يُقدر سكان المناطق ’غير الرسمية‘ بالقاهرة بأكثر من نصف تعداد سكانها، ومع ذلك فهناك فجوة كبيرة تفصلهم عن سكان المناطق ’الرسمية‘ بنفس المدينة. هذه الفجوة الآخذة في الاتساع هي نتاج عقود من التأصيل لخطاب متحامل ضد سكان المناطق العشوائية، والتبني لسياسات تتسم بعدم المساواة بينهم وبين سكان المناطق الرسمية، حيث تعاني مناطق القاهرة الفقيرة الحرمان من الحصول على المسكن الملائم والخدمات الأساسية. لكن ثمة حقاً آخر ربما يكون أقل وضوحاً وقد يضعه البعض في مرتبة أدنى، وهو حق الوصول إلى الثقافة في صورها المختلفة من مواد تعليمية وكتب ومنتجات الفن والأدب، وأماكن لاستضافة الأنشطة والأحداث الثقافية. وفي محاولة لسد هذه الفجوة، ظهرت عدة مبادرات تهدف إلى تحسين الواقع الثقافي، وإتاحة التعلم خارج نطاق التعليم المدرسي، وتقديم فرص تعلم متدرجة في المستوى لفئات سنية مختلفة . من بين هذه المبادرات مكتبات الكرامة، وهي مبادرة أطلقتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لتحسين المصادر التعليمية والثقافية للمناطق غير الرسمية، من خلال إنشاء مكتبات عامة صغيرة وإدارتها، والتفاعل مع المجتمعات المحلية لنشر ثقافة القراءة بين الشباب والكبار على حد سواء. وكانت أولى مكتبات المبادرة هي مكتبة ’خطوة‘ بمنطقة دار السلام ، والتي تم افتتاحها في ١٤ مايو عام٢٠١٢.
الوضع قبل المبادرة
دار السلام هي منطقة غير مخططة ضمن حي أكبر يسمى أيضاً دار السلام، يقع جنوبي القاهرة بجوار المعادي والبساتين ومصر القديمة. وهي منطقة تعاني من نقص المرافق العامة والخدمات الأساسية. وكما هو الحال في العديد من المناطق التي تفتقر إلى المرافق، فلا يوجد بالحي مكتبات عامة محلية أو فراغات عامة يمكن فيها أن يشارك السكان في أنشطة تعليمية أو ثقافية، حيث معظم الفراغات والأنشطة بالمنطقة مخصصة للاستعمالات التجارية.
كانت الخدمة الثقافية الوحيدة المتاحة تقدمها مكتبة متنقلة تأتي مرة أسبوعياً لتقف بجوار محطة مترو دار السلام، الأمر الذي كان يسمح للسكان بشراء الكتب واستعارتها1. ولكن منذ ثورة ٢٥ يناير، لم يعد سكان دار السلام يشاهدون المكتبة المتنقلة في منطقتهم. لذا تعتبر مكتبة خطوة المكان الوحيد من نوعه الذي يقدم خدماته بصورة يومية بالمنطقة دون أي رسوم.
بدايات الفكرة وتطورها
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تؤمن أن « الإنسان الواعي والمثقف يستطيع أن يفهم حقوقه ويدافع عنها ويساهم في تطوير مجتمعه.» من هذا المنطلق قررت مبادرة مكتبات الكرامة التابعة للشبكة العربية أن تقوم بإنشاء خمس مكتبات عامة في خمس مناطق مختلفة على مستوى الجمهورية، على أمل أن تتيح تلك الأماكن للناس القراءة والتعلم، وتمكنهم من توسيع آفاقهم وإحداث التغيير في مجتمعاتهم. وقد وقع الاختيار على مناطق مهمشة وفقيرة، كان للشبكة العربية فيها اتصالات تبدي لها استعدادها للتعاون معها في إنشاء هذه المكتبات.
وقد اتضح أن العثور على مساحة خالية بالمعنى ’التقليدي‘ لإنشاء أول مكتبة للمبادرة كان مسألة صعبة للغاية في المنطقة التي وقع عليها الاختيار في دار السلام، فعمدت الشبكة العربية إلى تحويل مقهى دور أرضي على أحد أكثر الشوارع ازدحاماً بالمنطقة ليصبح هو مكتبة خطوة. وعلى الرغم من المساحة المحدودة، فإن التصميم يستوعب نوعيات مختلفة من رواد المكتبة، ويتسع للمحاضرات والمناقشات وعروض الأفلام والعروض المسرحية التي تقام للأطفال بالمكان. وقد بادر فريق المكتبة بالذهاب إلى الطلاب والشباب في المدارس ومراكز الكمبيوتر المنتشرة بالحي ودعوة المعلمين لزيارة المكتبة. كما تواصل المشروع مع الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية والإدارة المحلية هناك، وعمل على اجتذاب زوار من تلك الجهات، هذا بالإضافة إلى القيام بتوزيع النشرات وتعليق اللافتات في أنحاء الحي.
ومع اقتراب عام ٢٠١٢ من نهايته، كانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد افتتحت الفرع الثاني من مكتبات الكرامة، وكان ذلك في مدينة الزقازيق، إضافة إلى ثلاثة فروع أخرى في طره وبولاق الدكرور والخانكة، تم افتتاحها في الفترة ما بين فبراير ويوليو٢٠١٣. وكان طموح الشبكة العربية من إنشاء كل مكتبة من هذه المكتبات هو أن يمتد النطاق الجغرافي للمبادرة لأنحاء الجمهورية.
الموارد ومصادر التمويل
منحت مؤسسة رولاند بيرجر في ألمانيا في نوفمبر٢٠١١ السيد جمال عيد، المؤسس والمدير التنفيذي للشبكة العربية، ’جائزة رولاند بيرجر للكرامة الإنسانية‘ لنشاطه في مجال حقوق الإنسان. وقد قام هو بتخصيص قيمة الجائزة لتغطية تكاليف التأسيس الخاصة بالمبادرة من إيجار ومرافق ورواتب. العدد المحدود من الموظفين بالمكتبات التي أنشأتها المبادرة يعملون بأجر، لكن المبادرة تلتمس المساعدة من متطوعين من المجتمع المحلي من أجل تنظيم ورش عمل ومحاضرات لرواد المكتبة. أما فيما يتعلق بالكتب والأدوات المكتبية، فإن المكتبات تعتمد على التبرعات العينية، وهي تطلب من الأفراد الذين يرغبون في تقديم تبرعات نقدية أن يقوموا بمد المكتبات بالكتب بدلاً من النقود.
من أجل تحسين خدماتها لرواد المكتبة، قامت المبادرة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، مثل باشكاتب، ووزارة الشباب والرياضة لتوسيع أنشطتها. في السابق، كانت المبادرة قد ارتأت تقديم دعمها إلى مكتبة البحر الأعظم من خلال تجديدها، مع تصور لتحويلها إلى مركز ثقافي على غرار ساقية الصاوي المعروفة (التي تأسست في٢٠٠٣ كمركز ثقافي في الزمالك)، لكنها لم تتلق رداً من وزارة الثقافة. في ضوء هذه التجربة والسياسات الثقافية القائمة منذ أمد بعيد (أو انعدام وجودها من الأصل) فإن المبادرة لا تتوقع ولا ترغب في الحصول على دعم جوهري من وزارة الثقافة أو الهيئات الحكومية الأخرى، فهي ترى أن مثل هذا الدعم سيأتي على حساب استقلالها وفعاليتها.
أما فيما يتعلق بالعقبات فقد واجهت المبادرة بعضها في بداية المشروع، حيث كان أفراد المجتمع متشككين إلى حد ما ويثيرون تساؤلات حول أغراض المشروع، ومصادر تمويله، وعما إذا كانت الخدمات المقدمة هي بالفعل دون أي مقابل. ونظراً إلى الجدل السائد في أعقاب ثورة ٢٥ يناير والذي كان يوصم الأصوات المعارضة بأنهم ’عملاء لجهات أجنبية‘ ويثير موضوع التمويل من الخارج للمبادرات كإشكالية، فقد كانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تتوقع تماماً أن تقابل جهودها بالتشكيك. وكانت من جانبها تستوثق من أن لديها اتصالات داخل المناطق المختلفة قبل إنشاء المكتبات بها وذلك لكسب ثقة المجتمعات المحلية. وقد واجهت التساؤلات المثارة بإجابات تتسم بالأمانة وبالعبارة الواضحة والبسيطة. إن حياد المبادرة السياسي والديني وتوفر العديد من نوعيات الكتب المختلفة أدى إلى تفهم أن تأسيس المكتبات هو في صالح الجميع، ونتيجة لذلك فقد اجتذبت المكتبات عدداً كبيراً من الناس. في بداية الأمر لم يرحب بعض أفراد المجتمع في دار السلام بفكرة أن يستخدم الفتيان والفتيات كلاهما مكتبة خطوة في نفس الوقت، ولكن من خلال خدمتها للمجتمع اكتسبت المكتبة سمعتها كمكان محترم.
وواحد من التحديات الرئيسية التي تهدد استدامة المشروع هو اعتماده مالياً على الجائزة النقدية فقط، فالمكتبة لا يوجد لديها أي مصادر للدخل إذ تقدم كل خدماتها دون أي مقابل، مما يجعلها تعتمد اعتماداً كليا على التبرعات العينية كمصدر وحيد لمواردها.
نتائج وآثار المبادرة
الآن تستقبل مكتبة خطوة بدار السلام ما يقرب من٦٠ زائراً يومياً ولديها أكثر من ٢٠٠ مستخدم مسجل. ومنذ بداية المشروع وهناك تغيير ملموس في الحياة الاجتماعية لأفراد المجتمع، فالمكتبة قد أوجدت الحيز الذي كانت المنطقة في أشد الحاجة إليه، وهي الآن منتدى للأطفال والشباب في المجتمع، حيث يمكنهم قراءة كتب لها وجهات نظر مختلفة والمشاركة في الأنشطة والتواصل والتشارك بأفكارهم وتطلعاتهم لمنطقتهم. ومن خلال التعاون مع باشكاتب (وهي منظمة لتمكين الشباب من المناطق المهمشة من خلال إنتاج ونشر الأخبار المحلية) قامت خطوة بعقد دورات تدريبية على مدى شهرين عن الصحافة والكتابة الإبداعية والتصوير وفن رسم الكاريكاتير لخمسة وعشرين من روادها (الذين تتراوح أعمارهم بين ١٢ و١٧عاماً). وفي يناير عام ٢٠١٤ أطلقت مجموعة من الشباب تلقت هذه الدورات جريدة ’صوت السلام‘ التي تقوم بتقديم أخبار المجتمع وآراءه ومشاكله وأيضاً أعمال الشباب الفنية وتصدر على نحو غير منتظم. لاقت صوت السلام ترحيباً جيداً جداً وتقديراً من المجتمع المحلي؛ لأن جميع محرريها هم شباب منه. وفي يوم توزيعها نفدت كل النسخ في أقل من ساعتين، كما كتب محمود وليد، أحد الشباب المشاركين في إصدار الجريدة.
في الشهر التالي (فبراير٢٠١٤) أقامت المكتبة معرضاً للصور الفوتوغرافية بعنوان “دار السلام من خلال عيون أطفالها.” وتضمن المعرض العديد من الصور التي تم التقاطها من قبل أطفال المنطقة وشبابها لتسجيل معالم دار السلام وتفاصيل من الحياة اليومية لسكانها. وقد لاقى هذا المعرض أيضاً قدراً كبيراً من إعجاب المجتمع المحلي. وهناك كذلك المنتدى الثقافي الأسبوعي الذي حقق أيضاً نجاحاً كبيراً وجذب النساء والشباب من المنطقة.
الاستدامة
الاستدامة الاجتماعية
في ظل البيئة السياسية المتقلبة على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن عدم وجود أي انتماء سياسي للمبادرة درأ عنها أن توصم بحملها لأيديولوجية سياسية معينة أو لعضوية حزب مثير للجدل. فبعد ثورة ٢٥ يناير، تعرضت كل المكتبات التي كانت تحمل اسم مبارك أو التابعة لجمعية الرعاية المتكاملة للحرق أو الإغلاق أو الاضطرار إلى تغيير الاسم2. كمثال على ذلك مكتبة البحر الأعظم بالجيزة التابعة لجمعية الرعاية المتكاملة (والمعروفة سابقاً باسم ’مكتبة سوزان مبارك‘) حيث قام حشد غوغائي في عام ٢٠١١ بإضرام النيران فيها، مما تسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالمبنى وفقدان١٩٠٠٠ كتاب. وقد قرر محافظ الجيزة في يونيو٢٠١٢ أن يصبح المبنى مقر المجلس القومي لرعاية أسر شهداء ومصابي الثورة، إلا أن المبنى تم تسليمه في شهر أغسطس ٢٠١٤ إلى وزارة الثقافة ليعود مكتبة مرة ثانية.\
الاستدامة الاقتصادية
الجائزة، التي تُعتبر ثمرة لجهود الشبكة العربية، كانت هي المصدر الوحيد لتمويل المبادرة، حيث كان المتوقع أن تكفل قيمتها تغطية تكاليف إدارة المكتبات لمدة أربعة أعوام. لكن من بداية المبادرة والناس تقوم بتقديم الدعم بطرق غير محدودة، ففي بعض الحالات قام أصحاب العقارات بتخفيض قيمة الإيجار، كما قام العمال بالتطوع للمساعدة في أعمال الصيانة بالمشروع، وبلغ عدد الكتب التي تم التبرع بها للمبادرة ما يقرب من ١٠٠٠٠ كتاب حتى الآن. وقد خفض هذا الدعم الهائل من التكاليف المتوقعة، مما أدى إلى مد أجل التمويل الأساسي فلم يتم إنفاقه بالكامل، وهذا يعني أن الشبكة العربية لديها الآن ما يكفي من المال للإبقاء على مكتبات الكرامة مفتوحة لعامين إضافيين.
فرص تكرار المبادرة والخطط المستقبلية
لقد حظيت مبادرة الشبكة العربية باهتمام واسع النطاق من الناس على مستوى الجمهورية. شباب من المنصورة وصعيد مصر يريدون تنفيذ فكرة الكرامة في مدنهم اتصلوا بالمبادرة، وقامت الشبكة العربية بدعمهم من خلال تقديم التوجيه والتبرع بالكتب. أفراد آخرون اتصلوا بالشبكة العربية وقاموا بتقديم ملكياتهم العقارية لاستغلالها كمكتبات على غرار النماذج التي دشنتها المبادرة. وتأمل المبادرة أن تتمكن من إنشاء مكتبة سادسة في صعيد مصر في المستقبل القريب، هذا إذا سمحت الموارد (المالية والبشرية.)
وتعتقد المبادرة أن مكتباتها لا تحتاج أن تكون فخمة بالغة البهرجة لكي تتمكن من أداء دورها في المجتمعات المحلية التي تخدمها، وإنما المصادر الموجودة في المكتبات ونوعية الخدمة التي تقدمها هي ما يعول عليه حقاً. وعلى ذلك فالمكتبات بسيطة لكنها نشطة وفعالة. هذا التصور للشكل الذي يجب أن تكون عليه المكتبة، الذي يتسم بكونه غير مادي ويتمحور حول الإنسان، قد جعل من إنشاء المكتبات أمراً سهلاً نسبياً وغير مكلف، مما لعب دوراً كبيراً في نجاح المشروع. هذا التصور، إلى جانب الإقبال المتواصل من جمهورها العريض، يمكن بالتأكيد أن يؤدي إلى إنشاء المزيد من المكتبات.
وجهة نظر تضامن
قد يمكن التغاضي عن مطلب مثل سهولة الوصول إلى حيز ثقافي مثل مكتبة عامة نشطة وديناميكية على أنه أمر ثانوي عند تناول مشاكل المناطق غير الرسمية. لكن، وكما يتضح من تأثير ’خطوة‘، فإن تشجيع شباب دار السلام على الكتابة عن مجتمعاتهم وتصويرها، وعلى التعبير عن أنفسهم، وإنتاج إعلام محلي في حدود الحيز العمراني الخاص بهم، فإن ذلك كله من شأنه أن يساعدهم على أن يصبحوا جزءاً من التغيير ولو على نطاق ضيق. لقد قامت خطوة بتجميع الشباب معاً، وشجعتهم على العمل كفريق واحد. فمن خلال توفير الأماكن التي تدعم اكتساب المعرفة والتنمية الذاتية، مثل ’خطوة‘ وغيرها من المكتبات التي أنشأتها الشبكة العربية، يمكن إلهام هذه المجتمعات لإحداث التغيير على مستويات أخرى.
وإضافة إلى أنه ثمة احتياج متزايد إلى أماكن وموارد ثقافية بالمجتمعات المماثلة لدار السلام، حيث يمكن أن نجد مستوى أفضل للتعليم بين الشباب الذين صاروا أكثر انفتاحاً على وسائل التواصل الاجتماعي وأكثر قدرة على الانتشار. فالكثير من سكان القاهرة الذين يعيشون خارج الزمالك يلاقون مشقة في حضور المناسبات التي تقيمها ساقية الصاوي والمشاركة في أنشطتها على الرغم من موقعها، فلطالما كانت ساقية الصاوي، ولأمد طويل الآن، واحدة من المراكز الثقافية القليلة النشطة التي يمكن الوصول إليها بسهولة في القاهرة. هناك أيضاً مبادرات أخرى غير مبادرة الكرامة نجحت شعبياً ومحلياً مثل ألوان وأوتار، آرت اللوا، ومدرسة فنون الدرب الأحمر، الأمر الذي يبرهن على أن الناس يقدرون تمام التقدير إمكانية الوصول إلى الأماكن والموارد الثقافية التي تقدم لهم أنشطة ثقافية متنوعة وثرية، سواء كانت مقروءة أو مؤداة. إن الحماس والالتزام اللذين أبدتهما مختلف المبادرات هما من الأمور التي نجدها ملهمة وجديرة بالثناء. لكن في مقابل ذلك، فإن عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق العشوائية، وضخامة حجم الخدمات التي حرموا منها، يتطلبان التخطيط والتنفيذ لهذا النوع من المشاريع على نطاق أوسع.
لقد سبق تنفيذ مشاريع تهدف إلى تحسين الوصول إلى الأماكن والموارد الثقافية على مستوى المجتمع والأمة خلال فترتي حكم ناصر ومبارك. فثروت عكاشة، وزير الثقافة إبان حكم ناصر (١٩٦٢-١٩٥٨) و (١٩٦٦-١٩٧٠) أنشأ قصور الثقافة في أنحاء مختلفة على مستوى الجمهورية. المثال الآخر البارز هو حملة سوزان مبارك ”القراءة للجميع“ التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، والتي تم إطلاقها عام١٩٩١، حيث أتاحت مجموعة من الكتب المختارة بأسعار في متناول الجميع. واعتباراً من عام١٩٩٣، بدأت في ’إنشاء مكتبة في كل مكان‘، حيث قامت جمعية الرعاية المتكاملة ومكتبات مبارك العامة (مكتبات مصر العامة الآن) بإنشاء مكتبات عامة في العديد من المناطق، بما في ذلك المناطق الشعبية والعشوائية. وفي شهر مارس عام ٢٠١٤ أصبحت الزاوية الحمراء، التي تعتبر منطقة مختلطة الاستعمالات منخفضة الدخل تشتمل على مساكن قطاع عام وخاص وغير رسمي، موقعاً لأحدث فروع مكتبات مصر العامة.
على الرغم من هذه الجهود، فإن سهولة الوصول إلى الأماكن الثقافية والموارد لا تزال بعيدة عن أن تتسم بالمساواة. ويمكن أن يعزى هذا الإخفاق إلى موقف الدولة تجاه الثقافة. فالدولة تتصور أن الثقافة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، قيمتها تكمن في بناء الدولة وإضفاء الشرعية على النظام الموجود في سدة الحكم (يمكن القول إن هذا التصور ما زال موجوداً حتى الآن). ورؤية وزارة الثقافة، المطروحة بوضوح على موقعها على الإنترنت، تقترح أن السياسة الثقافية يجب أن تقوم ب»تأكيد الانتماء إلى الوطن». الجدير بالذكر أنه عندما أنشئت وزارة الثقافة لأول مرة في عام ١٩٥٨ ، كانت تسمى ’وزارة الثقافة والإرشاد القومي‘. وقد أظهرت الدولة منذ أمد طويل أنها تفضل وسائل الإعلام كوسيلة لنشر الثقافة، حيث إن الإذاعة والتليفزيون هما أدوات أكثر تأثيراً على نطاق التعبئة والتلقين مقارنة بالمكتبات والمتاحف.
في الإستراتيجية الثقافية المقترحة مؤخراً، والتي وضعتها لجنة برئاسة الكاتب والباحث السيد ياسين، تم تصنيف نبذ التطرف الديني كأولوية. وطالما أن قضايا الهوية والدين لا تزال تسيطر على مناقشة الثقافة وما زال ينظر إلى الثقافة على أنها أداة للسيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية، فمن المستبعد جداً أن تؤتي المشاريع الحكومية ثمارها. إن كيفية إدراك الثقافة هو المفتاح. فإذا كانت الثقافة هي أداة لتحقيق هدف معين، فإن هذا من شأنه أن يجعل منطقياً في نظر الحكومات أن تؤصل احتكارها للثقافة وتحتفظ في يدها بأدوات إنتاجها. في هذه الحالة فإنه من المحتمل ألا يكون هناك تشجيع للسياسات التي تروج للتنوع الثقافي من خلال الكتب والصور أو المسرح. في المقابل لتلك النظرة للثقافة، يمكن النظر إليها نظرة أخرى باعتبارها حقاً من حقوق الإنسان، عندئذ سيتغير السؤال من ’كيف نحقق هذا الهدف؟‘ إلى ’كيف يمكننا ضمان تمتع المواطنين بحقهم؟‘ وكيف يمكن للمجتمعات أن توفر كلاً من الموارد لبيئات ثقافية وتعليمية متنوعة وثرية، والأماكن لإقامتها.
كانت الدساتير المصرية السابقة تعرّف بالثقافة باعتبارها ’خدمة‘ تقدم. وقد تناول دستور١٩٧١ لأول مرة قضية سهولة الوصول إليها، لكن من الناحية الجغرافية فقط وليس من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. غير أنه في دستور عام٢٠١٤ ، وتحديداً في المادة ٤٨ منه، تم تعريف الثقافة على أنها ’حق‘، وأكدت المادة على سهولة الوصول إلى الثقافة. المادة ١٦ من دستور١٩٧١ تناولت عدم المساواة داخل الدولة، بينما المادة ٤٨ أكثر شمولاً لأنها تعني أنه يجب تدارك عدم المساواة، داخل الدولة أو داخل المدينة، للأفراد الذين يمتلكون موارد مالية وأولئك الذين لا يمتلكونها.
المادة ٤٨ من دستور ٢٠١٤:
»الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك. وتولي اهتماماً خاصاً بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجاً، وتشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها.»
وبالبناء على مفهوم الثقافة بوصفها ’الحق‘، فقد وضعت المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية الخطوط العريضة لسياسة ثقافية جديدة تقترح عدة تغييرات ضرورية لحياة ثقافية ثرية ومفعمة بالحيوية ومتاحة لجميع المصريين. والمجموعة الوطنية للسياسات الثقافية، التي أنشئت في٢٠١٠، قدمت تلك الخطوط العريضة إلى اللجنة البرلمانية للثقافة والإعلام والسياحة في مارس٢٠١٢ قبل حل البرلمان ببضعة أشهر. وتتضمن توصيات الخطوط العريضة أن تتم زيادة ميزانية وزارة الثقافة، وتحقيق لامركزية الثقافة، ومراجعة القوانين التي تحد من الأنشطة الثقافية. وقد أوصت المجموعة الوطنية للسياسات الثقافية أيضا بأنه ينبغي أن تقوم الحكومة بدعم المنظمات المستقلة وتشجيع إنشائها وعملها.
يكمن نجاح ’خطوة‘، إلى حد كبير، في الكيفية التي تنظر بها المبادرة تجاه المستفيدين منها وتفهمها لاحتياجاتهم وإدراكها للثقافة باعتبارها حقاً. إن سكان دار السلام (أو أي من أولئك الذين يعيشون في المناطق الأخرى حيث أقامت الكرامة مكتبات لها) لا يُنظر إليهم على اعتبار أنهم مجموعة من الأميين وغير المتعلمين الذين ينبغي ’تقويمهم‘ ثقافياً لكبح جماح عقيدة سياسية أو دينية من المحتمل أن تمثل خطورة، بدلاً من ذلك يُنظر إليهم كمجموعة من الأشخاص لديهم الحق في الفراغ العام وفي الحصول على موارد تسمح لهم باستكشاف معنى لحياتهم وتخيل عوالمهم الثقافية وخلقها بوسائل عديدة ومتنوعة. وجهة النظر هذه، والتي تأسست إلى حد كبير في إطار حقوق الإنسان، أدت إلى خلق حيز ثقافي وتعليمي جديد يحتوي الجميع ومتاح لهم ونابض بالحياة، جسدته مكتبة الكرامة، لكن لا يزال هناك متسع للعديد من الجهود الإنسانية والمجتمعية في هذا المجال.
روابط مفيدة:
كتاب المفكر المصري عبد الخالق فاروق. (١٠ ديسمبر٢٠١٠). شبكة الأخبار العربية: Link
السياسات الثقافية في الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وسوريا وتونس: مقدمة (٢٠١٠) Boekmanstudies المورد الثقافي والمؤسسة الثقافية الأوروبية: Link
الجمل، مها. (٤ فبراير٢٠١٤) “باشكاتب”: صحافة مجتمعية في الأحياء الشعبية في مصر. بي بي سي: Link
مكتبة الكرامة العامة: فيديو الكرامة: Link
وهبة، مجدي. (١٩٧٢). السياسة الثقافية في مصر. اليونسكو: Link
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Moustafa Says:
how could volunteers help to this initiative ?
September 5th, 2015 at 5:08 am