أثناء قطعك للطريق الدائري في المسافة الواصلة بين الأتوستراد وكورنيش المعادي في الطريق إلى المنيب غرباً أو القاهرة الجديدة شرقاً، سيلفت انتباهك العديد من اللوحات الإعلانية التي تعلن عن منتج ما أو برنامج تلفزيوني جديد. قد يلفت نظرك أيضاً تجمع بعض المواطنين الواقفين على جنبات الطريق في انتظار ميكروباص يقلهم إلى وجهتهم المنشودة. وقد تلمح وأنت تمر سريعاً بعض الأكشاك والمقاهي الصغيرة التي يتوقف عندها سائقو الشاحنات لتناول بعض المشروبات في رحلتهم الطويلة على الطريق الدائري. تخفي هذه المشاهد ورائها جميعاً أحد مناطق القاهرة التي نمر عليها في رحلتنا اليومية دون أن نتوقف عندها بالسؤال: ما هي هذه المنطقة؟ ما هو تاريخها؟ وما هي أحوال أهلها؟ تلك المنطقة هي “عزبة خير الله”، ولها قصة كفاح جديرة بالاهتمام.
عزبة خير الله في أرقام
المحافظة: القاهرة
الحي: تتبع العزبة أربعة أحياء مختلفة: “مصر القديمة”، و”دار السلام”، و”البساتين”، و”الخليفة”
المساحة: 480 فدان (2 كم مربع)
عدد السكان: حوالي 650 ألف نسمة وفقاً لتقديرات جمعية “خير وبركة”
حكاية “عزبة خير الله”
قبل أربعين عاماً، كانت المنطقة التي تشغلها عزبة خير الله الآن عبارة عن هضبة صخرية تقع شمال حي المعادي، وخالية تماماً إلا من بعض الزواحف والحشرات. ومع منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأ الناس يتوافدون إلى تلك المنطقة قادمين من الصعيد والأرياف بغرض السكن والبحث عن لقمة العيش بالمناطق المجاورة بالقاهرة. ولما لم يستطع هؤلاء الوافدون تدبير سكن ملائم بالمدينة لجأوا إلى تلك الهضبة المرتفعة وقاموا ببناء غرف من الحجارة المنتشرة بالمنطقة ليسكنوا بها دون وجود أية مرافق أو خدمات.
بدأ اسم “خير الله” في الظهور منذ تلك الفترة، ويرجع البعض هذا الاسم إلى إحدى العائلات التي سكنت المنطقة في أوائل فترة قدوم الناس للسكن بها. لكن عائلة “خير الله” لم تكن وحدها أقدم العائلات التي استقرت بالمنطقة، فهناك عائلة “الشلاهبة” التي يقال أنها كانت من العرب المقيمين بالمنطقة قبل أن يبدأ الأهالي في الوفود إليها. وإلى يومنا هذا، لا تزال مضيفة عائلة “الشلاهبة” موجودة بالمنطقة وسط منازل من تبقى من هذه العائلة في الجزء الجنوبي من العزبة.
بدأ الصراع على حيازة الأرض مبكراً في عزبة خير الله. فقد أصدر الرئيس أنور السادات قراراً في بداية سبعينيات القرن الماضي بتخصيص أرض هذه المنطقة لصالح شركة المعادي للتنمية والتعمير1 من أجل إنشاء وحدات سكنية جديدة عليها. وهكذا أصبحت شركة المعادي طرفاً في النزاع وإن كانت طرفاً خفياً، فالصراع الحقيقي كان بين الأهالي ومحافظة القاهرة. في البداية حدثت العديد من المناوشات بين الحكومة والأهالي من خلال محاولات المحافظة المتكررة لإخلاء الأرض. لكن الأهالي تمسكوا بالبقاء في المكان لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف إيجار وحدات سكنية أو شراء أرض لبناء مسكن في مكان آخر. مبكراً، بدأ الأهالي ينظمون أنفسهم لاتخاذ إجراءات قانونية لضمان حقهم في البقاء على الأرض، خوفاً من محاولات الإخلاء التي تقوم بها الشرطة والمحافظة. أقام الأهالي أول دعوى قضائية عام 1984 من أجل المطالبة بأحقيتهم في تملك الأراضي المقامة عليها مساكنهم. استمرت هذه القضية بالمحاكم ما يقرب من خمسة عشر عاماً. وفي عام 1999 صدر حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا لصالح أهالي عزبة خير الله بإلغاء قرار المحافظة بالامتناع عن بيع الأراضي لهم؛ مما يعنى إقرار أحقية المواطنين في تملك الأراضي عن طريق شرائها من المحافظة. لم ينفذ الحكم حتى وقتنا هذا، لكن رغم ذلك فقد أثبت هذا الحكم أحقية أهالي العزبة بالبقاء في المكان وأبعد عنهم شبح التهجير والإخلاء القسري. (للمزيد عن قضية حيازة الأراضي بعزبة خيرالله)
خلال هذه الأعوام، بدأ الأهالي في كفاح من نوع آخر من أجل إدخال الخدمات الأساسية اللازمة للحياة من مياه وكهرباء وصرف صحي. فقد بدأ الأهالي في جمع الأموال والعمل في مجموعات لتوصيل المياه والكهرباء والصرف الصحي بالجهود الذاتية. وقام الأهالي بمتابعة الإجراءات بين الجهات المختلفة سواء بالمحافظة أو شركات المياه والكهرباء والصرف، أو مع المجلس الأعلى للآثار في بعض الأحيان لإصدار تصاريح حفر في بعض المناطق، ولاحقاً لدى الحي لطلب رصف الشوارع وإنارتها. في ذلك الوقت أيضاً بدأت هيئات المجتمع المدني في الالتفات إلى المنطقة والاهتمام بها، ومن ثم أصبحوا يساهمون بدورهم مع الأهالي في توفير بعض الخدمات الضرورية. كما أسهمت رغبة المرشحين لعضوية مجلس الشعب الطامحين في اكتساب أصوات أهالي العزبة في قيامهم بجهود لدى الجهات التنفيذية لتيسير إجراءات إدخال بعض الخدمات والمرافق. حدث ذلك بعد أن بدأت الكتلة السكانية بعزبة خير الله في الازدياد، خاصة في أعقاب زلزال عام 1992. فبعد وقوع الزلزال بدأت أعداد كبيرة من المواطنين في التوافد على العزبة، خاصة ممن تهدمت منازلهم في المناطق المجاورة ولم يجدوا مأوى لهم ولم تستطع الدولة أن توفر لهم مساكن بديلة.
في أواخر التسعينيات تم إنشاء الطريق الدائري الذي قسّم العزبة إلى جزئين: شمالي يضم الجزء الأكبر من مساحة العزبة، وجنوبي يضم منطقة إسطبل عنتر. ساهمت عملية شق الطريق الدائري في رفع قيمة الأراضي والعقارات بالمنطقة بسبب التعويضات التي صرفتها الحكومة للأهالي. فقد مكّنت تلك التعويضات العديد من السكان الذين تم إخلائهم من منازلهم من شراء أراضي وعقارات داخل العزبة، حيث فضلوا البقاء في العزبة ولم يذهبوا للسكن خارجها. كما سهّل الطريق الدائري الوصول إلى عزبة خير الله وساهم في اتصالها بجميع أحياء القاهرة، كون الطريق الدائري من أكثر المحاور الحركة حيوية بالقاهرة. منذ ذلك الوقت، بدأ الأهالي في الاهتمام بجودة بناء مساكنهم لشعورهم بارتفاع قيمة العقارات بالمنطقة. (للاستماع إلى بعض آراء أهالي عزبة خير الله)
في عام 2008، عقب انهيار صخرة الدويقة، وخوفاً من تكرار هذه الانهيارات في الحواف الصخرية بمنطقة عزبة خير الله، شكّلت محافظة القاهرة لجنة هندسية لدراسة مناطق الخطورة في العزبة ومنطقة إسطبل عنتر. أوصت اللجنة الهندسية بضرورة إزالة عدد من المنازل الواقعة على حافة الجبل – والتي تعتبر من المناطق غير الآمنة – كذلك نقل سكان تلك المنازل إلى مساكن بديلة في مدينة السادس من أكتوبر. ولكن سرعان ما تم البناء في المناطق التي تم إخلائها مجدداً نظراً لرغبة الأهالي في البقاء بالمنطقة، وارتباطهم بأعمالهم فيها، وصعوبة الانتقال من وإلى مناطق بعيدة عن العزبة مثل مدينة السادس من أكتوبر. كما حدثت العديد من المشكلات أثناء عملية الإخلاء وترحيل السكان لأسباب كثيرة منها: رفض البعض إخلاء المساكن، وعدم توفير مساكن لجميع المتضررين، وعدم وجود حصر دقيق وحقيقي للمستحقين، ورغبة أشخاص آخرين من غير المستحقين في الحصول على وحدات بديلة.
اليوم، أصبحت عزبة خير الله منطقة شديدة الكثافة ومتكدسة بالسكان؛ وإن كانت لا تزال تستقبل المزيد ممن يبحثون عن مسكن قريب من مركز المدينة الحيوي ويلائم قدراتهم المادية.
المكان وأهله
المحور الرئيسي داخل عزبة خير الله هو شارع النجاح الذي يمر بطول العزبة من الشرق إلى الغرب، ويوجد به السوق والمدرسة. حالة الشوارع بالعزبة متدهورة وغير ممهدة بشكل عام حتى أن بعض الشوارع لا تسمح بمرور السيارات مطلقاً. معظم الشوارع خالية من أي إضاءة عمومية إلا من بعض الإضاءة التي يضعها الأهالي على واجهات منازلهم لإنارة الشوارع ليلاً. معظم المناطق تم إمدادها بشبكات البنية الأساسية في التسعينيات وفي الأغلب بواسطة الأهالي. لكن الحالة العامة للبنية الأساسية بشكل عام سيئة بسبب قلة الجودة وبسبب الطبيعة الجبلية للمنطقة التي تجعل عملية الحفر على أعماق كبيرة لتركيب الشبكات غاية فى الصعوبة مما يسبب مشاكل عديدة خاصة في شبكة الصرف الصحي. فتركيب هذه الشبكة على مناسيب قريبة من سطح الأرض يعرضها للكسر ويخالف مواصفاتها القياسية.
أما بالنسبة للخدمات، فعزبة خير الله، وبالرغم من كثافتها السكانية المرتفعة، تكاد تخلو نهائياً من الخدمات العامة. فلا يوجد بالعزبة إلا مدرسة ابتدائية واحدة لا تستطيع استيعاب الكثافة السكانية بالمنطقة. أما المعهد الأزهري الموجود بالمنطقة فهو معهد خاص وليس حكومياً. باستثناء المدرسة والمعهد، لا توجد بالمنطقة أي خدمات تعليمية أو صحية أو أمنية أو ترفيهية أخرى. وعلى الجانب الآخر، تتوفر وسائل المواصلات من داخل العزبة إلى أماكن هامة مثل السيدة عائشة والعتبة، لكنها جميعاً مواصلات خاصة (ميكروباص أو توك توك). كذلك ساهم مرور الطريق الدائري بالعزبة في استخدام الأهالي لمزيد من خطوط الميكروباص التي تمر بالعزبة للوصول إلى مناطق أخرى بالقاهرة الكبرى. ولكن لا توجد بالعزبة أية وسائل مواصلات عامة ولا يوجد بها موقف أتوبيس عام.
لا توجد تقديرات دقيقة لتعداد سكان العزبة أو مساحتها نظراً لأن تعريف حدود العزبة يختلف من جهة إلى أخرى. ولكن وفقاً لبعض التقديرات، يقترب عدد سكان العزبة من ٦٥٠ ألف نسمة يعيشون على حوالي 480 فدان (2 كم مربع)، وذلك طبقاً للدراسات الميدانية التي قامت بها جمعية “خير وبركة”. تنبئ هذه الأرقام بكثافة سكنية مرتفعة، وإن كان الأهالي يقدرون التعداد الحقيقي بأكثر من ذلك ليصل لقرابة المليون نسمة. نسبة كبيرة من سكان العزبة من الطبقة العاملة، سواء من العاملين داخلها أو خارجها.
نظراً لعدم حسم قضية حيازة أرض العزبة حتى الآن، يقوم أصحاب العقارات بدفع مقابل انتفاع بالأرض كل سنة بنسبة 7% من قيمة الأرض التي قدرتها الجهات الإدارية بمحافظة القاهرة بمبلغ 200 جنيه للمتر المربع، أي ما يعادل حوالي 14 جنيهاً للمتر المربع سنوياً. أما الإيجارات فتتراوح من 300 إلى 500 جنيه شهرياً للإيجار الجديد، وقد تقل أو تزيد عن ذلك تبعاً للمناطق.
معظم مباني المنطقة سكنية مع وجود أنشطة تجارية بمعظم الأدوار الأرضية للعقارات، بالإضافة إلى بعض الورش الصغيرة المنتشرة فى المنطقة مثل ورش الرخام، سباكة المعادن، الميكانيكا وغيرها. لكن الحرفة الأهم والأكثر انتشاراً بالعزبة هي صناعة الخشب وخاصة خشب الكونتر الذي يشتهر في الأسواق باسم “كونتر العزبة” حيث يبلغ عدد ورش صناعة الكونتر في العزبة حوالي 170 ورشة بدأ بعضها منذ حوالي 25 عاماً، كما توجد بعض الورش التي تقوم بإعادة تدوير الخشب القديم.
إيه المهم في عزبة خير الله؟
الترابط الاجتماعي والتعاون أهم ما يميز سكان المنطقة. ولعل الأوقات العصيبة التي مرت بهم منذ أن استقروا في العزبة والتكاتف بين الجميع من أجل التصدي لمحاولات إخراجهم من المنطقة ومن أجل الحصول على حقهم في بنية أساسية وخدمات عامة هو ما جعل العلاقات الاجتماعية أكثر ترابطاً. تتميز المنطقة بنسبة تعليم عالية بين السكان وخاصة التعليم العالي، وعلى عكس ما يتبناه الكثيرون من صورة نمطية عن سكان المناطق العشوائية، يشكل الموظفون وأصحاب المهن نسبة كبيرة من سكان عزبة خير الله، فمنهم المهندسون والأطباء والمحامون، ومنهم أيضاً أصحاب الحرف. ساهم ذلك التنوع في الطبقات الثقافية والاجتماعية في الجهود التنموية المختلفة بالعزبة. فنشأت بعض الروابط مثل “رابطة محامين خير الله للدفاع عن الحقوق والحريات” التي تضم عدد كبير من شباب المحامين المهتمين بالشأن العام وبالدفاع عن حقوق أهالي العزبة، والذين أخذوا على عاتقهم استكمال القضية الخاصة بحق تملك أرض العزبة. كما أن هناك اهتمام من عدد كبير من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بالعمل في عزبة خير الله، حيث توجد بالعزبة حوالي 23 جمعية أهلية مسجلة، منها على سبيل المثال جمعيات “تنمية المجتمع المحلى بمسجد أبو بكر الصديق“خير وبركة” و”تواصل” وغيرها من الجمعيات. وقد تحالف منذ أعوام قليلة مجموعة من جمعيات المنطقة في رابطة تسمى “رابطة إعمار خير الله” وذلك لتنسيق جهودهم التنموية بالعزبة معاً.
من الناحية العمرانية، تتمتع عزبة خير الله بموقع جيد ومتوسط بين عدد من أحياء القاهرة. فهي تحتل موقع مرتفع ويحدها عدد من الأحياء مثل المعادي والبساتين ومنطقة المقابر جنوباً، ومنطقة الفسطاط ومصر القديمة شمالاً، والأتوستراد وعزبة النصر ومجموعة أخرى من المقابر شرقاً، وحي دار السلام ومن ورائه النيل غرباً. ويمكن بسهولة رؤية القلعة والأهرامات من فوق أسطح مباني العزبة العالية، أو حتى رؤية النيل من حوافها الغربية المرتفعة. كما أن المنطقة متصلة مباشرة، أو على مقربة من عدد من محاور الحركة الرئيسية مثل الطريق الدائري ، والأتوستراد وكورنيش النيل.
وتقع عزبة خير الله على مقربة من العديد من المواقع الأثرية والمزارات السياحية التي تتركز معظمها في منطقة الفسطاط الواقعة شمال العزبة ومنها عين الصيرة، وحفريات مدينة الفسطاط، وكنائس مصر القديمة، ومراكز صناعة الخزف، ومتحف الحضارة. ولكن ما يميز العزبة بالفعل، ولا يعلمه الكثيرون، أن العزبة نفسها بها عدد من المناطق الأثرية والمزارات الهامة سواء القبطية أو الإسلامية التي لم تنل حظها من الاهتمام اللازم. وتعاني معظم هذه المواقع الأثرية الهامة من الإهمال، وعدم الاستغلال الملائم، وتعديات الأهالي، وغياب أي نوع من الاهتمام أو الدعاية أو الترويج لتلك المواقع بالرغم من وقوعها في قلب القاهرة. وقد يرجع السبب في ذلك إلى تواجد هذه المواقع الهامة في مناطق تعتبرها الجهات الرسمية “مناطق عشوائية قد تشكل خطراً على الزائرين”.
من أهم هذه المواقع جبخانة محمد علي (أو “الجبهخانة” كما تنطق بالتركية) والمعروفة الآن باسم “إسطبل عنتر”، وهو المبنى الذي استمد منه الجزء الجنوبي من العزبة اسمه. وجبخانة إسطبل عنتر هي مبنى عملاق كان يستخدم لتخزين السلاح والعتاد والذخيرة يبلغ طوله حوالي 180 م وعرضه حوالي 115 م ويتوسطه فناء واسع. بعض البسطاء والعامة كانوا ينسبون المبنى الي عنتر بن شداد وهذا غير صحيح ومع ذلك اكتسبت المنطقة هذا الاسم. أنشأ هذه الجبخانة محمد علي في 1245هـ / 1829م بدلاً من مبنى مماثل كان موجوداً في القلعة. ولكن الجبخانة التي كانت بالقلعة اشتعلت النار بها مرتين في أغسطس 1819 وفبراير 1823 مما عرض مبنى قصر الجوهرة القريب منها لأضرار شديدة نتيجة تكرار تلك الحرائق. لذا، ومن خشية محمد علي على قصر الجوهرة وباقي مباني القلعة، قرر اللجوء إلى منطقة “زهراء مصر القديمة” البعيدة عن القصر والقلعة لبناء الجبخانة الجديدة، وأنشأ حولها أربع طواب ومستشفى عسكري لتكون بمنأى عن المباني المهمة في الدولة المصرية الحديثة. الجبخانة الآن أثر مسجل، وتمثل أحد أهم الموارد المهملة بالمنطقة وذلك لما توفره من فراغ رائع يمكن استخدامه في العديد من الأنشطة الثقافية والخدمية التي يمكن أن تعود بالنفع على الأهالي ويمكن أن تصبح نواة لتنمية المنطقة بأكملها. وبالرغم من قربها الشديد من الطريق الدائري، فهي غير معروفة للكثيرين وتعاني من أقصى درجات الإهمال، كذلك عدم تعاون بعض القائمين عليها من إدارة الآثار مع بعض المبادرات التي حاولت استخدام الجبخانة في القيام ببعض الأنشطة الثقافية مع أهالي المنطقة.
أما في شمال العزبة، فتقع أيضاً أحد أهم معالم المنطقة الأثرية وهي “قباب السبع بنات” التي ترجع إلى العصر الفاطمي. وتسميتها بالقباب السبع يعد أكثر تطابقاً مع المصادر التاريخية إذ تروى هذه المصادر أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله قتل عدة أفراد من أسرة الوزير “الحسين بن علي المغربي” بعد فراره من مصر. وعندما حاول استرضاء الوزير مرة أخرى، بنى الحاكم بأمر الله على قتلى عائلة الوزير ست قباب. ولكن هناك بعض الروايات الأخرى التي ترجح بناء هذه القباب بعد عصر الحاكم بأمر الله بفترة. ويبدو أنه بجانب هؤلاء الستة ضريح شخصية أخرى بنيت عليها قبة فعرفت في مجملها باسم السبع قباب. ولم يبق من هذه القباب إلى يومنا هذا سوى أربعة، بالإضافة إلى حفائر أثرية لأساسات جدران قبتين آخرتين. وجميع القباب متجاورة في صف واحد غير مستقيم، ولم يعثر علي القبة السابعة التي من المحتمل أن يكون تم بناؤها في وقت لاحق واندثرت مع الوقت ولم يعثر لها علي أثر. مثلها مثل الجبخانة، تعاني القباب الأربع الباقية من الإهمال وعدم الاستخدام، كما يجهل موقعها العديد من سكان القاهرة.
أما أحد أهم الآثار الملاصقة لعزبة خير الله، وأقدمها وأكثرها قيمة وأشدها عرضة للتدمير والإهمال فهي “قناطر مياه أحمد بن طولون” التي تقع بالطرف الجنوبي الشرقي للعزبة في المنطقة الملاصقة لمنطقة البساتين. وهذه القناطر معروفة لدى أهالي المنطقة بـ “بئر أم السلطان” و”مجرى الإمام”، وهي منشأة مائية يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 256 هـ / 870 م . ويعتقد أن الذي بناها هو المهندس القبطي “سعيد بن كاتب الفرغاني” بتكليف من أحمد بن طولون (مؤسس الدولة الطولونية) وهو نفس المهندس الذي يعتقد أنه بنى جامع أحمد بن طولون الشهير. كان الغرض من هذه المنشأة جلب كميات كبيرة من المياه من النيل إلى مدينته حديثة النشأة: القطائع. ولم يتبق من هذه المنشأة الهامة في يومنا هذا سوى “برج المأخذ” وهو عبارة عن كتلة مشيدة بالآجر (الطوب الأحمر) بداخلها بئر مفرغة مفتوحة إلى السماء أمر بحفرها أحمد بن طولون، وعلى جانبيها غرفتان يغطيهما قبوان. كما تمتد تلك القناطر حتى القطائع من خلال ما سور يشبه مجرى العيون الموجود بمصر القديمة الآن.
وبالرغم من أهميتها التاريخية البالغة، فقناطر مياه أحمد بن طولون في حالة شديدة من التردي مما يعرضها للانهيار والفقدان للأبد. فالسور قد تعرض للإهمال والتدمير بعد أن تراكمت بجواره أطنان من القمامة. لذا قام سائقو الميكروباص بتجميع مبالغ مالية وتأجير لودر لرفع المخلفات. لكن للأسف تم إزالة جزء كبير من السور أثناء ذلك نظراً لعدم الوعى. ورغم أن الحي يقوم بتنظيف محيط السور دورياً ولكن تنشب الحرائق من حين إلى آخر في القمامة المتراكمة مما يعرض السور لمزيد من الخطر. أما البئر، فقد استغله أحد المواطنين ليحوله إلى محل لبيع الفاكهة. كما تم إنشاء “كشك” أمام البئر وهو ما منع إلقاء القمامة في مدخل البئر وحرقها كل فترة.
ولا تقتصر معالم عزبة خير الله الهامة على الآثار الإسلامية فقط، ولكن تضم أيضاً معالم قبطية مثل “كنيسة الطاحونة“. وتضم هذه الكنيسة بين جنباتها طاحونة أثرية كان يقيم ويتعبد بها البابا كيرلس السادس في عام 1936 ( القس مينا المتوحد في ذلك الوقت)، وعاش بها نحو ست سنوات. وقد تم ترميم الطاحونة وما زالت موجودة حتى الآن داخل الكنيسة. وهذه الطاحونة عبارة عن بناء دائري من الحجر الجيري ارتفاعه حوالي ستة أمتار وقطره ثلاثة أمتار. وهي موجودة بالمنطقة التي كانت تعرف فيما سبق باسم تل الطواحين حيث كان بها خمسين طاحونة بنيت أيام الحملة الفرنسية على مصر (1798م – 1801م). وبخلاف الآثار والمعالم السابق ذكرها، تحتفظ هذه الطاحونة بحالة جيده نظراً لرعاية الكنيسة المجاورة لها وتوافد أعداد كبيرة من الناس لزيارتها كأحد المعالم الدينية الهامة.
إيه مشاكل عزبة خير الله؟
غياب شبكات مياه الشرب والصرف الصحي الملائمة يعد من أهم المشكلات التي تواجه العزبة. في عام 2007 اعتمدت وزارة الإسكان مبلغ 100 مليون جنيه لإنشاء مشروعات شبكات لمياه الشرب والصرف الصحي بالمنطقة وقدر مشروع الصرف الصحي بمبلغ 70 مليون جنيه. بحلول عام 2010 كان قد تم لانتهاء من حوالي 70% من شبكة الصرف الصحي وفقاً لتقديرات محافظة القاهرة. ولكن على أرض الواقع، لم يتم الانتهاء حتى يومنا هذا (يونيو 2013) من مشروع الصرف الصحي بالعزبة، بل صاحب المشروع بعض الحوادث التي راح ضحيتها بعض أبناء العزبة. وفي عام 2012 انفجرت أحد مواسير الصرف الصحي لتغرق أجزاء من العزبة وتختلط بمياه الشرب لتزيد من الصعوبات التي يواجهها أبناء العزبة في حياتهم اليومية. يرجع جزء كبير من هذه المشكلات التي واجهت المشروع إلى توقف بعض الاعتمادات المالية الحكومية في فترة ما بعد ثورة 25 يناير، ولكن العائق الأكبر هو وقوع العزبة على هضبة حجرية. فطبيعة أرض العزبة وظروفها الخاصة تجعل من الصعوبة بمكان الحفر على مناسيب عميقة من أجل مد شبكات المياه والصرف الصحي، وذلك بالمعدات التقليدية المستخدمة في المناطق الأخرى. نتيجة لذلك تم تركيب أجزاء من الشبكات على مناسيب قريبة من سطح الأرض مما يضعف من كفاءتها ويؤدى إلى تعرضها للتلف بسرعة. ومما لا شك فيه أن الحفر على أعماق كبيرة يتطلب معدات وتكاليف كبيرة لا يقدر عليها الأهالي أو حتى الجهات الحكومية. وربما قد كان الأمر في حاجة للبحث عن بعض الحلول غير التقليدية للتعامل مع هذه المشكلة.
وتعانى المنطقة من تدهور شديد في حالة شوارعها، ويرجع الأمر بصورة كبيرة إلى أعمال الحفر المتكررة نتيجة مد وإصلاح شبكات البنية الأساسية بالمنطقة، كذلك الطفح المتكرر للصرف الصحي بالمنطقة. لذا، فحتى الشوارع التي يتم رصفها سرعان ما تتدهور نتيجة تلك المشاكل المتكررة. كما يعبر الأهالي عن رغبتهم في وجود أي نوع من أنواع التشجير بالشوارع التي تخلو معظمها من أي أثر للأشجار والنباتات. كما تخلو الشوارع أيضاً من أعمدة الإنارة العمومية، فتصبح بعض مناطق العزبة مظلمة تماماً في ساعات الليل.
من المشاكل التي يواجهها أهالي المنطقة أيضاً، صعوبة الدخول والخروج منها بالرغم من موقعها المتميز واتصالها بالعديد من محاور الحركة الرئيسية. يرجع ذلك لقلة مداخل ومخارج المنطقة، كذلك سوء حالة الشوارع الداخلية غير الممهدة التي تزيد من صعوبة دخول المواصلات إلى العزبة. يضطر ذلك السكان إلى الاعتماد على التوك توك للوصول إلى أقرب محطة للميكروباص أو المترو. يضاعف ذلك الوقت والمجهود والتكلفة التي يتحملها الأهالي للتنقل من و إلى العزبة خاصة بالنسبة للموظفين الذين يعملون خارجها بصورة يومية. وبالرغم من مرور الطريق الدائري بمنتصف العزبة، إلا أن الجهات الحكومية لم تقم بعمل أي مطالع للسيارات أو المشاة تربط العزبة بالطريق الدائري. لذا قام الأهالي بإنشاء سلالم تمكنهم من الصعود إلى أعلى الطريق الدائري لاستقلال وسائل المواصلات المختلفة. وبرغم ما قد يمثله ذلك من مخاطر على حياه المواطنين، إلا أنهم استطاعوا الوصول إلى حلول جيدة لعمل هذه السلالم وإيجاد ما يشبه مواقف ومحطات مواصلات غير رسمية يعلمها الأهالي وسائقو الميكروباص المارين بالطريق الدائري.
أما بالنسبة للقمامة فلا يوجد أي تدخل من الجهات الحكومية المسئولة عن ذلك، فتتراكم القمامة بالشوارع حتى يقوم بعض الأهالي بحرقها. ويلجأ البعض إلى إلقائها أعلا الطريق الدائري حتى يضطر المسئولون إلى إزالتها قبل أن تتراكم وتغلق الطريق. ولم تنجح تجربة أحد الجمعيات بالمنطقة في إيجاد حل جذري لمشكلة القمامة. فقد تم توقيع بروتوكول بينها وبين وزارة البيئة ومحافظة القاهرة في مارس ٢٠٠٨، كان من المفترض أن تقوم بمقتضاه وزارة البيئة بتوفير ثلاث سيارات لجمع القمامة. أما هيئة النظافة التابعة للمحافظة فكانت ملزمة بتشغيل السيارات وتوفير العمالة اللازمة، ذلك على أن تكون الجمعية مسئولة عن التطبيق والمتابعة. لكن هناك جدل حول المشروع بين أهالي المنطقة بسبب الإشارة الى أن المشروع يخدم نطاق جغرافي صغير، وحتى الآن مازالت تشكل القمامة أحد أهم مشاكل المنطقة، مثلها في ذلك مثل باقي مناطق القاهرة الكبرى.
تنتشر بالعزبة العديد من الورش خاصة في مجالات النجارة وصناعة الأخشاب والرخام. وبالرغم من عمل أعداد كبيرة من العمال والحرفيين بها سواء من داخل العزبة أو من خارجها، إلا أن جوانب الأمن الصناعي التي تمس بصورة مباشرة حياة العمال بهذه الورش أو الساكنين بجوارها لا يتم الالتفات لها على الإطلاق.لذا فالمنطقة مهددة دائماً بحدوث حرائق مدمرة قد تعرضها لمخاطر كبيرة خاصة في ظل الكثافة البنائية والسكانية العالية. فضلاً عن ذلك، تزيد مخلفات هذه الورش من حدة مشكلة القمامة المتفاقمة بالمنطقة.
برغم الكثافة السكانية العالية بالعزبة إلا أنها لا تتمتع بخدمات مماثلة لتلك الموجودة بمناطق أخرى ذات كثافات أقل بكثير، فالعزبة محرومة من جميع الخدمات العامة كما سبق الذكر. لا توجد بالعزبة مساحات أرض كافية لتوفير هذه الخدمات، ولكن يوجد بالجزء الشرقي بالعزبة قطعة أرض فضاء كبيرة تملكها محافظة القاهرة تبلغ مساحتها حوالي 37 فدان. في عام 1995 أصدرت محافظة القاهرة قرارات تخصيص لاستغلال أجزاء من هذه الأرض لإنشاء مدرسة بمساحة 3.600 متر مربع، ومركز شباب بمساحة 6.000 متر مربع لخدمة أهالي العزبة. إلا أنه وفقاً لأهالي العزبة، قامت إدارة الخيالة التابعة لوزارة الداخلية بوضع يدها على الأرض وقامت بمنع تنفيذ قرار التخصيص. ثم قامت وزارة الداخلية عام 2005 ببناء سور حول الأرض ومنع أي شخص من الاقتراب منها. قدم الأهالي العديد من الشكاوى للمحافظ وللنائب العام ولرئيس الجمهورية لحل هذه المشكلة ولكن بلا جدوى، فالنزاع مستمر حتى الآن بين وزارة الداخلية وبين محافظة القاهرة، والسكان ما زالوا محرومين من الخدمات العامة نتيجة هذا الصراع.
يرجع جزء كبير من مشاكل العزبة بالأساس إلى عدم استقلالها عن المناطق الأخرى المجاورة لها ككيان إداري منفصل. فعزبة خير الله، بالرغم من أنها منطقة عمرانية متجانسة وواضحة المعالم والحدود، إلا أنها مقسمة إدارياً بين أربعة أحياء. فالجزء الواقع شمال شارع النجاح يتبع بأكمله حي “مصر القديمة”. أما الجزء الجنوبي فأغلبه تابع لحي “دار السلام”. ويتبع جزء صغير في شرق العزبة حي “البساتين”. وأخيراً، يتبع مدخل العزبة الرئيسي، وهو جزء صغير من شارع النجاح، حي “الخليفة”.
يتسبب هذا التقسيم الإداري في العديد من المشاكل بسبب غياب التنسيق بين إدارات الأحياء المختلفة. يزيد هذا التقسيم من تعقيد الإجراءات الإدارية، ويؤدى إلى إضاعة الكثير من الوقت والمجهود وضياع المسئولية بين إدارات الأحياء المختلفة. كما يترتب على ذلك تبعية الأجزاء المختلفة من العزبة لخدمات متفرقة مثل أقسام الشرطة ومجمع النيابات وغيرها مما يثير حيرة المواطنين، خاصة عند استخراجهم لأوراقهم الرسمية وبطاقات الرقم القومي. والأهم من ذلك عدم توفر ميزانية مستقلة للعزبة لتوفير الخدمات بها. فعادة ما توجه إدارات هذه الأحياء مواردها المادية – المحدودة في الأساس – لخدمة مناطقها الرئيسية مثل مصر القديمة ودار السلام والبساتين والخليفة، والتي تقع بأكملها خارج نطاق العزبة. ونتيجة لذلك يتم تناسي العزبة في توزيع الموارد، وتتدهور الأوضاع بها. لذا، فقد تقدم الأهالي بطلبات عديدة من أجل أن تكون عزبة خير الله تابعة لحي واحد فقط أو أن تصبح حياً مستقلاً قائماً بذاته، خاصة أن الحدود الفاصلة بين الأحياء داخل العزبة وهمية وغير مبنية على حدود طبيعية.
فرص تطوير المنطقة
أصبحت عزبة خير الله اليوم مجتمعاً متكاملاً تتوفر به كل سبل الحياة والاحتياجات الأساسية بفضل جهود ساكنيها. لكن الجهود الذاتية والحلول الشعبية تظل عاجزة في بعض الأحيان بسبب الإمكانيات المادية المحدودة. فالأهالي لا يستطيعون أن يسدوا جميع احتياجات العزبة خاصة مع زيادة عدد السكان. وليس هذا دورهم في الأساس، ولكن من واجب الجهات المسئولة بالدولة أن توفر الخدمات العامة التي تحتاجها العزبة أسوة بالمناطق الأخرى المجاورة. ومع ذلك تتمتع العزبة بمميزات قد تدفع بعملية التطوير والتنمية للأمام، فهناك عدد كبير من الجمعيات الأهلية والمبادرات المجتمعية التي يديرها أفراد من أهالي العزبة المهتمين بالشأن العام. وهى جهود لها تاريخ طويل في خدمة العزبة وأهلها، ويمكن أن تتحول بالتنظيم الجيد والتنسيق بينها إلى قوة دافعة لجذب الجهات الحكومية للاهتمام بالمنطقة والتعاون مع الأهالي طبقاً لأولوياتهم الخاصة.
فالعزبة في حاجة إلى تطوير سبل الوصول إليها من خلال ربطها بمحاور الحركة من حولها، وعدم تجاهل هذه المحاور لها كأنها قطعة أرض خالية من السكان أو غير موجودة على الخريطة. كذلك يجب توفير المواصلات العامة لأهلها، والتي يحتاجونها بشدة للذهاب لأعمالهم وقضاء احتياجاتهم الضرورية. كما تحتاج العزبة للانتهاء من مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي وتمهيد طرق المنطقة وإيجاد حلول عملية لمشكلة القمامة حتى تنتهي معاناة الأهالي التي امتدت لعقود. أما عن الخدمات، فيتسع المجال للحديث عنها ولكن في المقام الأول يجب أن تعمل الدولة على حل مشكلة قطعة الأرض الخاصة بالمحافظة، والتي تشغلها حالياً وزارة الداخلية. فحل هذه المشكلة يمكنه أن يوفر العديد من الخدمات العامة التي يحتاجها وينتظرها أهالي العزبة منذ أعوام. وقد ظهرت مؤخراً بعض المبادرات الهادفة لتطوير المباني السكنية بالعزبة وجذب الاهتمام إليها ومنها مبادرة “مصر بالألوان” التي قامت بها “تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة” في نهاية عام 2011. فقد قامت هذه المبادرة بطلاء مجموعة من المباني السكنية المطلة على الطريق الدائري بالمشاركة مع أهالي المنطقة، وباستخدام مواد صديقة للبيئة. كان لهذه المبادرة أثراً في جذب مؤسسات أخرى لتكرار هذه التجربة ومنها مبادرة هيئة الإغاثة الكاثوليكية في عام 2013 والتي تقوم أيضاً بطلاء عدد من مباني العزبة المطلة على الطريق الدائري.
تبقى نقطتان أساسيتان يمكن أن تلعبا دوراً أساسياً في النهوض بالعزبة اقتصادياً واجتماعياً. الأولى هي القاعدة الصناعية والحرفية الموجودة بالعزبة والتي يمكن تطويرها اقتصادياً من خلال دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة الموجودة بالعزبة في مجالات مثل صناعة الرخام وأعمال النجارة وصناعة خشب الكونتر. وهي جميعاً صناعات تواجه ما يواجهه قطاع الاقتصاد غير الرسمي في مصر من غياب لفرص التمويل والتطوير، وغياب الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي أو الأمن الصناعي للعاملين بهذه المنشآت، وملاحقتها بالضرائب وأعباء الفساد الإداري التي تثقل كاهلها. تواجه هذه الصناعات الصغيرة والمتوسطة كل هذه العقبات على الرغم من المساهمة التي لا يستهان بها للقطاع غير الرسمي في دعم الاقتصاد المصري وتوفيره لفرص عمل لملايين من المواطنين في مناطق عديدة مثل عزبة خير الله.
النقطة الثانية التي يمكن أن تلعب دوراً فاعلاً في تطوير العزبة هو الاهتمام بالمعالم الأثرية والثقافية بها. وليس المطلوب هنا تحويل تلك المعالم إلى نقاط جذب سياحية بالمعنى الدارج في المحتوى المصري من خلال جلب آلاف السياح في أتوبيسات ضخمة لزيارة هذه المعالم، وبناء الأسوار حولها، وملء المكان بأفراد شرطة السياحة، وحصار المجتمع المحلي حتى لا يحتك بالسائحين أو أن يرى السائحون ما يعيشه هذا المجتمع من واقع مؤلم. المطلوب هنا هو تناول مختلف يضمن أن يعود تطوير هذه المعالم بصورة مباشرة بالنفع على أهالي المنطقة، سواء من إعادة استخدام بعض هذه المعالم – مثل الجبخانة و بئر أم السلطان – في خدمات وأنشطة تخدم أهالي المنطقة، أو استشارة أهالي المنطقة ودعمهم مادياً وفنياً لإقامة خدمات ملائمة للزوار حول هذه المعالم، أو تشجيع السياحة الداخلية حتى يقوم باقي سكان القاهرة ومدن مصر المختلفة بزيارة المنطقة، والذين يمكن أن يقضوا حياتهم بأكملها بدون أن تطأ أقدامهم مناطق مثل عزبة خير الله، وأخيراً تشجيع السياحة الثقافية المسئولة التي يمكن أن يتفاعل فيها زوار المنطقة مع أهلها بدون حواجز مفتعلة بينهم فيجلسوا على مقاهي المنطقة ويأكلون في مطاعمها ويتجاذبوا أطراف الحديث مع سكانها حتى يتعرفوا على قطاع كبير من أهل مصر الحقيقيين.
عزبة خير الله على حد قول أحد أبنائها هي “قصة كفاح طويلة” قام فيها أبناؤها جيل بعد جيل بتحويلها من صحراء مهجورة إلى مكان نابض بالحياة. تحمل أهلها خلال عقود عبء مواجهة قسوة المكان، وتعنت الدولة، ونظرة المجتمع السلبية، وإهمال الجهات الرسمية لهم حتى أصبحت عزبة خير الله ما هي عليه الآن. فمتى يأتي الوقت الذي تعترف فيه الدولة بأهالي عزبة خير الله – وما يماثلها من مناطق – كـ”مواطنين” كاملي الاهلية لهم حقوق متساوية مع باقي سكان المدينة؟ ومتى تلتزم الدولة بواجباتها تجاههم؟
روابط ذات صلة
“جبخانة عنتر” هزمت الغُزاة وانتصر عليها الإهمال
بئر وسور أم سلطان في حي البساتين يستغيث!
عزب “خير الله” و”بير أم سلطان” و”الطحاوي” خارج حسابات الحكومة
بالصور.. كارثة حضارية في منطقة الفسطاط
توابع الدويقة في إسطبل عنتر وعزبة خير الله
بالصور.. محافظ القاهرة يتفقّد التطوير بعزبة خير الله
#نبض_الشارع: أهالي عزبة خير الله على حافة الانهيار
1. القراران الجمهوريان رقم 1187 لسنة 1972، و1420 لسنة 1974↩
2. مصدر المعلومة، منظمة العفو الدولية↩
الصورة المختارة تصوير فريق عمل شبكة الآغاخان للتنمية، استخدمت بإذن.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
hisham khalil Says:
thanks for these all informations
April 13th, 2015 at 11:08 pm