ما هو الحق في تخطيط وإدارة المدينة؟
للمواطنين الحق في المشاركة في عمليات التخطيط، والتصديق والإدارة والتقييم للسياسات العامة ولخطط التنمية، وللميزانيات التي تؤثر على تنمية مدينتهم في الوقت الراهن وفي المستقبل. هذا الحق يمكنهم من اقتراح تشريعات للحكومة حول تخطيط وإدارة المدينة من خلال المبادرات الشعبية وأيضاً من خلال المؤسسات التي تمثلهم. كما يلزم هذا الحق الدولة أن تعقد المؤتمرات، وجلسات الاستماع العامة والمشاورات، والمناظرات لضمان مساهمة المواطنين في التخطيط للتنمية العمرانية. كما إنه لزاماً علي الدولة أن تقوم بتنفيذ سياسات مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة على جميع مستويات الحكومة، وإضفاء الطابع المؤسسي علي المشاركة العامة.
لا يمكن للمواطنين المشاركة في تخطيط وإدارة مدنهم بدون أن تكون لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات العامة بشأن مشاريع التنمية التي يجري تطويرها، وبدون الحق في المشاركة في الشأن العام من خلال مؤسسات ديمقراطية قوية، أوالحق في مناقشة ومحاسبة المسؤولين في منتديات عامة. يعد الحق في تخطيط وإدارة المدينة الأساس لضمان التنمية العمرانية العادلة والمستدامة في جميع أنحاء مدننا.
ما هو تأثير الحق في تخطيط وإدارة المدينة علي حياتنا اليومية؟
التخطيط العمراني بالمشاركة
يضع التخطيط العمراني الرؤية لمستقبل مجتمعاتنا ويحدد المسار للوصول إلى هناك وينبغي أن تكون هذه الرؤية جماعية. يجب أن يكون الشعب في طليعة القائمين بوضع جداول الأعمال لتنمية مدنهم. وإدارة المناطق العمرانية هي التي تقوم بقيادة العملية التي يتم من خلالها تنفيذ هذه الخطط. يمكن للحكومة ضمان التنمية العمرانية العادلة والمستدامة من خلال تنفيذ المشاركة الحقة لجميع المواطنين، وعلي وجه الخصوص المواطنين الفقراء والمهمشين المتضررين، في كلٍ من تطوير الخطط للمدينة، وأيضاً في إدارة خدماتها ومواردها.
ينص التشريع على إشراك الوحدات المحلية والمجالس الشعبية المحلية في تحديد احتياجات وأولويات التخطيط العمراني على المستوى المحلي بالتعاون مع ممثلين عن المجتمع المدني والسكان كما ينص أيضا علي التشاور معهم بخصوص الخطة الاستراتيجية العامة للسنة (قانون البناء 119، المادة 11 و 12). المشكلة ليست في الافتقار إلى تشريعات، ولكن في غياب الإرادة السياسية لتنفيذ هذه التشريعات بطريقة حقيقية وفعالة، وليس فقط من خلال القيام بالعمل دون الإلتزام بروح التشريع – كما هو الحال في أغلب الأحيان. إن السكان ومنظمات المجتمع المدني بحاجة أيضاً أن يكونا على بينة من حقوقهما التشريعية، والكفاح من أجل إدراج عادل في عملية صنع القرار باستخدام كل الطرق المتاحة (اقرأ الحق في المشاركة في الشأن العام والحق في المعلومات لمعرفة المزيد عن المشاكل التي تواجه المشاركة الفعلية للمواطنين في التخطيط والإدارة العمرانية).
على الرغم من أن المواطنين لديهم عدد قليل من المؤسسات الديمقراطية للتأثير على عملية التخطيط فقد شكل السكان مدنهم بالفعل من خلال إنشاء المجتمعات العشوائية التي كثيراً ما تتخطي ممارسات الدولة في التخطيط والإدارة. إن العشوائيات هي حقيقة من حقائق الحياة في المدن المصرية، حيث أن أكثر من نصف سكان القاهرة الكبرى يعيشون في مجتمعات عشوائية. وعلى مدى عقود وضع المخططون العمرانيون للمدن في الحكومة المركزية ضمن خططهم للمدينة التدابير لإضفاء الطابع الرسمي، أو تنظيم أو هدم هذه المجتمعات العشوائية. غير أن هذه الخطط وضعت بدون مشاركة المواطنين الفعلية كما نوقش أعلاه، مما أدى إلى أفكار كانت غير ملائمة في أحسن الأحوال ، وخطيرة في أسوأ الأحوال. معظم خطط التنمية العمرانية لا تخدم مصالح الشعب المصري ككل، ولكنها تخدم شريحة صغيرة جدا من المجتمع المصري التي تحقق أرباحاً من وراء من تطوير المناطق الواقعة في وسط المدينة، أو تطوير المدن الصحراوية، أو إعادة توطين المجتمعات ذات الدخول المنخفضة. هذه الخطط كثيرا ما تتحدث عن الأثر الإيجابي بالنسبة للاستثمار، وعلي الاقتصاد، ولتجميل مدننا، ولكن لا توجد أية إشارة عن آثارها السلبية على سكان المدينة، وخاصة علي الشبكات الاجتماعية المتأصلة والاقتصاديات المحلية في المناطق المهمشة وذات الدخل المنخفض.
الحكومة المحلية
إن نوع المشاركة الضروري لإعمال الحق في تخطيط وإدارة المدينة هو بعيد المنال في مصر بسبب ضعف المؤسسات الديمقراطية على الصعيدين الوطني والمحلي. فالمحافظون يتم تعيينهم ولا توجد انتخابات بالنسبة لرؤساء البلديات. إن سيطرة الحكومة المركزية الشديدة على الإدارة ، والتمثيل، والتمويل في الحكومة المحلية، يزيد من الصعوبة بالنسبة للمواطنين في المدن والمراكز أن يكون لهم تأثير كبير على عمليات التخطيط والإدارة العمرانية الرسمية. يتم التخطيط العمراني بصورة أفضل على المستوى المحلي وربما تكون الحكومات المحلية أكثر تجاوبا مع المواطنين إذا ما أعطيت لهم مسؤوليات التخطيط العمراني بالأضافة إلي السلطة لتنفيذ الخطط أو المشاريع التي يقومون بوضعها. هذا لا يعني أن يتم إلغاء التخطيط على المستوىين الاقليمي والقومي لكن أفضل رعاية لمستقبل المجتمعات تكون علي أيدي سكانها، وليس علي أيدي موظفي الحكومة المركزية أو مقاولي القطاع الخاص.
الميزانيات المحلية
تعتمد المدن والمراكز والقرى على الحكومة المركزية في أكثر من 85 في المئة من تمويلهم. وهذه الميزانيات تحددها الحكومة المركزية أو الموظفين المعينين وهي غير متاحة للشعب لفحصها أو للتعليق عليها أو لمحاولة تحسينها وممثلين المجلس المحلي المنتخبين هم فقط الذين لهم الحق في اقتراح أي تغييرات على تلك الميزانيات. من الممكن أن تتصدي الميزانيات المحلية التي يتم تحديدها بواسطة السلطات المحلية وبمشاركة السكان بصورة أفضل لأولويات السكان المحليين.
الشفافية والمساءلة
إن مشاركة المواطنين الفعالة في التخطيط والإدارة العمرانية من المستحيل أن تتم بدون أن يتمكن المواطنين من الحصول على المعلومات العامة. في اتخاذ القرارات العامة، تعتبر المعرفة بالفعل قوة وتستخدم الحكومة المصرية قوتها في حجب المعلومات عن الجمهور. إن الحوار المتوازن بين المواطنين والحكومة يعتمد على فهم شامل للقضايا المطروحة، والموارد العامة المتاحة، والإجراءات الإدارية، والجهات الفاعلة المعنية.
في مصر، هناك الكثير من انعدام الثقة في الحكومة، وذلك بسبب سجل الحكومة السيء في خدمة المصالح العامة وطبيعتها السرية، وضعف التزامها بالتمثيل، والشفافية، والمشاركة، والحريات والحقوق السياسية. يولد انعدام الشفافية في الحكومة الفساد وشبكات المحسوبية حيث أنه من أجل إستفادة عدد صغير من الأقوياء يمكن تجاهل المصلحة العامة بدون أى خوف من المساءلة.
تخطيط وإدارة المدينة في الدستور المصري
من الناحية التاريخية لم يعترف الدستور المصري بحق المواطنين في المشاركة في تخطيط وإدارة المدينة بشكل واضح. ومشروع دستور عام 2013 لم يأتي بجديد. ولكنه يتناول حق وواجب المواطنين في المشاركة في المجالات العامة. وفي مشروع الدستور المصري لعام 2013 تنص المادة 87 على أن “مشاركة المواطنين في الحياة العامة واجب وطني”، ولكنه يضع حدود للمشاركة وهي “الحق في التصويت، الترشح في الانتخابات، والتعبير عن الرأي في الاستفتاء.” ومع ذلك، وكما ذكر فيما سبق، فإن قانون البناء 119 (2008) الذي ينظم ممارسات التخطيط العمراني والبناء، ينص على إشراك الوحدة الإدارية المحلية، وممثلين عن المجتمع المدني والسكان المحليين في تحديد احتياجات التخطيط العمراني المحلي في وضع اللمسات الأخيرة على الخطة الاستراتيجية العامة السنوية.
وقد كان دستور عام 2012 أول تشريع مصري يعترف بالحق في المعلومات. حيث يلزم مشروع الدستور لعام 2013 المادة 68 الدولة أن تقوم بإتاحة المعلومات للمواطنين، ولكنه لم يحدد الآليات التي من خلالها يمكن أن يتم ذلك أو كيف يمكن اعتبار معلومات أنها ذات طابع “أمن قومي” وبالتالي لا ينبغي أن تكون متاحة للمواطنين. في بلد مثل مصر، حيث ترتبط العديد – إن لم يكن أغلب – المشاريع الضخمة بالجيش بصورة أو بأخرى وقد يعرقل هذا الغموض إمكانية الوصول إلى خطط وميزانيات تلك المشاريع.
أمثلة في دساتير دول أخرى
كثير من الدساتير في جميع أنحاء العالم تنص علي أن التخطيط وإدارة المناطق العمرانية حق وواجب على حد سواء علي المواطنين من أجل المشاركة في الحياة العامة. والحق في تخطيط وإدارة المدينة لا يمكن أن يتحقق بدون الحق في المعلومات والحق في المشاركة في الشأن العام. وبوليفيا لديها مواد دستورية مثالية (2009)، التي تتعلق بكلا الحقين. فإنه يلزم الدولة “أن تخلق مساحات للمشاركة والمراقبة العامة” (المادة VI .241) و “أن تضمن إنشاء وتنظيم وأداء كيان التخطيط التشاركي الذي يضم ممثلين عن المؤسسات العامة والمجتمع المدني المنظم” (المادة 317 ). ولتجنب أي تضارب محتمل قد يسببه الغموض، قام الدستور البوليفي بتقسيم المشاركة الاجتماعية والتحكم في عشر قنوات والتي تتضمن خلق شفافية في التعامل مع المعلومات واستخدام الموارد في جميع مجالات الإدارة العامة” والتنسيق بين مهام التخطيط والمراقبة في الدولة (المادة 242).
المادة 50 من الدستور اليمني 1990 يضمن حق المواطنين في “تقديم شكاواهم والانتقادات والمقترحات إلى مختلف المكاتب الحكومية بشكل مباشر أو غير مباشر.” أما المادة 14 من الدستور المغربي الذي تم اعتماده حديثاً (2011) تكفل حقوق المواطنين في “تقديم مقترحات تشريعية ” وفقاً للقانون، وبذلك توفر مساحة لإشراك المواطنين النشطاء في الحكومة التي كانت عادة مغلقة أمام أي مشاركة من قبل المواطن. إن المغرب وكينيا، والهند (ضمن بلاد أخرى كثيرة) يضمنون الحق في الوصول إلى المعلومات العامة. الدستور في تايلاند (1997) المادة 57 تربط بين حق الجمهور في الحصول على المعلومات و بين الموافقة على مشاريع التنمية، وتنص علي أن:
ويكون للشخص الحق في تلقي المعلومات والشرح والمبررات من وكالة حكومية … قبل إعطاء الإذن لتشغيل أي مشروع أو أي نشاط قد يؤثر على نوعية البيئة، والصحة العامة والظروف الصحية، ونوعية الحياة أو أي مصلحة مادية أخرى تتعلق به أو بالمجتمع المحلي، ولديه الحق في التعبير عن آرائه فيما يخص هذه الأمور إلى الجهات المعنية لكي تنظر فيها …
يستلزم الدستور في تايلاند أن تقوم الدولة ب “تنظيم مشاورات عامة شاملة قبل وضع خطط التنمية الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية، وقبل نزع ملكية الأصول الثابتة، أو وضع تخطيط للمدينة والريف ، أو إتخاذ قرارات بشأن استخدام الأراضي، أو إصدار تشريع من شأنه أن يؤثر على مصلحة مادية للجمهور” (المادة 57). يلزم دستور الرأس الأخضر(كاب فيردي) لعام 1992 الدولة أن تخلق بيئة مناسبة لتحقيق الديمقراطية الاقتصادية من خلال “مشاركة الفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، من خلال ممثليهم وأجهزة الإدارة المحلية في عملية وضع خطط التنمية، وإقرارها وتنفيذها وتقييمها “(المادة 88.2).
نحو دستور أفضل
يمكن حصول المواطنين علي الحق في تخطيط وإدارة المدينة من الحصول على ملكية مدينتهم واتخاذ خطوات بشكل استباقي لتحسين أوضاعهم وضمان تخصيص موارد الدولة بشكل صحيح لخدمة احتياجات الجمهور. هناك العديد من الطرق التي يمكن للدستور من خلالها أن يقدم أساساً سليماً لحقوق التخطيط والإدارة العمرانية.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks