تلعب المنظمات غير الحكومية (NGOs) وغيرها من الأطراف الفاعلة الأخرى، مثل منظمات المجتمع المدني (CSOs) والناشطين في هذا المجال، دوراً هاماً في السياسة الخاصة بالمجتمعات والمدن والدول والبلدان في جميع أنحاء العالم. وما يحدث عادة هو أن تقوم المنظمات والأفراد بالتعاون فيما بينها، والتحرك معاً كائتلافات، في سبيل إحداث تغييرات على سياسة أو قانون ما قائمين بالفعل. ورغم أن الائتلافات ليست بأي حال من الأحوال شيئاً جديداً على مصر، فإننا نعتقد أنه مازالت هناك فرصة أكبر للعمل الجماعي بين الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني المصري، خاصة وأن الشكل الجديد للحكومة ووضعها في مجتمع ما بعد الثورة قد بدآ يتضحان الآن. إذاً ما هي الائتلافات؟ وكيف يتم تشكيلها؟ ما هي مكونات الائتلاف؟ وكيف تستطيع الائتلافات أن تصبح ناجحة؟ إن شكل الائتلافات ووظيفتها يتنوعان بتنوع أعضائها ومصادر تمويلها وحسب الظروف التي أدت إلى ظهورها. وحيث إن ثمة اعتبارات مشتركة تدخل في تشكيل أي ائتلاف، فإن هذه المقالة تحاول تسليط الضوء على بعضها، وكذلك الإشارة إلى مواضع الزلل المحتملة والسبل العامة لإنجاح ائتلاف ما.
على مدى السنوات العديدة الماضية، كان هناك فيض من النشاط في مصر حول قضايا الدمج ااجتماعي والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية. وإلى منظمات المجتمع المدني القائمة بالفعل والنقابات العمالية ووكالات التنمية التقليدية، انضمت مبادرات جديدة تركز على مجموعة متنوعة من القضايا، بدءاً من الاستدامة العمرانية والحفاظ على التراث، وصولاً إلى الفراغات العامة والمواصلات. وفي حين تعتمد المنظمات الأكثر رسوخاً على ما تمتلكه من رصيد من المعرفة المؤسسية والعلاقات السياسية والمهنية والموارد والخبرات، فإن عدداً من هذه المبادرات الجديدة يلجأ إلى طرق التمويل بالحشد ووسائل التواصل الاجتماعي والعروض الموجهة لعامة الناس، وذلك لجذب مزيد من التأييد لقضيتهم. وقد وجدت هذه المبادرات المفعمة بالحماس في الروح التي سادت ثورة يناير ما يدعم طموحها لإحداث التغيير الاجتماعي والسياسي المنشود.
إلا أن هذا الشعور بالتفاؤل لم يلبث أن تم القضاء عليه خلال الشهور الماضية. فلقد فرض الجيش نفسه من جديد على السياسة، وقام بشن حملة قمع واسعة باسم الأمن والاستقرار والصالح العام، بينما عمد إلى تحسين صورته بين أفراد الشعب من خلال مشاريع الإنشاءات العامة في نفس الوقت الذي وضع فيه قيوداً صارمة على وسائل الإعلام. ففى نوفمبر 2013 صدر قانون تنظيم حق التظاهر والذي يشكل في حقيقته أداة فعالة يمكن بها حظر الاحتجاجات في الشارع. وفي السجون يوجد الآن الكثير من الحقوقيين والصحفيين وقادة المعارضة، بينما بدأ بهدوء نفس الأشخاص الذين حاولت الثورة إزاحتهم العودة إلى مواقعهمالسابقة في السلطة واستعادة مكانتهم وامتيازاتهم الاجتماعية، أما بالنسبة لأفراد الشعب فقد أذعن الكثيرون منهم للأمر الواقع مبدين امتنانهم على حالة الاستقرار التي يعودون إليها.
ومع تلاشي الأمل في التغيير الاجتماعي، انزوت أيضاً تحركات الناشطين. فالناشطون الجدد يكافحون الآن من أجل الحفاظ على موطأ قدم لهم في بيئة سياسية قمعية، في حين ثبطت عزيمة الناشطين الأكثر خبرة من وضع طالما ألفوه جيداً. فمع المناخ السياسي الحالي في مصر، حيث تأخذ الأرض التي يقف عليها التيار المحافظ المتشكك بطبعه في اكتساب مزيد من الصلابة، بينما تنكمش أكثر فأكثر رقعة الحوار والاحتجاج؛ في مثل هذا المناخ فإن محصلة تأثير الناشطين كطرف سياسي فاعل تكون في تضاؤل مستمر. وفي الوقت الذي لا تزال فيه بعض المجموعات راغبة في تنظيم الاحتجاجات، فإن معظم المجموعات الناشطة لم تعد مستعدة لذلك، فلقد جعلت الدولة تكلفة النقد السافر عالية جداً، كما أظهرت قوات الأمن بوضوح استعدادها للجوء إلى العنف عندما تتم مواجهتها في الشارع. بينما في المقابل يدعم كثير من المصريين هذا التوجه للعنف من قِبل الدولة، ويرون أن هذه الممارسات الحالية من قبل الدولةهي من الواجبات الضرورية للحكومة لتحقيق الاستقرار.
أمام ما يحدث الأن ، تواجه الأطراف الفاعلة غير الراضية عن مدى التغيير الاجتماعي الحاصل منذ 2011، من ناشطين ومثقفين ونقابات ومنظمات غير حكومية وأطراف أخرى، السؤال نفسه: وماذا الآن؟
يرجع التأثير الذي حظيت به ثورة يناير 2011 إلى ثلاثة عوامل: الدعم الشعبي، الحشد، والتركيز على مطلب محدد، حيث قامت الثورة بحشد المواطنين المنتمين لكافة شرائح المجتمع خلف مطلب واحد هو تنحية مبارك. لكن نجاحها كان محدوداً لأنه تم التعبيرعن مطالب أخرى إما من حيث المبدأ فقط -العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة وحقوق الإنسان وما إلى ذلك- أو إذا كان قد تم التعبيرعنها بصورة أخرى، إلا أنها لم تتمتع بنفس الدعم الشعبي مثل الهدف الأساسي للثورة أو أنها قابلت مقاومة شديدة من الحكومة وأوساط النخبة الأخرى. فإذا كانت الثورة قد علمتنا شيئاً فهو أن العمل الجماعي أكثر فاعلية من العمل المنفرد، وأن التعاون بين مختلف الأطراف الفاعلة أمر ضروري لتحقيق التغيير الاجتماعي، وأن المطالب المحددة التي تندرج كلها تحت قضية واحدة هي أسهل في التحقيق لكنها لا تضمن التغيير الاجتماعي على نطاق أوسع، وأن الدعم المجتمعي الشعبي أقوى من دعم أقلية من المتحمسين أو المهنيين.
“هناك دلائل قليلة تدعم الاعتقاد بأن العمل غير المنظم المشترك بين فاعلين محليين متعددين (…) يستطيع سواء حل مشكلات مثل فشل السوق والدولة أو القيام بالتحدي الواسع للنخب السياسية السلطوية بما يكفي لانتشال أعداد كبيرة من الناس من الفقر والتبعية السياسية” (هوتزاجر 2003، 2). فالأطراف الفاعلة المستقلة والمتمترسة بأماكنها لا يمكنها أن تتحدى بنية السلطة المسيطرة أو أن تحاول تغيير سلوك الدولة دون المزيد من العمل الجماعي.
لم يكن الهدف من الوصف لبيئة ناشط ما بعد الثورة في بداية هذا المقال هو أن يوحي بوجود شقاق بين القديم والجديد، ولكنه لتوضيح التكامل بين تلك المجموعات والإمكانية الكامنة للتعاون فيما بينهم. فالمبادرات التي ولدت من رحم الثورة يمكنها أن تستفيد من خبرة المنظمات التي طالما عملت في ظل أنظمة سابقة، كما أن المنظمات الأقدم عهداً يمكن أن يكون في صالحها أن تتبنى ابتكارات الناشطين الجدد وأساليبهم غير التقليدية. وقد تتنافس الأطراف المعنية بقضية ما لفرض إصلاحاتها الخاصة عن طريق التفاوض مع مؤسسات الدولة بشكل منفرد، وقد تطبق تلك الإصلاحات ولكنها تبقي محدودة مقارنة بالرؤي العامة لباقي الأطراف المعنية. بينما تكوين ائتلافات قائمة علي العلاقة التكاملية وليست التنافسية بين أطراف المجتمع المدني سيجعلها قادرة علي تحقيق إصلاحات أشمل لقدرتها على إدارة المصالح المتعارضة سواء داخل المجتمع أو ما بين المجتمع والدولة.
تستطيع الائتلافات أن تكون أداة قوية يمكن للأفراد والمنظمات من خلالها تحقيق التغيير الاجتماعي، حيث غالباً ما تأتي الائتلافات في صدارة الحركات الاجتماعية لأن كليهما –الائتلافات والحركات الاجتماعية– يعمل ضد المحلية المفرطة والتفتت اللذين يتسم بهما المجتمع المدني، وضد نزعة منظمات المجتمع المدني إلى أن تنأى بنفسها عن الحكومات لتجنب إما القمع أو محاولات استقطابها. لقد نجحت الحركات الاجتماعية المهتمة بالعمران، في أنحاء متفرقة من العالم، في إعادة تشكيل البيئة السياسية المحلية والإقليمية والقومية حولها، وفي إعادة تعريف أجندة العمل الاجتماعي، كلٌّ في بلده، بدءاً من حركة الحق في تناقل المعلومات في الهند التي أدت في عام 2005 إلى إصدار قانون وطني يتيح الحصول على المعلومات، إلى الحركات العمرانية الشعبية في المكسيك التي لعبت دوراً أساسياً في إصدار ميثاق مكسيكو سيتي 2010 حول الحق في المدينة.
فهل يمكن أن يحدث مثل هذا التغيير في مصر؟ ففيما بين ممارسات القوى السياسية في مصر ومثيلاتها في بلاد مثل المكسيك والبرازيل والهند –حيث تحقق الائتلافات أو الحركات الاجتماعية من آن لآخر نجاحاً في إحداث تغيير اجتماعي فيما يخص قضايا العمران– ثمة أوجه عديدة للتشابه. فالتأثير الذي يحظى به بعض المواطنين من المنتمين للطبقة العليا والأكثر ثراءً بالمجتمع على وضع التشريعات والقوانين واللوائح والقرارات التي تتخذها الحكومة لا يبدو متناسباً مع درجة تمثيلهم بين أفراد المجتمع، والفساد يستشري في المجتمع بجميع مستوياته، والامتيازات التي تتمتع بها الشركات الكبرى تأتي على حساب المخاوف التي يبديها المجتمع تجاهها، كما أنه في كثير من الأحيان تقوم الحكومات المحلية بإعطاء الأولوية للاستثمار الأجنبي قبل المصلحة العامة سعياً لتحقيق نمو لإجمالي الناتج المحلي. لكن من جهة أخرى، وعلى الرغم من أوجه القصور الموجودة نسبياً في هذه البلدان، تعتبر كل من المكسيك والبرازيل والهند من البلاد الديمقراطية، ففي تلك المجتمعات العمل الجماعي، والنقاش العام المفتوح، والاحتجاجات، والنشاط السياسي؛ كلها ممارسات لها جذور متأصلة بها، والحكومات المحلية هناك خاضعة للمساءلة أمام مواطنيها، والأحزاب السياسية قوية ومتنوعة.
يتسم السياق السياسي في مصر بأنه أكثر انغلاقاً بصورة ملحوظة، كما أن ثقافة العمل الجماعي واسع النطاق لم تترسخ بعد، على الرغم من تزايد الحركات الاجتماعية في السنوات الثلاثة الماضية، وتقاوم المؤسسات السياسية التغيير بشدة، والأعضاء المنتخبون فيها انتخاباً مباشراً هم فقط نواب البارلمان ورئيس الجمهورية. ونتيجة لذلك، فإن المسؤولين الحكوميين يصبحونمساءلين أمام السلطة التنفيذية أكثر منهم أمام الشعب. وفي هذه اللحظة، تبدو آليات عمل الدولة/المجتمع في مصر اليوم معقدة للغاية وغير قابلة للتنبؤ بها. فإن كان هذا هو سياق السياسة بداخل مصر، فهل ثمة صلة بين الماضي القريب للعمل الجماعي والمناخ الحالي في مصر؟ وهل خبرات الائتلافات الأخرى من العالم لها صلة بالحالة المصرية؟ إن ما يلي في هذه المقالة لا ينبغي النظر إليه بوصفه “دليل استخدام” عن العمل الجماعي يجب تطبيقه بصورة حرفية، وإنما باعتباره خلاصة مستمدة من الخبرات المختلفة لعدد من الائتلافات، تضم مجموعة من “أفضل الممارسات” من بلدان وسياقات عديدة، وعدد من القضايا التي لا يمكن أخذها هكذا واستنساخها بكل بساطة. ومع ذلك، فالمقال يسلط الضوء على عدد من أنماط المشاركة الجماعية الناجحة في مصر ودول أخرى، والتي قد نجدها مفيدة في وضع استراتيجيات العمل الجماعي.
الائتلافات هي مجموعة من المنظمات والمبادرات أو الأفراد الذين يوافقون على العمل معاً لهدف معين من شأنه تحقيق تغيير اجتماعي (تاترسال 2013). وهي «استراتيجية ديناميكية وقوية قادرة على تحقيق التغيير الاجتماعي وتعظيم قوة المنظمات التي تشارك فيها» (تاترسال 2013، لوك 2605). ولكي تكون الائتلافات فعالة يتعين عليها أن تستفيد مما يقدمه أعضاؤها من موارد واهتمامات وخبرات لبناء الدعم السياسي لقضيتهم.
وتختلف الائتلافات تبعاً لطريقة تشكيلها، وحجمها، وعمرها. فهناك “ائتلافات خطابية” ينحصر الهدف منها في نشر قضية واحدة و’أعضاؤها’ لا يفعلون شيئاً أكثر من إضافة توقيعاتهم على خطاب عادة ما يكون موجهاً إلى مسئول عام (تاترسال 2013). وهناك، على الطرف الآخر النقيض لهذا النوع من الائتلافات، توجد ائتلافات لها طبيعة مستديمة تنطوي على درجة عالية من التعاون والقوة والمشاركة بين أعضائها. قد تكون الائتلافات عبارة عن تحالفات واسعة النطاق تضم عضويتها مئات من المنظمات التي لديها جذور عميقة في مجتمعاتها المحلية، وفي هذه الحالة فإن تلك الائتلافات تستمد قوتها من كبر حجمها هذا، أو أنها قد تكون محدودة مكوّنة من مجموعة من المهنيين والأكاديميين العاملين في مستويات عالية من الحكومة أو في داخل المجتمع المدني بغرض تحقيق التغيير الاجتماعي. على سبيل المثال، يتكون منتدى المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان (FIHRO) من 19 منظمة من منظمات حقوق الإنسان التي تعمل على أعلى مستويات صنع السياسات في مصر، وقد أصدرت تلك المنظمات بعد فترة وجيزة من سقوط حسني مبارك خارطة طريق مشتركة لبلد الحقوق وسيادة القانون، كما عملت مؤخراً على إصدار تقرير مشترك عن حالة حقوق الإنسان في مصر لمكتب الأمم المتحدة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان (OHCHR).
وبغض النظر عن تشكيلها أو الغرض منها، فإن الائتلافات ما هي إلا شكل من أشكال العمل الجماعي. وكثيراً ما يستخدم مصطلح “ائتلاف” بالتبادل مع تحالف، أو اتحاد، أو شبكة. وتشمل الأعمال الجماعية أو المبادرات التعاونية الأخرى شبكات تبادل المعلومات مثل منصة المبادرات العمرانية بالقاهرة التابعة لـ Cluster، أو المجالس التنسيقية التي من شأنها أن تضم عدة منظمات مكملة لبعضها البعض تتآزر معاً في قضاياها، مثل ائتلاف الإصلاح العمراني الذي تم تشكيله حديثا،* أو الائتلافات التي تركز على توفير المعلومات وزيادة الوعي حول موضوع معين مثل التحالف المصري لمحاربة الالتهاب الرئوي.
إن أي ائتلاف له ثلاثة مكونات: أعضاء ملتزمون بالقضية التي يتبناها الائتلاف، قضية مُجمع عليها بين أعضاء الائتلاف يمكنهم أن يقوموا بالعمل عليها، وخطة عمل مشتركة لتوجيه الأعضاء من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي.
الأعضاء: من ينتمي إلى الائتلاف؟
إن الأعضاء هم أساس الائتلاف، ونجاحه يعتمد على التزام أعضائه برسالة الائتلاف وقدرتهم على التعاون مع بعضهم البعض في سبيل أهدافهم. والاختيار الصحيح للأعضاء هو ما يصنع منهم ائتلافاً أو يتسبب في انفصام عرى هذا الائتلاف.
هناك نهجان لبناء عضوية الائتلاف: نهج مفتوح ونهج “الأقل عدداً والأكثر فاعلية”. تقوم فلسفة النهج المفتوح على أنه كلما تزايد عدد أعضاء الائتلاف كلما كان ذلك من الأفضل له. فقدرة الائتلاف تتحدد بما يملكه أعضاؤه من قدرات، لذا فوجود عدد أكبر منهم يعني مزيداً من الموارد والمهارات الفنية والخبرات المتوفرة للائتلاف كي يستفيد منها، أي أن الائتلاف سيكون أكثر نجاحاً. والائتلافات التي تعتمد هذا النهج تستمد قوتها في التأثير على صناع القرار من تنوع الأعضاء بداخلها، وقدرتها على جذب المزيد منهم للانضمام إليها، واتساع دائرة أنصارها.
أما نهج “الأقل عدداً والأكثر فاعلية” فيرى أن مردود عمل الائتلاف يأخذ في الاضمحلال كلما تزايد عدد أعضائه. وتعتبر الائتلافات التي تضم عدداً أقل من المنظمات لكن مع مشاركة أعمق لها هي أسهل في البناء والإدارة والحشد، فهي أكثر مرونة وفعالية في دعوة الناس لتبني قضاياها. وفي كثير من الأحيان، كلما انخفض عدد المنظمات المشاركة في الائتلاف ارتفع احتمال أن يتحقق الاتفاق على مجموعة أوسع من القضايا، كما يتراجع أكثر احتمال أن من يقوم بأعباء الائتلاف بأكمله هم بضع منظمات معدودة بينما يكون معظم الأعضاء من المنظمات الأخرى مجرد متطفلين (تاترسال 2013).
وفي مصر، حيث تخضع بيئة العمل السياسي للتقييد الشديد، ثمة اعتبارات أخرى يتعين مراعاتها عند المفاضلة بين الأنواع المختلفة من الائتلافات. فبينما الائتلاف القائم على عضوية أكثر ما يمكن من الأعضاء قد يمتلك قوة عددية ودعماً واسع النطاق، مما يجعل الحكومات في مصر أكثر تردداً في اتخاذ اجراءات صارمة إزاء هذا النوع من الائتلافات، إلا أن الائتلاف الأصغر حجماً قد يستطيع في المقابل الإفلات من الرقابة الحكومية وامتلاك القدرة على العمل خلال القنوات غير الرسمية للسلطة.
وهنا تظهر مسألة أيديولوجية هامة لأعضاء الائتلافات العاملة في مصر، حيث يعرف الجميع أن إحدى المشكلات التي لها جذور عميقة في النظام السياسي المصري هي إتاحة الفرصة، عبر قنوات غير رسمية للسلطة ومنظومة هرمية من الوسطاء يزدهرون على المحسوبية والمحاباة، لاكتساب نفوذ سياسي أو الحصول على نصيب من الموارد العامة (سيلي 2011). فالبراجماتية السياسية، حيث تكون النتائج هي كل ما يهم، تملي على الائتلافات أن تعمل ضمن النظام القائم إذا كانت هناك فرصة معقولة للوصول إلى أهدافها، حتى لو كان ذلك يعني المجازفة بأن يكون ذلك إقراراً للتحيز الكائن في البنية غير الرسمية للسلطة. أما في حالة المثالية السياسية، حيث قد يصر الائتلاف على العمل من خلال القنوات الرسمية للسلطة، فإنه هنا يخاطر بأنه قد لا يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة بسهولة. ففي دراسة أجريت على ستة ائتلافات نسوية في مصر والأردن، نشرت قبل الثورة عام 2011، وجدت تادرس أنه من الضروري العمل “بهدوء” من خلال الشبكات والاتصالات للتأثير على كل من القوى السياسية والسلطة الرسمية وغير الرسمية (2011).
وسواء كان الائتلاف يتبنى نهجاً لفتح عضويته أو نهج “الأقل عدداً والأكثر فاعلية”، فإن عملية اختيار الأعضاء الأساسيين يجب أن تتم على أساس إستراتيجي. ففي حالة الائتلافات الصغرى التي تكون على مستوى مجتمعها المحلي، ينبغي أن تقوم العلاقة فيها بين الأعضاء على المعرفة الوطيدة والثقة المتبادلة فيما بين بعضهم البعض. أما الائتلافات الكبرى التي تكون على المستوى الإقليمي أو القومي، فإنه قد يتم تقديم نفس النصيحة إليها، ولكن توصية تاترسال أنه في حالة هذا النوع من الائتلافات الأفضل أن يتم اختيار منظمات لديها سجل حافل في مجال الدعوة للقضايا المجتمعية، والتي أثبتت قدرتها على الحشد الجماهيري وإحراز النجاح (2013). وهنا قد تتمكن بعض الأطراف الفاعلة الأقدم بالمجتمع المدني في مصر من تطبيق خبرتها المؤسسية على الائتلافات ومساعدة الأطراف الفاعلة الأحدث للتكيف مع البيئة السياسية.
بالإضافة إلى المنظمات، فإن الائتلافات قد ترغب في إشراك أشخاص رئيسيين أيضاً؛ وهؤلاء يشملون:
الأشخاص الأكثر تأثراً بالقضية التي يتصدى لها الائتلاف: إن الائتلافات التي تسعى لتحقيق التغيير الاجتماعي تعمل بالنيابة عن شخص ما. فائتلاف الإسكان على سبيل المثال يعمل ربما من أجل أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على المسكن الملائم أو أولئك الذين يواجهون الإخلاء القسري بسبب افتقارهم إلى الحيازة الامنة للأرض. أما الائتلاف الصحي مثلاً فقد يعمل من أجل أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية أو يعانون من الحالة الرديئة التي صارت عليها مرافق الصرف الصحي في مناطقهم. وبغض النظر عن القضية التي يتبناها الائتلاف، فإنه يجب عليه أن يضم أشخاصاً أو منظمات تمثل الفئات الأكثر تأثراً بالقضية المطروحة، ليس فقط لأن هؤلاء الأعضاء سيأتون للائتلاف ومعهم ما لا يقدر بمال من وجهات النظر، ولكن أيضاً لأنه قد لا يوجد من هم أقوى منهم دعماً للقضية. ففي أغلب الأحيان يتم تأسيس الائتلافات وقيادتها من قِبل مهنيين تلقوا تعليماً عالياً ولديهماتصالات بمؤسسات دولية وجهات للتمويل. وعلى الرغم من أن مثل هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا في غاية الأهمية لنجاح الائتلاف، إلا أنهم عادة لا يكونون من الواقعين تحت التأثير المباشر للقضايا التي يحاول الائتلاف معالجتها. وبدون أن يتم تمثيل فئة المستفيدين تمثيلاً كافياً، فإن الائتلاف قد يفتقر إلى الشرعية المستمدة من الأفراد الذين يدعي أنه يمثلهم.
واضعي سياسات وقادة للمجتمع المحلي: واضعو السياسات، قادة المجتمع، رجال الأعمال، وأصحاب الرأي، كل هؤلاء يمكنهم أن يكونوا مفيدين للائتلاف، كذلك القادة الناشئون -خاصة الشباب- الذين قد يكونون بالغي الفائدة له. فمن خلال واضعي السياسات والمسئولين الحكوميين وقادة الأحزاب السياسية، نظراً لما يتمتعون به من دعم واسع وعلاقات نافذة، يمكن للائتلاف أن يتصل مباشرة بصانعي القرار؛ وهؤلاء بالطبع من أكثر الشخصيات التي يمكن أن تساعد في تحقيق أهداف الائتلاف. غير أن بعض واضعي السياسات وقادة المجتمعات المحليين قد يؤدي ضمهم للائتلاف إلى خلق استقطابات وصراعات سياسية بداخله؛ لذا يتعين على أعضاء الائتلاف إدراك الانعكاسات السياسية المترتبة على إشراك أي شخصية أو قائد، كما ينبغي بذل كل جهد ممكن لضمان أن هؤلاء السياسيين وقادة المجتمع لن يحاولوا استغلال الائتلاف لتحقيق برنامجهم هم السياسي.
أكاديميين: الأكاديميون، وخاصة أولئك الذين يجمعون بين صفتي الباحث والناشط، قد يمثلون إضافة ذات قيمة بالنسبة إلى أي ائتلاف، وذلك لما يمتلكون من معرفة متعمقة حول قضية ما قد تدخل في نطاق اهتماماته، حيث يمكن أن يكون لهم دور في صياغة الحجج التي يرد بها الائتلاف على منتقديه أو مهاجميه، وفي المساعدة على جمع البيانات وتوظيفها بحيث تعزز من موقفه، وفي تقديم الإطار النظري اللازم لمقاربة القضية أو اتخاذ تكتيكات معينة للتعامل معها. لكن الأكاديميين يميلون إلى تعقيد القضايا، وقد يبدون استعداداً أقل للعمل عن سائر الأعضاء بالائتلاف.
ناشطين ذوي خبرة: في مجال الائتلافات لا يوجد ما يعوّض نقص الخبرة، فالناشط صاحب الخبرة هو وحده الذي سيكون على دراية كافية بمختلف التقنيات والأساليب التي قد تجدي في ظروف معينة أو تلك التي لن تجدي فيها نفعاً. غير أنه من المهم أيضاً أن يفسح الائتلاف المجال للتجريب سواء في مقارباته للقضايا أو في تكتيكاته معها، خاصة في بيئة دائمة التغير سريعة التحول كما هو الحال في مصر.
أناس من خارج مجالك: التنوع مهم في الائتلافات. وكلما كانت عضوية الائتلاف أكثر تنوعاً، كلما تمتع بجاذبية واسعة الانتشار. فإذا كنتَ ائتلافاً يعمل مثلاً على رفع معايير التعليم لتلاميذ المدارس الابتدائية، فأشرك معك أطباء بوسعهم توضيح العلاقة الطردية ما بين المستوى التعليمى و الصحة العامة أو أن تضم إليك رجال أعمال يحتاجون إلى عمالة ماهرة لتحسين القدرة التنافسية لشركاتهم. وإذا كنتَ ائتلافاً تقوم مثلاً بالدعوة إلى زيادة استخدام الغاز الطبيعي في الصناعة، فمثلما تقوم بإشراك أنصار الحفاظ على البيئة والنقابات العمالية الصناعية، عليك أيضاً إشراك منظمات تمثل المجتمعات الحضرية أو المناطق الزراعية الواقعة في نطاق المصانع أو المتأثرة بتلوث الهواء الناجم عنها. إلا أن التنوع لا ينبغي أن يكون غاية في حد ذاته، إنما هو وسيلة لتعزيز الائتلاف، فالتنوع المبالغ فيه قد يضعف الغرض الأساسي من الائتلاف.
اهتمام مشترك
يجب أن يتشارك أعضاء الائتلاف هماً واحداً مشتركاً، وهو ما يتجلى في الطريقة التي يعمل بها الائتلاف على ثلاثة مستويات تعتبر من أساسيات عمل الائتلافات: النظام المؤسسي للمنظمات المشاركة وأعضاء المنظمات ، وعامة الجمهور. كما ينبغي أن يكون هناك تقاطع بين القضية المشتركة للائتلاف والمصالح الخاصة لكل من المنظمات المشاركة. وخلافاً للاعتقاد السائد بأن المشاركة في ائتلاف تتطلب إنكاراً للذات من قبل الأعضاء، فإن الائتلافات تكون أقوى عندما تعكس المصالح الخاصة والمشتركة بين المنظمات المعنية (تاترسال 2013). وفي هذا صدى لكتابات سول ألينكسي عن تنظيم المجتمع والتي حث فيها منظمي المجتمع على التعرف على المصالح الخاصة بدوائرهم واستخدامها كقوة محفزة (الينكسي (1971.
قد يكون الاهتمام والمصالح الخاصة المشتركة داخل الائتلاف كافية لتحقيق تغييرات ثانوية في السياسات الحكومية، لكنها ليست كافية لإحداث تغيير اجتماعي أوسع. فتغيير بهذا الحجم يتطلب حشد تأييد الرأي العام، ولهذا السبب فإن الائتلافات الأكثر نجاحاً هي تلك التي تتواءم اهتماماتها المشتركة الداخلية مع المصلحة العامة بدرجة كبيرة. هذا لا يعني أن الائتلافات يجب أن تكون كبيرة لتحرز نجاحاً، فالدعم المباشر من الجمهور ليس ضرورياً ليكون الائتلاف أكثر نجاحاً بقدر أن تكون قضيته ممثلة لمصلحة عامة.
خطة العمل المشتركة
تتطلب خطة العمل تركيزاً على سير العمل فيها بنفس قدر التركيز على المخرجات. وتأتي خطة العمل بعد وضع أهداف الائتلاف وغاياته الاستراتيجية، وينبغي أن تستفيد من مختلف القدرات والخبرات والموارد المتوفرة بداخل كل منظمة من المنظمات الأعضاء. ورغم أن ثمة طرق عديدة يمكن من خلالها التوصل إلى وضع خطة للعمل، إلا أن هناك مجموعة محدودة من أفضل الممارسات في هذا المجال والتي ينبغي أخذها في الاعتبار:
كُنْ منفتحاً: فالائتلافات ليست شكلاً حكومياً من أشكال المشاركة النيابية، وإنما هي تعمل على أساس أن القرارات يجب اتخاذها بالإجماع، فإذا تم معظم الوقت تجاهل وجهات نظر المنظمات أو آرائهم، فإن تلك المنظمات لن تبقى طويلاً في الائتلاف.
كُنْ إيجابياً: انتهاج لهجة إيجابية عند مخاطبة الرأي العام يكون له أبلغ الأثر، وهذا هو ما يُعرف في علم النفس ونظرية الحركة الاجتماعية بـ أثر التأطير. مثال على ذلك ما حدث في الولايات المتحدة من حملات كان عدد من الناشطين هناك قد شنها ضد الشركات الكبرى التي تقاوم الزيادات في قوانين الحد الأدنى للأجور، حيث قاموا بتشويه سمعة تلك الشركات عن طريق تصويرها كغير منصفة وغير عادلة واستغلالية، إلا أن هذه الحملات لم تلقَ نجاحاً يذكر، بل أن تلك الشركات ومعهم مجموعة من السياسيين تمكنت من تهميش أولئك النشطاء من خلال الادعاء بأنهم قد تعرضوا لحملة ظالمة من قبل ناشطين يحملون ضغينة ما ضدهم. لم يبدأ الناشطون يصادفون قبولاً لدى الرأي العام الأمريكي حتى غيروا من خطة عملهم، وقاموا بإعادة صياغة قضيتهم باستخدام عبارات أكثر إيجابية. وبدلاً من إدارة حملة ضد الشركات والسياسيين الداعمين لها، قام الناشطون بالدعوة إلى ما يسمى “أجر للمعيشة”، أي ما هو ضروري للناس لضمان عيش حياتهم بكرامة. وهنا صارت الشركات والسياسيون الداعمون أقل استعداداً بكثير للظهورعلانية بصفتهم ضد “أجر المعيشة”. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية لاقى الناشطون هناك قدراً أكبر من النجاح نتيجة لهذا النهج.
تعامل بمرونة وأفسح المجال للتجريب: تحديد الأهداف والاستراتيجيات والتكتيكات في الائتلاف تحديداً حصرياً ودقيقاً جداً من شأنه أن يطرح تحديات ما أن تنشأ ظروف مختلفة، بينما تعدد الصياغات لقضايا الائتلاف يمكن أيضاً أن يترك الباب مفتوحاً أمام المنظمات الأخرى.
لا تفرض ضغوطاً على الائتلاف: لا يُفترض بالائتلافات أن تخدم كل مصالح جميع المنظمات المشاركة. فأهداف الائتلاف ينبغي أن تكون محددة بصورة جيدة ومركزة وتحظى بالإجماع. إن كانت إحدى المنظمات لها أهداف خارج نطاق الائتلاف، لتقم حينئذ تلك المنظمة بإنشاء ائتلافها الخاص، فلا يصح إجبار الائتلاف على تبني أهدافها هي.
يتم بناء الائتلافات على أساس من التواصل والثقة بين المنظمات الأعضاء. ومع ذلك تعتبر الصراعات والتوترات بين الأعضاء أمراً لا مفر منه. أن يتم توقع المصادر المحتملة للصراع داخل الائتلاف أثناء تشكيله يمكن أن يساعد في تفادي الانقسامات الداخلية في المستقبل، وتعزيز العلاقات بين المنظمات الأعضاء. وهنا قائمة بالتحديات المشتركة التي قد تواجهها الائتلافات أثناء تشكيلها:
الاستقلالية التنظيمية: العديد من المنظمات تأتي إلى الائتلاف ولديها قلق من فقدان استقلاليتها، أو أن عملها سيُنسب الفضل فيه إلى آخرين معها، أو أن التفاصيل الخاصة بفئاتهم المستهدفة ستكون متاحة للمنظمات الأخرى، أو أنها ستتقاسم معها التمويل. هذه كلها قضايا يجب معالجتها من البداية. يجب على المنظمات المشاركة فهم ما هو متوقع منها، وينبغي أيضاً أن ترى كيف أن الائتلاف ستجعلها أقوى وليس أضعف.
صلات ضعيفة مع المجتمع/الدائرة المستهدفة: باستثناء ائتلافات الخبراء الذين يكون لديهم إمكانية كافية للوصول بصفة شخصية لصناع القرار، فإن الائتلاف يتطلب صلات قوية مع الأشخاص الأكثر تأثراً بقضيته. فإن كانت المنظمات الأعضاء ليس لديها بالفعل وجود قوي في المجتمع المستهدف وليس لديها كذلك القدرة على حشدهم، فإن توسيع دائرتها ينبغي أن يكون من بين أهم أهداف الائتلاف التي يجب أن تحققها في أقرب وقت.
القدرة التنظيمية: العديد من الائتلافات تعاني من عدم القدرة على “الإقلاع بنجاح” نتيجة لعدم وجود القدرة التنظيمية لديها. ولذلك ينبغي على المنظمات الأعضاء أن تراعي تقاسم المسؤولية فيما بينها، ربما حتى يتم تعيين موظف خصيصاً لتنسيق أنشطة الائتلاف واتصالاته (فيما سيلي، المزيد حول التعاقد مع موظف). الائتلافات لا تقوم بتنظيم أنفسها، والمنظمات الأعضاء لن تأخذ تلك المسؤولية على عاتقها هكذا طواعية دون موافقة من الأعضاء الآخرين.
تجارب سابقة سيئة: كل من المنظمات والأفراد أو المجتمع المستهدف يجلب معه كل تجاربه السابقة حين الحضور إلى طاولة الائتلاف. قد تعتقد بعض المنظمات أن العمل معاً ليس مجدياً أو أن الوضع ميؤوس منه، وربما يكون بعض الأفراد قد سبق لها العمل مع منظمات أو ائتلافات كانت قد وضعت خططاً كبيرة لم تؤتِ ثمارها. ففي بعض المجتمعات، حيث استمرت منظمات دخيلة عليها تدلي بدلوها على مدى عقود، فإن سكانها ربما يصبحون متشككين أو متشائمين حيال إمكانية حدوث أي تغيير جوهري.
المهنيون، وأولئك الذين يعرفوا كل شيء، والمنقذون: الائتلافات تزدهر على تنوع الرؤى والمهارات والمعرفة التي يجلبها كل عضو الى مائدة الحوار. في كثير من الأحيان، يتقرب إلى الائتلاف أفراد لديهم درجات علمية عالية، أو ذوو خبرة مهنية، أو من كبار رجال الأعمال والسياسة، لديهم مجموعة جاهزة من “الأجوبة” لكل “المشاكل” التي تواجهها الفئة التي يستهدفها الائتلاف، ويحاول هؤلاء الأفراد استخدام الائتلاف لتنفيذ جدول أعمالهم هم الخاص؛ هؤلاء قد تكون مساهمتهم وخبراتهم في كثير من الأحيان لا تقدر بثمن، لكن يجب أن يمثلوا مجرد وجهة نظر واحدة من بين العديد، كما ينبغي أن يتم كبح جماح طموحات الأفراد من هذا النوع.
التمويل: الحاجة إلى الموارد المالية هو احتياج واضح ومن السهل تفهم صعوبة الحصول عليها. الائتلافات التي لديها اكتفاء ذاتي من خلال مساهمات الأعضاء تضمن استطاعتها أن تضع جدول أعمالها بنفسها وأن تعمل بالأساليب التي تناسبها. لكن ليس كل الائتلافات قادرة على القيام بذلك، وهنا يصبح التمويل الخارجي ضرورة. إلا أنه حينما يقبل الائتلاف تمويلاً ما، فمن المهم أن يفهم ما هي القيود، والتوقعات، أو الالتزامات التي تأتي مع هذا التمويل. فالسياسات المحيطة بمسألة التمويل قد تدفع الائتلاف أحياناً في اتجاهات لم يحسب لها حساباً أو غير مرغوب فيها. في مصر، تكون الائتلافات التي تقبل تمويلات من المؤسسات الغربية على وجه الخصوص معرضة للانتقادات، وهي هدف سهل لنظريات المؤامرة والآراء المعادية للأجانب، والتي باتت سمة مشتركة في المشهد الإعلامي اليوم. من المهم أيضاً أن يعرف الائتلاف تاريخ علاقات الجهة المانحة مع الائتلافات الأخرى. هل ستبقى الجهة المانحة على مسافة من الائتلاف وتسمح له أن يعمل بشكل مستقل؟ أم ستطلب منه أن يتخذ جدول أعمال جديداً؟ للجهات المانحة أيضاً بعض الفوائد الواضحة. فهي أولاً قد تكون لديها خبرة مؤسسية طويلة من خلال العمل مع الائتلافات الأخرى في جميع أنواع البيئات السياسية. ثانياً، والأهم، فهي يمكن أن تساعد في كثير من الأحيان في إيجاد الظرف السياسي الذي يمكّن الائتلاف من التشارك مع صناع القرار في الحكومة بصورة مباشرة. على سبيل المثال، في الأردن، قام المجلس الثقافي البريطاني بتمكين عقد حوار داخل الوكالات الحكومية وبين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وقد كان هذا حاسماً لإنجاح الائتلاف من أجل حماية الأسرة من العنف (تادرس 2011).
المسؤوليات والالتزامات: في بعض الأحيان تنضم المنظمات الى ائتلاف ما وهي تتوقع أن تستخدم منصة الائتلاف في تعظيم رسالتها الخاصة، وتعجز عن تمييز الالتزامات التي تأتي جنباً إلى جنب مع عضوية الائتلاف. وكما هوالحال في أي نشاط جماعي، ينبغي أن تكون مسؤوليات كل منظمة والتزاماتها والتوقعات منها واضحة من البداية، كما يتعين وضع آلية لمساءلة الأعضاء عن التزاماتهم.
إعداد جدول الأعمال: في بعض الأحيان تنضم المنظمات للائتلافات وتكون مقتنعة بقيمة العمل الخاص بها، ولكنها تفشل في إدراك قيمة العمل الذي تقوم به المنظمات الأخرى. يجب أن يعكس جدول أعمال الائتلاف المناطق التي تتداخل فيها المصالح الذاتية لجميع المنظمات المعنية. ولا ينبغي أن يكون على أي عضو التضحية بمصالحه الذاتية الخاصة لكي يتمكن من المشاركة. ولكن، في الوقت نفسه، إن كان أحد الأعضاء يشعر أن مصالحه مهمشة دائماً، أو أنها ليست في صلب ما يسعى الائتلاف لتحقيقه، فإنه يتعين عليه أن يقوم بإعادة تقييم فائدة المشاركة في الائتلاف.
يعتبر اتخاذ القرارات الجماعية من صميم عمل الائتلاف. والطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات وفعالية الاتصال داخل الائتلاف يلعبان دوراً هاماً في احتمالات نجاح الائتلاف. وتنعكس عملية صنع القرار في بنية الائتلاف. فيجب على البنية أن تراعي من الذي لديه سلطة اتخاذ القرارات داخل الائتلاف، ومن المخول له التحدث نيابة عن الائتلاف، وما هي القواعد التي تحكم عملية صنع القرار، وما هي آليات حل المنازعات. هذه أسئلة مهمة، وإن تركت دون إجابة يمكن أن تؤدي إلى نهاية سريعة للائتلاف. وأياً كانت الإجابات، يجب على أعضاء الائتلاف أن يسعوا جاهدين لبناء علاقات قوية تقوم على الثقة بين بعضهم البعض، بحيث يمكن أن تتم معالجة أي خلافات قد تنشأ بخصوص تلك الأسئلة.
من الذي يتخذ القرارات؟
من الذي يتخذ القرارات نيابة عن الائتلاف؟ معظم الائتلافات، كبيرها وصغيرها، يكون لديها لجنة تيسير هي التي يكون منوطاً بها سلطة اتخاذ القرار لتوجيه العمل الجماعي. وتتولى لجان التيسير الأمور المتعلقة بالاستراتيجية والتوجهات والتخطيط. بالنسبة للائتلافات الجديدة، فليس هناك حاجة ملحة للجنة تيسير رسمية، نظراً لأن كل من يشارك في الائتلاف سوف يشارك بشكل مباشر في عمليات صنع القرار. لكن عندما يبدأ الائتلاف في النمو قد تصبح هذه المجموعة الأساسية من أعضاء الائتلاف في المستقبل لجنة التيسير للائتلاف. ومع مرور الوقت، قد يصبح هناك رئيس للجنة التيسير ولجان فرعية أو مجموعات عمل. قد يختار ائتلاف ما أن يقوم بانتخاب أعضاء لجنة التيسير ووضع مدة زمنية محددة لعضوية اللجنة، وقد يختار أن يكون أكثر مرونة في قواعده. وبغض النظر عن الحجم أو الشكل، فإن لجنة التيسير الجيدة هي تلك التي تكون مسئولة أمام أعضاء الائتلاف ويمكن تغييرها من قبلهم.
القيادة
يتطلب الائتلاف قيادة على مستويين: الأول على مستوى الائتلاف نفسه، والثاني داخل المنظمات المشاركة. تحتاج الائتلافات إلى قيادة لتوجيه جهود الائتلاف وتنسيقها، كما تحتاج أيضاً إلى أسلوب قيادة تعاوني، وأن تكون القيادة بالتناوب. وهذا يختلف اختلافاً جذرياً عن نوع القيادة الذي تتطلبه المنظمات غير الحكومية والأعمال التجارية أو منظمات المجتمع. فقادة الائتلاف عليهم أن يعززوا من الشعور بالانتماء بين أعضاء الائتلاف، بدلا من التشديد على أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في القرار، وذلك لخلق وفاق جماعي في مختلف الآراء المثارة بشأن أحد القرارات. القيادة القوية على المستوى التنظيمي هى ضرورية لضمان المشاركة والموافقة على القرارات وكذلك لتنفيذ خطة الائتلاف. وفي أكثر الائتلافات نجاحاً يكون القادة التنظيميون معنيين بصورة مباشرة بعملية صنع القرار في الائتلاف.
موظفو الائتلاف
هل سوف يحتاج الائتلاف إلى تخصيص موظف أو موظفين؟ مرة أخرى هذا إلى حد كبير هو مسألة حجم، ولكن وجود موظف مسئول في الائتلاف عن تعزيز مصالح الائتلاف يمكن أن يكون إضافة كبيرة في المراحل المبكرة من الائتلاف. وقد يكون هذا الشخص موظفاً بإحدى المنظمات المشاركة ويقوم بتكريس جزء من وقته للائتلاف. ويكون ذلك الموظفمسؤولاً عن تنسيق اجتماعات الائتلاف، وتداول محاضر الاجتماعات، ومهام إدارية أخرى. ومع نمو الائتلاف، قد يتطور عمل هذا الموظف إلى وظيفة بدوام كامل، وبمرور الوقت يمكن أن يتم التعاقد مع موظفين آخرين للتعامل مع الشئون المالية والاتصالات والتوعية الإعلامية.
مع الوقت، فإن موظفي الائتلاف يمكن أن يصبح لهم دور حيوي في القيادة والتنسيق في الائتلاف، وأن تعتمد عليهم المنظمات الأعضاء لتقديم المعلومات والتوجهات، ويمكن لأعضاء لجنة التيسير أن يعتمدوا عليهم لتقديم النصح عند اتخاذ القرار. ووجود موظف قوي في الائتلاف يدعم مزيداً من التواصل والتعاون داخل الائتلاف. أما إذا كان موظف الائتلاف ضعيفاً فإنه سيكون بمثابة القائد الافتراضي له، مما قد يسمح للمنظمات الأعضاء بالتوقف عن العمل فيما بينها.
التخطيط من أجل النمو والتغيير
ينبغي أن يكون ارتباط الائتلافات بالقضايا وليس الأفراد والمنظمات. فإن كانت هناك بيئة سياسية متعاونة فإن الائتلاف المنظم بشكل جيد سيكون قادراً على الحفاظ على كيانه حتى يحقق أهدافه. وينبغي أن يكون الائتلاف قادراً على استيعاب انضمام أعضاء جدد، فضلاً عن تحمل رحيل أعضاء آخرين عنه. فباستثناء الممولين الأساسيين ، فإنه لا ينبغي أن تكون هناك منظمة أو فرد على درجة من الأهمية بالنسبة للائتلاف بحيث أنه لا يمكنه الاستمرار بدونه. وينبغي أيضاً ألا يرتبط الائتلاف بخطة واحدة بعينها أو نهج معين. وكما هو الحال في تطوير القضية المشتركة، ينبغي أن تكون بنية الائتلاف قادرة على استيعاب المشهد السياسي المتغير.
أن يكون العمل الفعلي في المقدمة دائماً
إن المراحل الأولية من بناء الائتلاف حاسمة بالنسبة لنجاح مهمتك الجماعية. يجب أن يتم الاتفاق على الإجراءات والشكل والوظيفة والأهداف بالإجماع بين أعضاء الائتلاف، من أجل ضمان أن الائتلاف الخاص بك سيستطيع العمل على تعزيز قضيتك وتحقيق أهدافك. وبينما يجري التوصل الى اتفاق على هذه التفاصيل الهامة، فمن المهم أيضاً أن تأخذ في الاعتبار أن الغرض الأساسي من الائتلاف هو العمل. من أجل غرس الثقة في أعضاء الائتلاف الذين يقومون بالتنظيم، من المهم أن يتم تحديد أهداف قصيرة المدى قابلة للتحقق بسهولة نسبية، وتحقيقها فعلاً. فالكثير من الائتلافات تفشل قبل أن تبدأ لأنها تقضي كل وقتها وتبذل كل طاقتها لكي تتوصل إلى اتفاق على قواعد القيادة أو الأدوار التنظيمية أو الإدارة، كل هذا دون أن تصبح أقرب إلى أهدافها قيد أنملة. إن إيجاد توازن بين تنظيم التفاصيل وبين العمل يجب أن يكون له الأولوية في المراحل المبكرة من الائتلاف.
يمكن قياس نجاح الائتلاف بعدد من الطرق. المقياس الأكثر وضوحاً للنجاح هو المعدل الذي يجري به تحقيق أهداف الائتلاف. هل استطاع الائتلاف إقناع صناع القرار بتمرير تشريعات جديدة أو تبني سياسات ملائمة؟ هل تمكن الائتلاف من مساعدة أنصاره على الوصول إلى موارد جديدة أو على تلقي خدمات لم تكن متاحة لهم في السابق؟
مقياس النجاح الثاني هو الطرق التي يستطيع الائتلاف من خلالها أن يشكل المناخ السياسي الأوسع أو المناقشات العامة حول قضاياه. يجب على الائتلافات إدراك أن التغييرات التي تسعى إليها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة السياسية التي تحدث فيها تلك التغييرات. هل حصل الائتلاف على الدعم لقضيته؟ وهل لفت الانتباه إلى قضاياه؟ هل أحدث تغييراً في القيم السائدة أو المثل العليا؟ وهل قام بصياغة قضاياه على أنها عنصر أساسي للإصلاح الاجتماعي والسياسي؟
بالإضافة إلى هذه المقاييس الخارجية للنجاح، فإن الائتلاف الفعال هو الذي يزيد أيضاً من قوته التنظيمية وقدرته على تحقيق الأهداف المستقبلية. وقوة الائتلاف التنظيمية نفسها تعتمد على علاقات الأعضاء نفسهم فضلاً عن قدرة المنظمات الأعضاء. لذا فإن الائتلاف الناجح يساعد على بناء علاقات مستدامة بين أعضائه لتعزيز قدرتهم على اتخاذ إجراءات تعاونية عامة. وأخيراً فإن الائتلاف يشجع على القيادة بين أعضائه وأنصاره، ويوفر موارد أكبر لاتخاذ إجراءات في المستقبل.
هناك بعض التناقضات بين بعض من مقايس النجاح هذه. على سبيل المثال، قد يتمكن ائتلاف من تحقيق هدف سياسي رئيسي، ولكن في أثناء هذه العملية، يقوم باستنزاف الموارد من البرامج الهامة الأخرى، أو يؤدي إلى توتر العلاقات بين المنظمات الأعضاء مما يترك احتمالاً ضئيلاً أنها قد تعمل معاً في المستقبل. ومن ناحية أخرى فالائتلاف يكون ناجحاً إذا كان يحسن من القدرة التنظيمية للأعضاء على القيام بعملهم حتى لو فشل في تحقيق أهداف سياسته.
حتى أنجح الائتلافات عادة لا تتمكن من تحقيق كل مقاييس النجاح هذه. ففي عملية صنع القرار توجد دائماً مقايضات متأصلة وقابلية دائمة للأخذ والعطا مع الأمور. وينبغي أن يكون قادة الائتلاف على دراية بتلك المقايضات واتخاذ القرارات الدقيقة بشأنها.
الائتلافات ما هي إلا شكل واحد من أشكال العمل الجماعي، والتي يمكن استخدامها للمساعدة على خلق الفرص السياسية في مصر. وكما نرجو أن يكون قد تم توضيح هذا من خلال هذا المقال، فإنه لا توجد قواعد أو ممارسات محددة يمكن أن تضمن نجاح الائتلاف؛ فالائتلافات إلى حد كبير هي نتاج للظروف السياسية والاقتصادية التي يتم تأسيسها في سياقها، وكذلك لأنماط المنظمات الداخلة في الائتلاف وللشخصيات المشاركة في قيادته. ويعتمد النجاح على قدرة الائتلاف على التكيف مع الظروف المتغيرة، والتنظيم للاستفادة من الفرص السياسية ولتحقيق أقصى فائدة من مجمل مميزاته، وتقوية نفسه من أجل العمل الجماعي في المستقبل. الأمر الذي أكدنا عليه طوال هذا المقال هو الحاجة إلى الثقة بين المنظمات الأعضاء وإلى اتصالات قوية.
إن مساحة الحوار السياسي المفتوح آخذة في التقلص في مصر. ولا توجد أي منظمة، مهما كانت كبيرة أو مؤثرة، يمكن أن تكون فعالة في إيجاد هذه المساحة مقارنة بعدد من المنظمات تعمل معاً لتحقيق هدف مشترك. الائتلافات ليست هي الجواب على كل تحد سياسي في مصر، ولكن، إن تم استخدامها وادارتها بشكل جيد، فإنها يمكن أن تكون فعالة للغاية.
Alinsky, S. D. (1971) قواعد للجذريين :منهج تمهيدي وعملي للجذريين الواقعيين. نيو يورك: فينتج.
التنمية، W. G. f. C. H. “صندوق أدوات المجتمع” اقتباس 30 أبريل 2014، عام 2014، من
http://ctb.ku.edu/en/table-of-contents/assessment/promotion-strategies/start-a-coaltion/main .coaltion/main-a-strategies/start-contents/assessment/promotion-of-http://ctb.ku.edu/en/table
Houtzager, P. (2000) “مقدمة : من تعدد المراكز إلى كيان سياسي “. في تغيير مسارات : التنمية الدولية و سياسة الإدماج. تحرير Peter Houtzager وMick Moore. ميشيغان : مطبعة جامعة ميشيغان.
)2011( . and T. NashR ,Moynes الائتلافات العالمية: مقدمة عن العمل في شراكات المجتمع المدني الدولي.
http://www.globalcoalitions.org/
Rayner, J. (2011) ما الذي يجعل الائتلاف فعالاً؟ المؤشرات المستندة إلى الأدلة من النجاح، كاليفورنيا إنداومنتhttp://www.mcf.org/system/article_resources/0000/1297/What_Makes_an_Effective_Coalition.pdfSelee, Andrew D., (2011) اللامركزية والديمقراطية والسلطة غير الرسمية في المكسيك. جامعة بارك، PA : مطبعة جامعة ولاية بنسلفانيا.
تادرس، ماريز. (2011) العمل على الصعيد السياسي وراء الخطوط الحمراء: البنية والوكالة في دراسة مقارنة عن الائتلافات النسائية في مصر وفي الأردن. برنامج تنمية القيادة
http://www.dlprog.org/publications/executive-summary-working-politically-behind-red-lines-egypt-and-jordan.php
Tattersall, A. (2013). القوة في الائتلاف: استراتيجيات لنقابات قوية والتغيير الاجتماعي. إيثاكا، نيويورك: مطبعة جامعة كورنيل
* تضامن (مبادرة التضامن العمراني في القاهرة) هي عضو مؤسس في ائتلاف الإصلاح العمراني.
الصورة المختارة تصوير sierragoddess. استخدمت بإذن.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks