عقد عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المصرية مؤتمر صحفي في الثالث من مارس 2014 وذلك كرد فعل على طرد عدد من المقيمين في عزبة النخل. وقد تم إخلاء المكان عقب انهيار جسر علوي، وقد أدى هذا الانهيار إلى أن الأحد عشر عشة تقريباً الذين يقعوا تحته أصبحوا يمثلوا خطورة شديدة على الحياة . وبالإضافة إلى إزالة العشش الواقعة تحت الجسر العلوي فقد أزيلت أيضاً عشش التوفيقية – وهى في تجمع سكاني أكبر بمنطقة قريبة – من أجل إفساح الطريق لجسر علوي جديد من شأنه أن يربط الطريق الدائري بشرق القاهرة.
القصة: معلومات متضاربة ومثيرة للجدل
في الحادي عشر من فبراير الماضي انهار جزئياً جسر علوي في شمال شرق القاهرة بعد اندلاع حريق في العشش الواقعة تحته. وقد أدى انهيار جسر الشيخ منصور، الذي يربط بين حى المرج وحى عزبة النخل إلى إخلاء الأشخاص الذين يعيشون تحت وحول الجسر العلوي. معظم عمليات الإخلاء عادة ما تكون محفوفة بالمجادلات، وهذه الحالة ليست استثناء للقاعدة حيث أدانتها المنظمات المحلية لحقوق الإنسان. يرتبط الجدل بثلاث قضايا رئيسية:
القضية الأولى في ما يخص عملية الإخلاء، والتي اعتمدت على قوات الأمن المركزي سيء السمعة، تضمنت العملية الاستخدام الكثيف للغاز المسيل للدموع. وفقاً لما ذكره السكان فقد شنت قوات الأمن الهجوم في ساعة مبكرة من الصباح والسكان نيام، ودمرت ممتلكاتهم، واستخدمت العنف المفرط الذي أدى إلى وقوع إصابات واعتقالات وضرب (بما في ذلك النساء)، وتم نقل بعض الأطفال إلى المستشفى بصورة عاجلة للعلاج من الاختناق بسبب الغاز المسيل للدموع. وذكر مسؤولون لوسائل الإعلام أن قوات الأمن دعت السكان في البداية لإخلاء عششهم والتوجه إلى المحافظة لتوثيق حقهم في التعويض، وأن السكان رفضوا المغادرة، مما أجبارهم على اللجوء إلى استخدام الغاز المسيل للدموع.
القضية الثانية بخصوص صورة التعويض، وفقاً لما يدعيه السكان، بدلاً من أن يتم منحهم منازل، فقد أعطوا ملاجئ مؤقتة سوف يسمح لهم باستخدامها لمدة 15 يوماً فقط، وبعد ذلك سيتم طردهم وعليهم أن يتصرفوا بوسائلهم الخاصة وهو نفس الوضع الذي أجبرهم على أن يقطنوا في العشش في المقام الأول. وقد تلقى العديد منهم بالفعل إشعارات الإخلاء التي تذكر أن الخمسة عشر يوماً هذه انتهت وعليهم مغادرة المكان.
أما القضية الثالثة فإنها مرتبطة بعدد الأشخاص الذين يستحقون الحصول على التعويض، تم الإحصاء المستخدم من قبل محافظة منذ ما يقرب من عامين، ويدعي السكان إن العديد منهم لم يحصلوا على تعويض لأنه لم يتم إدراجهم في إحصاء عام 2012. أما محافظ القاهرة يدعي أن جميع سكان المنطقة الأصليين تم منحهم منازل بديلة، وعندما أصبح معروفاً أنه سوف يتم بناء جسر علوي في هذا المكان، فقد بدأت العائلات القدوم من أجزاء مختلفة من البلاد واحتلال المكان على أمل الحصول على سكن مجاني.1
وإجمالاً، تم تخصيص منازل بديلة – وإن كانت مؤقتة- لسكان الأحد عشر عشة التي كانت تحت جسر الشيخ منصور الذي إنهار. لكن الحصول على معلومات دقيقة بشأن عشش التوفيقية القريبة، أمر أكثر صعوبة. صرح محافظ القاهرة إلى وسائل الإعلام أن 432 أسرة من بين سكان العشش حصلوا على مساكن بديلة، في حين ذكر محامي الأسر أن حوالي 420 أسرة حصلت على منازل، في حين أن أكثر من 80 عائلة لم تحصل على مسكن.
دروس من أجل المستقبل
تتمثل الحالة القائمة في مصر في الوقت الراهن أن الحيازة القانونية ترتبط بصورة مباشرة باعتراف الحكومة بحقوق الفرد كمواطن. إذا لم يكن لديك أوراق الحيازة، يتم تجريدك بالفعل من حقك، وذلك يتعارض ليس فقط مع الدستور المصري ولكن المواثيق الدولية أيضاً التي صدقت عليها مصر.
في عام 2012، اعتمدت مصر ، مع عدد من الدول الأخرى مجموعة من المبادئ التوجيهية بشأن الحيازة الحضرية التي تنص على: “عندما لا يكون من الممكن توفير الاعتراف القانوني بحقوق الحيازة، ينبغي على الدول أن تمنع عمليات الإخلاء القسري التي تتعارض مع التزاماتها الحالية بموجب القانون الوطني والدولي “. أما فيما يختص بالتشريعات الوطنية، فإن المادة 63 من الدستور المصري تحظر صراحة “التهجير القسري التعسفي” وتكفل المادة 78 الحق في المسكن الملائم. أما بالنسبة للقانون الدولي، فإن مصر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي يضمن أيضاً الحق في السكن الملائم في المادة 11.1.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التعليق العام رقم 4 الصادر في عام 1991 عن لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعترف بوضوح أن “أمن الحيازة” هو العنصر الأساسي الأول للحق في السكن الملائم حيث ينص أن: “بغض النظر عن نوع الحيازة، ينبغي أن يتمتع كل شخص بدرجة من الأمن في شغل المسكن تكفل له الحماية القانونية من الإخلاء القسري والمضايقة والتهديدات الأخرى. وينبغي للدول الأطراف أن تتخذ تدابير فورية ترمي إلى توفير الضمان القانوني لشغل المسكن بالنسبة إلى الأشخاص والأسر الذين يفتقرون حاليا إلى هذه الحماية، في تشاور حقيقي مع الأشخاص والجماعات المتأثرة.”
وبغض النظر عن التزامات مصر القانونية لضمان السكن اللائق ولحماية حقوق الإنسان، فإن هناك عدد من المعايير القائمة والمعترف بها دولياً بشأن كيفية تنفيذ عمليات الإخلاء. مثل هذه المعايير يمكن أن تعطينا رؤية واضحة لما يجب على الحكومة المصرية أن تقوم به بطريقة مختلفة، ولا سيما التعليق رقم 7 على المادة 11.1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتقرير الأمم المتحدة لعام 2007 بشأن المبادئ التوجيهية لعمليات الإخلاء من أجل التنمية. وفقا لهذه المعايير، ينبغي مراعاة شروط معينة قبل وأثناء وبعد تنفيذ عمليات الإخلاء الجماعي. وتشمل هذه الشروط إعطاء السكان إشعار مسبق ، وإبلاغهم لماذا يتم إخلائهم وإلى أين سيتم نقلهم وتنفيذ عملية الإخلاء في وقت مناسب من اليوم، ومنع العنف، وعدم الإضرار بأي من ممتلكات السكان، وإمكانية وصول مراقبون المجتمع المدني المحايدين إلى الموقع ، وتوفير سكن ملائم بديل فوراً.
في حين أنه من المهم أن نعترف بأن بعض مشاريع التنمية أو حالات الخطر المحدق قد تتطلب إجلاء بعض السكان، خصوصاً عندما يكونوا مقيمين على أرض ملك الدولة2، فمن المهم بنفس القدر أيضاً الحفاظ على حقوق الذين يتم إخلائهم. لا ينبغي أن تترك عمليات الإخلاء لتقدير الأجهزة التنفيذية، بل يجب أن تكون محكومة بالمعايير التي تهدف إلى ضمان حماية حقوق جميع الأطراف.
مع ذلك، وفى الأمر الواقع، فإن معظم التدابير المشار إليها أعلاه تقريباً تنتهك في كل حالات الإخلاء في الواقع المصري. وهذا يمكن أن ينسب بشكل جزئي إلى أن معظم المصريين لا يدركون أن أمن الحيازة – حتى مع عدم وجود الاعتراف القانوني – هو حق معترف به من قبل الأمم المتحدة والعديد من البلدان بما فيها مصر.
يعترف الدستور المصري عام 2014 بالحق في السكن اللائق، ويعترف ضمناً بالحق في أمن الحيازة. وينص الدستور أيضا على مسؤولية الدولة عن الوفاء بهذه الحقوق. لكن سلوك الدولة في عزبة النخل كان في تناقض صارخ مع دستور عضدته بشدة وأثنت عليه. ينبع هذا التناقض جزئيا من عدم وجود تعريف واضح لمختلف الحقوق في الدستور المصري 2014 على أساس المعايير المتفق عليها، إن لم يكن عن عدم رغبة الدولة على الالتزام بمبادئ هذا الدستور الجديد. حاول بعض النشطاء وجماعات حقوق العمران التغلب على انعدام وجود الصياغة والتعريف هذه من خلال وضع وثيقة دستور العمران لمواجهة مشاكل مصر العمرانية، بما في ذلك الحق في أمن الحيازة السكنية.
ولكن الأهم من ذلك، إذا كان هناك درس واحد يمكن أن نتعلمه من ما حدث في عزبة النخل فهو أنه حتى مع أفضل دستور على الإطلاق، فهو سوف يظل حبراً على ورق حتى يعرف الناس حقوقهم، ويطالبون بها ويتأكدون من أنه تم الوفاء بها على أرض الواقع.
1. يدعي أحد المقيمين انه، مع مجموعة من السكان، حاول أن يقدم إحصاء حديث لرئيس الحي ولكن تم منعه بالقوة من دخول مبنى مجلس الحي، ثم بعد ذلك تم تطويقهم من قبل الشرطة وأجبروا على مغادرة المكان. وهذه المشكلة مستمرة، وذلك لأنه في 12 مارس أصدر المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي بيان أن 150 عائلة من العائلات التي هدمت عششهم لم يتم توفير مساكن بديلة لهم وكانوا ينامون في الشارع منذ منتصف فبراير. ورداً على هذا اقتحموا عددا من الوحدات السكنية الشاغرة القريبة كوسيلة للضغط على الحكومة. من ناحية أخرى، يدعى غيرهم من السكان أن بعض الذين حصلوا على تعويضات لم يكونوا في الواقع من بين سكان العشش على الإطلاق، وقد جاؤوا بالفعل من مناطق أخرى من القاهرة على أمل في الحصول على منزل.
2. مع الأخذ في الاعتبار تقديم بعض سكان عزبة النخل من الذين حرموا من التعويض الوثائق التي تبين أنهم كانوا يدفعون ضرائب الممتلكات، بالإضافة إلى وثيقة رسمية من النائب العام تمنع طردهم من الناحية القانونية.
الصورة المختارة من حساب @LoveLiberty على تويتر.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments