جمال مبارك: برنامج لتوفير نصف مليون وحدة سكنية – الأهرام 2005
نقل سكان العشوائيات بالقاهرة خلال 4 سنوات – الأهرام 2010
«القاهرة»: نقلنا حوالي 17 ألف أسرة من «الأماكن الخطرة» إلى مساكن جديدة – المصري اليوم 2013
محلب يتفقد إسكان «الأولى بالرعاية» بأكتوبر.. ويؤكد:«اللى هيلعب فى قوت الناس مش هنسيبه» – المصري اليوم 2015
غالباً ما تتصدر العناوين الرئيسية للصحف أخبار مشاريع الإسكان الحكومية وزيارات المسؤولين وخطط نقل الأهالي من منطقة لأخرى ، ولكن تظل الآثار الناجمة عن تلك الخطط والأحداث مجهولة عادةً للغالبية العظمى. في هذه المقالة من سلسلة “اعرف مدينتك” سنتطرق إلى ما هو أبعد من الأخبار الرئيسية ونلقي نظرة فاحصة على منطقة سكنية جديدة نسبيًا، ظهرت إلى حيز الوجود كنتيجة للبرنامج الذي أعلنه جمال مُبارك في عام 2005 والتي يسكنها الآن بعض سكان العشوائيات الذين قامت محافظة القاهرة بنقلهم منذ عام 2010. كان الغرض الأصلي لبرنامج إسكان “الأولى بالرعاية” في مدينة 6 أكتوبر أو “مساكن عثمان” كما يعرفها سكانها وبعض الأطراف الأخرى الملمة بالبرنامج، هو حل لمشكلة النقص الحاد في المساكن، ولاحقاً مأوى بديل لسكان المناطق العشوائية، ولكن أصبح المشروع الآن مليئاً بالمشاكل لدرجة استدعت زيارة رئيس الوزراء في 6 مارس 2015. إن اهتمام الحكومة بالمشاكل التي تعاني منها مساكن عثمان لأمر حيوي دون شك، ولكن من الهام أيضاً فهم مكمن الخطأ ومحاولة التعلم منه، وهو ما سيضمن نجاح التدخلات في المنطقة وفي مناطق الأخرى. كما سنرى في هذا المقال، تسلط حالة “مساكن عثمان”الضوء على التناقض الصارخ بين برامج التنمية الطموحة -والتي قد تبدو أنها خطط حكيمة- من جهة، وواقع البشر المعنيين بهذه البرامج من جهة أخرى.
مساكن عثمان بالأرقام
المحافظة: غير متاحة
الحي: غير متاح
المساحة: 200 فدان
التعداد: 14 ألف نسمة1
تقع مساكن عثمان داخل حدود محافظة الجيزة ولكن بما أنها تقع داخل حدود “مدينة جديدة” –مدينة 6 أكتوبر– فأنها لا تخضع لنفوذ المحافظة والمستويات الأدنى من السلطات المحلية المسؤولة عن المنطقة. والسبب في ذلك هو أن كل المدن الجديدة تخضع لنفوذ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وهي هيئة حكومية تتبع لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة. وعلى خلاف المدن الأخرى التي تخضع للمحافظة والمستويات الأدنى من السلطات المحلية تدار المدن الجديدة محليًاً بواسطة جهاز أو إدارة المدينة. وبالتالي فإن جهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر هو جهاز الحكم المحلي الذي تخضع له مساكن عثمان.
قصة مساكن عثمان
تبدأ قصة مساكن عثمان في عهد مبارك، حيث نُفّذت منطقة الإسكان الاجتماعي الواقعة في جنوب مدينة 6 أكتوبر وفقاً للمشروع القومي للإسكان. وهو مشروع بدأ في أكتوبر 2005 لتحقيق وعد انتخابي قدمه حسني مبارك من خلال أول حملة انتخابات رئاسية في مصر متعددة المرشحين في سبتمبر 2005. هدف المشروع القومي للإسكان إلى توفير 500 ألف وحدة سكنية خلال 6 سنوات من خلال 7 محاور رئيسية (شوكت 2014). ومن ضمن هذه المحاور مشروع «الأولى بالرعاية» الذي يوفر وحدات سكنية مساحتها 42 متر مربع ولكن بخلاف مشاريع أخرى من أجل إسكان محدودي الدخل في مصر كان من المخطط تأجير هذه الوحدات لمدة 5 سنوات. عرّفت وزارة الإسكان المواطنين المستحقين في وصفها للمشروع تعريفاً غامضاً حيث وصفتهم “بالحالات الأكثر احتياجًا وغير القادرين على سداد مقدمات الحجز – العاملين بمصانع المدن الجديدة”. وكان من المقرر تنفيذ المشروع في عددٍ من المدن الجديدة، من ضمنها مدينة 6 أكتوبر. وكانت شركة “المقاولون العرب–عثمان أحمد عثمان وشركاه” من ضمن الشركات المتعاقدة لبناء هذه الوحدات . ولهذا السبب أطلق السكان وبعض الآخرين على مشروع الإسكان “مساكن عثمان” بالرغم من أن العنوان الرسمي للمشروع هو “الأولى بالرعاية”.2
شهدت مساكن عثمان عدة تغيرات منذ البدء في إنشائها، حيث كانت في الأصل تهدف لتوفير الإسكان الاقتصادي لذوي الدخول شديدة الانخفاض من الأفراد أو الأسر الصغيرة. حاليًا، يعيش السكان الحاليون لمساكن عثمان في ظل شروط إسكان –وحيازة- مختلفة، ويتكونون من عدة فئات متباينة. جاء السكان من مناطق ومدن مختلفة ولا تجمعهم صفات مشتركة إلا ربما إحتياجهم لإسكان ميسور التكلفة. يرجع هذا التطور لعدة أسباب وأحداث ففي إثر إنهيار صخرة الدويقة في منشأة ناصرفي عام 2008 وما نتج عن ذلك من مصرع 119 مواطن، دفعت هذه الأزمة السلطات إلى إتخاذ خطوات كان منها إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية. وكحل لهذه المشاكل قام الصندوق بتصنيف المناطق السكنية للتمييز بين المناطق “غير الآمنة” والمناطق “غير المخططة” وتعريف المناطق التي تمثل تهديداً لحياة الإنسان والتي تتطلب تدخلاً فورياً وإعادة توطين السكان. وبسبب مخاوفها من حدوث كارثة أخرى بدأت محافظة القاهرة في إخلاء السكان القاطنين بجوار الدويقة من منازلهم بالإضافة إلى بعض الساكنين في المناطق غير الآمنة وإعادة تسكينهم في وحدات “الأولى بالرعاية” الكاملة الإنشاء في مدينة 6 أكتوبر.3
لم يبقَ كل الذين أعيد تسكينهم من منشأة ناصر وعزبة خيرالله في المنطقة ولكن حل محلهم سكان آخرون غير أولئك الذين تم تسكينهم عن طريق المحافظة. ولقد تمكن هؤلاء من العثور على سكن والاستقرار في المنطقة بفضل إنشاء شركة سمسرة عقارية غير رسمية في المنطقة. وجد بعض الذين أعيد تسكينهم أن نوعية السكن أو موقعه غير ملائم ولذلك تركوا المساكن المخصصة لهم وقاموا بتأجيرها من الباطن. خلال السنوات القليلة الماضية خاصة بعد ثورة 2011 شجع فراغ السلطة المؤقت بعض الأفراد ذوي النفوذ على فرض سيطرتهم على بعض الشقق في المنطقة بل على عمارات بأكملها في بعض الأحيان، عندما أصبحت معروضة للإيجار أو للشراء بشكل غير رسمي. ظلت أسعار الإيجار في متناول الكثيرين إذا قورنت بأسعار الإيجار في القاهرة الكبرى، على الرغم من أنها كانت أعلى من أسعار الإيجار المقررة من قِبل الحكومة. ولذلك جذبت المنطقة الأفراد الذين تعذر عليهم العثور على سكن آخر بأسعار معقولة بما في ذلك اللاجئين من الدول الأفريقية والعربية الذين يواجهون صعوبات اقتصادية حادة. اللاجئون المقيمون أتوا من عدد من البلدان وهي سوريا والسودان والصومال والعراق واليمن ولكن تعذر العثور على بيانات عن نسب أو عدد الجماعات المختلفة المقيمة في المنطقة. معظم الأحصائيات المتاحة لا تهتم إلا باللاجئين السوريين في المنطقة. وقد يرجع ذلك لكبرحجم الجالية السورية أو لأنها تتمتع باهتمام خاص نظراً للوضع الراهن في سوريا. من المعتقد أن عدد السوريين في المنطقة يشكل أكبر شريحة، ففي 2014 أكثر من 80 % من اللاجئين المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين في مصر كانوا من سوريا. بالأضافة لذلك تلقى السوريون بصورة حصرية اهتماماً من مؤسسات الإعانة الدينية والتي قامت بتزويدهم بشقق في مساكن عثمان مما يفسر أعداد السوريين الكبيرة في المنطقة (أنقذوا الأطفال 2013).
المكان وأهله
نستطيع القول بأن مساكن عثمان مكانًا مُربكًا ومُحيرًا للتنقل بقدر ما، فبمجرد الاقتراب من موقع وحدات “الأولى بالرعاية” تشعر بانعزال المكان، بالإضافة إلى التشابه الواضح للوحدات السكنية ذات التصميم الموحد. قابعةً في موقعها النائي في صحراء 6 أكتوبر، على مسافة 10-15 كم من المجمعات السكنية المسورة (كومباوند) مثل “بالم هيلز”، ومجمعات التسوق الفاخرة مثل “مول العرب” المملوك لرجل الأعمال السعودي، لا تعد مساكن عثمان منعزلة مكانيًا فقط، ولكنها أيضاً منعزلة اجتماعياً واقتصادياً كما يتضح سريعاً. تمتد العمارات السكنية ذات الستة طوابق على امتداد شارع الواحات البحرية بدون أي شيء في البيئة المحيطة إلا المزيد من العمارات ومدافن مدينة 6 أكتوبر. العمارات المجاورة تم إنشاؤها بموجب مشاريع أخرى للمشروع القومي للإسكان أو مشاريع إسكان أخرى. وتواجه مساكن عثمان على الجانب الآخر من الشارع عمارات تابعة لمشروع آخر يتبع أحد برامج المشروع القومي للإسكان ويطلق عليه “بيت العائلة”4 بالإضافة إلى عمارات تحت الإنشاء يطلق عليها مشروع “إسكان المستقبل”5.
المفارقة أن اللافتة الكبيرة التي تعلن عن هوية المكان على مدخله كُتِب عليها “مشروع إسكان المواطنين الأولى بالرعاية”، بينما بمجرد دخول المنطقة يتضح تماماً مدى قلة “الرعاية” التي يحصل عليها المكان وأهله ولأي مدى هم في طي النسيان. لا يوجد في المنطقة غير مزيد من العمارات ذات الستة طوابق بالإضافة لعدد قليل من المحلات والمقاهي المتناثرة. العمارات مصممة بشكل موحد – تتفاوت فقط في لون الواجهة – وتتلاصق في مجموعات تفصلها ممرات واسعة ومساحات أرض فضاء كبيرة. كان الهدف من هذه المساحات إيجاد روابط إجتماعية بين السكان وأماكن تجمع ومناطق ملاعب آمنة للأطفال. ولكن في واقع الحال الكثير من هذه المساحات أصبح مغموراً بمياه المجاري وبنفايات المنازل بينما شغل السكان مساحات أخرى حيث أقاموا خيام مؤقتة للسكن أو لتربية الدواجن. وبالجانب إلى ذلك تجتذب هذه المساحات أطفال المنطقة الذين كثيراً ما يذهبوا إليها للتسكع واللعب وسط أكوام القمامة وبين الكلاب الضالة بدون أي مراقبة. على الرغم من أن مساكن عثمان مصممة بتخطيط مفتوح ويسهل التجول فيها إلا أن الإستخدام السئ للمساحات المذكورة أعلاه بالإضافة إلى التشابه الشديد للمباني وخواء المناطق المحيطة بها وعدم وجود معالم أو خصائص مميزة للمكان يصبغ على المنطقة طابعاً كئيباً ومخيفاً وغير آمن على الإطلاق.
المنطقة الوحيدة في مساكن عثمان التى قد تشبه الحي الشعبي المصري من حيث الصفات والحيوية هي ممر واسع وطويل له إسم على عكس معظم مناطق مساكن عثمان. أقام السكان على جانبي هذا الممر المعروف ب “شارع الأربعين” مختلف الأعمال التجارية في الأدوار الأرضية أو في المساحات أمام العمارات، وقد أوجد ذلك منطقة تجارية وشارعاً رئيسياً كان السكان في أمس الحاجة إليهما. بما أن كل الأسواق القريبة تقع خارج نطاق مساكن عثمان فإن شارع الأربعين قريب ومناسب لتلبية احتياجات المنزل اليومية. على طول الشارع ستجد مخبزاً وبقالة ومحل أسماك وكوافير لتصفيف الشعر ومقهيين بالإضافة إلى محلات تجارية وخدمية أخرى. مع تواجد الباعة الدائم أمام المحلات حيث يلعب الأطفال ويُسمع صوت الدراجات النارية ورنين موسيقى المهرجانات في الخلفية فإن شارع الأربعين بدون شك اصبح أكثر مناطق مساكن عثمان حيويةً وصخباً6.
إجمالاً فإن المنطقة لا تقدم أي شيء بخلاف المساكن التي تشبه علب الكبريت، بالرغم من أن مخطط المنطقة شمل مناطق للخدمات فهي حتى اليوم تفتقر إلى معظم الخدمات والمرافق الأساسية، كما لا تتوافر فيها أي فرص للعمل مما يجعل المنطقة بالكاد صالحة للمعيشة لسكانها الذين يعانون من أزمات مالية طاحنة.
السكان الذين يعيشون هناك مشغولون بمشاكلهم ومصاعبهم (التي ستُناقش في المقطع التالي) ولا يبدو أن لديهم أي ارتباط بالمكان أو مع بعضهم البعض. كما ذُكر آنفاً، بعد اقتلاعهم من ديارهم الأصلية وبعد أن تبين لهم أنهم لن يجدوا الراحة في مساكن عثمان فهم الآن يريدون الهرب منها لإعتقادهم بأن أي مكان آخر سيكون أفضل من هذا المكان المنعزل. المصريون منهم يحلمون بالعودة إلى ديارهم القديمة وأنماط حياتهم السابقة، ويفضلون الرجوع إلى منازلهم السابقة بغض النظر عن صِغرها أو كونها ليست آمنة للسكن، كما قالت إحدى السيدات من سكان مساكن عثمان “أودة واحدة في الدويقة أحسن ميت مرة”. وبالمثل، يندب السوريون الذين يعيشون في المنطقة حياتهم إذ لم يجدوا في مساكن عثمان ملجأ ملائم من بلادهم التي مزقتها الحرب. يتردد صدى هذه المشاعر في رسالتين على صفحة على فيسبوك تهدف إلى التوعية بالحالة القاتمة التي تواجه السوريين في مساكن عثمان و تناقش مواضيع تهمهم. عنوان إحدى هذه الرسائل التي تصف محنتهم يقول “سوري وأفتخر وبمساكن عثمان سأنتحر”.
مشاعر العزلة واليأس التي تولدت جزئياَ من البيئة المادية والظروف المعيشية في مساكن عثمان، نتجت أيضاً بسبب ضعف النسيج الإجتماعي. إذ جاء معظم سكان مساكن عثمان بمفردهم أو مع مجموعات صغيرة. ولأسباب شتى فضلوا البقاء بمفردهم أو بالاختلاط اجتماعيا داخل مجموعة صغيرة ومألوفة. يُفضّل اللاجئون على وجه الخصوص الحد من التفاعل مع الآخرين، وذلك في حدود النفعية اللازمة حتى يتجنبوا المضايقات اللفظية والاعتداء، ولذلك يتفاعلون داخل مجتمعاتهم المنفصلة فقط. فضلاً عن اختلاف المستويات الاجتماعية والثقافية، وانتشار الجريمة والمخدرات في المنطقة، وهي من العوامل الإضافية التي تدفع الناس إلى تجنب الآخرين. بعض الآباء والأمهات (معظمهم من غير المصريين) يراقبون أطفالهم عن قرب، ويمنعوهم من اللعب في الشوارع، من وجهة نظرهم لأنه لا يجب أن يلتقط أطفالهم سلوكاَ سيئاً من الأطفال الآخرين وبالطبع لحرصهم على سلامتهم. يفضل السوريون والسودانيون عزل أنفسهم أيضاً عن طريق إرسال أطفالهم إلي مدارس سورية وسودانية قاموا بتأسيسها في منطقة مساكن عثمان أو بالقرب منها حيث يرون أن هذه المدارس توفر بيئة مألوفة وآمنة وتقدم تعليماً مقبولاً بالمقارنة بالمدارس الحكومية المصرية. إن عدم التماسك الواضح للمجتمع، ناهيك عن انعدام علاقات حسن الجوار بين مجموعات السكان المختلفة، يساهم في جعل الحياة غير مُرضية وغير مجزية لسكان مساكن عثمان ويحول دون تماسكهم وتعاونهم سوياً من أجل إيجاد حلول لمشاكلهم المشتركة.
ماهي مشاكل مساكن عثمان؟
يواجه سكان مساكن عثمان العديد من المشاكل في حياتهم اليومية التي يمكننا أن نلخّصها على النحو التالي:
حجم الوحدات السكنية
المساحة الموحدة البالغة 42 متراً مربعاً للشقة ذات غرفتي النوم صغير جداً للعديد من الأسر. مثالاً لذلك الأسر المكونة من أكثر من أربعة أشخاص وأطفال من كلا الجنسين والتي تشكو من الزحام والاضطرار إلى تحمُل ترتيبات غير ملائمة وغير صحية للنوم، وبالأضافة لذلك يجد السكان مساحة دورات المياه البالغة مترين مربعين غير مريحة وتعيق الحركة.
بُعد الموقع وضعف البنية التحتية وعدم توافر الخدمات
بُعد مساكن عثمان وموقعها المنعزل ليس فقط مصدر إزعاج للسكان ولكنه يمثل صعوبة كبيرة لهم، وبالأخّصّ لخلو المنطقة من المرافق الأساسية والخدمات الفعالة وفرص العمل. حاليًا، أصبح يوجد هناك مدرسة للتعليم الأساسي7 تحت الإنشاء، وبالرغم من وجود وحدة صحة للأسرة فهي ليست مجهزة تجهيزاً كافياً بعد.8
ومما يزيد من حدة المشاكل غياب وسائل المواصلات العامة. لذا فان التوك توك والميكروباص هي وسائل المواصلات الوحيدة المتوفرة لسكان مساكن عثمان. على السكان الذين يعانون من ضيق ذات اليد تكبّد تكاليف مواصلات مرتفعة للقيام بأبسط المهام، مثل شراء مواد غذائية بأسعار معقولة أو الذهاب إلى العمل أو إلى المدارس أو الحصول على الرعاية الطبية. بالنسبة للأطفال على الأخص يعتبر الوصول إلى المدارس الأقرب لهم -الواقعة في أحياء بيت العائلة وإسكان المستقبل في الجهة المقابلة- ليس فقط أمراً مُكلفاً ولكنه يتسم بالخطورة أيضاً، حيث يضطر الأطفال إلى عبور طريق الواحات البحرية السريع الذي يفتقر إلى مناطق مخصصة لعبور المشاة. يسبب هذا الطريق قلقاً بالغاً لسكان مساكن عثمان حيث شهد العديد من الحوادث المفجعة التي تسببت في وفاة العديد من أطفال المنطقة.
تمثل إمدادات المياه غير المنتظمة، والتى لا يمكن الاعتماد عليها، مشكلة أخري لها تأثير خطير على الظروف المعيشية للسكان. فعلى الرغم من أن مشاكل إنقطاع المياه تؤثر على الكثيرين في القاهرة الكبرى، فإن معاناة سكان مساكن عثمان أكثر من الغالبية العظمى إذ يتعرّض السكان بصفة شبه يومية لانقطاع المياه لعدة ساعات وفي بعض الأحيان يستمر الانقطاع لفترات أطول. وقال بعض سكان المنطقة أن المياه انقطعت لمدة شهر كامل خلال صيف عام 2014. فدفعت مشاكل المياه البعض لإغلاق طريق الواحات البحرية في 11 يونيو 2014 وفي المقابل ألقت الشرطة القبض على العديد من هؤلاء المحتجَين وأحالتهم للنيابة العامة. في نهاية المطاف أصدرت محكمة جنح 6 أكتوبر الحكم ببراءة المتهمين ومع ذلك مازالت مشاكل إنقطاع المياه مستمرة دون ظهور حلول في الأفق.
فرص إقتصادية محدودة
واجهت البلاد بأكملها ركوداً إقتصادياً على مدى السنوات القليلة الماضية مما زاد من صعوبة الحصول على عمل لسكان المناطق النائية. وبهدف كسب العيش يلجأ سكان مساكن عثمان لفتح أكشاك ومشاريع تجارية صغيرة في المنطقة أو البحث عن عمل في المناطق المجاورة كعمال مصانع وعمال نظافة وموظفي أمن في المراكز التجارية وغيرها من المهن التي لا تتطلب مهارات معينة. بالنسبة للنساء الباحثات عن عمل على وجه الخصوص فرصهم في السواد الأعظم من الحالات تكاد تقتصر على العمل في المنزل ومع ذلك حتى مع وجود مصدر للدخل فإن معظم سكان مساكن عثمان يواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم. وفي حين يشكو أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة من ركود الحركة التجارية في المنطقة، فان الذين يعملون لديهم يشكون من ضعف الأجور.
إنعدام الأمن
يشعر سكان المنطقة عموماً بأنهم مهددون ويعتريهم الشعور بالقلق إلى جانب كل المشاكل المذكورة أعلاه، إذ ينتابهم هذا الشعور نتيجة لعدد من الضغوط. ساعد إنعزال المنطقة جنباً إلى جنب مع عدم وجود قسم للشرطة وإهمال السلطات للمنطقة على إنتشار البلطجة والعنف في مساكن عثمان. وأضف إلى ذلك عدم ثقة الناس بعضهم ببعض وعدم وجود أية روابط إجتماعية بينهم مما يؤدي إلى تصاعد الاحتكاكات اليومية البسيطة إلى خلافات تتم تسويتها في أغلب الأحيان عن طريق العنف. بالإضافة إلى ذلك، يواجه السكان قضية إضافية هامة تساهم في عدم الشعور بالأمان، وهي مشكلة الحيازة. أولئك الذين يعيشون في الوحدات المخصصة لهم لا يشعرون بالأمان في السكن لأن عقود الإيجار التي منحتها لهم محافظة القاهرة مؤقتة فقط وأيضاً لأنهم يواجهون صعوبات في تسديد الإيجار منذ نقل مكتب التحصيل إلى خارج مساكن عثمان إثر حدوث مشاجرة عنيفة. ويعاني من القلق أيضاً السكان الذين يعيشون في وحدات مؤجرة من الباطن بشكل غير مشروع لأنه لا يحق لهم في المقام الأول السكن هناك بصفة رسمية.
الإنطباع السلبي تجاه المنطقة
بالرغم من بعض عناصر الجريمة وتجارة المخدرات في المنطقة، كما أفادت المقابلات مع السكان، إلا أن التصور الدارج لمن هم من خارج المنطقة، بأن جميع السكان والمقيمين فيها تجار مخدرات ومجرمون هو تصور غير منطقي ويضر بجماعة مغبونة بالفعل، وذلك يؤدي إلى مزيد من التهميش للمنطقة وسكانها. وفقًا للسكان الذين أجريت معهم المقابلات فإن سوء سمعة المنطقة تدفع سائقي التوكتوك في كثير من الأحيان إلى رفض توصيل الركاب إلى المنطقة.
ما أهمية دراسة مساكن عثمان؟
تكمن أهمية دراسة هذا المكان المُثقل بالمشاكل في الدروس بالغة الأهمية التى يقدمها، فعلى الرغم من أن هذه المنطقة السكنية كان المقصود منها أن تقدم حلًا لمشاكل المناطق القائمة، فقد أصبحت المنطقة لاحقًا مشكلة في حد ذاتها. إن بناء الوحدات السكنية الواحدة تلو الأخرى لم يحل أزمة الإسكان. كما أن إعادة توطين سكان المناطق غير الآمنة ربما أتاحت للسلطات أن تغسل أيديها من توابع وقوع كارثة أخرى محتملة على غرار كارثة الدويقة، فإن ملبسات عملية إعادة التوطين وانعدام متابعة أوضاع السكان بعدها ساهموا بشكل أساسي في تفاقم الأزمة الواقعة ومحسوسة. وهناك علامات كثيرة لفشل مشروع مساكن عثمان منها:
- أعمال البناء والتشطيب لا تزال جارية –وقت كتابة هذا المقال في 2015.وبذلك فإنها تجاوزت الإطار الزمني لخطة السنوات الست الموضوعة من قِبَل المشروع القومي للإسكان (2005-2011).
- الوحدات المُكتملة لم تستخدم بصورة حصرية لإسكان “الأولى بالرعاية” أو لإسكان هؤلاء الذين قامت محافظة القاهرة بإعادة توطينهم من المناطق غير الآمنة، أي المستهدفين الأصليين للبرنامج.
- يضطر السكان إلى اللجوء إلى مناطق أخرى للحصول على الخدمات الأساسية.
- على الرغم من أن المنطقة السكنية مصممة أصلاً بغرض خلق شعور بالنظام والتناسق، إلا أنها الآن وبشكل متزايد تبدو عليها مظاهر العشوائيات – تلك المناطق بذاتها التي تهدف الدولة إلى الحد من تزايدها.
- النسيج الاجتماعي مجزء ومتقلب.
- معظم السكان يعتبرون المنطقة غير صالحه للسكنى ويتمنون الهروب منها.
تعكس الحالة الراهنة للمنطقة، وأيضًا نضال سكانها اليومي من أجل العيش، مدى سوء تخطيط وإدارة العمران هنا، كما يعكسان ضعف قدرة الدولة على التعامل مع حالات الطوارئ.
إن عدم ملائمة المنطقة واضح وضوح الشمس، ونرى أن جذور هذه المسألة تعود لسلسلة من المخططات والقرارات المعيبة التي كانت مدفوعة بالمصالح السياسية والاقتصادية بشكل أساسي، فضلاً عن تقاعس السلطات عن أداء مهامها في السنوات الأخيرة.
إذا نظرنا إلى تصميم وتخطيط المنطقة ستتضح أسباب فشلهما في معالجة المشاكل السائدة التي كان ينبغي أن تُحل مسبقاً. يبدو أن المهندسين المعماريين للمشروع القومي للأسكان قرروا أن مساحة 42 متراً مربعاً للشقة هي مساحة مناسبة بالرغم من أن العديد من المنازل مكونة من الأسر الممتدة التي تخرج خارج إطار النواة الأسرية من الأباء والأمهات والأطفال. استمر اتباع هذا النهج طوال فترة نقل محافظة القاهرة للسكان من منازلهم الخطرة وإعادة إسكانهم في مساكن عثمان، معتقدة أن توفير المساكن كافٍ لجعل منطقة منعزلة ومهجورة صالحة للسكنى. عملية إعادة التوطين في حد ذاتها تسببت في المزيد من الضرر للسكان حيث إنها أجريت على عجل وبدون مراعاة للظروف، كما افصح السكان في المقابلات معهم. أضاف السكان في هذه المقابلات أنه لم يتم إخطارهم بالنقل إلا قبل يومين فقط من الميعاد المحدد وان المعلومات عن مكان انتقالهم لم تكن وافية، بالإضافة إلى إنهم كان عليهم تحمُل مصاريف نقل ممتلكاتهم بأنفسهم. صُدموا عند وصولهم إلى الموقع عندما وجدوا أنفسهم في مكان ناءٍ ومهجور وليس في داخل مدينة 6 أكتوبر نفسها -كما وعدوا، وأيضاً عندما وجدوا أن الشقق أصغر مما وعدوا به. ومما زاد من شعورهم بالإحباط أنهم شاهدوا هدم منازلهم السابقة بأنفسهم ومنذ تلك اللحظة اصبحوا بلا مكان للعودة. بالإضافة لذلك انتظروا ساعات طويلة قبل الحصول على مفاتيح شققهم مما زاد من حدة تجربتهم المؤلمة. وحتى عندما جاء وقت تخصيص الشقق لم تبدِ السلطات أي إعتبار للناس واحتياجاتهم ، فعلى سبيل المثال خُصصت شقة في الدور السادس (أعلى طابق) لسيدة مسنة بدلاً من وحدة في الطابق الأرضي. وللأسف مثل هذه القصص ليست مقصورة على مساكن عثمان.
لم تتحسن الحالة مع مرور الوقت من وجهة نظر السكان المقيمين هناك منذ فترة طويلة. لم تنفذ معظم الخدمات المخطط لها على الرغم من مرور عدة سنوات منذ إعادة توطينهم، والمنطقة مازالت غير مناسبة كبديل لأماكن إقامتهم السابقة. زاد إهمال مساكن عثمان عندما مرت البلاد بالتغييرات السياسية الجذرية خلال عام 2011 ، وعندما زاد تنوع السكان ظهرت مجموعة جديدة من المشاكل الاجتماعية. على الرغم من أن صندوق تطوير المناطق العشوائية أجرى تقييماً للاحتياجات المحلية في نهاية عام 2011 ووضع عدداً من التوصيات لتحسين المنطقة مثل تأسيس وحدات شرطة وخدمات اجتماعية في المنطقة إلا أن الغالبية العظمى من هذه التوصيات لم تنفذ بعد.
فرص تطوير الحي
كما رأينا سابقاً، فان معظم شكاوى السكان تدور حول عدم وجود خدمات في المنطقة. إلا أنهم الآن يأملون أن يشهدوا تحسناً في حياتهم اليومية، حيث يجري العمل حالياً لتجهيز الوحدة الصحية الموجودة كما جاء في بيان لوزير الصحة، وهناك أيضًا مدرسة قيد الإنشاء. بطبيعة الحال لا يمكن التكهن في الوقت الحالي بحجم أو أهمية هذه التحسينات، فذلك سيعتمد على قدرة الخدمات المقدمة على تلبية احتياجات سكان مساكن عثمان كمًا وكيفًا. ورغم ذلك، نرى أن ضمان توفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم في المنطقة وتفعيل عملها، يعتبر على الأقل خطوة تضع مساكن عثمان على طريق الاستدامة. من الأمور الملحّة كذلك ضرورة توفير خدمات النقل العام لمنطقة نائية كتلك، وقد رصدنا بالفعل مخططًا لإنشاء شبكة مواصلات عامة، حيث من المقرر أن يقوم الخط الرابع لمترو الأنفاق بخدمة مدينة 6 أكتوبر وربطها بالقاهرة والجيزة. كما تم الإعلان مؤخراً عن خطط لإنشاء خط قطار معلق “مونوريل” وخط أتوبيسات عامة لخدمة مدينة 6 أكتوبر. التنفيذ الناجح في الوقت المناسب لهذه الشبكة، سيخفف من تكاليف المواصلات التي يتكبدها سكان مساكن عثمان، ويساعد على زيادة حرية تنقلهم، ويسهل من سبل وصولهم للمدارس وفرص العمل. وعلاوةً على ذلك، فانه كلما تحسنت وسائل الانتقال في المنطقة كلما زاد شعور السكان بالأمان.
ولكن هل سيحّول توفير الخدمات المختلفة مساكن عثمان بعصى سحرية إلى حي خالٍ من المشاكل؟ بالطبع لا. إنّ توفير الخدمات لازم بالفعل ولكن مساكن عثمان في حاجة ماسة لرؤية جديدة وليس لحلول منفصلة. هناك بعض الأسئلة الأساسية التي تحتاج إلى إجابات: هل من المفترض أن تبقى مساكن عثمان منطقة سكن اجتماعي على النحو المتصور في رؤية المشروع القومي للإسكان لبرنامج “الأولى بالرعاية”، أو منطقة إعادة تسكين مؤقتة للمهجرين من مناطق أخرى، أو منطقة سكنية عادية؟ هل يمكن أن تكون كل هذه الاختيارات الثلاثة؟ ماهي القواعد التي ينبغي تطبيقها؟ وما هو الحل العملي إذا نظرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات داخل المنطقة ومع الأطراف المتدخلة والمعنية بشئونها؟
هذه هي الأسئلة التي ينبغي للسلطات المعنية الإجابة عليها، وتحديداً وزارة الإسكان، وصندوق تطوير المناطق العشوائية، ومحافظة الجيزة، وجهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر. وإلا أن يتسنى لهم الإجابة فان عليهم العمل على تحقيق التوازن بين الحاجة لتضييق الخناق على الخروج عن القانون في المنطقة، وبين الحاجة لتفادي المزيد من التدهور في الوضع. على سبيل المثال، إذا نظرنا من منظور تطبيق القانون، قد يبدو إخلاء السكان من الوحدات المؤجرة من الباطن خطوة معقولة لتحقيق السيطرة على المنطقة، ولكن من المرجح أن مثل هذه الخطوة قد تضر أكثر مما تنفع. فمعظم الذين يعيشون في هذه الوحدات غير المخصصة يمتلكون نفس المواصفات الاجتماعية والاقتصادية كنظرائهم في الوحدات المخصصة، وقد استقروا في المنطقة لعدم توافر البدائل السكنية بتكلفة مناسبة، ولذلك فإن إخلائهم يعرض أضعف الفئات إلى التشرد ويدفعهم إلى المناطق العشوائية – وهي المناطق التي تستهدف الدولة الحد من نموها.
لذا فعوضًا عن الإخلاء، يتوجب على صناع القرار النظر في وضع مجموعة جديدة من المعايير المستجيبة لسياق كهذا، بهدف تعريف المستحقين للشقق في المنطقة. المعايير الأصلية المنصوص عليها لوحدات “الأولى بالرعاية” غامضة جداً وغير مفيدة بالنسبة لوحدات مساكن عثمان، كما لا تصلح أيضاً معايير الأمر الواقع. لا تنطبق المعايير المقررة على عدد من الناس الذين يقيمون اليوم في مساكن عثمان ولكن يمكن القول أن معظمهم في حاجة ماسة إلى مساعدات الحكومة، من بينهم سيكون السكان الذين يستأجرون الوحدات من الباطن على سبيل المثال. يحتم الوضع السائد تحديد الاستحقاق وفقاً للمقدرة الاقتصادية للأفراد، مع الأخذ في الاعتبار احتمالية التزامهم بسداد المبالغ المطلوبة -حيثما يكون ذلك مناسباً. تحديد المسئولية في حالة مساكن عثمان سيكون صعباً بدون شك، لاسيما لأن القانون الوحيد الذي يتعلق بالإسكان الاجتماعي ينطبق على مشروع الإسكان الإجتماعي فقط. قانون الإسكان الإجتماعي الذي أُقر في مايو 2014 يلزم المستفيدين بوحدات مشروع الإسكان الإجتماعي بإسكان أنفسهم وعائلاتهم المكونة فقط من الأب والأم والأطفال في الوحدات المخصصة ولايسمح بأي استخدام آخر للوحدات المخصصة إلا بإذن من مشروع الإسكان الإجتماعي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ينبغي على الحكومة التعامل مع الوحدات المؤجرة أو المُباعة أو المسكونةً من الباطن غير القانونية في مساكن عثمان ، لا سيما أن هؤلاء المستفيدين هم من الأفراد ذوي الدخل المحدود الذين يحتاجون إلى السكن بأسعار معقولة؟
وعلاوة على ذلك، يشعر السكان الذين خصصت لهم محافظة القاهرة وحدات أنهم مهددون دائمًا بفقدان شققهم لصالح المجرمين في المنطقة. وبالتالي هناك حاجة لتأمين المنطقة والقضاء على البلطجة، ولكن إلى جانب ذلك على محافظة القاهرة تمديد فترة عقد الإيجار واتخاذ الترتيبات اللازمة للسماح للمستأجرين بدفع الإيجار الشهري.
ربما يجب على صناع القرار النظر في تبني عملية صنع قرار مختلفة كليةً لتحسين الوضع في مساكن عثمان. توضح دراسة المنطقة مدى كارثية القرارات المتسرعة الصادرة من أعلى، فلماذا إذن تتكرر مثل هذه القرارات؟ إذا كنا نريد معالجة مشكلة حيازة العقارات أو حتى أي قضايا أخرى على نحو فعال، فعلى صناع القرار بلورة فهم حقيقي للمنطقة والأخذ في الاعتبار التطورات التي طالما تجاهلتها السلطات، أو لم تكن مدركة لها. لتحقيق ذلك ينبغي عليهم السعي بشكل دائم والترحيب بمشاركة وتعاون الأطراف الفعالة على أرض الواقع ممن لديهم نشاطًا كبيرًا في المنطقة. المنظمات المحلية غير الحكومية مثل مؤسسة شعراوي للتنمية وغيرها من الأطراف المهتمة بقضايا محددة داخل المنطقة، تعتبر مورداً غير مُستغل، وهذه المنظمات غالباً ما تدعو وتسعى إلى التعاون مع الجهات المهتمة بتنمية المنطقة. وهناك حاجة لا يمكن إنكارها لتقوية النسيج الاجتماعي في المنطقة ولتهيئة بيئة مرحبة وأكثر أمناً للاجئين على وجه الخصوص. شرعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2014 بالتعاون مع عدد من الجهات الفاعلة ضمت جهاز تنمية مدينة 6 أكتوبر ومؤسسة الشعراوي والسكان لمعالجة هذه المشكلة. وبفضل هذا التعاون =أثمر المشروع عن إنشاء ملعب مفتوح للأطفال، وافتتحت حديقة “جنينة” في فبراير 2015 في حضور ممثلين من جهاز تنمية 6 أكتوبر . الحفاظ علي “جنينة” كمنطقة آمنة قادرة على الترحيب بالجميع ومعالجة مشاكل أخرى على نحو فعال سيتطلب تعاون مماثل.
من المهم أن يؤخذ في الاعتبار أن تنمية أي منطقة، وهذا يتضمن مساكن عثمان، يتأثر بالبيئة المحيطة. ويكمن مستقبل المنطقة ليس فقط في القرارات الصادرة تجاهها ولكن أيضاً في الرؤية الوطنية الموجهه للتنمية الحضرية. في خلال مؤتمر دعم وتنمية الإقتصاد المصري الذي عقد في شرم الشيخ في 13-15 مارس 2015 كانت مدينة 6 أكتوبر (حيث تقع مساكن عثمان) من المواقع التي سلطت الحكومة المصرية عليها الضوء للأستثمار. شملت المشاريع المقترحة للمنطقة على “تنمية حضرية عظمى لواحة أكتوبر”، و”6 أكتوبر واحة حضرية”، و”مركز مرابط للفروسية والرياضة “، و”مدينة 6 أكتوبر السياحية” . وقعت وزارة الإسكان خلال هذا المؤتمر على مذكرات تفاهم مع بالم هيلز وشركة آبار لمشروع “واحة أكتوبر” وأخرى مع مجموعة عربية للإستثمار العقارى لمشروع “مدينة 6 أكتوبر السياحية”. وتشمل الخطط التي وضعتها شركة آركبلان لمشروع “واحة أكتوبر” على مساحات مائية ومساحات خضراء وملاعب جولف وناطحات سحاب علع طراز ناطحات دُبي. وعلى نحو مماثل فأن الرؤية المستقبلية للمدينة السياحية (التي تقع قرب الأهرامات والمتحف المصري الكبير) تتسم بالفخامة، ففي عرض نشرته مجموعة عربية هناك فندق 7 نجوم على طراز المعابد، ومركز للألعاب الإلكترونية، ومراكز للتسوق، وملاهٍ. ووفقاً للدكتور مصطفى مدبولي وزير الإسكان ستصبح 6 أكتوبر العاصمة السياحية للقاهرة الكبرى. وعلى افتراض أن تتحقق هذه المشاريع ماهو مصير مساكن عثمان؟ صرح مدبولي أن الوزارة تتقدم بمثل هذه المشاريع الإستثمارية في المقام الأول لتمويل مشاريع الإسكان ومشاريع المياه والصرف الصحي ولخلق فرص عمل. ولكن نظراً لسجل الحكومة في إدارة مساكن عثمان، من الصعب عدم أخذ هذه الوعود بدرجة من الشك.
الخلاصة
الوضع الحالي في مساكن عثمان، والذي يعتبر كارثي على أقل تقدير، يمكننا أن ننسبه إلى شخصيات عامة محددة، أو جهات حكومية، أو أحداث، أو حتى للسكان أنفسهم ولكن هذا الوضع السيء يرجع في المقام الأول وقبل كل شيء لأنظمة حوكمة سلطوية تتبع نمط “التخطيط الفوقي” متجاهلة حق المواطن في السكن الملائم. وعلى الرغم من الفشل الواضح والمستمر لايزال التخطيط الفوقي النمط المفضل للتخطيط في مصر حتى يومنا هذا. على النقيض من شعبيته ونتائجه التي قد تبدو فخمة فإن هذا النمط من التخطيط غالباً ما يؤدي إلى كوارث بدلاً من حلول لأنه يقوم على افتراضات وحقائق منتقاة وليس على فهم متعمق للحالة ولإحتياجات المستفيدين المستهدفين. وبذلك يتم تقليص الفئات المستفيدة إلى وحدات أحادية جامدة ويتم تجاهل الحقائق المعقدة والمتغيرة. وعلاوة على ذلك، عادة ما يسعى هذا النوع من التخطيط لإيجاد حلول سريعة أو مكاسب سياسية واقتصادية وهكذا تتسم الخطط الناتجة بقصر النظر ولا محالة (سكوت 1998).
إذن هل هناك شيء يمكن تحقيقه في مساكن عثمان؟ نعم، إن تزويد المنطقة بالخدمات ومعالجة المشاكل الرئيسية الأخرى سيساعد بالتأكيد على جعل مساكن عثمان أكثر صلاحية للسكن, ولكن إن قصدنا الاستدامة فعلينا أولا وأخيرًا اللجوء لمنهج مختلف في حل المشكلات يرتكز حول الناس واحتياجاتهم وينطلق من منطلق حقوقي قويم.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments