في مختلف المدن والأحياء والأقاليم، تبدأ الاختلالات فى الظهور عندما يبدأ الاقتصاد فى التحول، وعندما تتحول الموارد من مكان إلى مكان آخر، وعندما تتغير سياسات الحكومة، وعموما عندما ترحل الفرص إلى مكان بعيد. عندها يشدّ المحظوظون الرحال إلى مكان أفضل، بينما يبقى آخرون فى ذات المكان ليواجهوا مشاكل الحرمان والنسيان.
تصحيح الاختلالات من هذا القبيل هو أمر قد يتحدث عنه السياسيون ويناضل من أجله النشطاء، ولكن النوايا الطيبة قد لا تتحول بالضرورة إلى أفعال. لذا فإنك كثيرا ما ترى المناطق الأكثر ثراء فى المدينة تمتلك أفضل المدارس والمستشفيات، وتجد القمامة وهي تجمع بانتظام من المناطق التى يرتادها السياح، وتلاحظ أن الأحياء التي يقطنها كبار موظفى الحكومة وأعضاء السلك الدبلوماسى بها أفضل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى، في وقت قد تعاني فيه بقية مناطق المدينة من الفقر ونقص الموارد.
مثل تلك الأوضاع يمكن تصحيحها عن طريق تقديم معلومات أفضل حول الاختلالات القائمة وعن مدى حدتها وموقعها. وقد بدأ الباحثون باستخدام البيانات الرسمية وبيانات عالم المال والأعمال، وأيضا بجمع المعلومات من السكان المحليين، في اعطائنا فكرة أفضل عن الأوضاع القائمة. ويمكن الآن للباحثين أن يستخدموا نظم المعلومات الجغرافية “جى آى إس” (GIS) فى رسم خرائط توضح توزيع الخدمات البلدية فى مدينة أو إقليم معين، على نحو يسمح للجمهور بفهم الاختلالات القائمة ويحفّز صانعى القرار على اتخاذ ما يلزم من الإجراءات.
فيما يلى سوف نلقى نظرة على بعض الخرائط الحضرية التى قام الباحثون برسمها فى مختلف أنحاء العالم، وذلك فى محاولة لتقييم أثر تلك الخرائط على السياسة العامة وفهم الفرص التى تقدمها وشرح بعض العقبات التى تواجهها. الأمثلة التالية هى من ثلاث قارات مختلفة، وهى توضح الأسلوب الذى يمكن فيه للخرائط الحضرية أن تساعد على فهم مشاكل المناطق المحرومة ودعم مطالب السكان بمأوى أفضل وهواء ومياه أنظف، وأيضا بخدمات الصحة والتعليم المرتبطة “بالحق فى المدينة“.1
منذ 2011، قامت مبادرة البحث والسياسة العامة مبادرة تضامن بدراسة مسألة العدالة الاجتماعية والعمران، وقد تركز اهتمامنا على مسألة عدم المساواة وكيفية توزيع الموارد بين المناطق. هل تقوم الحكومة بتوزيع الخدمات العامة بشكل عادل؟ وبالذات، هل تعطى الحكومة الأولوية لتلك الأحياء التى تعانى أكثر من غيرها من الفقر والسكن غير الملائم والمناطق غير الآمنة وقلة الموارد العامة (التعليم، الصحة، المواصلات، المياه، الغاز والكهرباء). فى خلال الدراسات التى قامت بها مبادرة تضامن تم التعرف على عدة مناطق لا يتماشى بها توزيع الموارد مع الاحتياجات القائمة.
مثلا، في الوقت الذى بلغت فيه ميزانية 2014/2015 لصندوق تطوير المناطق العشوائية (صندوق العشوائيات اختصارًا) – وهو الجهة المسؤولة عن تطوير المناطق العشوائية فى مصر –609 مليون جنيه، فإن ميزانية “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة” (هيئة المجتمعات اختصارا) – وهى الجهة المسؤولة عن بناء مدن جديدة فى المناطق الصحراوية بمصر – بلغت فى نفس السنة 37 مليار جنيه مصرى (وزارة المالية، 2014).
هذا التناقض بين الموارد والاحتياجات لا يمكن تجاهله. هناك حوالى 16 مليون شخص يعيشون فى مناطق عشوائية فى مختلف أنحاء مصر (صندوق العشوائيات، 2010)، مقارنة بحوالى 5.3 مليون يعيشون فى المجتمعات العمرانية الجديدة (هيئة المجتمعات، 2015). ومع هذا فإن الأموال التى تنفق على المجتمعات العمرانية الجديدة تمثل 60 ضعفا تلك التى تنفق على المناطق العشوائية. وللإنصاف يجب أن نذكر أن المهام التى تتولاها هيئة المجتمعات تختلف عن تلك التى يتولاها صندوق العشوائيات. وبينما يقوم الصندوق بتطوير المناطق القائمة فإن الهيئة تقوم ببناء مدن جديدة من الصفر، بما يشمل العمليات الإنشائية والخدمات وشبكات المرافق. ومع هذا فإنه لا خلاف فى وجود فجوة كبيرة فى الموارد المخصصة للصندوق والهيئة على نحو يرتبط بأولويات السياسات الحكومية فى هذا المجال.
في سياق مشروع “العدالة فى التخطيط“، وهو أحد مشروعات مبادرة تضامن الرئيسية، قام الباحثون بجمع وتحليل البيانات عن عدم المساواة فى توزيع الموارد العامة بين مختلف المناطق الحضرية. وبعد ذلك قاموا برسم خرائط توضح توزيع الفقر فى إقليم القاهرة الكبرى، وهو ما أمكنهم من توضيح مظاهر عدم المساواة على نحو يمكن فهمه من قبل الحكومة وقطاع الأعمال والجماعات المدافعة عن حقوق العمران.
الخرائط التوضيحية التى أعدتها مبادرة تضامن كانت من التفصيل على نحو سمح بالتعرف على أوضاع عدم المساواة على مستوى الشياخة (وهى أصغر وحدات المدينة)، والتي عادةً ما تتجاهلها التقارير الحكومية.
لقد نشرت مبادرة تضامن سلسلة من الخرائط لإقليم القاهرة الكبرى توضع التوزيع المكانى لمؤشرات عدم المساواة (المدارس، الدخول، الصحة، إلخ)، وهى مازالت تتعاون مع غيرها من الجماعات التى تقوم بجمع ونشر البيانات بهدف تحسين نوعية وإتاحة مثل تلك المعلومات.
وإليكم بعض الحقائق المثيرة للانتباه التى أتضحت فى سياق هذا العمل:
لا تقتصر مشاكل عدم المساواة على الدول النامية مثل مصر. هناك فى الولايات المتحدة، مثلا، مشكلة المشرّدين، أو الأشخاص الذين يعيشون بلا مأوى، والتى تمثل تحديا كبيرا للكثير من المدن الرئيسية. إحدى تلك المدن هى بالتيمور (ولاية مريلاند) والتى أطلقت برنامجا لمواجهة تلك المشكلة.
فى عام 2009، قررت مدينة بالتيمور بناء مأوى جديد للطوارئ يتسع لأكثر من 200 شخص، وذلك بهدف التخفيف من مشكلة المشردين (لوبرت، 2010). كان بناء المأوى، الذى أطلق عليه اسم “مركز المورد الإسكاني”، يمثل جزءا من برنامج مدته عشر سنوات لإنهاء مشكلة التشرد فى المدينة. الخطة شملت أيضا إنشاء ملجأ طوارئ يعمل 24 ساعة يوميا ويضم العديد من الخدمات المساعدة (الصحة، الاستشارات النفسية، الوظائف).
طلبت السلطات من الباحثين فى جامعة “مورجان ستيت” فى بالتيمور مساعدتها فى تحديد موقع مناسب لإقامة مأوى المشردين فى المدينة. وقام الباحثون بناء على هذا بجمع المعلومات من كل أصحاب المصلحة – بما فيهم المشردون والشركات ومقدمو الخدمات والسكان – من أجل رسم خريطة للاختيارات المحتملة.
فى غضون ذلك، قام الباحثون أيضا بالاتصال بالمقاولين المتخصصين فى بناء مراكز الإيواء وطلبوا منهم تقديم أفكار للتصميم تتضمن إجراءات تضمن سلامة ساكني الملجأ وأيضا سكان المناطق المحيطة، وأوضحوا أن التصميم المطلوب يجب أن يتماشى معماريا مع الطراز المألوف فى الحى.
باستخدام الأدوات التي طورتها “آرك-جي آي اس” وهو موقع لتصميم الخرائط على الانترنت، قام الباحثون بإدخال المعلومات التى تم جمعها من سلطات المدينة والشركات والسكان على الخريطة. كما قاموا برسم أشكال التنقل للمشردين واعتمدوا على البيانات السكانية من تعداد السكان برسم صورة للمناطق التى اختاروها للتحليل.
استخدم الباحثون أيضا أدوات “آرك-جي آي اس” لتحليل مكالمات الاستغاثة بالشرطة وتجميع بيانات الجريمة من المناطق المستهدفة. وبعد تلك العملية المتعددة الجوانب لرسم الخرائط وتحليل البيانات، اقترح الباحثون بناء المأوى الجديد فى منطقة منخفضة الكثافة السكانية فى الحى، تحت كوبرى علوى للطريق السريع. وباستخدام بيانات السنوات 2004 و2008 لتحليل الجرائم ومكالمات الطوارئ، وصل الباحثون إلى خلاصة مفادها أن سكن المشرّدين فى الموقع المقترح لن يزيد من الجريمة ولكنه سوف يقدم المأوى الضرورى لهم (لوبرت، 2010). وبعد أن يتم توفير المأوى فإن سلطات المدينة يمكنها بعد ذلك التركيز على تقديم الخدمات الأخرى للمشرّدين، مثل العناية الصحية والعلاج النفسى والوظائف.
حتى صيف عام 2009، كانت المدابغ الموجودة على حافة مدينة شنغهاى تلوث الهواء وتلقى بمخلفاتها السائلة فى الترعة القريبة.
كانت تلك المدابغ تابعة لشركة “فوجو” فى حى داشانج بمدينة شنغهاى، وهى شركة تقوم بتصنيع الجلد المستخدم فى أحذية رياضة السير لمسافات طويلة لحساب شركة “تيمبرلاند” إلى جانب منتجات أخرى. لا حاجة لدينا للإشارة هنا إلى مدى تعارض حقيقة الصورة البيئية التي ينتجها هذا الوضع مع الصورة الدعائية المميزة ل”تيمبرلاند” بسمائها الزرقاء وأنهارها الصافية ومحبي الرحلات يتجولون فرحين في الطبيعة البرية البكر. (لارسون، 2010).
ما حدث بعد ذلك كان يخالف كل التوقعات. ففي سبتمبر 2009، قام مدير المدابغ بدعوة ممثلين عن السكان المحليين إلى اجتماع خارج المصنع حضره السكان والصحافة المحلية وممثلو شركة “تيمبرلاند” لمناقشة المشكلة.
استمع مسؤولو “فوجو” إلى الشكاوى وقرروا اتخاذ ما يلزم من الاجراءات. وبالفعل ذهب مسؤول رقابي مستقل إلى المصنع في أبريل 2010، وبعدها تمكنت الجماعات البيئية المحلية وأيضا السكان المحليين من التأكد من اتخاذ المصنع لإجراءات لتقليل التلوث.
الرجل المسؤول عن هذا التطور الإيجابى هو “ما جون”، وهو صحفي سابق. قام “ما” فى 2006 بإنشاء “معهد الشؤون العامة والبيئية”، وهى منظمة عضو فى “تحالف الاختيار الأخضر”.
في مكتب “ما” في بكين، تجد الباحثين منكبين على جمع البيانات ومراجعة وثائق البيئة للمصانع وحصر المخالفات. وقد قاموا ببحث سجلات التلوث التى تنشرها مكاتب الحماية البيئية المحلية والتي تظهر في الصحف التابعة للدولة أو فى مصادر أخرى. وتضم قاعدة بياناتهم حاليا حوالي 70,000 سجلا للمصانع التى خالفت القانون.
“لا يمكننا أن نحارب بالشعارات أو القصائد، علينا أن نحارب بالبيانات”، هذا ما قاله “ما” للصحفية “كريستينا لارسون” التى تقيم في بكين (لارسون، 2010).
تستند حملة “ما” إلى قيام السلطات الصينية فى السنوات الأخيرة بالموافقة على نشر سجلاتها البيئية. وبرغم أن تلك المعلومات مازالت غير مكتملة وينقصها سهولة الاستخدام، فإن الباحثين كانوا سعداء بما وصلهم من تلك البيانات.
قامت الصين فى 1993، بعد عام واحد من قمة الأرض في ريو دى جانيرو، بإنشاء أول هيئة بيئية بها، وقد قاموا بتنظيمها على غرار هيئة الحماية البيئية فى الولايات المتحدة.
واعتبارًا من مايو 2008، أصبح على إدارات الحماية البيئية المحلية أن تنشر للجمهور أقساما معينة من سجلات التلوث.
وباستخدام المعلومات المتاحة، تمكن فريق “ما” من خلق سلسلة من قواعد البيانات المتاحة للجمهور مجانًا، وأهمها هو خريطة تلوث المياه بالصين، والتى كان لها أثر كبير فى زيادة الوعى بمشاكل البيئة فى البلاد (لارسون، 2010).
فى حالة بالتيمور، قام الباحثون بمساعدة مسؤولى المدينة فى تحديد موقع مناسب لإقامة مأوى دائم للمشردين. ومع أن المبادرة جاءت من جانب سلطات المدينة، فإن فريق البحث قد تولى اقتراح عدة حلول باستخدام أفضل أدوات رسم الخرائط (جى آى إس، GIS) المتاحة ونشر نتائج التحليل.
فى حالة الصين، سمح تغيير قانوني بنشر البيانات البيئية. وقد استغل “ما” وغيره من الناشطين تلك الفرصة وقاموا باستخدام البيانات كسلاح (“نحارب بالبيانات!”) من أجل الضغط على الحكومة/الشركات لكى تقوم بتنظيف البيئة.
فى حالة مصر، وبالأخص إقليم القاهرة الكبرى، فإن الحكومة قد قامت بجمع الكثير من البيانات، ولكن طريقة جمع وتقسيم البيانات قلل من فائدتها لمتخذى القرار. قام فريق مبادرة تضامن بإعادة تجميع وتقسيم واستكمال البيانات الخاصة بغياب المساواة الحضرية من أجل الحصول على أداة أكثر فائدة فى صنع القرارات الهادفة لتقليل الفقر وتوزيع الخدمات والموارد العامة بشكل أكثر عدلًا على المناطق الأكثر احتياجًا.
أحد الأمور الهامة التى اكتشفها فريق مبادرة تضامن هو أنه بعكس الاعتقاد السائد، فإن الحكومة لا تعانى بالضرورة من نقص الأموال اللازمة لحل مشاكل القاهرة، ولكنها كثيرا ما تقوم بتخصيص الأموال لصالح المدن الجديدة النائية والتى لا يقبل الفقراء على السكن بها نظرا لنقص المواصلات والوظائف.
وتؤيد نتائج أبحاث مبادرة تضامن الرأى القائل بأن القرارات التى تستهدف التقليل من عدم المساواة الحضرية يجب أن تتخذ بالتشاور مع السكان المحليين فى المناطق المستهدفة، وليس بأسلوب فوقي، حيث أن قيام مسؤولي التنمية العمرانية بوضع السياسات بشكل مركزي قد يؤدى إلى تجاهل احتياجات التقسيمات المحلية الصغيرة، على مستوى الشياخة مثلا.
برغم أنه في وسع المسؤولين الحكوميين والشركات الاستفادة من رسم خرائط الأوضاع المدنية، فإنه ليست هناك ضمانات بأنهم مستعدون لتغيير أفكارهم أو مفاهيمهم. وبعبارة أخرى، فإن رسم الخرائط بوسعه أن يفيد فى تحديد “من يحتاج ماذا وأين؟” ولكنه لا يضمن اتخاذ القرارات التصحيحية المطلوبة.
فى حالة القاهرة، ما زال الأثر الذي من الممكن أن تحققه خرائط اللامساواة غير واضح. فى النقاشات الخاصة مع مسؤولى الحكومة، لاحظ الباحثين فى مبادرة تضامن أن بعض المسؤولين يشعرون بفائدة تلك المعلومات الجديدة بينما يفضل البعض الآخر الاستمرار فى الطريقة التقليدية لاتخاذ القرارات بشكل فوقي والتي حكمت صناعة القرار في التخطيط العمراني والإقليمي لسنوات طويلة.
يلاحظ أيضًا أن عدم الاستقرار السياسى قد يعطل أيضا من تدفق المعلومات فى قنوات السلطة. وأحد الأمثلة على هذا هو وزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات والتي انشأت فى يوليو 2014 بهدف تحسين الأوضاع فى المناطق الحضرية غير الرسمية، والتى قامت الحكومة بإلغائها بعد سنة تقريبًا من إنشائها، مما أدى إلى تعطيل المشروعات الكثيرة التى كانت قد بدأتها.
فى حالة بالتيمور، فإن البحث المتعمق لم يكن ضمانًا كافيًا للنجاح، حيث أن المجموعات المحلية – بما فيها المشردون – لم تبد تحمسًا كبيرا لنتائج عملية وضع الخرائط. وقد اكتشف باحثو جامعة “مورجان ستيت” أن الشركات والمجتمعات والسكان المحليون يعارضون فكرة وضع مأوى للمشردين بشكل دائم فى منطقتهم. وحتى الأشخاص المشردين الذين حضروا جلسات النقاش المركزة أوضحوا أنهم يفضلون تلقي مساعدات في الحصول على مساكن خاصة بهم بدلًا من الاعتماد على برنامج للسكن المشترك.
فى حالة الصين، بدا أن الكثير من الشركات الأجنبية التى اضطرت لمواجهة مشاكل التلوث المترتبة على عملياتها لديها الاستعداد للتعاون فى مراقبة مصانعها بالصين وشركائها فى العمل. وبالفعل قامت شركات “وول مارت” و”جنرال إليكتريك” و”سيمنز” بالتعاون مع “تحالف الاختيار الأخضر” فى هذا الصدد. ولكن بعض الشركات الأخرى، ومنها “آبل”، ما زالت مترددة فى هذا الشأن.
“أعتقد أن شركة آبل تتعامل بوجهين: فى الولايات المتحدة، هى شركة صديقة للبيئة، ولكن فى الصين، وعندما يتعلق الأمر بقواعدها السرية لإدارة الموردين، فإن الأمر يختلف تماما”، حسبما قال “ما”.
المبادرات النشطة من نوع مباردة “ما” لا تحظى دائما بالتأييد الرسمي. ولذا فإن على الباحثين أن يتصرفوا دائما بحذر ويتأكدوا من أنهم لا يقومون بمخالفة أي من القواعد القانونية. وقد أعرب “ما” فى حديثه مع الصحفية “كريستينا لارسون” عن اعتقاده بأن السبب فى أن الحكومة لم تغلق مكتبه هو أنه كان دائما حريصًا على ألا يطالب بأى شيء أكثر من تطبيق القانون.
وقد قام ناشطون آخرون في الصين بممارسة ما يعرف “بالمقاومة الحقوقية” وذلك باستخدام المبادئ الإيديولوجية التى تنادى بها الحكومة من أجل الضغط على المسؤولين الذين لا يقومون بتنفيذ تلك المبادئ أو الذين يترددون فى اتخاذ اجراءات لا شك فى فائدتها. (أوبراين، 1996).
وعلى حد قول “ما” فإنه “قبل أن نطالب بمعايير أفضل للتلوث، علينا بداية أن نتأكد من الالتزام بالمعايير الحالية”.
هناك أدلة كافية على أن صانعي القرار بشكل عام، وليس فقط الذين يعملون فى الحكومة، يمكن اقناعهم بمزايا وضع خرائط للبيانات والمعلومات من أجل توضيح الأبعاد المكانية للسياسة الحكومية أو للتغيرات الاجتماعية، وكذلك من أجل تعبئة وحشد الآخرين لاتخاذ مواقف وإجراءات. ولكن بينما يبدو مستقبل رسم الخرائط واعدًا من هذا الجانب، حيث أنها ممارسة لا تحظى بدعم الناشطين والأدوات التقنية الجديدة فقط، ولكن ببعض المساندة فى أوساط الحكومة والشركات، فإن رسم الخرائط مثله مثل كل أنواع المعرفة هو أداة سياسية، وبالتالى فهو عرضة للرقابة والتدخل.
يمكن للمرء أن يتساءل عما سوف يحدث لجهود وضع الخرائط عندما تنقلب الأوضاع السياسية من الضد إلى الضد؟ ما الذى يمكن أن تفعله حكومة مستبدة لو لاحظت أن بعض أشكال رسم الخرائط تلقي الضوء على قضايا عدم العدالة الاجتماعية أو على عيوب القرارات الحكومية؟ ماذا يمكن أن يحدث عندها للأشخاص العاملين فى جمع المعلومات والبحث ووضع الخرائط؟ هل تتم معاقبتهم أو تخويفهم أو اغلاق أنشطتهم أو ما هو أسوأ؟
مع هذا فإن هناك فرصة كبيرة، فى السياق السياسي العادي أو الإصلاحي، لأن تفهم الحكومات مدى فائدة وضع الخرائط. ومن الممكن أن يتم دعم القوانين المرتبطة بالحق فى المعلومات، كما أنه من المتصور قيام تعاون أفضل بين مختلف الجماعات الناشطة والمجتمعات المحلية والمسؤولين المركزيين والمحليين. هناك أيضا فرصة، وإن كانت ضئيلة، فى أن يقوم خبراء الاحصاء والتخطيط ووضع الميزانية الحكوميين بالتعلم من واضعى الخرائط، وأن يبدؤوا فى تنسيق بيانات الحكومية بطريقة تعكس الاحتياجات الحالية على نحو أفضل.
بدأت حركة الحق فى المعلومات فى الهند، مثلا، بمنظمة غير حكومية صغيرة تنشط فى الأقاليم وتهتم بجعل البيانات أكثر اتاحة للمواطنين والناشطين، وقد فتحت تلك الحركة الطريق إلى حملة محاربة للفساد كان لها تأثير كبير على الحملات الانتخابية الأخيرة.
فى الحالة المصرية، تمكن فريق مبادرة تضامن بالكثير من الجهد فى تحويل بيانات الحكومة إلى شكل يفيد فى تحليل الأبعاد المكانية لعدم المساواة ونقص العدالة فى طريقة تقديم الخدمات العامة إلى الأحياء والشياخات.
إن أحد الأهداف الرئيسية لمشروع “العدالة فى التخطيط” هو إيضاح فائدة تحليل البيانات على مستوى الشياخة وأيضا جميع ونشر تلك المعلومات للجمهور. كل هذا قد يزيد من قدرة صانعى القرار على معالجة المشاكل المحلية كما قد يزيد من فهم المواطنين للسياسة الحكومية وللتحديات المكانية بأشكالها الاقتصادية والاجتماعية.
المصادر:
بيانات الخطة القومية لصندوق تنمية المناطق العشوائية، 2010.
كريستينا لارسون، 2010، “فى الصين، شفافية جديدة بشأن بيانات التلوث الحكومية“.
Larson, Christina. 2010. “In China, a New Transparency on Government Pollution Data,” Yale Environment 360, December 20.
ليندا لوبرت، 2010، “رسم خرائط عدم المساواة الحضرية باستخدام جى آى إس“.
Loubert, Linda. 2010. “Mapping Urban Inequalities with GIS.” ArcNews Online, Spring.
وزارة المالية المصرية، 2014، الموازنة العامة لعام 2014/2015
MoF, 2014. Ministry of Finance. 2014/2015 national budget.
جهاز تنمية المجتمعات الجديدة، 2015، بيانات تعداد السكان لكل المجتمعات العمرانية الجديدة. (الرابط)
كيفن أوبراين، 1996، “المقاومة الحقوقية“.
O’Brien, Kevin J. 1996. “Rightful Resistance.” World Politics 49: 31-55.
1.الحق فى المدينة هو فكرة اقترحها “هنرى لوفيبفر” فى كتاب “الحق فى المدينة” الصادر عام 1968 فى باريس. للمزيد من المعلومات فى هذا الخصوص يمكن مطالعة مقالة “تضامن” هنا.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments