عقدت وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات مؤتمر في 21 أكتوبر 2014 للأعلان عن دراسة حول فقر الأطفال في المناطق العشوائية عنوانها فقر الأطفال متعدد الأبعاد في المناطق العشوائية غير الآمنة والمناطق العشوائية غير المخططة في مصر. وقد تم إجراء هذه الدراسة بالمشاركة بين منظمة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية الذي يقع الآن في نطاق اختصاص وزارة الدولة للتطوير الحضاري والمناطق العشوائية. وكان توقيت الإعلان عن هذه الدراسة يتزامن تقريباً مع اليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 أكتوبر. ودعت وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات ممثلي الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للمشاركة في نتائج الدراسة ولإشراكهم في نقاش حول السياسات الرامية لمكافحة فقر الأطفال في المناطق العشوائية. تقدم هذه المقالة نظرة عامة عن هذا الحدث فضلاً عن إستعراض لدراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية.
مؤتمر الإعلان عن الدراسة
بدأت الندوة بمقدمة موجزة تبعها عرض لفيلم اليونيسيف عن الأطفال في تل العقارب، وهي منطقة تقع في قلب حي السيدة زينب وعرّفها صندوق تطوير المناطق العشوائية على أنها من المناطق غير الآمنة1. قام هذا الفيلم القصير بمقارنة حياة أطفال تل العقارب مع حياة طفل يعيش في حي إمبابة، وهي من المناطق العشوائية “غير المخططة” التي تقع في محافظة الجيزة، وذلك لإبراز أن الظروف المعيشية لأطفال تل العقارب أكثر سوءاً. بعد عرض الكليب القى كل من فيليب دوامال، ممثل اليونيسيف في مصر، وليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات كلمات الافتتاح. أكد دوامال على ضرورة إعادة التفكير في الرؤية السائدة بأن المناطق الريفية هي موقع الفقر الرئيسي، وهو تصوّر لا يتوافق مع نتائج دراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية:
عندما يفكر معظمنا في طفل فقير، فأننا نتصور طفل في الأرياف لكن لن يتبادر إلى أذهاننا بنفس السهولة صورة طفلة تعيش في مدينة في ظل مدرسة لن تلتحق بها أبداً ولا عائلة محرومة من خدمات يتمتع بها الذين يعيشون على بعد بضعة شوارع فقط.
أكدت إسكندر على ضرورة أن نكون على دراية بالفقر وعدم المساواة اللذان يواجهان ملايين الأطفال في مدننا. وقد استشهدت بالخطاب الإعلامي الذي كثيراً ما يستخدم حول المناطق العشوائية، محذرة من أن المناطق العشوائية سوف تصبح بالفعل قنابل موقوتة ومرتعاً للإجرام إذا لم نتدخل. وذكرت أيضاً الحاجة لنظام شامل لحماية الطفل وأهمية إشراك منظمات المجتمع المدني، خصوصاً عند القيام بتنفيذ السياسات. وتلى كلمات الافتتاح عرض يوضح رؤية واستراتيجية وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات وعرض آخر يسلط الضوء على النتائج الرئيسية لدراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية وفيما يلي استعراض لتلك النتائج.
تضمن المؤتمر أيضاً عرضاً للواء سامح قنديل، محافظ بورسعيد، حيث قدم عرضاً عن مدينة بورسعيد، وجغرافيتها، وتجاراتها ثم قام بعرض مشروع إسكان الأمل الجديد، وهو مشروع مشترك بين المحافظة وصندوق تطوير المناطق العشوائية تم تنفيذه في منطقة زرزارة، وهي من المناطق التي عرّفها صندوق تطوير المناطق العشوائية على أنها من المناطق غير الآمنة، (والتي شملتها الدراسة). قدم قنديل المشروع كمثال لمشروع ناجح وعرض على الحاضرين جزء من فيلم من إنتاج الحكومة حيث تزغرد سيدة عند رؤية شقتها الجديدة لأول مرة. ولكن من المهم أن نلاحظ أن هذا السرد للأحداث كان إنتقائي. فقد تم إجلاء سكان زرزارة بالقوة وما زال هناك العديد من الأسر بلا مأوي حتى يومنا هذا2. وطيلة العرض الذي قدمه لم يذكر قنديل الأطفال على الإطلاق.
وفي النهاية اختُتم المؤتمر بحلقة نقاش وجلسة مُراقبة للأسئلة والأجوبة. إن دراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية توصي باتباع نهج متكامل للسياسة العامة الذي “يربط بين سياسة الإسكان في المدن والإستثمار في الخدمات الإجتماعية مع حماية إجتماعية فعالة” وبالتالي فقد كان ملائماً أن الموضوع الذي تم اختياره لنقاش اللجنة كان “النهج المتكامل لمكافحة فقر الأطفال في المناطق العشوائية” وشملت قائمة المشاركين المتوقعين وزراء من الوزارات المعنية (الصحة، والتضامن الإجتماعي، والتعليم، والتنمية المحلية) بالإضافة إلى محافظي المدن التي شملتها الدراسة. ولكن من المؤسف أن عدد قليل فقط من المحافظين والوزراء المذكورين حضروا بالفعل للإشتراك في النقاش، ودار معظم النقاش حول بطالة الشباب، والتدابير الصديقة للبيئة، ومشاريع الإسكان ووصلات الماء غير القانونية. أي باختصار، مواضيع شتى ما عدا موضوع المؤتمر وهو فقر الأطفال في المناطق العشوائية3. على مدار النقاش حاولت إسكندر إلقاء أسئلة ذات صلة لإعادة توجيه النقاش إلى هذا الموضوع ولكن جهودها كانت دون جدوى. وفي خلال جلسة الأسئلة والأجوبة دُعي الحضور إلى تقديم اسئلتهم مكتوبة وذلك أعاق إجراء مناقشة تلقائية ومفتوحة ووجد أفراد الجمهور الذين لديهم ملاحظات وثيقة الصلة ومثيرة للجدل صعوبة في الإعراب عن شواغلهم.
وإجمالاً فقد كان المؤتمر مخيباً للآمال. بالكاد نوقشت الدراسة وتوصياتها وللأسف لم يُظهر المسؤولين المدعوين كثير من الاهتمام بمسألة فقر الأطفال وكذلك قدر ضئيل من الحساسية تجاه سكان العشوائيات. وصف قنديل، محافظ بورسعيد، سكان منطقة معينة من المناطق العشوائية في محافظته بأنهم “شديدي الشراسة” كما قال اللواء أحمد عبدالله، محافظ البحر الأحمر أن مصدر مشاكلنا يكمن في السلوكيات والثقافة وليس في الموارد، وبذلك ألقى اللوم في المقام الأول على سكان العشوائيات للمشاكل التي يواجهونها وأعفى مسؤولي الحكومة. وعلاوة على ذلك لم يُظهر المسؤولين المدعوين كثير من الحماس للمشاركة في النقاش مُفضلين إستخدام المؤتمر كمنبر لسرد إنجازاتهم المزعومة.
إستعراض لدراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية
دراسة اليونيسيف وصندوق تطوير المناطق العشوائية فقر الأطفال متعدد الأبعاد في المناطق العشوائية غير الآمنة والمناطق العشوائية غير المخططة في مصر هي جزء من سلسلة دراسات عن فقر الأطفال بقيادة اليونيسيف. الهدف من الدراسة هو تقليل الفجوة المعرفية في مجال فقر الأطفال (سن 0-17) في المناطق الحضرية التي عانت من الإهمال لفترات طويلة من حيث التخطيط والسياسة العامة، وتحديداً في المناطق العشوائية الحضرية. كانت الدراسات السابقة واسعة النطاق، حيث تضمنت المناطق الريفية والحضرية في مصر. بتطبيق تصنيف صندوق تطوير المناطق العشوائية مع الأخذ في الحسبان بيانات من مجمل عشر مناطق عشوائية في مصر، أوضحت الدراسة أن الأطفال في الأحياء الفقيرة أو “المناطق غير الآمنة” اسواء حالاً من نظرائهم في المناطق غير المخططة.4 41.5% من الأطفال في المناطق غير الآمنة يواجهون فقر مادي، و50 إلى 60 % يعانون من فقر متعدد الأبعاد. تعريف الفقر متعدد الأبعاد هو المعاناة من الحرمان الشديد في بُعدين على الأقل من أبعاد الرفاهة. وطبقاً لنهج بريستول، هناك سبعة أبعاد للرفاهة يمكن استخدامها لقياس فقر الأطفال: الصحة، والتغذية، والماء، والصرف الصحي، والمأوى، والتعليم، ومصادر المعلومات والمعرفة.5 كل واحد من أبعاد الرفاهة هذه يتوافق مع مادة من المواد المنصوص عليها في الأتفاقية الدولية للأمم المتحدة لحقوق الطفل، والتي اعتمدها المجلس العام في 1989 وصدقت عليها مصر في 1990.
قدمت الدراسة عدد من الإسهامات خاصةً بصدد كيفية النظر والتعامل مع فقر الأطفال في المناطق العشوائية. عند شرحها لأصول وتطور المناطق العشوائية، أقرت الدراسة بأن العشوائيات كانت بشكل أو بآخر “استجابة فعالة” لعدم وجود سياسة ناجحة للإسكان على مدى عدة عقود، وقامت بتقديم نبذة تاريخية عن تطور المناطق العشوائية في مصر. إن فهم كيفية تطور هذه المناطق والمصطلحات المستخدمة لوصفها، خاصةً خلال المناقشات الحكومية وفي وسائل الإعلام، يلعب دوراً هاماً في تشكيل الموقف العام تجاه هذه المناطق ، كما يساعد على تبرير بعض الإجراءات المتخذة. امتنع التقرير عن استخدام مصطلحات مثل “بؤر الجريمة” و”بؤر التطرف الإسلامي” التي تعطي صورة غير دقيقة لتلك المناطق، وتؤدي إلى سوء فهم المشاكل التي تعاني منها. بالإضافة لذلك تؤدي مثل هذه المصطلحات المثيرة إلى إقصاء سكان هذه المناطق. على العكس من ذلك، إذا نظرنا لهذه الظاهرة نظرة موضوعية، مع فهم الأبعاد التاريخية سنجد – خلافاً للآراء القائمة منذ أمد بعيد – أن سكان العشوائيات ليسوا من الخارجين عن القانون أو”الشرسين” الذين قاموا بوضع اليد على أراضي ملكاً للدولة في وجود بدائل مشروعة ثم قاموا بخلق مناطق قبيحة حول المدينة عن عمد. الحلول المتوفرة لمحنتهم كانت محدودة في ظل حاجتهم للمأوى مع إنعدام توافر مساكن بأسعار في متناول اليد. إن سرد الدراسة لتطور المناطق العشوائية يُستكمل من خلال نهجها القائم على حقوق الفرد. فهي توضح أن للأطفال حقوق، وأن الفقر يعتبر انتهاكاً لحقوقهم، وأنه من الضروري إعطاء الأطفال المتأثرين بالفقر حقوقهم الواجبة.
ساعدت الدراسة على بناء فهم أفضل للمشكلة من خلال التركيز على الأطفال على وجه الخصوص واستخدام مؤشرات غير نقدية (فضلاً عن المؤشرات النقدية التقليدية) لتحليل الفقر. الآثار المترتبة من جراء الفقر على الأطفال تختلف عن آثاره على البالغين من حيث الشدة والإستمرارية، ومن ثم الحاجة إلى تحليل وصياغة سياسات خاصة بهذه المجموعة. وعلاوة على ذلك فإن المقاييس النقدية، مثل دخل الأسرة ومعدلات الاستهلاك، غير كافية في حد ذاتها لتوفير صورة كاملة ودقيقة لهذه المشكلة بكل تعقيداتها. مظاهر فقر الأطفال لا تتمثل فقط في الدخل المحدود وأيضاً لا يمثل الدخل الكافي حلاً شاملاً للمشكلة. كما توضح الدراسة، فقر الأطفال ظاهرة متعددة الأبعاد، تظهر نتائجها في مختلف المجالات تتضمن الإسكان، والصحة وتتطلب مزيجاً من المبادرات المختلفة.
وضحت الدراسة، على نحو صحيح، نقص عام في البيانات الخاصة بالمناطق العشوائية والحاجة إلى تصحيح هذا النقص في المعلومات، والذي يعتبرمسئولاً جزئياً عن العديد من المفاهيم الخاطئة حول المناطق العشوائية واختفاء سكانها من التخطيط ووضع السياسات. وعلاوة على ذلك، نجحت الدراسة في تقديم صورة متكاملة للمشكلة في الدولة من خلال انتقاء مناطق عشوائية في أربع مدن مختلفة (القاهرة والأسكندرية وبورسعيد وسوهاج).
وبعد ما قد قيل، كان في الدراسة عدة أوجه قصور منعها من أن تصبح مرجعاً ذو فائدة. فقد إستخدمت الدراسة مسح أسري وإستبيان مجتمعي لجمع البيانات. هدفت هذه الدراسات الاستقصائية في المقام الأول إلى إستخراج بيانات قابلة للقياس الكمي ولكنها اهتمت أيضاً (وإن كان بدرجة أقل قليلاً) بالبيانات النوعية مثل مفاهيم الفقر والمواقف تجاه ختان الإناث (24-5). وفي المقام الأول تقدم هذه الدراسة المنشورة للقارئ عدد من الإحصاءات والرسوم البيانية، التي توضح توافر مؤشرات مثل المرافق التعليمية في المناطق المعنية، والنسبة المئوية للمنازل التي يوجد بها توصيلات للمياه، ومعدلات التطعيم. لكن نوعية المعلومات المقدمة لاتوفر صورة كاملة ودقيقة بما فيه الكفاية عن فقر الأطفال في المناطق العشوائية، على الرغم من أنها تسد فجوة معرفية هامة. يمكن تلخيص نواحي القصور في المعلومات المُقدمة في هذه الدراسة على النحو التالي:
أ) ضعف العينة
كما ذُكر أعلاه، بحثت الدراسة كل من الأحياء الفقيرة والمناطق غير المخططة (انظر الجدول 1)، حسب تصنيف صندوق تطوير المناطق العشوائية . يشير مصطلح “الأحياء الفقيرة” لمناطق صنفها صندوق تطوير المناطق العشوائية على أنها غير آمنة ، في حين يشتمل مصطلح “المناطق غير المخططة” على جميع المناطق الأخرى التي تطورت بشكل عشوائي ولكنها لا تشكل أي تهديد لسلامة سكانها. تم انتقاء الأحياء الفقيرة من قائمة صندوق تطوير المناطق العشوائية للأحياء غير الآمنة وتم اختيار المناطق غير المخططة لكونها تجاور الأحياء الفقيرة المختارة.
أولاً، على عكس ماجاء في نظام تصنيف صندوق تطوير المناطق العشوائية، المناطق العشوائية ليست دائماً وبشكل قاطع إما “غير آمنة” أو “غير مخططة”. فمن المحتمل وجود منطقة غير آمنة أو عدد من المنازل غير الآمنة داخل منطقة غير مخططة. فعلى سبيل المثال، يوجد في عزبة خيرالله، وهي واحدة من المناطق “غير المخططة” المشمولة في الدراسة، خمس مناطق غير آمنة، وثلاثة منها مصنفة تحت “الدرجة الأولى”، أي أنها مناطق مهددة للحياة وينبغي نقل سكانها إلى مكان آخر. وبالتالي فإن نتائج هذه الدراسة ليست بالضرورة حاسمة في ضوء هذا التصنيف الذي من المحتمل أن يكون غير دقيق. كان على فريق البحث إستخدام الإسكان بدلاً من المنطقة كالعامل المستقل المتغيير عند تقييمهم لفقر الأطفال في المناطق العشوائية حتى يتسني لهم التقاط الفروق الدقيقة. وبالمثل إستخدام الإسكان غير الآمن والإسكان المقبول بدلاً من الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية على التوالي، كان سوف يُتيح لفريق العمل جمع المعلومات اللازمة للحصول على معدلات الحرمان لكل بُعد من أبعاد الرفاهة.
ثانياً، المناطق غير الآمنة تتفاوت. وقد اعترف صندوق تنمية المناطق العشوائية بهذا التباين عندما قام بتصنيف المناطق العشوائية تبعاً لدرجات الخطورة، ولكن العينة المختارة لهذه الدراسة لاتلتزم بذلك حيث أن كل المناطق غير الآمنة المختارة كانت من “الدرجة الثانية”. وإقراراً منها لطابع هذه العينة الذي يفتقر إلى التمثيل الإحصائي تنص الدراسة على ما يلى:
لاتمثل المناطق المختارة الطبيعة غير المتجانسة للمناطق العشوائية غير الآمنة في مصر تمثيلاً إحصائياً، لكنها تعكس أسوأ الظروف الحياتية والسمات الرئيسية المشتركة للمناطق العشوائية غير الآمنة.
بالرغم من أن مناطق “الدرجة الثانية” تشكل نسبة 70% من المناطق غير الآمنة التي حددها صندوق تنمية المناطق العشوائية إلا أنها ستكون ممارسة غير سليمة إذا عُممت هذه النتائج على كل المناطق غير الآمنة واسُتخدمت هذه البيانات المستمدة من عينة انتقائية كأساس لسياسات واسعة النطاق في هذه المناطق.
ب) تصنيف غير كافٍ للبيانات
معظم البيانات المقدمة في الدراسة مصنفة بشكل عام إلى “أحياء فقيرة” و “مناطق غير مخططة” ، وتم أيضاً تصنيفها حسب تقسيم الفئات العمرية لمراحل الطفولة6 حيثما كان ذلك مناسباً ومتاحاً. وقد أبرز تصنيف البيانات إلى أحياء فقيرة ومناطق غير مخططة أوجه التشابه والتباين بين هذين النوعين من المناطق، كما وفر صورة سهلة الفهم ولكنه طمس الاختلافات التي قد توجد بين الأحياء الفقيرة أو المناطق غير المخططة قيد الدراسة. قد تتأثر الأرقام التي تشير إلى الحرمان في الأبعاد المتعددة بظروف قصوى. ويتحتم نشر البيانات المتعلقة بكل من المجالات العشرة المشمولة في الدراسة خصوصاً لأن العينة المستخدمة غير ممثلة إحصائياً كما ورد في النقطة السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القيام بتصنيف البيانات المتعلقة ببُعد التعليم على حسب نوع الجنس كان من الممكن أن يكشف عن بيانات جديرة بالملاحظة وقد يكون لها تأثير على السياسات العامة. نوعية الجنس لم ترد في هذه الدراسة إلا في البيانات المتعلقة بأرباب المنازل. جنس الطفل له تأثير مباشر على الانتظام والبقاء في المدارس ولذلك كان من المفروض إدراجه تحت بيانات بُعد التعليم. قد يعدل أولياء الأمور عن إرسال بناتهم، على وجه الخصوص، إلى المدارس لإكمال تعليمهم من جراء الضغوط الاقتصادية، والثقافية، واعتبارات السلامة. وفي حين أن التحاق الإناث بالتعليم الأساسي تحسن بشكل ملحوظ على الصعيد الوطني، إلا أنه لا تزال هناك فجوة بين الجنسين – وإن كان ذلك أقل وضوحاً في المناطق الحضرية (الزاناتي وواي، 2008).
ج) مجموعة محدودة من المؤشرات
المؤشرات المستخدمة لقياس مستوى الحرمان في كل بعد من الأبعاد محدودة جداً حتى يتسنى لها تقديم صورة كاملة عن الوضع الراهن والكشف عن جميع دواعي القلق المحتملة بعمق كافٍ. على سبيل المثال، الحرمان من الرعاية الصحية، من خلال المؤشرات الموضوعة، يُعرّف من حيث تلقي التطعيمات والحصول على المشورة الطبية أو العلاج ، وتم قياسه للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 – 4 أعوام فقط. أن جمع المؤشرات الصحية للأطفال فوق سن 4 أعوام، وكذلك الحصول على معلومات إضافية عن الصحة النفسية في مقابل الحصول على معلومات صحيه فقط كان يمكن أن يكون مفيداً لأغراض صياغة سياسات شاملة. وعلى نحو مماثل فإن المؤشرات المستخدمة لقياس الحرمان من التعليم محدودة في نطاقها. لقياس مستوى الحرمان من التعليم فإن الدراسة تنظر إلى الالتحاق بالمدارس وإتمام التعليم بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 – 17 لكن مثل هذه المؤشرات لا تمثل معلومات مفيدة. الالتحاق بالمدارس وإتمام التعليم لا يعنيا بالضرورة التحصيل العلمي أو معرفة القراءة والكتابة. إن أضافة مؤشرات وربما تبيان حدود الحرمان الخفيفة أو المعتدلة يمكن أن يزيد من المعرفة للتخطيط والسياسات.
الخاتمة
في ضوء النقاط التي أثيرت، فإن هذه الدراسة لا يمكن أن يُنظر إليها إلا كدراسة أولية لتوجيه مزيد من الأبحاث حول فقر الأطفال. إن هذه الدراسة بين يدي صانع السياسة لا تقدم له شيئاً أكثر من أنها تشير إلى المناطق التي يجب عليه / عليها إعطاءها الأولوية – المناطق الغير آمنه فضلاً عن غيرالمخططة – وتقترح نهج سياسي متكامل. لمعالجة فقر الأطفال والظلم الاجتماعي في المناطق العشوائية يجب على الجهات المعنية التأكد من أن البحث دقيق ومُفصّل لكي يؤدي فهم أفضل للظاهرة بكل تعقيداتها ويقدم حلول صالحة وشاملة. إن إدراك تعدد أبعاد الفقر هو خطوة هامة ولكنها غير كافية للوصول إلى فهم أفضل. يقول جون هاريس، عالم الأنثروبولوجيا في بحثه إعادة السياسة مرة ثانية إلى تحليل الفقر أن الأبحاث عن الفقر “فشلت عموماً في معالجة العوامل الديناميكية والهيكلية والعلائقية التي تؤدي إلى الفقر” (2007). ينطبق نقد هاريس على دراسة اليونيسف وصندوق تطوير المناطق العشوائية. الإحصاءات المقدمة في الدراسة تقوم بالنظر إلى المشكلة بمعزل عن سياقها؛ أنها ترسم صورة للهدف (الطفل الفقير) في الموضع محط الاهتمام (المنطقة الغير رسمية)، وتتغاضى عن الديناميكيات والقوى التي تضع وتُبقي الطفل في مثل هذا الوضع. وهكذا فإن صناع السياسة، مزودون بصورة الطفل الفقير، سوف يبدأون في اتخاذ الإجراءات التي تعالج الشيء الذي يبدو أن يكون خطئاً في الصورة – مظاهر الفقر – وحيث أن هذه الصورة تُظهر طفل فقير في معزل عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإنه من غير المرجح أن تكون المساواة والعدالة من بين اعتبارات صانعي السياسات. الإجراءات، في الواقع، سوف تكون مجرد مُسّكن لكنها لن تقدم العلاج. إن التغيير الحقيقي، إذا كان هذا مدرجاً في جدول الأعمال، يقتضي فهماً أفضل وأشمل لهذه المشكلة التي نحن بصددها.
يلفت هاريس الانتباه في نقده إلى أصوات الفقراء (VoP) للبنك الدولي، وهي مبادرة بحثية في بلدان متعددة تجسد بديلاً للتيار الرئيسي في ممارسات أبحاث الفقر. وإذ يوضع في الأعتبار أن الفقراء هم “خبراء الفقر الحقيقيين”، فقد استخدمت المبادرة الأساليب التشاركية والنوعية لفهم الفقر. ومن بين الأساليب المستخدمة كانت مناقشات لمجموعات بؤرية، ودراسات حالة لأفراد كل على حدة، وتحليل السبب والأثر. إن دليل المنهجية هذا سهل الاستخدام وهو يسجل ويشرح بالتفصيل كل الأساليب. أبحاث الفقر بالأسلوب التشاركي بها أمكانات تحسين البحث وإفادة المشاركين والتأكيد على أن الفقراء هم مواطنين كاملين لديهم الحق في أن يكون لهم صوت مسموع (بينيت، 2004). غير أن الأبحاث التشاركية ليست مضمونة تماماً. ومن الممكن التلاعب بها لإبعاد الصبغة السياسية عن الموضوع ودراسته بمعزل عن سياقه في النهاية ولخدمة أجندات محددة. لهذا، وعلى الرغم من أنه من المهم تقييم وإعادة النظر في المنهجية الحالية للأبحاث لكي نفهم فقر الأطفال بشكل أفضل، فإن ذلك غير كافٍ. لمكافحة فقر الأطفال بصورة فعالة، فإن الجهات المعنية بما في ذلك واضعي السياسات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، يجب عليهم بذل جهود جادة لتوحيد التفاهمات وصياغة رؤية واستراتيجية متسقة.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments