برغم تمتعها بأراض خصبة، وقربها من القاهرة حيث الخدمات وفرص العمل، وقربها من مركز كرداسة حيث صناعة السجاد ومصانع الطوب، لم تسلم قرية ناهيا (مركز كرداسة – محافظة الجيزة) من الإهمال الحكومي. فالقرية – برغم الفرص المتاحة لها بحكم موقعها القريب من القاهرة الكبرى، ومرور الطريق الدائري بحدود مركز كرداسة، واتصالها بمنطقة بولاق الدكرور بالجيزة عن طريق شارع ناهيا – تعاني من تلوث مياه الشرب. لذلك ترتفع معدلات الإصابة بالفشل الكلوي بين سكانها الذي يصل عددهم إلى مائة ألف نسمة حسب أفضل التقديرات. وحتى إذا أراد مريض من سكان القرية العلاج، لا يجد أمامه سوى مستشفى غارقة في مياه الصرف الصحي. قد تتطلب معرفة مثل هذا النوع من المشاكل معايشة أهالي القرية والحديث معهم. ولكن ما لا تخطئه عين عند زيارتك الأولى للقرية، هو تلال القمامة المنتشرة في كل مكان.
قرية ناهيا مثلها في ذلك مثل الغالبية العظمى من مناطق مصر، وخاصة المناطق الريفية الواقعة على حدود الحضر. أهالي ناهيا لم ينتظروا مجيء من يوفر لهم شوارع بلا قمامة، ولكن أثبتوا أن إدارة ومعالجة وتدوير المخلفات الصلبة لا يحتاج إلى موارد كبيرة من الحكومة أو إلى خبرات فنية معقدة بل إلى تنظيم جهود المجتمع والتعاون مع الأطراف المختلفة من أجل حل هذه المشكلة في درس عملي لمن أراد الاستفادة. مبادرة أهالي قرية ناهيا للتعامل مع القمامة والمخلفات الصلبة بمجتمعهم جديرة بالاحترام والدراسة لأنها استطاعت تكريس الموارد الضئيلة بالقرية سواء عامة أو خاصة في تنفيذ مشروع مستدام لم يتوقف نجاحه عند حدود القرية فقط، بل يمتد الآن ليخدم قرى مجاورة.
رغم أن جمع المخلفات الصلبة هو مسئولية الحكومة المباشرة إلا أنه لا توجد بالريف آلية واضحة وفاعلة لأداء هذا الدور. فعملية جمع ونقل المخلفات الصلبة تمر بعدة مراحل لا بد أن يخطط لها من يؤدي مثل هذه المهمة. فللتخلص من القمامة يجب وضع نظام لنقلها من البيت إلى الشارع، ومنه إلى نقطة تجميع، ومنها إلى مناطق الفرز وإعادة التدوير. وعلى خلاف المدن التي تعاقدت فيها الحكومة مع شركات متخصصة للنظافة للقيام بالجمع من صناديق القمامة بالشارع (والتي لم تثبت أي فاعلية في هذا المجال حتى الآن) فإن مثل هذه الشركات لا تتواجد في مناطق الريف. وينحصر دور الحكومة بالريف في هذا المجال في توفير عربات النقل والجرافات لجمع ما يمكن من القمامة المتكدسة في الشوارع والترع – فقط عندما تزيد بشكل يعيق السير.
قرية ناهيا تعاني من مشكلة القمامة مثل كل قرى مصر في غياب أي نظام فاعل. فلا يجد الأهالي إلا إلقائها خارج البيوت للشارع وللترع حتى تأتي الجرافة كل حين لتنقل بعضها بعد نفاذ رائحتها، وهذا هو أقصى ما توفره الوحدة المحلية. من أجل ملء هذا الفراغ التنظيمي بادرت “مؤسسة النهضة” بقرية ناهيا بتخطيط وتنفيذ مشروع لجمع القمامة من البيوت ونقلها إلى خارج القرية لتصل إلى محطة للتجميع والفرز خارج القرية، وهي بالضبط الخطوات التي يفتقدها النظام الحكومي. وبهذه الصورة نجحت المؤسسة في التكامل مع النظام الحكومي حيث تأتي الجرافات الحكومية إلى نقطة التجميع والفرز مباشرة بدلاً من التجوال في شوارع القرية.
بداية المبادرة وخطوات العمل
تقوم “مؤسسة النهضة” وهي جمعية أهلية تأسست في عام 2011 بإدارة “مشروع القمامة” لجمع وتدوير القمامة على مستوى قرية ناهيا. بدأ تشغيل المشروع يوم 27 يناير 2012 إلا أن الفكرة كانت أقدم من ذلك. جاءت الفكرة بعد الثورة مباشرةً في الوقت الذي واكب تشكيل اللجان الشعبية حيث تحمس أهالي القرية للمشاركة في العمل العام وازدادت روح الإيجابية الشعبية في حل المشكلات بدلاً من الانتظار لدور الحكومة. في هذا السياق فكرت مجموعة من الأفراد تجمعهم صلة صداقة سابقة في مشروع أهلي لجمع وتدوير القمامة بالجهود المحلية لخدمة قرية ناهيا. قامت هذه المجموعة بتأسيس جمعية أهلية تحت اسم “مؤسسة النهضة” (يقول مؤسسو الجمعية أن التشابه في الاسم مع “مشروع النهضة” هو محض مصادفة) وأصبحوا هم أنفسهم أعضاء مجلس إدارتها. ورغم أن المؤسسة غير مرتبطة بصورة مباشرة بأي جهة سياسية إلا أن أغلب مؤسسي المشروع من المرتبطين بصفة شخصية بأحزاب وجماعات ترتبط بالحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين.
وقع اختيار المؤسسة على القمامة كبداية حيث أن باقي المشروعات الملحة بالقرية تتعلق بالبنية الأساسية والإنشاءات مما يحتاج إلى تدخل الحكومة وإلى موارد ضخمة. تغطي أنشطة المشروع حالياً القرية وبعض المناطق المجاورة، كما تقدم المؤسسة دعماً فنياً ومؤسسياً لقرى أخرى ترغب في تكرار المشروع. وتعم فائدة المشروع على جميع السكان بالتساوي وربما زادت استفادة السكان ممن يمارسون نشاطاً تجارياً بالإضافة للسكن.
وتقوم فكرة المبادرة ببساطة على إرسال تريسيكلات يومياً للبيوت المشتركة بالمشروع لجمع ونقل القمامة إلى محطة التجميع حيث تفرز القمامة لفصل المواد ذات القيمة الاقتصادية القابلة للتدوير عن المخلفات العضوية. تقوم المؤسسة ببيع المواد القابلة للتدوير مثل المعادن والزجاج والورق لمصانع التدوير لتدر دخلاً على المشروع، بينما تأتي أكثر من عربة نقل من الوحدة المحلية يومياً إلى محطة التجميع لنقل المخلفات العضوية. ولا يدفع أهالي ناهيا رسوم نظافة مثل مدن القاهرة والجيزة، ولكن يقوم شباب المؤسسة بجمع رسوم الخدمة أثناء مرورهم على المنازل المشتركة بالمشروع بالتريسيكلات. كما يقوم المشروع بجمع القمامة من أمام المنشآت الخدمية والحكومية والعامة مثل المدارس والمستشفى بدون مقابل.
قبل إشهارها رسمياً، بدأت مؤسسة النهضة أولاً في التخطيط للمشروع وإجراء دراسة جدوى، ثم شرع مؤسسوها في التنفيذ بالفعل. ثم قرر المؤسسون تقنين وضع المؤسسة لتسهيل التنسيق مع الجهات الحكومية، وخاصة للحصول على أرض التجميع التي تشكل ركيزة أساسية للمشروع. ففي البداية استعمل المؤسسون قطعة من الأرض كانت ملكاً لوزارة الري لوقوعها في حرم الترعة المجاورة. ثم سعوا بعد ذلك للحصول على قطعة الأرض هذه بشكل رسمي من محافظة الجيزة. وبعد مفاوضات وضغط من أهالي القرية حصلوا على قرار تخصيص لقطعة الأرض لصالح المؤسسة وليس لصالح المشروع. بعد تخصيص قطعة الأرض، اضطر القائمون على المشروع إلى تسويرها حيث كان بعض سكان القرية يلقون القمامة بها دون دفع اشتراك المشروع. حتى الآن، تشرف المؤسسة على مشروع القمامة فقط وتتم عملية اتخاذ القرار الخاصة بالمشروع داخل المؤسسة دون مشاركة مباشرة من أهالي القرية، بينما يقوم مدير المشروع المعين من قبل المؤسسة بالإدارة اليومية لأنشطة المشروع المختلفة.
الموارد ومصادرها
لتأسيس المشروع، احتاجت المؤسسة لقطعة أرض للتجميع والفرز، ولرأس مال لتسوير الأرض وشراء المعدات. كذلك احتاجت المؤسسة لأيدي عاملة تقدر بحوالي 23 عاملاً لخدمة 5.000 مبنى سكني يشكلون حوالي 70% من القرية، كما استعانت المؤسسة بعلاقاتها الاجتماعية لتسويق المشروع داخل القرية. وتمت عملية إدارة الموارد بدايةً باجتماع الأعضاء المؤسسين وتوزيع المهام، ثم توفير التمويل و جمع القروض والتبرعات، ثم مخاطبة الجمعيات الأخرى للتعاون. التكلفة المبدئية للمشروع كانت حوالي 185 ألف جنيه حصلت عليها المؤسسة كقروض حسنة وبعضها كتبرعات مادية أو عينية كالتريسيكلات التي حصل عليها المشروع كتبرعات من جمعيه “الكلمة الطيبة” وجمعية “خاتم المرسلين” بواقع تريسيكل واحد من كل جمعية . والجدير بالذكر أن ثمن أرض التجميع لا يدخل في رأس المال المبدئي، إذ حصلت المؤسسة عليها بموجب قرار التخصيص.
أما حالياً فلا يحتاج المشروع سوى لمصاريف التشغيل التي تبلغ حوالي 40 ألف جنيه شهرياً بواقع 27.600 جنيه مرتبات لـ 23 عامل بواقع 1.200 جنيه للعامل ولسائق التريسيكل (روعي في ذلك كفاية هذا المبلغ للعامل حتى لا يضطر لفرز القمامة لحسابه)، و1.600 جنيه للمحصل و2.500 جنيه للمدير ومكافآت لعدد 6 عمال من الوحدة المحلية، ومرتبات لمديري المشروع، ولتغطية تكلفة الصيانة وقطع غيار. يتم توفير هذا المبلغ من خلال الاشتراك الشهري للمباني السكنية المستفيدة من المشروع والذي يبلغ 5 – 10 جنيهات شهرياً للمبنى السكني وذلك بحسب حجم كل مبنى. تغطي الاشتراكات الشهرية مصروفات المشروع وتحقق دخلاً شهرياً يبلغ حوالي 45 ألف جنيه. ويتم إيداع المبالغ الفائضة بالمؤسسة حيث تتم مراقبة الحسابات ومراجعتها داخلياً.
دخل المشروع الأساسي يأتي من الاشتراكات الشهرية، بينما لا يدر بيع المواد القابلة للتدوير الكثير من الدخل نظراً لنوع القمامة الذي تخرجه قرية ناهيا، والتي يغلب عليها المخلفات العضوية التي لا يشتريها أحد على عكس الورق والزجاج والمعادن. ويبلغ ما يجمعه المشروع من قمامة يومياً 60 طناً منها 600 كيلوجرام فقط قابلة للتدوير والباقي روث وبقايا طعام وغيره. المشروع حالياً مستدام مادياً ولا يبدو أن المؤسسة تعاني من أي مشكلات مادية بل أن المشروع يحقق قيمة مضافة شهرياً. في الشهر الأول من التشغيل حقق المشروع خسائر بلغت 11.000 جنيه لانخفاض كل من عدد المشاركين ومبلغ الاشتراك. ولكن تم علاج ذلك في الأشهر التالية بزيادة قيمة الاشتراك والترويج للمشروع حتى زاد عدد المشتركين.
الفرص والمعوقات
واجه المشروع بعض الصعوبات في البداية فيما يتعلق بتوفير التريسيكلات. فقد كان هناك اتفاق بين أعضاء الجمعية والجمعيات الأخرى بأن تقوم الجمعيات بالتبرع بتريسيكل أو اثنين حسب حجم كل جمعية ليبلغ المجموع 7 يضاف إليها ثلاثة تريسيكلات تأتي بتبرعات من رجال الأعمال. لكن ما حدث هو أن معظم الأطراف تراجعت بعد ذلك باستثناء جمعيتي “الكلمة الطيبة” و”خاتم المرسلين”. وحسب مدير المشروع فقد حدث هذا بسبب اعتراض كبار القرية على أفكار الشباب بخصوص الاستخدام الأمثل للموارد وأعادوا المال إلى صناديق التبرعات وهو ما فسره مدير المشروع بالاختلاف الفكري بين الأجيال. وللتغلب على هذه المشكلة لجأت مؤسسة النهضة إلى أفراد آخرين من المؤثرين بين أهالي ناهيا لجمع قروض حسنة ترد من الأرباح وهو ما تم بالفعل.
يواجه المشروع عدة تحديات من أهمها عزوف بعض الناس عن الاشتراك بالمشروع أو خروجهم منه بعد الاشتراك، مفضلين إلقاء القمامة في الشارع أو الترعة سواء من باب الاستسهال، أو لقلة الوعي الصحي. كما يشكو العاملون بالمؤسسة من أن بعض السكان يقومون برشوة عامل الجمع بالمشروع بدلاً من دفع الجنيهات الخمسة للمؤسسة. وربما كان هذا السلوك بسبب الدعاية السلبية التي تمارس ضد المشروع لارتباطه في ذهن بعض سكان القرية ببعض الجماعات الدينية/السياسية. ويكافح المشروع مثل هذه الأمور بعمل محاضر لمن يلقي القمامة بالشارع، وبتوعية السكان وذلك باستخدام النصح المباشر من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية القائمة، وبالتأثير على مستوى النظافة العام لإقناع الأهالي بجدوى الفارق في النظافة.
هناك أيضاً مشكلة تعامل سكان القرية مع عمال المشروع الذين لم يكونوا محل ترحاب من الأهالي في البداية. وحسب مدير المشروع فإن مثل هذه المشاكل حدثت لأسباب طبقية واجتماعية تحقّر من شأن مهنة جامع القمامة. ولكن هذه المشكلة يتم حلها مع مرور الوقت بتعود الأهالي على رؤية العمال وازدياد وعي الأهالي بأهمية الدور الذي يلعبه عمال جمع القمامة. و هناك مشكلة أخرى تكمن في انخفاض كفاءة الوحدة المحلية، وعدم قدرتها على إرسال عربات نقل القمامة بانتظام إلى نقطة التجميع لجمع المخلفات العضوية التي يراكمها المشروع. وبالحديث لرئيس الوحدة المحلية، أرجع ذلك إلى نقص حصص السولار الذي تصرفه لهم المحافظة. إلا أن هناك سبب آخر يتمثل في ضعف مرتبات عمال الوحدة المحلية مما لا يحفزهم على العمل وتضطر إدارة المشروع لتعويضهم بمكافآت.
حسب مسئولي المؤسسة، تكمن قوة المشروع في كون إدارته مكونة من مجموعة متلاحمة من أعضاء المجتمع المؤثرين. تستطيع هذه المجموعة من خلال علاقاتها توفير التمويل اللازم لتنفيذ أنشطة المشروع. كذلك تتميز المجموعة بقدرتها على التنظيم والإدارة، خاصة بعد قدرتها على تكوين وتنظيم اللجان الشعبية بالقرية والتي نشأت بعد الثورة نتيجة الفراغ الأمن. ومع ذلك تتواجد بعض المخاطر التي تواجه المشروع، فعلى سبيل المثال تتمتع المؤسسة بعلاقة جيدة بالوحدة المحلية ولكن تظل تلك العلاقة في إطار غير رسمي. فلا يوجد إطار رسمي أو مؤسسي يحكم تلك العلاقة، ولا يوجد حرج على الوحدة المحلية إن قررت عدم إرسال عرباتها لنقل القمامة من نقطة التجميع، مما قد يوقف أنشطة المشروع. كذلك توجد نقطة سلبية أخرى وهي الصورة الذهنية للمؤسسة والمشروع والتي ترتبط بأحد الجماعات ذات البعد الديني والسياسي، وهو ما يجعل أنشطة المشروع عرضة للمتغيرات السياسية بصورة دائمة. كما تكمن أحد نقاط ضعف المشروع – في رأينا – في عدم وجود مشاركة مجتمعية بالقدر الكافي سواء في مرحلة تقدير احتياجات المجتمع أو خلال تنفيذ أنشطة المشروع. كذلك لم نر توجه – على المدى القريب – لتوسيع نطاق مشاركة المجتمع في المشروع حيث أن مسئولي المؤسسة لا يرون مشكلة في عدم مشاركة المجتمع بأنشطة المشروع في الوقت الحالي.
ولتقييم أنشطة المشروع وقياس مدى نجاحه تقوم المؤسسة بحصر عدد المشتركين بالمشروع كمياً، كذلك تقيس نسبة اشتراكاتهم المادية. كذلك تحرص المؤسسة على قياس مصاريف المشروع والدخل الذي يحققه حتى تستطيع المؤسسة تحقيق دخل يمكنها من الاستمرار في المشروع. تتم عملية تقييم وقياس نجاح المشروع هذه داخلياً ولكن ليس بالضرورة بصفة دورية.
وفقاً لرؤيتها، تعتبر المؤسسة مشروع جمع القمامة بالقرية ناجحاً لأنه يغطي حوالي 70% من منازل القرية. وبالفعل، مقارنة بالصور الملتقطة للقرية في عام 2010 يمكن ملاحظة تحسناً ملحوظاً في مستوى النظافة العامة بشوارع القرية وفراغاتها العامة. لذلك لا تعود فائدة المشروع بالنفع على المنازل المشتركة به فقط، ولكن على سكان القرية ككل. وبالطبع تزيد فائدة المشروع مع زيادة عدد المشاركين فيه الذين يقومون بدفع الاشتراك الشهري وهو ما يمكن المشروع من الامتداد لمناطق أكثر داخل القرية. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد المباني العامة بالقرية من أنشطة المشروع على حد السواء حيث يقوم المشروع بنقل قمامتها مجاناً.
اليوم، وكنتيجة للمشروع، أصبحت القرية أكثر نظافة. كما تشهد القرية الآن تحسناً نسبياً في التنسيق بين المؤسسة، والوحدة المحلية، والشرطة التي تقوم بتحرير مخالفات للأهالي الذين يقومون بإلقاء القمامة في الشوارع. وقد يتم تحرير هذه المخالفات بإيعاز من المؤسسة التي ترغب في الحفاظ على مستوى النظافة بالقرية كذلك زيادة عدد المشتركين بالمشروع . كما اكتشف القائمون على المشروع الفوائد التي تتيحها إمكانية تحويل القمامة العضوية إلى أسمدة وطاقة حيوية وهو ما يفكرون حالياَ في تطبيقه لكنه ما زال في طور الفكرة. ولكن مع كل هذه النتائج ما زال المشروع يعاني من عدم قدرة الوحدة المحلية في بعض الأحيان على إرسال العدد الكافي من العربات لنقل القمامة من نقطة التجميع.
يذهب دخل المشروع مباشرة إلى خزانة المؤسسة، ويستخدم هامش الربح في سداد القروض التي حصلت عليها المؤسسة لبدء أنشطة المشروع. في الوقت الراهن، لا يوجد ما يهدد الاستدامة المالية للمشروع. فلا يوجد منافسين للمشروع ولا تتضارب مصلحته مع مصالح أي نشاط اقتصادي آخر بالقرية، كما يوفر المشروع فرص عمل للعاطلين من أهالي القرية ولا تتطلب أنشطة المشروع في هذا المجال مهارات فنية متقدمة. ثقافياً واجتماعياً، هناك استدامة نسبية للمشروع إلا أن اختلاط الأمور حول دور المؤسسة وأهدافها من وجهة نظر بعض سكان القرية، كذلك معارضة بعض الأهالي للميول السياسية لأعضاء مجلس الأمناء قد تؤثر سلباً على المشروع. بيئياً، لم يؤثر المشروع على الأهالي حتى الآن فيما يتعلق بثقافة تدوير المخلفات وفصلها من المنبع، إلا أن المشروع ذاته يقوم بهذا الدور.
أما على مستوى الاستدامة المؤسسية، فتدير مؤسسة النهضة المشروع بنفسها مباشرةً. وقد أسس تلك المؤسسة أفراد ينتمون لعائلات معروفة ويمتلكون تأثيراً واضحاً في مجتمع القرية. يعطي هذا الأمر للمؤسسة وللمشروع قدراً من الاستدامة والاستقرار، غير أن أي تحولات في هذه الصفات الاجتماعية ستؤثر على المشروع مباشرةً. وعلى مستوى آخر، تقوم المؤسسة بالتنسيق مع الجهات الحكومية والتي خصصت بدورها قطعة الأرض المستخدمة في التجميع وتقوم بإرسال عربات النقل التابعة للوحدة المحلية. ولكن تتم كل هذه المساعدات بدون وجود تعاقد رسمي مع الوحدة المحلية يجعل من المؤسسة الطرف المنوط به رسمياً جمع القمامة بالقرية، وذلك بخلاف الحال مع شركات النظافة التي تتعاقد معها المحافظات رسمياً لجمع القمامة بالمناطق الحضرية. عملياً، قد يعد وضع المشروع هذا مستداماً ولو مؤقتاً على مستوى القرية، ولكن لا يزال المشروع مفتقداً للاعتراف الحكومي الكامل الذي يمنحه الشرعية ويعطيه قدراً أكبر من الاستدامة.
من واقع خبرتهم على مدي الفترة السابقة، يرى مسئولو المؤسسة أن مهمة المشروع صعبة بدون توعية حقيقية لمجتمع القرية فيما يتعلق بمساوئ إلقاء القمامة في الشوارع أو بالترع المجاورة. ومن الناحية الفنية، يود مسئولو المؤسسة لو استخدموا عربات صغيرة للنقل بدلاً من التريسيكلات التي تحتاج لصيانة دائمة. كما بدأ مسئولو المؤسسة في استكشاف إمكانيات تحويل القمامة العضوية إلى وقود حيوي أو أسمدة تمكنهم من معالجة هذه المخلفات وزيادة دخل المؤسسة، وهو ما يخططون له بالفعل.
يرغب أعضاء المؤسسة في العديد من الأشياء، منها تعاون أكبر من جهة أهل القرية، وتغيير وعي المجتمع تجاه قضايا البيئة والصحة العامة. كذلك يرغبون في عدد أكبر من عربات النقل من جهة الوحدة المحلية. كما يتمنون الحصول على تعاقد رسمي من الجهات الحكومية يتمكن المشروع بمقتضاه من جمع القمامة من القرية بصورة رسمية معترف بها كحال شركات القمامة في المناطق الحضرية. وأخيراً يودون لو حصلوا على اهتمام إعلامي أكبر قد يساعدهم في توسيع أنشطة المشروع والحصول على قدر أكبر من الموارد، وقد بدأت بعض وسائل الإعلام بالفعل في الاهتمام بتلك التجربة وإن لم يكن بالقدر الكافي.
لم تتوقف طموحات أعضاء المؤسسة عند حدود قرية ناهيا فقط، بل قاموا بنقل خبراتهم الفنية والتنظيمية التي اكتسبوها خلال فترة المشروع إلى قرى ومجتمعات أخرى مجاورة منها قرية “برك الخيام” بمركز كرداسة، وذلك بناء على طلب سكان هذه المناطق الذين أعجبوا بتجربة قرية ناهيا وأرادوا تكرارها. وقد قامت مؤسسة النهضة بالفعل بمساعدة تلك المناطق المجاورة سواء من خلال التنفيذ المباشر، أو تقديم الدعم الفني لمجموعات أخرى.
حالياً يفكر مدير المشروع في إنشاء شركة خاصة هادفة للربح بشكل مستقل عن الجمعية في مكان جديد حيث أن نموذج المشروع قادر على تحقيق أرباح أكثر خاصة في الحضر حسب تقدير مدير المشروع في حين أن مؤسسة النهضة غير هادفة للربح. وحسب تقدير مدير المشروع، فإنه في حال توفير الموارد اللازمة، يمكن لنظام المشروع أن يخدم محافظات كاملة.
قد لا يكون مشروع جمع القمامة بقرية ناهيا المبادرة الوحيدة الناجحة في هذا المجال، فبدون شك توجد الكثير من المبادرات المماثلة في مناطق مصر المختلفة. كما أن الآراء داخل قرية نفسها لا تتفق حول هذا المشروع، فهناك من يرونه حلاً مثالياً لمشكلة القمامة بالقرية، وآخرون ينتقدونه ربما لبعض الأسباب الحقيقية أو لأسباب ترجع للمنافسة بين التيارات السياسية المختلفة. ولكن مع كل ذلك تبقى تلك التجربة جديرة بالمتابعة والاهتمام نظراً لما نجحت في تحقيقه من نجاح على مستوى القرية حتى الآن، بل وسعي القائمين عليها إلى نقلها لمناطق أخرى مجاورة. وبخلاف النتائج المباشرة للمشروع، تبقى بعض النقاط الهامة الجديرة بالتعليق:
لا شك أن ما تقوم به المؤسسة يتميز عما كانت تقوم به الحكومة من حيث الكفاءة والالتزام والقرب من الواقع والقدرة على التطور. ولكن يبقى دور الحكومة قائماً ولا يمكن التنصل منه. فواجب الأجهزة الحكومية في مثل هذه الحالة يجب أن يتجاوز تقديم الموارد التي لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدني تقديمها (وهو ما تم بالفعل في حالة قرية ناهيا)، إلى دور أكبر يشمل تقديم الدعم الفني والتدريب في مجالات إعادة التدوير وإدارة المخلفات الصلبة حتى لا يتوقف دور مؤسسات المجتمع المدني عند مرحلة التجميع.
كذلك يجب أن يمتد دور الأجهزة الحكومية إلى تشجيع مثل هذه الكيانات الصغيرة على تقديم هذه الخدمة للمواطنين مباشرة. كما يجب أن تعمل الدولة على توفير الموارد المالية لهذه الكيانات من خلال المنح والقروض الميسرة، بدلاً من قيام الدولة بتحصيل رسوم النظافة من المواطنين ومنحها للشركات الكبيرة التي ثبت فشلها. وهو ما يطرح بدوره قضية الموارد المالية التي تجمعها الدولة كرسوم للنظافة مع فواتير لكهرباء، والتي دار جدلاً كبيراً حول مدى دستوريتها وعدم كفاءة استخدامها.
لا يمكن تحقيق ذلك الدور إلا من خلال إعادة النظر في منظومة تعامل الدولة مع الكيانات والمؤسسات الصغيرة وإيجاد دور حقيقي لها تدعمه الدولة وتعترف به رسمياً. فالبيئة المؤسسية الحالية لا تسمح لمثل هذه الكيانات الصغيرة التقدم لعقود ومناقصات إدارة المخلفات الصلبة التي تطرحها إدارات الأحياء المختلفة. فمثل هذه المناقصات لا يستطيع التعامل معها سوى الشركات الكبيرة سواء لكبر حجم المناطق التي تغطيها هذه المناقصات أو لارتفاع مبالغ التأمين المطلوبة لدخول المناقصة. يحرم ذلك الدولة والمواطنين من دور فعال يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني وكيانات القطاع الخاص الصغيرة. وتبقى مبادرات مثل هذه الكيانات الصغيرة في إطار الاجتهادات، وفي حدود ما تسمح به الدولة من نطاق للحركة أو ما تتكرم به على مثل هذه الكيانات من مساعدات تظل في إطار العلاقة الودية.
يطرح نجاح مؤسسة النهضة في مشروع جمع القمامة بقرية ناهيا العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية تكراره بنجاح في مناطق أخرى. فهل يمكن له أن يستمر في هذا الإطار الودي الذي قد يخضع لأهواء المسئولين والذين يمكنهم في أي لحظة سحب دعمهم للمشروع؟ بدون شك، فإن مراجعة مثل هذه العلاقة ومحاولة وضعها في إطار أكثر مؤسسية يمكن أن يكفل حقوق وواجبات كل من الدولة والكيانات الصغيرة والمواطنين سواء من ناحية كفاءة إدارة الموارد أو مستوى الخدمة المقدمة.
ربما قد يكون في ذلك سبيلاً لتكرار نجاح تجربة قرية ناهيا في أماكن أخرى للتعامل مع تلك المشكلة التي استعصت على الحل.
روابط
موقع “ناهيا الغد”
جريدة “صوت ناهيا”
«أبوتريكة» كشف قمامة «ناهيا» بالصور.. فتحركت «النظافة» والمواطنون يدعون له.. ورئيس «كرداسة» يتهمه بالكذب
تحت شعار “قريتنا في عيوننا” .. الثوار يرفعون القمامة من شوارع ناهيا
مشروع جمع القمامة في ناهيا بين النقد والتقييم
«التروسيكل» ينجح في إزالة القمامة بقرية «ناهيا»
بيان الجبهة الشعبية للقضاء على الفساد (اللجنة الشعبية بناهيا) حول مشروع جمع القمامة
الجبهة الشعبية للقضاء على الفساد (اللجنة الأمنية بناهيا)
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments