من المسئول قانونيًا وسياسيًا عن كارثة غرق الاسكندرية في مياه الأمطار؟ شركة الصرف الصحي أم إدارات الأحياء أم المحافظ -أم كل ما سبق- وماهي حدود صلاحيات وسلطات كل منهم وكيف يرسم القانون العلاقة بين المحافظ –السابق أو الحالي أو القادم- وبين الهيئات المحلية والمركزية التي تقوم بالتخطيط والتنفيذ في مشروعات البنية التحتة لمحافظته؟
ما هو مصير سكان منطقة ماسبيرو الذين تلقوا وعودًا عديدة بعدم تهجيرهم من منطقتهم بعد أن يتم تطويرها وفق تصور الشركات العالمية الشهيرة لتصبح منطقة راقية؟ وما هي حقوقهم التي يكفلها لهم القانون المصري بآليات محددة وضمانات حقيقية ونافذة؟
كل سؤال من هذه الأسئلة يمثل قضية عمرانية شائكة تشغل الرأي العام المصري -أو على الأقل فئة منه- في الوقت الحالي، ولا تعدو جميعها مجرد عينة مما يشهده المواطنون في مصر كل يوم ويعيشون آثاره. ولطالما كانت قضايا العمران تثير جدلًا سياسيًا واسعًا ليس فقط في أوساط المتخصصين ولكن أيضًا في الشارع ووسائل الإعلام الرسمية والبديلة، لما لها من أهمية وتأثير مباشر على حياة المواطنين اليومية. فأزمات الاسكان والعشوائيات والمحليات والضرائب العقارية وتراخيص المباني وغيرها قضايا لا تختفي أبدًا من النقاش العام المصري. ورغم تعدد العوامل إلا أننا ينبغي أن نشير للدور الكبير الذي تلعبه القوانين المنظمة لهذه المسائل في تعقيدات ومشكلات الواقع العمراني المشتبك. يفترض بالقوانين أن تقدم حلولًا لمشكلات يعاني منها المجتمع وتنظم ما سيؤول لفوضى بدونها بأفضل طريقة ممكنة. ولكن تختلف الرؤى حول القضايا وحلولها كيفما تختلف الانحيازات والمصالح السياسية للدولة وللسياسيين، وبالتالي عندما تنعكس هذه الرؤى في صياغة التشريعات والسياسات العامة التي تنظم العمران المصري فانها تعكس بشكل أساسي انحيازات واضعيها ورؤيتهم للوظيفة الاجتماعية للعمران في مقابل كونه سلعة عقارية تدر أموالًا طائلة.
يتولى البرلمان سلطة إصدار التشريعات وفقًا للدستور (مادة 101). كما يتولى أيضًا إقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على أعمال الحكومة التنفيذية ويملك مساءلة أعضاءها واستجوابهم. وليست قضايا العمران بالطبع مستثناه من هذا كله.
وبالإضافة إلى هذه المهام، ينتظر البرلمان القادم تحديدًا مهمة استثنائية وغير مسبوقة، تتمثل في مناقشة وإقرار جميع القوانين التي أصدرها كلًا من المستشار عدلي منصور (الرئيس المؤقت 2013-2014) والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في غياب البرلمان خلال ما يقرب من عامين منذ صدور الدستور الجديد في يناير 2014 وحتى موعد انعقاد البرلمان، وإلا زال ما لها من قوة القانون –أي أُسقِطت تلقائيًا- وألغي ما ترتب عليها بأثر رجعي إلا إذا رأى البرلمان اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من آثار (بموجب المادة 156 من الدستور المصري الحالي).
ويعد أهم ما أصدره منصور في 2014 من تشريعات العمران هو قانون تنظيم مشروعات الإسكان الاجتماعي. أما التشريعات التي أصدرها الرئيس السيسي في 2014 و2015 ذات الصلة بتنظيم العمران المصري فهي عديدة ومتنوعة:
كما أصدر الرئيس السيسي أيضًا تشريعات تؤثر مباشرةً على أوضاع العمران وإن لم تكن تستهدفها بشكل خاص، و أبرز مثال على ذلك حزمة التشريعات التي صدرت لتحفيز الاستثمار قبيل مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي 2015، والتي أثرت على مشروعات الاسكان التي تمت وفق تعاقدات مع الشركات العقارية المحلية والأجنبية حددت تفاصيلها هذه القوانين. وكذلك تعديل أحكام قانون “حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية”، وجميعنا يتذكر قضية احتكار أحمد عز منذ سنوات لصناعة حديد التسليح وأثرها على ارتفاع اسعار السكن. أصدر السيسي أيضًا تعديل لبعض أحكام “قانون هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة” بما يسمح بتنفيذ مشروعات إنتاج واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة سواء بنفسها أو بالاشتراك مع الغير، مما سيساهم في عملية انتاج الطاقة الكهربية المستهلكة في المنازل. وكذلك “قانون تنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر” الذي يؤثر بشكل مباشر على مشروعات تمويل إسكان الفقراء التي تديرها مؤسسات أهلية تنموية ومؤسسات مالية خاصة تمنح قروض متناهية الصغر لتحسين المسكن بشروط ميسرة.
كما تنتظر البرلمان العديد من مشروعات القوانين التي أعدتها الوزارات ودار حولها جدل انتهى بحفظها فيما يبدو انتظارًا لانعقاده. وسيعتمد الشكل النهائي الذي ستصدر عليه هذه القوانين على توجهات البرلمان المقبل والتحالفات داخله. أحد أهم هذه القوانين قانون الإدارة المحلية الذي أعدته وزارة التنمية المحلية ودافع عنه وزيرها عادل لبيب في وسائل الإعلام باعتباره قانون يعطي سلطة أكبر للمحافظين ويحوي آليات لمكافحة الفساد. بينما نقل عن مجلس الدولة أن مشروع القانون يرسخ للمركزية ولا يترجم أحكام الدستور المتعلقة بالإدارة المحلية، كما طالبت بعض الأحزاب بتأجيل إصدار القانون2 الهام لحين انتخاب برلمان.
تشريع آخر قيد الدراسة صرح به د. شريف الجوهري ممثل وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات –التي ألغيت مؤخرًا- أثناء فاعليات مؤتمر اليوم المصري للسكن، حيث قال أن الوزارة قد أعدت تشريعًا لتقنين أوضاع المناطق العشوائية المقامة على أراضٍ مملوكة للدولة، وتم تشكيل لجنة بمجلس الدولة لنظر فيه. كما نُشر في وسائل الإعلام أن جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء بوزارة الإسكان يدرس مقترحًا بخصوص الحفاظ على العقارات المخالفة بشرط أن تكون مبنية على أراضٍ ملكيات خاصة وسليمة إنشائيًا غير مهددة للحياة، بحيث يسمح للدولة بتحصيل الغرامات من أصحاب البناء المخالف مقابل تقنين أوضاعهم والتأكد من السلامة الانشائية وادخال المرافق لوحداتهم بشكل شرعي/رسمي. الجدير بالذكر أن الجهاز هو المسؤول عن حصر الوحدات السكنية المخالفة ويقدرها بحوالي 316 ألف عقار مخالف بالجمهورية وفق حصر في 2013. وبالطبع سيكون لهذا القانون أثراً بالغاً على سكان المناطق اللارسمية وعلاقتهم بالأحياء وموظفيها الذي يتغاضى بعضهم عن هذه المخالفات بصورة غير قانونية. كما أعلنت وزارة الإسكان أيضًا عن تشكيل لجنة لتعديل قانون البناء الموحد وهو القانون الأهم في مجال الإسكان والبناء، وبالأخص باب الحفاظ على الثروة العقارية وإضافة إجراءات وصفت بأنها “صارمة” لصيانة المباني والحفاظ على أرواح المواطنين . وينتظر أن تعرض هذه التعديلات جميعها على مجلس النواب القادم بعد انعقاده.
لا يختص البرلمان بسلطة التشريع فقط كما سبق أن ذكرنا، ولكنه يختص أيضًا بسلطة إقرار الموازنة العامة للدولة. ولكن في السنوات الخمس الأخيرة صاحب ما شهدته مصر من تطورات سياسية تعطيل متكرر للمجالس الشعبية المنتخبة المتعاقبة وبالتالي صدرت موازنات الفترة السابقة في غيابها واختص بإصدارها في الأغلب القائم على حكم البلاد، حيث أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة موازنتين، ومجلس الشورى أصدر موازنة، ثم موازنة أصدرها الرئيس المؤقت عدلي منصور، والأخيرة أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي وهي موازنة 2015-2016.
مثلت الاستثمارات في مجال العمران في موازنة 2015-2016 حوالي ثلثي إجمالي الاستثمارات الحكومية للعام المالي الحالي. ولكن – حسب وصف المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – عكست هذه الموازنة “خلل في أولويات العمران” حيث ذهب نصيب كبير منها إلى مترو الأنفاق الذي يخدم القاهرة الكبرى فقط دون بقية أقاليم مصر، ودعمت مشاريع الإسكان الاجتماعي الموجهة بالأساس للطبقة الوسطى على حساب مشاريع تطوير العشوائيات.
فهل ننتظر أولويات مختلفة من البرلمان القادم في موازنات الخمس أعوام القادمة – في حالة ما لم يتم حله كالمجلسين السابقين، وهل سيكون هنالك جدلًا يذكر تحت قبة هذا البرلمان بخصوص تشريعات العمران المفروضة على أجندته أو غيرها مما يشغل الرأي العام خارجه؟ هل ستعدل التشريعات التي صدرت بالفعل أم سيكتفي البرلمان بسرعة تمريرها دون نقاش؟
فضلاً عن الأعضاء المعينين من رئيس الجمهورية –بحد أقصى 28 عضو-، سيتشكل مجلس النواب القادم من 448 مقعدا ينتخب نوابهم بالنظام الفردي ، و120 مقعدًا آخرين بنظام القوائم المغلقة المطلقة، وللأحزاب والمستقلين الترشح في كليهما3. وفقًا للبيانات التي توفرها اللجنة العليا للانتخابات يغلب المرشحين المستقلين على المنافسة على مقاعد النظام الفردي –وهو ما يجعل التنبؤ بتوجهاتهم أمرًا عصيًا. أما السياسيون المتنافسون على مقاعد البرلمان فعملية رصد توجهاتهم أيسر من خلال مراجعة برامج أحزابهم والتحالفات الانتخابية التي تقيمها للدعم وكسب الأصوات. رغم أن بعض هذه التحالفات لم ينتج عنها قوائم انتخابية، كأحزاب التيار الديموقراطي التي فضلت خوض الانتخابات منفردة من خلال مرشحين حزبيين على المقاعد الفردية وعدم التنافس على مقاعد القوائم. وحتى القوائم التي شُكِّلت فإن الكثير منها لا يضم حزبيين ولم يعلن عن أي برنامج انتخابي يمكننا من رصد توجهاته، وبعضها صرح أنه لم يشكل وفق أي برنامج أو تقارب في التوجه السياسي حيث القوائم تضم مدارس فكرية مختلفة وتيارات متضاربة في الواقع العملي، وأن المرشحين يعتمدون بنسبة أكبر على شعبيتهم في دوائرهم وربما العصبيات القبلية أكثر من البرامج الانتخابية.
فيما يلي نستعرض ما جاء ببرامج بعض الأحزاب السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمان القادم، سواء بمرشحين مستقلين أو ضمن قوائم انتخابية، فيما يخص قضايا الإسكان بشكلٍ خاص وقضايا العمران بشكلٍ عام. والجدير بالذكر أن وصولنا –ووصول المواطن بالضرورة- للبرامج الانتخابية للعديد من الأحزاب لم يكن سهلًا على الإطلاق، فنجد أن حزبًا مؤثرًا في اللحظة الحالية كحزب مستقبل وطن الذي يتوقع له وزنًا كبيرًا داخل البرلمان القادم -الثاني من حيث ترتيب الحصول على مقاعد في المرحلة الأولى بعد المصريين الأحرار- اعتمد على خطاب رئيسه المعلن ترشيحهم لنواب في الانتخابات البرلمانية ولم نستطع الوصول لبرنامجه الانتخابي أو استيضاح أي ملامح لأجندة عمرانية له.
حزب المصريين الأحرار: الحزب ذو التوجه الليبرالي الذي ينافس بأكبر عدد مرشحين على مقاعد الفردي وينافس ضمن قائمة “في حب مصر ” الأكثر انتشارًا في ربوع الجمهورية، خصص برنامجه بندًا للإسكان، تناول به الإسكان العشوائي من منطلق أن قيمة هذه المناطق اللارسمية (والتي حددها بـ 1.600 مليار جنيه) تعتبر “رأس مال غير مستغل” لعدم وجود سند ملكية لهذه المساكن، مما يذكرنا بنظرية “رأس المال المجمد” لصاحبها هرناندو دي سوتو4. ولذا بُني البرنامج على إصلاح قوانين الملكية العقارية مما يسمح لسكان العشوائيات بتملك المساكن التي يعيشون بها ويتيح لهم القيام بعمليات البيع والشراء والاقتراض.
واعتبر برنامج الحزب أن هذه الخطوة بمثابة “إعادة إحياء هذه الثروات غير المستغلة والذي بدوره سيفتح الباب أمام تطوير شامل وحل دائم لجميع المناطق العشوائية ويمنح المهمشين والفقراء فرص أفضل للإزدهار” كما ينص برنامج الحزب. حمّل الحزب مسئولية توسع وازدياد حجم العشوائيات على بطء الجهود الحكومية التي لا تلبي الطلب المتزايد للمواطنين على الإسكان وعدم وجود هيئات رقابة وتخطيط فعالة. وأشار إلى وجوب إصلاح منظومة القوانين المنظمة للملكية والبيع والتأجير والرهن العقاري بالإضافة إلى منظومة تمويل العقارات.
كما شرح الحزب خطته لتطوير المدن المصرية الكبرى من خلال محورين: أولهما الإصلاح الكامل للبنية التحتية للمناطق العشوائية، وثانيهما إنشاء ضواحي ومدن جديدة وخلق فرص عمل قريبة من هذه المدن. واقترح البرنامج كذلك بضع خطوات مفصلة للحصول على أموال لتمويل هذه الخطة الطموحة كنقل المؤسسات الحكومية من المواقع المميزة وسط المدن واستغلال حصيلة بيعها، واستخدام عوائد صندوق الاستثمار في البنية التحتية والتخطيط العمراني في المناطق الفقيرة بالمدن والاستثمار في محاور خارج المدن الكبرى ، وتشجيع الاستثمار الخاص في المناطق الفقيرة عن طريق حزم حوافز تقدية للمستثمرين. كما طرح حزب “المصريين الأحرار” سياسة التشجيع على إنشاء صناديق استثمار عقاري خاصة (يوجد تشريع خاص بها بقانون سوق المال ولكن لم يتم انشائها لصعوبة الاجراءات وعدم وضوح موقفها من الخضوع الضريبي) وذلك بهدف توفير قطع صغيرة للأفراد بدلا من بيع الأراضي الضخمة للمستثمرين الكبار الذي يخلق ما أسماه برنامج الحزب بأنه “وضع احتكاري” لم يحقق تلبية للطلب الكبير على الاسكان بمستوى ملائم.
حزب الوفد: أحد الأحزاب التي يتوقع لها حضورًا كذلك في البرلمان القادم، حيث دفع حزب الوفد بعدد كبير من المرشحين للمقاعد الفردية وضمن قائمة “في حب مصر” أيضًا. خصص برنامجه5 بنودًا مستقلة لكل من العشوائيات، والطرق والمواصلات، والبنية التحتية. أعلن البرنامج بوضوح عن أن سياسات الحزب تهدف إلى “القضاء على العشوائيات ونقل قاطنيها إلى مدن حديثة تكفل لهم حياة آدمية متكاملة”. واقترح آليات واضحة للتمويل تتمثل في ” تخصيص 50% من قيمه بيع أراضي الدولة لمدة 3 سنوات لتمويل تطوير العشوائيات ومشاركة شركات القطاع الخاص المتوسطة والكبرى في توفير وحدات سكنية للعاملين في المناطق والمدن الصناعية لقاء قيمة إيجارية مخفضة”.
ولكن لم يخبرنا البرنامج كيف سيتم “إعادة التخطيط للكثافات السكانية” الذي اقترحه، وكيف سيتم جذب هذه النسبة الكبيرة من سكان القاهرة الكبرى إلى هذه المدن الحديثة. بينما ركز بند البنية التحتية على الريف المصري وتوفير المرافق الأساسية للمناطق المحرومة.
حزب الإصلاح والتنمية: أحد أحزاب قائمة “في حب مصر”. ويشارك بعدد قليل في المقاعد الفردية. خصص برنامجه بابًا للإدارة المحلية أهم ما جاء به هو دعم الحزب لقضية اللامركزية المالية والإدارية وتفعيل المشاركة الشعبية. كما أكد على ضرورة تبني سياسات كتفعيل دور المحليات وتأهيل القيادات المحلية لتوفير كوادر فنية للتنمية المحلية، وتطوير هيكل التقسيم الإداري وإعادة هيكلة واختصاصات وصلاحيات المجالس الشعبية المنتخبة بما يحقق فاعليتها، وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة في تنمية المجتمعات المحلية.
ولا يحوي البرنامج بنودًا تخص قضايا الإسكان أو المناطق العشوائية كالحزبين الحليفين له. وبمقابلة نائب رئيس الحزب عبدالله حلمي، برر ذلك بأن البرنامج عام ويتجاوز بعض التفاصيل كالقضايا المطروحة في هذا المقال. أكد حلمي على أن سياساتهم تنطلق من أن “السكن حق” وأن الدولة لا ينبغي أن ترى الأراضي كمورد للأموال ولا يجب أن تتحول لتاجر أراضي، ولخص رؤية الحزب في مجال الإسكان في عدة نقاط، أهمها: تفعيل دور المطور العقاري الخاص وتشجيع المستثمرين الصغار والتعاونيات الإسكانية، وتعديل أكواد البناء بما يسمح باستخدام مواد بناء متاحة في البيئات المصرية المختلفة كالبناء بالطين وغيره من المواد، وأن تتخلى الدولة عن بناء مشاريع الإسكان، وتكليف البنوك بها على أن تطرح الوحدات السكنية بنظام الإيجار التمليكي. يرفض حزب الإصلاح والتنمية التهجير القسري لسكان العشوائيات ويدعم سياسة التطوير في المكان ويرى أنه لا يوجد نموذجًا واحدًا يصلح لأن يعمم فلكل منطقة خصوصيتها ويجب أن تتعامل الدولة مع كل منطقة على حدة.
الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي: وهو أكثر أحزاب التيار الديموقراطي دفعًا بمرشحين في سباق الانتخابات البرلمانية على المقاعد الفردية دون الدخول في تحالفات قوائم انتخابية. البرنامج الانتخابي للحزب هو الأكثر تفصيلًا في مجال الإسكان والمرافق، حيث خصص بابًا له استعان في كتابته بمبادرة “نحو مجتمعات عمرانية عادلة ومستدامة” للباحث العمراني يحيى شوكت. عرض الحزب رؤيته وهي “توفير وتمكين المواطن من المسكن الملائم عن طريق تقريب الفجوة بين أسعار السكن والدخول، ولعب دور المراقب على السوق لكبح جماح تضخم الأسعار.”
وركز البرنامج بشكل أساسي على قضية الإسكان الاجتماعي المدعوم من الدولة دونًا عن باقي قضايا الإسكان. فصّل البرنامج عددًا من المشكلات الرئيسية منها عدم ملائمة أشكال الحيازة وأسعار الوحدات وشروط التقديم التي تعرضها مشاريع الإسكان الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجًا للسكن، وغياب الدراسات الوافية عن أشكال الطلب بناءا على التوزيع الجغرافي. وأثار أيضًا مشكلة تعدد الجهات الحكومية التي تقوم ببناء إسكان مدعم من أموال الدولة والمنح، دون تنسيق أو خطة. وكذلك الخطورة المهددة لحياة الأسر القاطنة في أكثر من 285 ألف عقار آيل للسقوط.
ثم اقترح برنامج الحزب بعض السياسات والمشروعات منها طرح جميع وحدات مشروع الاسكان الاجتماعي بنظام الإيجار بدلا من نظام التملك بالتمويل العقاري، وتوفير وحدات بمساحات مختلفة تعكس تشكيل الأسرة الاجتماعي ونسبة محددة لأصحاب الإعاقة بمواصفات ملائمة لهم. وإزالة العوائق التي تؤدي لتهميش قطاعات من المواطنين المحتاجين كمن يعملون بالقطاع غير الرسمي. كذلك ضمان توزيع جغرافي عادل لمشروعات الاسكان يعكس نسبة السكان والنمو لكل محافظة. واقترح الحزب آليات محددة لضمان ذهاب الدعم إلى مستحقيه وتعويض من يعيشون في المساكن الخطرة المهددة لحياتهم.
وعلى مستوى الهيكل الإداري للدولة اقترح الحزب تأسيس جهة حكومية غير تنفيذية تتبع رئاسة الوزراء لتنظيم برنامج الإسكان المدعم ووضع خططه ومراقبة تنفيذها، وخروج أجهزة وزارة الإسكان من المتاجرة في الأراضي والعقارات. أما على مستوى التعديلات التشريعية فقد اقترح برنامج الحزب تعديلات محددة وواضحة للغاية تعد مشاريع قوانين يمكن طرحها مباشرة على مجلس النواب وجمع التأييد بشأنها. أولها: تعديل تعريف “محدودي الدخل” في قانون التمويل العقاري ليعكس فقط أدنى فئتين للدخل، الفقير والأكثر فقرًا، على أن يتم تعديل القيم كل عام حسب احصاءات بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك. وثانيها: استخدام آلية التحقق الميداني لكل طالب وحدة في الإسكان المدعم للتحقق وتحديد مستوى الدخل لفئة “محدودي الدخل” أسوة بنظم وزارة الضمان الاجتماعي وهذا لضمان استفادة أوسع قطاع من المواطنين.
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: ينافس الحزب كذلك على المقاعد الفردية فقط دون الدخول في تحالفات. خصص في برنامجه6 بندًا لقضايا السكن تميز بنبرة حقوقية واضحة. استخدم البرنامج صراحةً تعبير “الحق في السكن الملائم” وتعهد بضمانه لجميع المواطنين، وبالأخص الفئات الفقيرة والمحرومة. كما ذكر حق كافتهم في الحصول على الخدمات الحيوية للسكن من مياه نقية وصرف صحي وشبكات كهرباء وغاز طبيعي، “مع تعميم الرقابة الشعبية للمنتفعين وتعزيز مشاركتهم في إدارة جميع المرافق العامة” كما نص البرنامج.
وبالنسبة لتمويل مشاريع الإسكان رأى الحزب في برنامجه نموذجين وهما تمويل الدولة المباشر للسكن أو الإسكان التعاوني ورفض التمويل المصرفي لارتفاع أرباحه. وطرح أيضًا وقف تملك الأجانب للأراضي والعقارات وإلغاء كافة القوانين التي سمحت بذلك. كما كان للحزب موقفًا واضحا من المخطط الاستراتيجي للقاهرة الكبرى المعروف باسم القاهرة 2050 حيث تعهد بـ “الوقف الفوري” للمشروع ووقف الإخلاء القسري للمناطق العشوائية وربط هذه الإجراءات بتعديل تشريعي يشمل قوانين البناء والإيجارات بما يكفل مصالح فقراء المدن والريف. وفيما يخص التعامل مع المناطق اللارسمية طرح برنامج الحزب تطوير المناطق العشوائية وإعادة تخطيطها وإمدادها بالخدمات الأساسية، مع إشراك السكان في عمليات التطوير.
حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي: ينافس كذلك على المقاعد الفردية وخصص في برنامجه بندًا عنوانه “تطوير الإسكان”، يركز الحزب فيه على الدور الاجتماعي للدولة في توفير السكن، وأول خطواته المقترحة هي إعادة النظر في القوانين والسياسات التي دعمت إسكان الأغنياء على حساب الفقراء، وينادي بضرورة تنفيذ سياسة جديدة تقوم على التوسع في الإسكان الشعبي والاقتصادي. طرح البرنامج أيضًا فكرة إنشاء صندوق للإسكان الاجتماعي، وإعادة الاعتبار للجمعيات التعاونية الاسكانية. كما اقترح وضع نظام عادل لتوزيع الوحدات السكنية التي تشيدها الحكومة، والتخطيط لبناء تجمعات سكنية شعبية مملوكة للدولة توزع على شباب الخريجين والأسر الفقيرة بنظام الإيجار البسيط الملائم لدخول هذه الفئات. كما أشار البرنامج لضرورة وضع ضوابط تكفل إيقاف المضاربة على أراضي البناء، وتدخل الدولة من أجل وقف الارتفاع في أسعار مواد البناء وخاصة حديد التسليح والأسمنت.
في استعراضنا للأجندة التشريعية والسياسية الخاصة بقضايا العمران للأحزاب المختلفة، نرصد تنوعًا وتباينًا في الرؤى والتوجهات حتى بين الأحزاب المشكلة لتحالف انتخابي واحد، وهو ما يعني أنها لا تتفق بالضرورة في كل القضايا كما يعتقد البعض. أهم ما ركزت عليه برامج الأحزاب كما رأينا كانت قضية مشروعات الإسكان -سواء إسكان الدولة الاجتماعي أو الخاص الاستثماري- وقضية المناطق اللارسمية أو كما يطلق عليها “العشوائيات”.
بقراءة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات يتوقع أن تغلب رؤى الاقتصاد الليبرالية والرأسمالية على الأحزاب التي تملك فرصة أكبر في التأثير على التشريعات، والتي لا تهتم كثيرًا بمشروعات الإسكان الاجتماعي المدعومة من الدولة ولا تحتوي برامجها ترويجًا لها –على عكس الأحزاب الأقرب لليسار التي تعتبرها لب قضية الإسكان. ولكن لا يوجد ما يشير إلى نية هذه الأحزاب بتقويض برامج الإسكان الاجتماعي، ولا نعتقد أن هنالك مجالاً لذلك في ظل ترويج الدولة لمشروع “المليون وحدة” كأحد دعائم شرعيتها الشعبية وانخراط القوات المسلحة ووزارة الاسكان في تنفيذ العديد من مشروعات الاسكان الاجتماعي بالفعل.
لكن تظل شروط الحصول على وحدات سكنية مدعومة، ووضع ضوابط ومحددات لعمل الهيئات الحكومية المختلفة على هذه المشروعات هي أهم النقاط المتوقع إثارتها والاختلاف بشأنها فيما يخص قانون الإسكان الاجتماعي وتعديله تحت قبة البرلمان، إذ ربما ينجح نواب الأقلية من الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي وحلفائهم في إثارة هذه القضايا ودفع البرلمان لإقرار تعديلات تشريعية على قانون الإسكان الاجتماعي من شأنها ضمان وصول شقق الإسكان الاجتماعي للفئات المستحقة.
أما بخصوص المناطق العشوائية/اللارسمية فلكل حزب تصوراته الخاصة. فحزبان متحالفان يتوقع لهم حضور كبير في توجهات البرلمان القادم كالمصريين الأحرار والوفد، يطرحان سياستان متناقضتان تمامًا في هذا الشأن. يرى المصريين الأحرار المناطق العشوائية كأصول غير مستغلة، منشآت وضع بها السكان أموالهم، ولكنهم لا يستطيعون المشاركة بها في الاقتصاد الرسمي –والمقصود هنا بالأساس رهن منازلهم أو الاقتراض بضمانها- لعدم حيازتهم لأوراق ملكية تثبت حقهم القانوني فيما يملكون، وبالتالي فحل مشكلات هذه المناطق يكمن في تقنين أوضاعها بشكل أساسي.
يفترض هذا الطرح أن العقبة الوحيدة أمام سكان المناطق اللارسمية في الوصول إلى نظم الائتمان الرسمية هو افتقارهم لعقود الملكية. لكن في حقيقة الأمر، تستبعد هذه النظم الفقراء والعاملين بالقطاع غير الرسمي بشكل عام ولن تستوعبهم سوى بإصلاح قانوني ومؤسسي أشمل وليس بمنحهم عقود ملكية لمبانيهم. فالتجربة العملية تثبت في دول عديدة أن تقنين أوضاع الحيازة لا يقود بالضرورة لتسهيل وصول سكان العمران غير الرسمي للخدمات الائتمانية. كما أن هذا الطرح يغض الطرف عن فئات أخرى متعددة داخل هذه المناطق -كالمستأجرين وشاغلي العقارات من غير الملاك- والذين قد يتضررون من سياسات مشابهة ستؤدي لارتفاع قيمة العقارات التي يستأجرونها. ورغم أن هذا الطرح يقر بحقوق السكان في ملكياتهم ويمنحهم استقرارًا مطلوبًا لحيازة سكنهم، إلا أنه لا يقترح حلولا لمشاكلهم الأهم وهي نقص الخدمات والمرافق العامة وسوء حالتها بشكل يهدد صحتهم وجودة الحياة في مناطقهم.
على النقيض تمامًا يأتي طرح حزب الوفد الذي يروج لنقل سكان المناطق العشوائية وإعادة تسكينهم في مناطق جديدة، وهي سياسة تم تطبيقها سابقًا في عدة مناطق –ورفضها السكان في كل مرة- وما زالت تروج لها مؤسسات عدة أشهرها حاليًا مؤسسة “معًا لتطوير العشوائيات“. رغم أن هذه السياسة لا تقترح آلية لمنع امتداد المناطق اللارسمية أو ظهور مناطق جديدة، ولم تثبت أي نجاح في توفير بديل حقيقي للمناطق الحالية نظرًا لعدم قدرة الدولة ولا أي جهة على بناء مناطق جديدة لجميع المناطق غير الرسمية/ غير المخططة – وذلك باعتبار أن المناطق غير المخططة تمثل حوالي 75% من مناطق مصر الحضرية7 .
ويتجاهل هذا الطرح التكلفة الفعلية لعملية نقل السكان حيث يضحي هذا الطرح بالأصول التي يملكها السكان -وقدرها حزب المصريين الأحرار بالمليارات- ويهدمها. ويتجاهل أن تكلفة نقل السكان لمنطقة جديدة لا تتضمن توفير وحدات سكنية لهم فقط ولكن أيضًا توفير مرافق وخدمات تتضمن منشآت صحية وتعليمية وأماكن عمل قريبة من المسكن، وهو ما يتوفر بالفعل لسكان المناطق اللارسمية في مناطقهم في كثير من الأحيان. كما يضحي باستقرار الحيازة وأمنها التي سعى إليها برنامج المصريين الأحرار من خلال تقنين الأوضاع، ويهدد السكان بالتهجير القسري دون مفاوضتهم وموافقتهم. لذا يجب على أي تشريع يصدر لتنظيم عملية مشابهة أن يتعامل مع هذه التحديات بشكل يضمن حقوق المواطنين الأساسية ولا يكلف ميزانية الدولة أكثر مما تتحمل بلا داع.
في النهاية يظل الهدف الأساسي من هذه القراءة لبرامج الأحزاب المتوقع حضورها في البرلمان القادم هو رصد التصورات الموجودة على الساحة السياسية بشأن قضايا العمران وتفنيدها وتبيان أثرها -إن طُبِّقَت- على الجوانب المختلفة لحياة المواطنين في المجتمعات المصرية المتنوعة. أما عن إجابة السؤال “كيف سيؤثر البرلمان القادم على العمران المصري؟”، فانها مرهونة بشكل أساسي بمدى اهتمام الحزبيين حقيقةً بإثارة قضايا الإسكان والعمران كقضايا أساسية تحتل موقعًا على أجندة البرلمان، وسعيهم لتطبيق ما جاء بهذه البرامج.
ويرتبط ذلك بقدرة كل حزب على الترويج للطرح الذي يقدمه داخل البرلمان وخارجه، وجمع التأييد بشأنه من المستقلين والأحزاب الأخرى التي قد يكون لها رأي مخالف. كما ستتأثر بالتأكيد بمدى استجابة أعضاء البرلمان للرؤى الحكومية التي تُقَدم في شكل مشاريع قوانين تصيغها الوزارات الحكومية منفردة –في ظل تهميش مؤسسات المجتمع المدني والغياب التام لللامركزية الحكومية فيما يخص الإعداد لمشروعات قوانين تعكس بشكل حقيقي الاحتياجات المحلية لكل إقليم. لذا فان الأمل الوحيد لطرح هذه الاحتياجات المحلية هو تبني أعضاء البرلمان من الأقاليم المختلفة لقضايا من يمثلونهم ووضع مصالحهم على طاولة المفاوضات البرلمانية إن صح التعبير.
وإن كان لنا دورًا -نحن الذين لم نحظ بالتواجد أو التمثيل داخل البرلمان سواء من أفراد أو أحزاب أو مؤسسات- فانه فتح سبل للحوار حول شئون العمران وقضاياه المختلفة، ورفع الوعي العام بأهمية هذه القضايا وتأثيرها على الحياة اليومية للمواطن، وتشجيع النقاش العام في وسائل الإعلام الرسمية والبديلة حول السياسات المختلفة وما تقدمه من حلول وما تواجهه من تحديات، وتسليط الضوء بشكل مكثف على الوظيفة الاجتماعية التي يفترض أن يلعبها العمران. والأهم من ذلك كله التأكيد على حق أصحاب الشأن من المواطنين التي تمس هذه القضايا حيواتهم الشخصية في المشاركة وإبداء الرأي في أي تشريع يصدر بشأن مساكنهم ومناطقهم التي استثمروا فيها وحمّلوها أحلامهم وطموحاتهم في الاستقرار والأمان والسترة.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
د. ابوعيش Says:
عجبى من عدم وجود اى ذكر فى برنامج احزاب البرلمان القادم لمشكلة العقارات القديمة وايجاراتها البخسة وملايين الشقق المغلقة والمحلات التجارية والمكاتب فى العقارات السكنية القديمه
December 20th, 2015 at 11:21 am