غير مؤرخ). ورغم انتقال المدرسة، ظل الناس يشيرون إلى المبنى باسم “مدرسة درب شغلان” حيث تشير درب شغلان إلى المنطقة التي يقع فيها المبنى تحديداً.4 وخلال الفترة الواقعة بين انتقال المدرسة سنة 1988 وتنفيذ تدخل الآغا خان في بدايات العقد الأول من الألفية الحالية، عانى المبنى من أضرار كثيرة، بل إنه استُخدم –بحسب روايات السكان- كمكب للنفايات.
أما البيت العثماني فتتوفر عنه معلومات أقل نسبياً ويقع بين مسجد آق سنقر ومسجد-وضريح خاير بك بمنطقة باب الوزير. وما نعرفه عنه أن تاريخه يعود إلى القرن السابع عشر وأن الذي بناه هو إبراهيم آغا مستحفظان، قائد قوات الانكشارية المكلفة بحراسة القلاع والحصون والمدن، الذي اهتم على ما يبدو اهتماماً خاصاً بالدرب الأحمر ومعالمه التاريخية. وفي عام 1652، باشر مستحفظان بترميم مسجد آق سنقر الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع عشر، حيث قام بتقوية الهيكل الإنشائي للمسجد وزينه بالبلاط الإزنيقي الأزرق، وهي سمة من سمات المساجد العثمانية، ومن هنا جاء اسم “المسجد الأزرق” (Behrens-Abouseif, 1989). وفضلاً عن ترميمه هذا المسجد، نفذ القائد مستحفظان العديد من الأعمال الإنشائية في المنطقة ومن ضمنها “السبيل” -أي حوض الماء المخصص لسقاية العامة- و”الربع” –وهو طراز من البناء من العصر المملوكي/ العثماني كان يُستخدم عادة للسكنى وكذلك للأغراض التجارية (Warner, 2005; Williams, 2008).
تمثَّل الهدف الأسمى للمشروع في إحياء حي الدرب الأحمر وتجديده، وقد حصر المشروع اهتمامه في مجالين اثنين، هما: الأبنية والمجتمع المحلي اللذين كانا يعانيان من الإهمال والتدهور رغم أنهما حافلان بالإمكانات. وفي سبيل تحقيق الهدف المزدوج المتمثل في إنقاذ الأبنية ذات القيمة التاريخية وتلبية احتياجات المجتمع المحلي في المنطقة، تبنّى المشروع استراتيجية إعادة الاستخدام القائم على التكيّف (adaptive re-use). وتستند الفكرة الأساسية أو المركزية لهذا العمل إلى ترميم المباني المهددة وفقاً لأعلى مستويات الجودة واستخدامها من جديد حيثما أمكن. أما الأفكار التفصيلية كتلك المتعلقة بالأغراض التي سيخدمها المبنى المرمم بعد الانتهاء منه فلم تكن تتبلور تماماً وتتخذ شكلها النهائي إلا أثناء تنفيذ عمليات الترميم لدى تكشُّف الاحتمالات والمحددات.
وشكّل إشراك المجتمع المحلي وانخراطه في العملية جانباً مركزياً من رؤية المشروع. ولضخ الحياة في عروق المجتمع المحلي المغلوم على أمره وضمان نجاح المشروع واستدامته، بذل المشروع جهوداً، ومنذ البداية، لإطلاع سكان الدرب الأحمر على عملية إنمائية جرت في منطقة ’الدرّاسة‘ المجاورة (موقع حديقة الأزهر)، وذلك لاستشاراتهم بشأن احتياجاتهم وإشراكهم في أعمال المشروع عن طريق التدريب المهني.
اختيرت الأبنية المراد ترميمها على أساس قيمة البناء (المتأصلة والمحتملة) وموقِعه. وقد وقع الاختيار على مدرسة درب شغلان لفرادة طابع بنائها على نحو واضح بما يحويه من سمات تعود لحقب وطُرز مختلفة. وكان لعامل الموقع وعامل الحجم أثرهما أيضاً في هذا الاختيار. وكانت إمكانية مشاهدة بناء المدرسة من حديقة الأزهر التي لم يكن العمل فيها قد اكتمل بعد سبباً في أهليته ليكون الوجه الجديد للدرب الأحمر في عيون زوار حديقة الأزهر. أضف إلى كل ذلك حجمه الذي يمكّنه من استيعاب عدد كبير من الأشخاص. وقرر المشروع أيضاً ترميم البيت العثماني في باب الوزير بسبب موقعه بصورة أساسية. فالمنزل مجاور تقريباً لمسجد خاير بك الذي بُني في القرن السادس عشر الذي كان صندوق الآغا خان يأمل –من خلال جهوده على صعيد الحفاظ على التراث- في وضعة على الخريطة السياحية. ووقوع البيت العثماني على شارع رئيسي يجعله مرئياً تماماً للمارة ناهيك عن سهولة الوصول إليه. وفي النهاية لم يكن المبنيان عصيين على الترميم رغم التدهور الشديد الذي أصابهما مما جعلهما اختيارين مثاليين للمشروع.
بدأت أعمال التحضير الأوّلي والأبحاث للمشروع في أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي، ولم تمضِ سوى بضع سنوات حتى اتُخذت الخطوات الأولى لأخذ الموافقات للتصرف بالأبنية التي وقع عليها اختيار الترميم، وبدأت العملية تشير بالفعل. وكانت هذه الخطوة الأولية صعبة إلى حد كبير فيما يتعلق بمدرسة درب شغلان، إذ استغرق التفاوض مع المالكين المتعددين حول الاستحواذ على المبنى وبدء الأعمال اللازمة وقتاً طويلاً.5 بالمقابل، كانت الأمور أكثر سهولة وأقل استغراقاً للوقت في باب الوزير لأن البيت العثماني كان عندئذٍ مسجلا أصلاً كمعلم تاريخي يُشرف عليه ويملكه المجلس الأعلى للآثار (أصبح الآن وزارة الآثار) وهو الجهة التي أبرمت مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية في مصر معها الشراكة لغايات مشاريع الحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية.6
وبعد شراء مبنى المدرسة والحصول على تصريح ترميم البيت العثماني، بدأت فرق العمل بتوثيق معالم المبنيين ودراسة أحوالهما المادية. وتمكنت هذه الفرق من تقفي الأثر التاريخي للمبنيين والخروج بتصور جيد لشكلهما في حالتهما الأصلية وذلك من خلال التوثيق التفصيلي والصور الفوتوغرافية إضافة إلى الاستدلال، حيثما اقتضى الأمر، من أبنية مماثلة في المنطقة. وحرصت الفرق حرصاً كبيراً على توثيق بقية معالم البناء بغية إنقاذ ما أمكن منها والحفاظ على الطابع الأصلي للمبنيين كما هو. كما أولت الفرق الاهتمام اللازم لمحيط المبنيين لضمان التناغم البصري والثقافي.
وقد التزمت فرق المشروع، في الموقعين، بالتصميم الأصلي للبناء وحاولت قدر الإمكان استخدام مواد وطرق عمل تقليدية/ مواد متوافقة. ولم يكن للبيت العثماني قواعد مما اضطر الفريق إلى تفكيك الجدران الباقية وإعادة بنائها لاحقاً. ولتوفير ما أمكن من مواد البناء الأصلية، عمد الفريق إلى ترقيم الحجارة قبل تفكيك الجدران حتى يتسنى للعمال إعادتها إلى مكانها عند إعادة بناء الجدران. وبعد بناء القواعد قام الفريق ببناء الطابق الأرضي مستخدماً حجارتها الأصلية. وكان الطابقان العلويان متهدمين تماماً عند تنفيذ المشروع فاضطر الفريق إلى استكمال البناء باستخدام الطوب الأحمر. وعلى العكس من البيت العثماني، لم تستدعِ حالة مدرسة درب شغلان الحاجة إلى أعمال إعادة تعمير كبرى للمبنى، بل دار معظم الأعمال حول تصليح الحجر المتضرر والتجصيص. أما الأعمال الخشبية المفقودة/ المتضررة وخاصة المشربيات فقد كانت تشكل جزءاً لا يتجزأ من تصميم البناء وطابعه المعماري لذا فقد بُذلت الجهود لإعادة صنع/ تصليح هذه المعالم بالذات.7 علاوة على ذلك، وعندما بلغ العمل عند لمسات التشطيب اختارت فرق العمل تشكيلة ألوان تتناغم مع هوية المبنيين وبيئتهما المحيطة. وقد حرصت الفرق العاملة على امتداد مراحل العمل على عدم التفريط بجودة العمل في البنائين أو بطابعهما الخاص أو أصالتهما.
وربما كانت العقبة الأكبر التي واجهها الفريقان في الموقعين هي العثور على قوة عمل من فنيين مَهَرة تحمل نفس الأفكار والحساسية تجاه المباني التراثية. بيد أن المشروع قرر التغلب على هذه العقبة عن طريق إيجاد مجموعة المهارات اللازمة من خلال عقد ورش عمل تدريبية لحرفيين محليين بغية تعليمهم على طرق ترميم الخشب والمحافظة عليه. ومع التدريب في الموقع على يد خبراء أصبح الحرفيون المورد الأعلى قيمة وبالتالي لم تتوقف مشاركتهم عند الترميم الإنشائي والخارجي للبناء، إذ استفاد المشروع من مهاراتهم وجعلهم يصنعون الأثاث كذلك للمباني المرممة.
وعندما وصلت الأعمال إلى مرحلة تركيب وسائل الراحة العصرية، كمكيفات الهواء، ناقش قادة الفريق في الموقعين الفنيين الطرق الكفيلة بالقيام بذلك دون التأثير سلباً على الطابع الخاص والنواحي الجمالية للمبنيين. وكان توفر الأموال (انظر أدناه) من العوامل الرئيسية التي تقف وراء النجاح العام لهذا المشروع مما أتاح لفرق العمل إعطاء الأولوية القصوى لضمان استخدام المواد الأكثر ملاءمة وذات الجودة الأمثل.
وبعد استكمال أعمال الترميم في مدرسة درب شغلان والبيت العثماني (في 2004-2005 وسنة 2007 على الترتيب) كان لا بد من اتخاذ القرار المتعلق بالاستخدامات المستقبلية للمبنيين. لقد كان الهدف من المشروع، كما ذكرنا أعلاه، هو استغلال المساحات المرممة لأغراض المجتمع المحلي. كانت هناك نيّة غير منعقدة تماماً لأن يصبح مبنى المدرسة مركزاً للزوار والمجتمع المحلي وأن يؤوي البيت العثماني مكاتب خدمات للمجتمع المحلي. لكن برزت شواغل عملية مما أدى إلى تغيير بسيط في الخطة. كان عدد العاملين في المشروع قد ازداد فبرزت بالتالي حاجة إلى مزيد من المكاتب في الدرب الأحمر أو قريباً منه. ومن ثم تقرر أن يُخصص الطابقان العلويان من مدرسة درب شغلان لشركة تنمية مجتمع الدرب الأحمر التي كانت قد تأسست عندئذٍ من أجل إدارة المشروع ومكوناته. وتم بالمقابل حجز الطابق الأرضي والحديقة الخلفية لاستخدام المجتمع المحلي، وبالتالي احتضن الطابق الأرضي مكتبة ومركزاً للكمبيوتر للأطفال بينما وُجد أن الحديقة الخلفية مناسبة لاستضافة عدد من الأنشطة والفعاليات من عرض أفلام الأطفال ومسرحيات العرائس ولغاية المحادثات وحلقات التدريب للموظفين المحليين بمكتب خدمات المجتمع. على الجانب الآخر، تم تحويل البيت العثماني إلى مركز لصحة الأسرة.
لم تشكّل التكاليف أية عقبة أمام سير المشروع على غير عادتها في مشاريع الترميم المماثلة. وتم تمويل أعمال ترميم مدرسة درب شغلان والبيت العثماني من قبل عدة مانحين. إذ ساعد كل من مؤسسة فورد، وساندستورم، ومرسيدس بنز، والصندوق المصري السويسري للتنمية في تغطية تكاليف الأعمال في مدرسة درب شغلان بينما موّل كل من الصندوق العالمي للآثار ومركز البحوث الأمريكي في مصر الأعمال في البيت العثماني (Philip، غير مؤرخ). وغني عن القول إن توفر العديد من المانحين المهتمين بالمساعدة والأموال الكافية كان له أبلغ الأثر في اكتمال أعمال الترميم بنجاح سيما وأن التكاليف الفعلية تخطت الميزانية المقررة. كما توفر للمشروع موارد أخرى حاسمة الأهمية كخبرة العاملين المشاركين والتعاون مع برنامج المحافظة على المعالم التاريخية لكلية الفنون الجميلة العليا بجامعة بنسلفانيا الذي لولاه لما تسنى لأعمال ترميم المبنيين أن تتم على مثل هذا المستوى الأفضل من الجودة.
أدت أعمال الترميم في الموقعين إلى خلق فرص عمل فورية وتحسين آفاق تحقيق الدخل على المدى الطويل. تعاقد المشروع مع حرفيي أعمال خشبية ونجارة محليين لتنفيذ الأشغال الخشبية، غير أنه اضطر لجلب عمال من خارج منطقة الدرب الأحمر للأشغال الإنشائية وبناء الحجر بسبب عدم توفر هذه المهارات في المنطقة. وبعد أن تلقى الحرفيون المحليون الذين علموا بالمشروع تدريباً نظرياً وحصلوا على خبرة عملية في موقع العمل، أصبحوا مع انتهاء أعمال المشروع قوة عاملة ذات قيمة كبيرة. ونظراً لندرة المهارات العالية التي اكتسبوها بدأوا بتلقي طلبات أعمال من هيئات مختلفة، كحديقة الأزهر حيث عملوا على استكمال تنفيذ مطعم ليكسايد ومحافظة القاهرة حيث نفذوا لها سور الأزبكية.
وهكذا استعاد المبنيان رونقهما القديم وأصبحا جاهزين للاستخدام. وبالإضافة إلى أعمال الترميم المعماري، نُفذ في الدرب الأحمر عدد من البرامج الاجتماعية-الاقتصادية. وبالانتهاء من ترميم المدرسة والبيت العثماني أصبح لدى برامج مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية مواقع مؤهلة تماماً لتنفيذ أنشطتها المختلفة وتقديم الخدمات المطلوبة بشدة في المنطقة.
وفي عام 2005، افتُتِح المركز المجتمعي الذي تحتضنه مدرسة درب شغلان، وبدأ تشغيله على نحو كامل. وقد أدى هذا المكان دوراً محورياً في إنعاش المجتمع المحلي، إذ اجتذبت مرافقه وفعالياته المختلفة أفراد المجتمع المحلي من مختلف الفئات العمرية، مما وفّر مساحة مناسبة للأسرة بأكملها. وكلما كانت هناك حوارات لنساء المنطقة فإنهن يشاركن ويُحضرن معهن أطفالهن إلى المكتبة أو مركز الحاسوب، ولم يعدن يحملن هم الاختيار بين عدم الحضور أو ترك الأطفال لوحدهم في البيت. وقد وفرت هذه المساحة من خلال الأنشطة المتخصصة والمختلفة منتدى عاماً حياً للجميع كي يتعلموا فيه ويطوروا مهاراتهم ويقضوا أوقاتاً ممتعة مع أقرانهم من أبناء المجتمع المحلي.
وجرت مقابلات مع أفراد من المجتمع ممن يحضرون النقاشات والدورات التدريبية بانتظام في المركز تلك الأنشطة، ووصفوا هذه الأنشطة بأنها كانت دائماً واضحة وحسنة التنظيم، وأنها تركت في غالبية الحالات أثراً طيباً عند المشاركين فيها. وقالت مديرة دار حضانة محلية تديرها منظمة غير حكومية (وهي تلميذة سابقة بمدرسة درب شغلان) شاركت في دورات تدريبية حول التخطيط الاستراتيجي والإدارة الرشيدة وموضوعات أخرى غيرها، إنها ممتنة لمشاركتها بتلك الدورات التي مكّنتها من تطوير معارفها ومهاراتها ومزاولة النشاط الشبكي مع منظمات غير حكومية أخرى في المنطقة. ولم تقتصر فائدة المركز على الكبار والمهنيين من أبناء المجتمع المحلي بل استفاد الأطفال كذلك من توفير الفراغ المناسب للأطفال في منطقة لولاه لخلت من مثل هذه الأمكنة التي يحتاجها الأطفال لتفريغ طاقاتهم وصقل مواهبهم. وإلى جانب هذه المرافق التي أتاحها المركز لرواده هناك دروس تُعطى بين الفينة والأخرى في الفنون والموسيقى في إطار برامج تعليمية أوسع نطاقاً. وفي عام 2011، تم اعتماد منهاج دراسي للفنون والموسيقى مكتمل الأركان بفضل التعاون بين مؤسسة المورد الثقافي وصندوق الآغا خان للثقافة الذي كان من ثمراته إطلاق مدرسة الدرب الأحمر للفنون. وفي عام 2009، أي بعد أربع سنوات من تشغيل المركز المجتمعي، قال 12% فقط من سكان المنطقة الذين استُطلعت آراؤهم إن هناك ثغرة في أنشطة الأطفال مقابل 61% ممن أجابوا عن نفس السؤال في استطلاع سنة 2003، ما يشير إلى تحسن هائل (Shehayeb, 2009).
أما المركز الصحي الذي يحتضنه البيت العثماني ويُدار من قبل أحد البرامج الصحية فهو يقدم الفحوصات الطبية بأسعار معقولة ويعقد النقاشات حول مختلف المسائل المتعلقة بالصحة. ولقد كانت لمثل هذه النقاشات بصفة خاصة أصداء ترددت بين أبناء المجتمع المحلي. وقد ذكرت سيدة أنها وبعد حضورها لندوة حول تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في المركز الصحي، اتخذت قراراُ مستنيراً بعدم إخضاع ابنتها الصغيرة لهذا النوع من الختان.
شهد عام 2012 اكتمال مشروع صندوق الآغا خان في الدرب الأحمر وما سرده عليكم هذا المقال أعلاه بشأن ما انبثق عن مشروع الترميم من نتائج، هي بلا شك محط إعجاب، إلا أنها ليس سوى وصفٍ لما كان عليه واقع الحال بعد فترة وجيزة من اكتمال أعمال الترميم. أما اليوم فالبيت العثماني فقط ما يزال مفتوحاً ومستخدماً ولكنه لم يعد يحتضن العيادة بل قاعات التدريب لمدرسة الدرب الأحمر للفنون.8 ومع ذلك غاب نبض الحياة عن ردهاته مؤخراً شأنه شأن مدرسة درب شغلان. وما حدث هو أن المورد الثقافي (الجهة التي تقف وراء مدرسة الدرب الأحمر للفنون) أعلن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 عن توقف جميع أنشطته في ظل القيود التي فرضتها الدولة على عمل المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي نجم عنه إغلاق المبنى، ولكن ولحسن الحظ عادت الحياة تدب في أوصاله من جديد إثر استئناف الدروس في نيسان/ أبريل 2015. 9
من الواضح أن الوضع الراهن لهذه الأبنية لا يرقى إلى المستوى النموذجي الذي كان منتظراً، مما يمثّل انتكاسة حقيقية وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفوائد التي حققها المجتمع المحلي بسبب المباني التي أُعيد استخدامها على أساس قائم على التكيّف. لقد كان مبدأ الاستدامة ركناً أساسياً من الفلسفة التي كانت تقود المشروع العام لصندوق الآغا خان للثقافة في الدرب الأحمر، إذ اتُخذت أثناء تنفيذ المشروع إجراءات ترمي إلى ضمان النجاح المستمر للمشروع وما ينبثق عنه من برامج مختلفة. فمنذ البداية الأولى للعمل سعى الصندوق، من خلال مؤسسته التابعة في مصر، أي مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، إلى إشراك سكان الدرب الأحمر بهدف غرس شعور الملكية والالتزام بالمشروع وبالتالي ضمان استدامته. ولم يتم التعامل مع أفراد مجتمع الدرب الأحمر على أنهم مجرد متفرجين أو منتفعين سلبيين، بل أُعطيت لهم فرصة المشاركة الفاعلة في المشروع كموظفين ومشاركين. كذلك أفسح المشروع المجال لمنظمات المجتمع المدني للانضمام إلى الفريق واضعاً نصب عينيه بناء قدراتها كي يتسنى لها أداء دور أكثر فاعلية وخدمة المجتمع المحيط على نحو أفضل. علاوة على ذلك، أُنشأت شركة تنمية مجتمع الدرب الأحمر في وقت مبكر، أي عام 2005، كي يُتاح لها تولي المسؤوليات الإدارية، وذلك كله في إطار محاولة ضمان استدامة المشروعة.
كانت الغاية التي تنشدها هذه الإجراءات، كما ذكرنا، هي ضمان استدامة المشروع بصفة عامة. وبالعودة إلى مشاريع إعادة الاستخدام موضوع النقاش، سنجد أن صندوق الآغا خان للثقافة قد ذهب في جهوده أيضاً باتجاه ضمان عدم وقوع هذه المباني في فخ عدم الاستخدام وبالتالي الإهمال باعتباره احتمالاً قائماً تماماً، كما هي الحال التي آلت إليها مدرسة درب شغلان الآن.
لقد استُنبطت الوظائف التي أداها المبنيان عقب الانتهاء من أعمال الترميم من الاحتياجات التي طُرحت من خلال الاستطلاعات والتقييمات التي تم إجراؤها. بعبارة أخرى، لم تكن تلك الوظائف منعدمة الصلة بالموضوع. إضافة إلى ذلك، وقّعت مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، في حالة البيت العثماني، اتفاقية مع المجلس الأعلى للآثار (حالياً، وزارة الآثار) تجيز إعادة استخدام البناء لمدة عشر سنوات ابتداءً من عام 2004 (Philip، غير مؤرخ). أخيراً، لم يتم تصميم البنائين من الداخل بحيث يؤديا نوعاً واحداً فقط من الوظائف، بل على العكس من ذلك، إذ يمكن تغيير وظيفة المبنى إذا طرأ تغيير على الاحتياجات المحلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه إذن هو: ما الخطأ الذي حصل؟ يحيل السكان (والمستفيدون سابقاً) الوضع الحالي إلى ثورة 25 يناير. فهؤلاء يرون أن الثورة ألقت كل شيء في أتون الفوضى. وفي السنة التي أعقبت بداية الثورة، سلّم صندوق الآغا خان المشروع في الدرب الأحمر إلى جمعية مظلة للتنمية الاجتماعية – وهي منظمة غير حكومية تأسست قبل تسليم المشروع. غير أن الجمعية فشلت في مواصلة أعمال صندوق الآغا خان بنفس المعيار والنطاق أو في أداء دور ذي شأن في المنطقة. وعبّر أحد السكان عن خيبة أمله للنهاية المفاجئة للمشروع وعدم استدامته واصفاً ذلك “كما لو أنهم أرونا كعكة ولكنهم لم يسمحوا لنا بتذوقها”. وانحصرت مساهمة الجمعية في خدمة المنطقة منذ استلامها المشروع وحتى تاريخه في تنفيذ بضعة برامج تدريبية صغيرة الحجم. وتدّعي إدارة الجمعية أن أسباب ذلك الأداء هي عدم توفر فرص التمويل ومحدودية عدد الموظفين.
ومهما كانت الأسباب، فإن غياب الاستدامة يبقى واضحاً جلياً. وعلى الرغم من أنه يمكن الإلقاء باللائمة إلى حد بعيد على الأحداث غير المتوقعة وضعف التسليم فيما يتعلق بالوضع الراهن الذي آلت إليه الأمور، إلا أنه يجوز للمرء أيضاً أن يتساءل عما إذا كان صندوق الآغا خان قد فعل ما فيه الكفاية لتعبئة المجتمع المحلي، أو ما إذا كان المشروع محكوم عليه بالفشل، بالنظر إلى المواقف السائدة منذ عهد بعيد فيما يتعلق بالإرث العمراني.
فيما يتعلق بالخطط المستقبلية للمباني التي تم ترميمها في الدرب الأحمر، يمكن القول إنه لا توجد أية خطة صريحة بخصوص مدرسة درب شغلان، مما قد يفسر لنا، ولو جزئياً، السبب في كونها مغلقة اليوم. كذلك، لم يأتِ التقرير النهائي للمشروع لعام 2012 على ذكر أيٍّ من المدرسة أو البيت العثماني. وكانت توصيات التقرير كلها متعلقة بما ينبغي فعله في مختلف مجالات التدخل (كالتوظيف والصحة والتعليم) والاستراتيجيات اللازم تبنيها. وبحسب جمعية مظلة للتنمية الاجتماعية، ستبقى المدرسة مغلقة إلى أن يتم العثور على مستأجر مهتم بالمبنى أو حتى يتوفر تمويل كافٍ لإعادة إطلاق برنامج أو مجموعة من الأنشطة لخدمة المجتمع. وقد دارت نقاشات حول تحويل البناء إلى فندق درجة خاصة نظراً لأن حجمه وتصميمه وموقعه المثالي يسمح بمثل هذا الاستخدام. أضف إلى ذلك أن عائدات الفندق قد تساعد في تمويل البرامج المجتمعية التي تركز على الاحتياجات. وكان فريق العمل قد درس هذه الفكرة أثناء ترميم المبنى، في الواقع، وقام بالترتيبات اللازمة بما يسمح بوجود مرونة إذا ما برزت حاجة لتغيير وظيفة المبنى.
وفيما يخص البيت العثماني، انقضت بالطبع مدة اتفاقية إعادة استخدامه لعشر سنوات التي وُقعت سنة 2004، رغم أنه لا يزال حالياً قيد الاستخدام. بالإضافة إلى ذلك قد يتمخض عن المناخ السياسي مرة أخرى عن إغلاق مدرسة الدرب الأحمر للفنون، الأمر الذي سيجلب الضرر للطلاب والمبنى على حد سواء.
يبرز نهج إعادة الاستخدام القائم على التكيّف باعتباره الحل الشافي لمشكلة تكرار حدوث الخسائر على صعيد الإرث الثقافي، لأنه كفيل بالتعامل مع القضية بشقيها المتمثلين بالنزعة الشائعة التي تميل إلى إزالة المباني، والسياسة المفضلة منذ القِدم في الحفاظ على المباني التاريخية عن طريق إيصادها بالقفل والمفتاح.10 وإذ ينطوي هذا النهج على إمكانات عديدة، فبوسعه تحدّي الأفكار التي تغذّي الممارسات الضارة. من السهل إزالة المباني من جذورها وبناء أخرى جديدة مكانها، فهو أقل تكلفة ومربح مالياً ولكنه ليس الطريقة الوحيد لكسب المال. فالمال يمكن جنيه أيضاً عن طريق ترميم الأبنية وتحويلها إلى مشاريع تجارية كالفنادق والمطاعم أو استغلالها لتقديم خدمات عامة للمجتمع المحلي. ومن شأن الترميم أيضاً أن يحقق القيمة المضافة المتمثلة في المحافظة على سلامة النسيج العمراني. علاوة على ذلك، وعلى النقيض من الأفكار القائمة منذ مدة طويلة، لا يعني وضع بناء ذي قيمة كبيرة موضع الاستخدام بالضرورة الحكم عليه بالزوال، ولكن شريطة أن يكون الاستخدام ملائماً وأن تتم صيانة المبنى بالصورة المناسبة.
من حسن الطالع أن مفهوم إعادة الاستخدام اكتسب في الآونة الأخيرة رواجاً على صعيد الخطاب الرسمي بل وعلى مستوى السياسات. ففي الوقت الحاضر، تنفّذ وزارة الآثار عدداً من مشاريع وخطط الترميم الرامية إلى استخدام المباني المرممة في أوجه عدة. ففي أوائل تموز/ يوليو 2015 دشنت الوزارة مشروعاً انتُهي من ترميمه في مجمع المباني المملوكي (مجموعة السلطان الأشرف قايتباي) الكائن في المقابر الإسلامية بالقاهرة، المعروفة شعبياً باسم “القرافة”. وتضمّن هذا المشروع ترميم حوض قايتباي وتهيئته بما يجعله يصلح معرضاً للمنتجات المصنوعة على يد حرفيين محليين. ويمثل هذا المشروع علامة تحول في نهج الوزارة إزاء التراث العمراني بصفة عامة وفي كيفية تطبيقها لهذا المفهوم. وسابقاً، عندما اجتذبت مسائل المحافظة على التراث اهتماماً رسمياً في البداية، انتهى مطاف معظم الأبنية التي تم ترميمها وتكييفها إلى خدمة غايات ثقافية. ويعد توفير المساحات الثقافية أمراً مهما ينبغي تعميمه على مختلف المجتمعات المحلية، وربما كان ذلك هو الاستخدام الأمثل للمباني التي جرى ترميمها آنذاك. ولكن هذا يكشف في الوقت ذاته عن تفسير ضيق الأفق لمفهوم إعادة الاستخدام القائم على التكيّف، وعدم إدراك لقدرته على استغلال هذه المباني لتلبية الاحتياجات الماسة الأخرى للمجتمع المحلي.
وفي السياقات التي يتواجد فيها، إلى جانب المباني التي تحتاج ترميماً، أشخاص بحاجة إلى خدمات ووظائف، يمكن اللجوء إلى نهج إعادة الاستخدام القائم على التكيّف ليس فقط بوصفه خطة لإنقاذ التراث، بل أيضاً كأداةً لضمان توفير البنية التحتية للخدمات أو تعزيز فرص العمل، كما فعل مشروع الآغا خان في الدرب الأحمر.
لقد أدى مشروع ترميم مدرسة درب شغلان والبيت العثماني وإعادة استخدامهما فوائد عدة – بمراعاته للسياق والاحتياجات المطروحة – وذلك على الرغم من بروز مشكلات تتعلق باستدامة استخدامهما. وقد استفز المشروع روح الإنعاش والإحياء على مختلف المستويات المادية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية. وعلى الرغم من تراجع مدرسة درب شغلان إلى مربع عدم الاستخدام ما يزال المبنى بحالة طيبة وجاهزاً للاستخدام من جديد، وما يزال قادراً على أداء الدور الذي أداه أول مرة عند استكمال أعمال ترميمه وإفادة المجتمع المحلي من حوله مجدداً.
صندوق الآغا خان للثقافة (غير مؤرخ). إعادة إدماج المباني التاريخية في حياة الحي السكني: الاستخدام القائم على التكيّف لمدرسة درب شغلان السابقة.
AKTC. (n.d.). Reintegrating Historic Buildings into the Life of the Neighbourhood: The Adaptive Re-Use of the Former Darb Shoughlan School.
بيهرينس-ابو سيف، دوريس. (1989). عمارة مماليك بحري. في كتاب ’العمارة الإسلامية في القاهرة: مقدمة‘، 94-132. ليدين؛ نيويورك: إي. ج. بريل.
Behrens-Abouseif, Doris. (1989). Architecture of the Bahri Mamluks. In Islamic Architecture in Cairo: An Introduction, 94-132. Leiden; New York: E.J. Brill.
القاضي، جليلة و الكرداني، دليلة. (2006). القاهرة في الزمن الجميل: سياسات ترميم المنطقة التجارية في وسط المدينة. في كتاب ديان سنغرمان و بوول أمار (محررون)، القاهرة الحواضرية، ص. 345-371. القاهرة، مصر: الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
ElKadi, Galila & Elkerdany, Dalila. (2006). Belle-époque Cairo: The Politics of Refurbishing the Downtown Business District. In Diane Singerman & Paul Amar (Eds.) Cairo Cosmopolitan, pp.345-371. Cairo, Egypt: The American University in Cairo Press.
خالد، مفيد، منصور، ألبير، و كامل، رشدي. (2012). “تقرير التقييم النهائي لمشروع تنمية الدرب الأحمر. الصندوق الاجتماعي للتنمية.
Khalil, Mufid, Mansur, Albair, & Kamil, Rushdy. (2012). Final Evaluation Report for al-Darb al-Aḥmar Development Project. Social Fund for Development.
جوديديو، فيلب (محرر) (غير مؤرخ). برنامج الآغا خان للمدن التاريخية. استراتيجيات للإحياء الحضري. بريستيل.
Jodidio, Philip (ed). (n.d.). The Aga Khan Historic Cities Programme. Strategies for Urban Regeneration. Prestel.
أوكين، بيرنارد (محرر). (2009). إعادة تفحّص الصور الفوتوغرافية في مجموعة صور كريسويل: منظورات جديدة للعمارة الإسلامية في القاهرة: الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
O’Kane, Bernard (ed). (2009). Creswell Photographs Re-examined: New Perspectives on Islamic Architecture Cairo: The American University in Cairo Press.
رفعت، سامر و. (2005). القاهرة، السنوات المجيدة: مَن بنى ماذا، ولماذا، ولمَن … الإسكندرية: هاربوكراتيس للنشر.
Raafat, Samir W. (2005). Cairo, the glory years: Who built what, why, and for whom…. Alexandria: Harpocrates Publishing.
شهايب، دينا. (2004). استطلاع خط الأساس 2003. مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية-مصر.
Shehayeb, Dina. (2004). Baseline Survey 2003. Aga Khan Cultural Services-Egypt.
شهايب، دينا. (2009). استطلاع ما بعد التنفيذ 2009. شركة الدرب الأحمر للتنمية المجتمعية.
Shehayeb, Dina. (2009). Post-Implementation Survey 2009. Al-Darb al-Aḥmar Community Development Company.
وارنر، نيكولاس. (2005). المعالم الأثرية في القاهرة التاريخية: خريطة وكتالوج وصفي. القاهرة: مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
Warner, Nicholas. (2005). The Monuments of Historic Cairo: A Map and Descriptive Catalogue. Cairo: The American University in Cairo Press.
ويليامز، كارولين. (2008). المعالم الأثرية الإسلامية في القاهرة: الدليل العملي. القاهرة: مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
Williams, Caroline. (2008). Islamic Monuments in Cairo: The Practical Guide. Cairo: The American University in Cairo Press.
روابط مفيدة:
Cairobserver. (2012). Buildings are not disposable. June 8.
Shalaby, Nora. (2013). The continuing catastrophe in al-Darb al-Aḥmar. January 15.
1. تولّى سعيد حليم باشا (1865-1921) منصب الصدر الأعظم في الفترة ما بين عامي 1913 و1917. خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وقفت الإمبراطورية العثمانية مع ألمانيا فعمدت القوات البريطانية المتمركزة في القاهرة بالتالي إلى مصادرة جميع الأصول العائدة لسعيد حليم باشا بما فيها القصر.
2. السلطانة ملك طوران (1869-1956) زوجة السلطان حسين كامل، سلطان مصر خلال الفترة ما بين عامي 1914 و1917. قُدم القصر الذي يحمل اسمها هدية من البارون إمبان (وهو رجل أعمل بلجيكي ومؤسس هيليوبوليس) إلى زوجها. وبعد وفاة السلطانة أصبح القصر مدرسة ثانوية للبنات. ولم يعد بناء القصر مستخدماً، غير أن مدرسة مصر الجديدة التجريبية للغات تشغل حدائقه في الوقت الحاضر.
3. أتى عمل الصندوق في حديقة الأزهر والدرب الأحمر في إطار “برنامج المدن التاريخية” الذي أطلقه الصندوق عام 1992 في عدة بلدان.
4. ”درب شغلان” هو اسم الشياخة أو الوحدة الإدارية المحلية التي يقع فيها المبنى.
5. بلغ عدد مالكي مدرسة درب شغلان أربعين فرداً، حسب الذين عملوا على ترميمها.
6. يحتل التسجيل موقعاً مركزياً في إدارة التراث المعمور في مصر. وتقوم على الإشراف عليه وتنفيذه هيئتان حكوميتان هما: وزارة الآثار (المجلس الأعلى للآثار سابقاً) والجهاز القومي للتنسيق الحضري (الذي يتبع لوزارة الثقافة)، الأولى مسؤولة عن المعالم الأثرية من العصر الفرعوني وحتى الحقبة العثمانية، والثانية مسؤولة عن المباني التراثية التي يعود تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. البيت العثماني مسجل بالرقم 619 من قائمة وزارة الآثار. أما مدرسة درب شغلان فلم تكن مسجلة في الوقت الذي طرح فيه المشروع لأن الجهاز القومي للتنسيق الحضري لم يكن قد أُنشأ بعد. (وما تزال المدرسة غير مدرجة على قائمة الجهاز لغاية اليوم).
7. المشربيات عبارة عن نوافذ بارزة أو شرفات (بلكونات) خشبية مزخرفة مصممة من أجل تهوية السكن مع الحفاظ على خصوصية ساكنيه. وتعتبر المشربيات من الخصائص المعمارية المميزة للبناء العربي الإسلامي.
8. جرى في مرحلة زمنية معينة قريبة من موعد انتهاء المشروع نقل الخدمات الصحية المقدمة في البيت العثماني إلى بناء رقم 69 درب شغلان (المكتب القطري لمؤسسة الآغا خان بمصر) ولكن هذه الخدمات توقفت تماماً في النهاية.
9. للاطلاع على مزيد من المعلومات حول مدرسة الدرب الأحمر للفنون، شاهد هذه الحلقة من برنامج “جمع مؤنث سالم” حيث تجري ريم ماجد مقابلة مع إحدى طالبات المدرسة.
10. هناك عدد من المباني الخاضعة لإشراف المجلس الأعلى للآثار (وزارة الآثار حالياً) مغلق من وقت طويل أمام عموم الجمهور بحجة الترميم، أو خشية تعرضها للضرر.
نُشر بالانجليزي في 3 أيار/ مايو 2015
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments