ندوة الجامعة الأمريكية
حضر الندوة ممثلون عن صندوق تطوير المناطق العشوائية، ومحافظتي القاهرة والجيزة ومجلس السكان، بالإضافة إلى الأكاديميين والمهنيين. وتضمنت الندوة عروضاً تقديمية لكل من فريق عمل الجامعة الأمريكية لتنمية المناطق العشوائية، وصندوق تطوير المناطق العشوائية، ومؤسسة معاً، وتلى ذلك جلسة نقاش مفتوحة. قام بتمثيل الجامعة الأمريكية كل من مدير مركز التنمية المستدامة وكبير الباحثين فى السياسات العمرانية. وقد أكد العرض التقديمى للجامعة الأمريكية على أهمية الحلول الإبداعية التى تتضمن نظرة مستقبلية شاملة للتدخلات التنموية التي تتفوق على مجرد رفع مستوى البيئة المبنية وتاخذ في الاعتبار التنمية الاجتماعية والاقتصادية للسكان. قدم فريق العمل لتنمية المناطق العشوائية إستعراض مختصر للدروس التي يمكن استخلاصها من البرامج العالمية لتنمية المناطق العشوائية، والتى كان أغلبها يدور حول موضوع المشاركة وإشراك أصحاب المصلحة كآلية لضمان التوازن بين الحقوق الفردية لسكان المنطقة العشوائية والحقوق الجماعية لكل سكان المدينة. وللقيام بذلك على نحو فعال، هناك احتياج إلى تغيير في التصور من أعتبار أن هذه المناطق العشوائية ما هى سوى أجزاء سرطانية من المدينة وأن سكان تلك المناطق يتربصون لاستغلال الدولة من أجل الحصول على مساكن أفضل مجاناً، إلى تصور حيث يتم إدراك أن المناطق العشوائية هى نتاج عدم المساواة وأن الدولة مسؤولة جزئياً عن ذلك وأن السكان شركاء في عملية التنمية، وكثيراً ما يكونوا على استعداد لتحمل جزء من التكلفة. في ضوء ذلك، يرى فريق العمل لتنمية المناطق العشوائية أن النموذج الأكثر نجاحا لتطوير العشوائيات هو أن الدولة (ويمثلها صندوق تطوير المناطق العشوائية) عليها أن تضع بشفافية الرؤية الاستراتيجية الوطنية بمشاركة منظمات المجتمع المدني، وتعمل أفقياً مع الباحثين وأصحاب المصلحة الآخرين. وسوف تتم مناقشة توصيات ورقة السياسات بالتفصيل لاحقاً في هذا العرض.
مَثلَ صندوق تطوير المناطق العشوائية المدير التنفيذي ورئيس وحدة الدعم الفني وبناء القدرات وركزا فى عرضهما التقديمى على فلسفة صندوق تطوير المناطق العشوائية في تطوير تلك المناطق والإنجازات التي تحققت وخصوصاً منذ عام 2011. استعرض صندوق تطوير المناطق العشوائية بإيجاز منهجية عملهم وطريقة تصنيف المناطق العشوائية، وأشارا إلى أنهم يقوموا حالياً بتطوير 47 منطقة في القاهرة استناداً إلى بيانات ومعلومات تفصيلية تم جمعها بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وقد ادعى صندوق تطوير المناطق العشوائية أن مشاركة الجمهور وإشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين كانت لها أهمية كبرى في كل تداخلاتهم وأن معظم إن لم يكن كل توصيات ورقة سياسات الجامعة الأمريكية تحدث بالفعل في الواقع. ولكن عندما أعربت عضوة في أحد المبادرات المحلية النشطة في منطقة عشوائية عن قلقها إزاء عدم وجود شفافية أو معلومات متاحة عن خطط التنمية في منطقتها، أجاب ممثلا صندوق تطوير المناطق العشوائية أن هناك خطط للتنمية موضوعة لمعالجة مشاكل المنطقة وأن هذه الخطط تم وضعها بعد المشاورات المجتمعية – تلك المشاوارات التي لم تسمع قط بحدوثها، رغم كونها عضوة ناشطة في المجتمع. اعترف صندوق تطوير المناطق العشوائية بعدم كفاية الجهود المبذولة في نشر المشاريع و الإنجازات، وأنهم يقومون حالياً بتطوير هذه الجزئية.
وفقاً لصندوق تطوير المناطق العشوائية، فإن تدخلات التنمية الحالية ال47 تعتبر مشاريع تجريبية يمكن أن تستخدم كدروس مستفادة لمشاريع التنمية المستقبلية في مناطق أخرى. لكن، وأثناء فترة المناقشة، تعرض هذا النهج فى معالجة التخطيط الوطني كمشاريع منفردة للنقد حيث أن المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء وغيره من الباحثين قد قاموا بالفعل بتحليل وتوثيق مشاريع التنمية المختلفة التى تم تنفيذها على مدى الثلاثين عام الماضية، وأن ما هو مطلوب بالفعل هو إصلاح القوانين والسياسات على المستوى الوطني . وكما ذُكر في وقت سابق فقد وافق صندوق تطوير المناطق العشوائية مع معظم توصيات الجامعة الأمريكية على المشاركة وإشراك أصحاب المصلحة وعلى الإصلاحات التشريعية ولا سيما بالنسبة إلى الحيازة غير الآمنة من حيث صلتها بالمناطق غير الآمنة. من ناحية أخرى، كانت لديهم أعتراض على الإصلاح الإداري الذي أوصت به ورقة السياسات لإنشاء مجلس وطني للنهوض بالأحياء الفقيرة والذى من شأنه دمج صندوق تطوير المناطق العشوائية مع وزارة الدولة للتنمية المحلية. ذكر صندوق تطوير المناطق العشوائية أن مثل هذه الخطوة ستكون خطوة الى الوراء حيث أنهم حالياً يتمتعون بدرجة كافية من الاستقلالية فى إتخاذ القرار وبدعم مجلس الوزراء.
كانت مؤسسة معاً جزءاً من الندوة حيث أنها واحدة من الأمثلة الرائدة لمنظمات المجتمع المدني في تطوير المناطق العشوائية. تقوم المؤسسة ببناء مدينة معاً، تتكون من 3,000 وحدة سكنية تحت الإنشاء على أرض مساحتها 62 فدان في ضواحي القاهرة وبها مرافق عامة وخدمات وفرص عمل لإعادة تسكين قاطنى المناطق العشوائية غير الآمنة في القاهرة. إن فلسفة مؤسسة معاً فى التنمية مشابهة لتلك الممارسات التي تقوم بها الحكومة – الانتقال الى المدن الصحراوية – ولكنها تحاول معالجة واحدة من الانتقادات الرئيسية لذلك النهج، ألا وهى نقص الخدمات وفرص العمل. خلال جهودها الرامية إلى القيام بذلك، تتعامل المؤسسة مع ثلاثة محاور للتنمية؛ التعليم، والتدريب وفرص العمل، والقيم والسلوك. تم شرح المحور الأخير بصورة مبهمة أثناء العرض التقديمي على إنه “التنمية الأخلاقية والدينية. ” كما أشار العرض أيضاً إلى طريقة إنتقاء السكان الذين سيتم إعادة تسكينهم، ولكنها أيضاً تركت بدون توضيح. لم تكن هناك فرصة لمزيد من التوضيح بالنسبة لهاتين المسألتين نظراً لأن الوقت المخصص لجلسة المناقشة كان محدوداً.
كانت فترة المناقشة مثيرة للاهتمام رغم أنها وجيزة. وقد شمل الحضور خبراء في مجالات الإسكان، والتنمية الاقتصادية، ووكالات التمويل الدولية، بالإضافة إلى ممثلين عن محافظتي القاهرة والجيزة. دارت المناقشة حول ثلاث قضايا رئيسية: الإصلاحات التشريعية والإدارية على المستوى الوطني وعلى مستوى المحافظات، ودور القطاع الخاص في تطوير المناطق العشوائية ، وإصلاح نموذج العمل الذي يتبناه صندوق تطوير المناطق العشوائية.
تم اقتراح إدخال إصلاحات على النظام الإداري على المستوى الوطني وعلى مستوى المحافظات، بما في ذلك الإصلاحات التشريعية التى تهدف إلى اللامركزية وذلك لتمكين الإدارة على مستوى المحافظة والإصلاحات الإدارية لإزالة العقبات البيروقراطية التي تواجه جهود التنمية. وانتقد مسؤول محافظة الجيزة قلة عدد مشاريع صندوق تطوير المناطق العشوائية في محافظته، ودعا إلى مزيد من التعاون بين الصندوق والمحافظات لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة على المستوى المحلي من خلال وضع مبادئ توجيهية عملية وخطط للعمل. وقد أثار ايضاً العديد من الحضور موضوع تطوير نموذج عمل أكثر واقعية لتطوير المناطق العشوائية وذلك من أجل تأمين الموارد المالية اللازمة لمشاريع التنمية ، مع ضمان أن حقوق السكان لا تتعرض للخطر في أثناء هذه العملية. وأما القضية الثالثة التى أثيرت بخصوص أسلوب سير العمل فى الصندوق فقد كانت بشأن عدم كفاية التوثيق والنشر بالنسبة إلى المشاريع الحالية والمستقبلية، والحاجة إلى إجراء تحليل الأثر بالنسبة للمشاريع التى أنتهى العمل فيها.
ناقش العديد من المشاركين بما فيهم مؤسسة معاً ووحدة رفع المستوى العمرانى فى محافظة القاهرة أهمية التواصل مع القطاع الخاص وخلق الحوافز لديه لإدراجه ضمن أصحاب المصلحة النشطاء في عملية التنمية العمرانية والاقتصادية للمناطق المحرومة. تخلل النقاش أيضاً بعض تعليقات من باحثين أختزلوا أسباب مشكلة المناطق العشوائية إلى مجرد الهجرة الريفية وتجاهلوا تماماً الإحصاءات التي تظهر بوضوح أن النمو الطبيعي للسكان فى المناطق العشوائية والقاهرة ككل تفوق بكثير الزيادة السكانية الناجمة عن الهجرة من الريف.
وبصورة إجمالية فقد قدمت الندوة فرصة لمناقشة صريحة للاستراتيجية الوطنية لتنمية المناطق العشوائية كما أعطت الفرصة لمختلف أصحاب المصلحة في تنمية المناطق العشوائية لمناقشة أفكارهم ومخاوفهم بشأن الطريقة التى تسير بها المشاريع الوطنية. كان هناك عدد من الفرص لإدخال بعض التحسينات التي كان من شأنها أن تجعل هذه الندوة مثمرة بشكل أكبر. وقد لوحظ وجود مجموعة متنوعة من الحاضرين، على الرغم من غياب منظمات المجتمع المدني الرئيسية العاملة في هذا المجال1. وحيث أن الندوة كانت للمدعويين فقط، كان يمكن أن يكون أكثر فائدة للمشاركين أن يحصلوا على نسخة إلكترونية من توصيات ورقة السياسات مسبقاً حتى يكون هناك تركيز أكبر خلال المناقشة على التوصيات المقترحة. تقييد زمن المناقشة كان له أثر كبيرعلى ثراءها، حيث أن تنوع الحاضرين وتعقد هذا الموضوع كانا بحاجة إلى مزيد من الوقت لاجتياز مرحلة مناقشة الأعراض والتوصيات العامة إلى توصيات أوضح بالنسبة إلى السياسة. وأخيراً، فقد اتخذ صندوق تطوير المناطق العشوائية موقفاً دفاعياً عدة مرات حيال أي تعليق على ممارسات تنمية المناطق العشوائية ، وكان حساساً للنقد وحول المناقشة إلى سرد لإنجازاتهم.
استعراض ورقة سياسات الجامعة الأمريكية
يقع المستند فى حوالي 30 صفحة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، ويوصف بأنه مساهمة من قبل فريق العمل لتنمية المناطق العشوائية بالجامعة الأمريكية فى جهود الحكومة المصرية المستمرة لمعالجة “تحدي المناطق العشوائية على مستوى السياسة والتنفيذ”.
يبدأ المستند بتحليل للوضع ويقدم معلومات أساسية عن ظاهرة السكن العشوائي في مصر. فهو يؤكد أن التنمية العمرانية التى يتم التخطيط لها مسبقاً في مصر هى الاستثناء بينما العشوائى هو القاعدة، إذ أنه حتى في المناطق المخططة فإن العديد من المباني بها تنتهك قوانين البناء بطريقة أو بأخرى.
وفقاً للبيانات التي استشهد بها صندوق تطوير المناطق العشوائية فى ورقة السياسات، فإن حوالي 10-15% من المناطق العشوائية في البلاد تعاني من ظروف معيشية متدهورة، في حين أن الأغلبية (85 – 90%) في حالة جيدة. ومن ثم، وسيراً على خطى صندوق تطوير المناطق العشوائية ، يفرق المستند بين “المناطق التى لم يتم تخطيطها مسبقاً” و “الأحياء العشوائية.” تعطي ورقة السياسات لمحة عامة عن الاستجابات السابقة للدولة لتلك الظاهرة، وتذكر أنه في حين أن إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية ونهجه المعلن فى إعطاء الأولوية لأعمال التطوير في الموقع كلما كان ذلك ممكناً هو شئ إيجابي بالتأكيد، لكن يبقى التحدي “أن الحكومة المصرية لا تزال تتعامل مع المساكن على أساس حالتها المادية فقط .” وينص المستند على أنه من الضروري التعامل مع المناطق العشوائية من منظور سبل العيش باستخدام نهج شامل لمعالجة الفقر، ومهارات العمل، ورأس المال الاجتماعي.
بعد شرح تفصيلى لبعض النهج والاتجاهات العالمية، تحدد ورقة السياسات عدد من المبادئ لتطوير المناطق العشوائية ، بحيث انه يجب أن يكون محورها هو الأفراد وأن تكون تشاركية، وأن يتم إشراك جميع أصحاب المصلحة. كما يضع الخطوط العريضة للنهج المختلفة لتطوير المناطق العشوائية بدءاً من التطويرفى الموقع عن طريق توفير الموارد لسكان المناطق العشوائية لرفع مستوى منازلهم باستخدام استراتيجية الإسكان التزايدي. وتشمل الخيارات الأخرى إعادة التطوير في الموقع بحيث يبقي السكان فى نفس الموقع ولكن في توسعة جديدة من النوع الذي يسمح بأنشطة أخرى في نفس الموقع (مثل المقترح لمثلث ماسبيرو)، نقل الموقع الذى يتطلب نقل السكان الى موقع قريب (مثل مساكن سوزان مبارك فى الدويقة)، والنقل إلى موقع جديد (مثل مدينة هرم سيتي). وتقول ورقة السياسات أن هذا يجب أن يكون الحل الاخير وينبغى ان تؤخذ سبل المعيشة فى الاعتبار عند النقل.
أيضاً يذكر المستند باختصار النموذج المالي الذى يستخدمه صندوق تطوير المناطق العشوائية والذي يعتمد على نظام الصندوق الدوار بحيث يقدم التمويل للوكالات التنفيذية (للمحافظات بشكل أساسي) ويهدف إلى استرداد التكاليف الكاملة من خلال بيع أو الاستثمار في، الأرض التي تقع بها المناطق العشوائية. وينهي هذا الجزء بمناقشة لآليات التمويل ويقول أنه في حين أن نموذج الصندوق الدوار الذى يستخدمه صندوق تطوير المناطق العشوائية قد يكون مناسباً في بعض الحالات، إلا أنه لا يمكن أن يكون النموذج الوحيد المستخدم. ويعطى حي السلام في محافظة الإسماعيلية كمثال لذلك ، فهو يظهر كيف أن التمويل المحلي يمكن أن يعمل بشكل جيد وكيف تأثر المشروع سلباً عندما تولت وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية أمر الصندوق وصارت إدارته مركزية وأصبح لا يمكن الوصول إليه لكل من السكان والحكومة المحلية. بعد ذلك يقدم بعض نماذج دولية بديلة، ولكنه لا يخوض في مدى ملاءمة هذه النماذج للتطبيق في السياق المصري.
وإجمالاً فإن ورقة السياسات مقدمة بشكل جيد جدا وتعطى الكثير من المعلومات الأساسية المفيدة. فهى توفر أساساً متيناً فيما يتعلق بالمبادئ التي ينبغي أن تؤخذ فى الإعتبار عند وضع السياسات، وتعطي نظرة عامة على الاستراتيجيات السابقة، ولكنها تفتقد تحليلاً مفصلاً للسياسات والتشريعات القائمة، ما الذى نجح وما الذى فشل، وماذا يجب أن يتغير. بالإضافة إلى ذلك، كان يمكن لورقة سياسات الجامعة الأمريكية أن تكون أقوى لو أنها تطرقت إلى القضايا التالية:
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments