يكمن الغرض من اللقاءات المجتمعية في التعرف على مناطق وأحياء القاهرة المختلفة من وجهة نظر قاطنيها، فهم أفضل من يعرفها ويستطيع وصفها. تنقسم اللقاءات المجتمعية إلى مقدمة بسيطة لشرح مبادرة التضامن العمراني بالقاهرة، “تضامن”، التي تسلط الضوء أيضاً على مبادرات محلية ناجحة. بعد ذلك ينقسم المشاركون إلى مجموعات صغيرة لرسم خريطة لمنطقتهم. لا توجد أية تعليمات أو ارشادات للتأثير على نوع المعلومات أو طريقة رسم الخريطة. بعدها يُطلب من المجموعات التعليق على الخرائط التي رسموها لتوضيح ما يلي:
تم هذا اللقاء المجتمعي بالشراكة مع محليات الدقي والعجوزة واللجنة الشعبية لأولاد علام.
ارسم منطقتك
كشف التحليل الشامل لخرائط المجموعات عن وجود أربعة نقاط مشتركة في تصور جميع المشاركين لعزبة أولاد علام . أولاً، اتساق التقسيم الداخلي للمنطقة. فقد كانت معظم الخرائط تصور العزبة على أنها منطقة مكونة من ثلاثة مناطق: أولاد علام والأربعين والقناية حيث لا توجد حواجز واضحة تفصل بين المناطق الثلاث. وقد أشار السكان إلى ثلاث نقاط لدخول العزبة، واحدة لكل منطقة. ويشار إلى المنطقة بأكملها (الأربعين وأولاد علام والقناية ) كمجرد “العزبة”.
ثانياً شعور السكان ناحية تاريخ المنطقة برابطة قوية. يتذكر بعض المشاركين الأكبر سناً أنه كان بمقدورهم رؤية نادي الصيد من فوق أسطح منازلهم وكان ذلك قبل تطوير منطقة الدقي. يشعر السكان أيضاً بارتباطهم تاريخياً بمبنى وزارة الزراعة، حيث أن الأميرة فاطمة – المالك الأصلي لأرض أولاد علام – كثيراً ما كانت تقيم في ذلك المبنى. يلعب تاريخ العائلات أيضاً دوراً كبيراً في عملية التحديد الجغرافي للعزبة. على سبيل المثال، فإن منزل أحد الأسر الثرية المشهورة في المنطقة والذي يعتبر أحد معالمها هو الذي يفصل منطقة الأربعين عن أولاد علام. والشوارع تعرف محلياً بأسماء العائلات المرموقة التي كانت تسكن فيها وذلك إلى جانب أسمائها الرسمية. وقد أُشير أيضاً في العديد من الخرائط إلى أحد أشهرالمنازل في المنطقة الذي تمتلكه أغنى أسر المنطقة والذي يجري تجديده حالياً ليصبح جامع.
ثالثاً، وجود العديد من الشوارع والأماكن التي سلطت كل المجموعات المشاركة الضوء عليها حيث تعد بمثابة معالم عمران مجتمع العزبة. وقد أُدرج كل الأفراد كل من المقهى في شارع علي الهضيمي ومنطقة التسوق في شارع أحمد يوسف في الخرائط ، وكذلك أيضاً الشوارع التي تميز حدود المنطقة مثل شارع السكة الغربية على الحدود الغربية للعزبة. وغالباً ما ينظر السكان إلى مركز الشباب – مركز شباب أولاد علام – الذي يقع على الحدود الشرقية على أنه نقطة مرجعية رئيسية بالنسبة لهم.
وأخيراً، يدرك معظم السكان أنهم يقيمون في الدقي – المنطقة الحيوية التي تغلب عليها المناطق السكنية الراقية- كما يدركون التحول العمراني الذي حدث من حولهم. وقد أشارت خرائط المجموعات مراراً إلى المعالم الهامة التي تقع على مقربة من العزبة مثل نادي الصيد، وكوبري الدقي العلوي (من محاور النقل الرئيسية للسكان)، وجامعة القاهرة. وسُلط الضوء علي السكة الغربية لكونها منطقة تغيير، حيث تقف المباني الجديدة المشيدة بالطوب الأحمر إلى جوار المنازل القديمة المبنية بالطوب المصنوع من الطين (الطوب اللبَن). وعموماً، فقد عكست الخرائط صغر حجم أولاد علام ونسيجها الحضري وموقعها في وسط منطقة الدقي.
وقد عكست كل خريطة أيضاً إدراك المشاركين الفريد للمنطقة. سلطت مجموعة تتكون من رجال في منتصف العمر الضوء على ورش العمل والمناطق الاجتماعية داخل المجتمع المحلي كما أشاروا إلى مناطق تقع خارج نطاق العزبة. وسلطوا الضوء على المسجد، والمقهى، وورش العمل التي تقع في حي الأربعين. وقاموا بإيضاح الصلة بين موقع أولاد علام ومعالم منطقة الدقي مثل شارع مصدق (أحد الشوارع التجارية الرئيسية في الدقي) وكوبري الدقي العلوي (أحد مراكز النقل الرئيسية) وهيئة التدريس (مساكن هيئة تدريس جامعة القاهرة) ونادي الصيد. ومعالم أخرى على مقربة من العزبة من أبرزها وزارة الزراعة والمتحف الزراعي ومستشفى الزراعيين.
وقد أبرزت أيضاً مجموعة أخرى تتألف في معظمها من النساء مناطق اجتماعية داخل العزبة وذلك بالإضافة إلى مناطق الخدمات العامة. كما حددت موقع اثنتان من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال التعليم والأعمال الخيرية. (منظمة واحدة فقط هي التي تعمل حالياً، في حين أن الأخرى قد جمدت أنشطتها منذ ثورة 2011). كما أشارت المجموعة أيضاً إلى حديقة عامة تقع على مقربة من القناية. وبالنسبة للنساء فإن المساحة العامة التي تستخدم في أغلب الاحيان في التواصل الاجتماعي هي رصيف مكتبة الدقي. في كثير من الأحيان تقع مسؤولية التخلص من النفايات في الأسرة على عاتق المرأة، وبالتالي كانت تلك المجموعة هي الوحيدة التي سلطت الضوء على منطقة جمع النفايات في العزبة. وبشكل عام فقد ركزت هذه المجموعة أساساً على العزبة نفسها، وليس على علاقتها بالدقي. وقد أظهرت النساء معرفة مفصلة بالشوارع الجانبية الضيقة والأزقة داخل العزبة أما خارج العزبة فإنهن ذكرن شارع سليمان جوهر (يقع بالقرب من كوبري الدقي العلوي) على أنه منطقة التسوق الهامة التي يذهبن إليها بانتظام لشراء الخضار وللنزهة في المطاعم.
وكما هو متوقع، فإن الأطفال يشعرون بالعزبة بشكل مختلف عن والديهم. و تركيزهم الرئيسي في الخريطة كان على المدارس والأماكن الترفيهية مثل ساحات اللعب والملاعب والنوادي ومحلات الطعام وأماكن اللقاء. وذكروا بصفة خاصة نادي رياضي يوجد به ملعب وقاعة لحفلات الزفاف. وبعض الأطفال أشاروا أيضاً إلى المدارس التي يدرسون بها في أولاد علام.
فرص تحسين عزبة أولاد علام
عندما سُئل السكان عن مزايا الإقامة في اولاد علام، كان لديهم الكثير ليقولونه. كان الأمن في المنطقة محور العديد من إجاباتهم. ويعزو السكان شعورهم بالأمن في العزبة إلى التماسك الاجتماعي في المجتمع. تعني أولاد علام حرفياً “أبناء علام”، والسكان يأخذون هذا المعنى العائلي بصورة جدية. ولكن يظل السكان الجدد جزء لا يتجزأ من المجتمع تماماً مثل المقيمين منذ أمد طويل. وقد أكد المشاركون على كرم وطيبة قلوب جيرانهم. بالنظر إلى صغر حجم العزبة (حوالي 9 فدان) وتماسكها الاجتماعي، فإنه ليس من الصعب أن نتفهم لماذا يوجد لدى السكان وازع قوي للحفاظ على منطقتهم.
هذا التماسك الاجتماعي يتجاوز نطاق أولاد علام أيضاً. لقد كان المشاركون يشعرون بالفخر بسبب التضامن الذي أظهروه مع سكان منطقة الدقي أثناء ثورة يناير 2011 وخاصة في خلال أول ثمانية عشر يوماً – وهي الفترة التي اختفت فيها الشرطة من الشوارع. فقد عمل سكان المنطقتين بشكل وثيق مع بعضهم البعض لحماية أحيائهم ومنازلهم ونمى شعور بالمسؤولية المتبادلة تجاه بعضهما البعض. “لا أحد كان يستطيع أن يسبب أي ضرر في الجوار [حي الدقي بأكمله] لأننا كنا نعتنى ببعضنا البعض. الفيلات التي كانت تحيط بنا كانت تحمينا، ونحن أيضاً حافظنا على أمنها”، كما تفاخر أحد المشاركين.
وأشار السكان أيضاً إلى الموقع الجغرافي لأولاد علام باعتباره واحداً من جوانبها الإيجابية. وذكر المشاركون أن قرب العزبة من محاور النقل الرئيسية ميزة هامة. كانوا أيضاً يشعرون بالفخر لقربهم من العديد من المعالم بما في ذلك نادي الصيد وجامعة القاهرة فضلاً عن منازل المسؤولين المشهورين في الدولة والشخصيات العامة. وبشكل عام فقد عبر السكان عن شعورهم بالانتماء ليس فقط لأولاد علام ولكن لحي الدقي بأكمله.
وعلى عكس العديد من المناطق الأخرى ذات الدخل المنخفض، فإن بعض الأسر في أولاد علام يمكنها الحصول على الغاز الطبيعي. وقد أنشأت الحكومة أيضاً مكتبة الدقي وحديقة عامة. يقدر السكان أيضاً الجهود التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية المحلية لتحسين نوعية حياة السكان. ومن المثير للاهتمام ملاحظة ادراك السكان للميول السياسية للمنظمات غير الحكومية التي تعمل في المنطقة.
مشاكل عزبة أولاد علام
لقد تم ذكر العديد من صفات المنطقة من النواحي السلبية والإيجابية. وعلى سبيل المثال فقد أكد السكان مراراً وتكراراً على معدل التعليم العالي في أولاد علام، ولكنهم في نفس الوقت وجهوا نقداً لاذعاً للخدمات المدرسية في المنطقة. واشتكوا أن العديد من المدارس تبعُد عن العزبة بمسافات طويلة مما يجبر العديد من الطلاب على الانقطاع عن الدراسة بعد المرحلة الابتدائية. وقد ربطوا معدلات التسرب المرتفعة بمشاكل اجتماعية مع الشباب في المنطقة.
وقد كان الإسكان محل تقدير وأيضاً محل نقد شديد. إن الأرض التي بُنيت عليها أولاد علام كانت في الأصل ملك الأميرة فاطمة، والتي وقفتها لبعض الخدم والفلاحين لكي يعيشوا عليها منذ ما يقرب من مائة عام. تقع الأراضي الموهوبة مثل هذه تحت سلطة وزارة الأوقاف التي تستخدم صيغة محددة للحيازة تسمى “الحكر”. ووفقاً للسكان، فإن أجزاء أخرى من هذه الأرض لا تقع تحت ولاية الحكر الأصلي لكن تقع تحت الملكية بشكل غير قانوني (وضع اليد). وقد كان هذا مصدراً للمشاكل، كما إن السكان الحاضرين بورشة العمل لم يتمكنوا من التمييز بين الأراضي التي بُني عليها بصورة غير قانونية والأخرى التي تعتبر حكراً. يشعر السكان الذين عاشوا في المنطقة ما يقرب من مائة عام إنهم اكتسبوا حق تقنين ملكيتهم ومما يثير غضبهم إنهم مازالوا غير قادرين على إضفاء الطابع الرسمي للحيازة عن طريق شراء الأرض رسمياً بسبب تعنت وزارة الأوقاف.
كما اشتكى السكان أيضاً من القيود التي فرضتها الحكومة والتي تمنعهم من تجديد أو توسيع مساكنهم عن طريق بناء طوابق إضافية، حيث فرضت عليهم غرامات مالية باهظة إذا حاولوا تنفيذ إحداهما. السكان لايستطيعوا فهم المنطق وراء هذه القيود خصوصاً لأن منطقتهم محاطة بالمباني الشاهقة.
وبالإضافة إلى ذلك لايروق للسكان المظهر المتدهور للمنطقة حيث كانت هناك رغبة مشتركة عند الجميع لتجميل المنطقة عن طريق طلاء المباني وإيجاد المزيد من المساحات الخضراء. وتساءل السكان مرة أخرى عن سبب عدم اهتمام الحكومة بغرس الأشجار في المنطقة بالمقارنة مع المناطق المحيطة بها.
كما انتقد السكان الخدمات العامة في المنطقة إذ إنهم يشعرون بالإحباط لأن الإدراة المحلية نادراً ما توفر لهم الخدمات التي يحق لهم الحصول عليها. واشتكوا من أن مكتبة الدقي ليس لها ساعات عمل منتظمة وأنها مورد غير مستغل بكامل قدرته. واشتكى السكان أيضاً من تكرار انقطاع التيار الكهربائي، ومن قلة توافر أنابيب الغاز، وتراكم النفايات – وهي كلها من المشاكل المزمنة في معظم أحياء القاهرة الكبرى.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments