اليوم الأول
تضمن برنامج اليوم الأول من ورشة العمل ثلاث جلسات نظرية يحاضر بها باحث تضامن عن موضوع محدد ثم تم يفتح باب المناقشة للمشاركين، وجلسة رابعة للتدريب تم من خلالها تقسيم المشاركين لمجموعات عمل تعمل على تطبيق ما تم عرضه بشكل عملي.
هدفتالجلسة الأولى. للتعريف بمشروع “العدالة في التخطيط” وكيفية إدارة تنفيذه، كما كان من أهدافها الأساسية إتاحة التعارف بين الأطراف المختلفة المشاركة وخلق مناخ ملائم للنقاش المثمر. غطت هذه الجلسة عدة موضوعات لتحقيق أهدافها، بدأت بتعريف كل فرد مشارك لشخصه وعمله والمؤسسة التي ينتمي لها. ثم بإلقاء محاضرة تضمنت التعريف بفكرة المشروع وأهدافه الأساسية والثانوية والتعريف بفريق العمل وخلفياتهم التقنية وخبراتهم، ودور كل منهم خلال تنفيذ المشروع، والأدوات التي استخدموها بشكل عام.
تلى التعريف بالمشروع عرض للأطر التحليلية التي اعتمد عليها، حيث ركز المشروع في تحليل اللاعدالة المكانية على رصد جوانب المسكن الملائم كمعايير لما يجب توافره لجميع السكان كحد أدنى من حقوق المواطنة. وتم عرض خصائص المسكن الملائم كما وردت في وثيقة “التعليق العام رقم (4) الخاص بالحق في المسكن الملائم، المادة رقم (11) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” والتي بموجبها أصبح المسكن الملائم حق انساني أساسي أقرته الأمم المتحدة وتلتزم بضمانه الدول الموقعة ومنها مصر1.
الجلسة الثانية، تابعت عرض الأطر التحليلية والنظرية، حيث ركزت على شرح مفاهيم الفقر والمساواة والعدالة والأبعاد المكانية لكل منها، وكيفية قياسها. تناولت المحاضرة أدوات قياس الفقر المتعددة : الأكثر شيوعًا وهي قياس الأسر الواقعة تحت “خط الفقر” والمعتمدة على قياس مستويات الدخل فقط، والأدوات الأكثر شمولية التي تقيس الفقر كظاهرة متعددة الأبعاد فتدخل في حسابها أبعاد حالة المسكن والصحة والغذاء وغيرها من الجوانب المختلفة للمعيشة. ناقشت المحاضرة كذلك المستوى المكاني الذي تتعامل معه أدوات القياس إن كان قومي أو محلي، كما تعرضت لظاهرة الفقر الحضري ومسبباتها وتحديات التعاطي معها. المفهوم الثاني كان المساواة، وعرض شرح للمؤشر الأشهر لقياس المساواة وهو “معامل جيني” والذي يعتمد على قياس المساواة في الدخل، وتم التعرض لمفهوم المساواة المكانية والجوانب المتعددة لها. وأخيرًا تمت المقارنة بين مفهوم المساواة المكانية والعدالة المكانية، وكيف تتجاوز العدالة المكانية نواقص مفهوم المساواة في توزيع الموارد، حيث يُعنى مفهوم العدالة بتوجيه قدر أكبر من الموارد إلى الأحياء الأفقر والأكثر احتياجاً، لتقليل فجوات التنمية.
وفي النهاية تم عرض مخرجات مشروع العدالة في التخطيط والتي تمثلت في خرائط العدالة المكانية للقاهرة الكبرى التي تم انتاجها باستخدام نظم المعلومات الجغرافية.
خُصصت الجلسة الثالثة لفهم المكون الاقتصادي للمشروع، حيث تم شرح للمسار المؤسسي الذي يتم من خلاله التخطيط المالي للدولة، وشرح بنود الموازنة العامة، وكيف تتم ترجمتها في الواقع التنفيذي والتقسيمات الثلاث المتبعة في عرض الموازنة المصرية (الاقتصادي، والوظيفي والإداري)2. كما تم عرض جانب تحليلي يتعلق بمدى قابلية المؤسسات والإجراءات التي تتم من خلالها عملية وضع الموازنة العامة لاستيعاب وتطبيق مفهوم العدالة المكانية وتوزيع الإنفاق العام جغرافياً بشكل يتجاوب مع الاحتياجات الفعلية على المستوى المحلي، كما تناول التحليل أيضًا علاقة التخطيط المالي بالتخطيط العمراني في الدولة المصرية.
تعرضت الجلسة أيضًا لمعايير قياس ضمان الحقوق وتوافر الخدمات، التي تبدأ باعتراف الدولة بالحق (الصحة، التعليم، الاسكان،.. الخ)، ثم الإتاحة (أن تكون المنشأة مقدمة الخدمة موجودة) ثم النفاذ (قدرة حصول كل الفئات على الخدمة)، الفعالية (أن تكون المنشأة فاعلة وفعالة ويعتمد عليها المواطن) تساعد آليات دراسة الاحتياجات بشكل فوقي من خلال المتخصصين على قياس المستويات الأولى وهي الاعتراف والإتاحة والنفاذ، ولكن دون تفعيل آليات المسائلة لا يمكن قياس هذه المعايير بشكل كامل ولا يمكن قياس الفعالية على الإطلاق.
أما الجلسة الرابعة المخصصة للتدريب العملي، فكانت تهدف للتدريب على كيفية استخراج بيانات اللاعدالة المكانية من الموازنة العامة للدولة من خلال تقسيم المشاركين إلى عدة مجموعات عمل بحيث تعمل كل مجموعة على استخراج مكونات الإنفاق المخصص لأحد بنود التنمية (التعليم، الصحة، الإسكان) لثلاث مراكز بمحافظة المنيا: أبو قرقاص والمنيا وسمالوط، باستخدام بيانات الموازنة العامة للدولة ودليل المواطن للخطة الاستثمارية المتاحة على موقع وزارة المالية. ثم إجابة سؤال: كيف يمكن توزيع الموارد بشكل أكثر عدالة؟
اليوم الثاني
تضمن برنامج اليوم الثاني جلستان للشرح النظري ثم جلسة طويلة للتدريب العملي وجلسة أخيرة لعرض ومناقشة نتاج ورشة العمل.
اهتمت الجلسة الأولى. من اليوم الثاني بالتدريب على كيفية تجميع البيانات الخاصة برصد أوضاع المجتمع واحتياجاته من المصادر المختلفة والتعامل معها وتحليلها، وركزت بالأساس على مصادر البيانات في الحالة المصرية وفي محافظة المنيا تحديدًا. كما تم تسليم دليل لمصادر البيانات المستخدمة في قياس مدى توافر خصائص المسكن الملائم وتحليل العدالة المكانية. على سبيل المثال، يمكن الحصول على البيانات المتعلقة بنسب وأعداد السكان تحت خط الفقر من “خريطة الفقر في مصر،2013″ والتي صدرت عن الصندوق الاجتماعي للتنمية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما يمكن الحصول على بيانات السكان وحساب معدلات البطالة وتوزيع المشتغلين على المهن المختلفة والأطفال في سن التعليم والنساء وغيرها من البيانات على مستوى الشياخة والقرية –أدنى المستويات المحلية- من خلال دراسة “التعداد العام للسكان والظروف السكنية لعام 2006 على مستوى الأقسام والمراكز والشياخات والقرى –محافظة المنيا” إحدى وثائق التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت الذي يصدر كل 10 سنوات عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتعتمد مؤشرات المسكن الملائم كذلك على البيانات المتاحة من خلال التعداد العام، كمثال نوع الحيازة ومؤشرات توافر الخدمات مثل نسبة الأسر والأفراد المتصلة بشبكة مياه وتلك التي لديها حنفية بالمنزل، والمتصلة بالصرف الصحي والتي لديها حمام خاص بالمنزل، ووجود وسائل آمنة لحفظ الطعام، وحالة المسكن من طبيعة الأرضيات والأسقف والجدران ومصادر الإضاءة. كما تتوافر بعض البيانات عن الخدمات العامة من خلال الوزارات المسئولة عن القطاع، كأعداد وعناوين المدارس المتاحة على موقع دليل المدارس المصرية، ومشروعات التنمية المتاحة من خلال “دليل المواطن للخطة الاستثمارية لمحافظة المنيا للعام المالي 2014-2015″ الصادر عن وزارة التخطيط وبيان المشروعات بالمراكز على موقع محافظة المنيا.
وركزت الجلسة الثانية على شرح مبسط لمقدمة عن نظم المعلومات الجغرافية، وكيفية استخدام نظم المعلومات الجغرافية في تحليل العدالة المكانية في الحالة المصرية. مع تسليم المشاركين دليل تدريبي يشرح مراحل التعامل مع البيانات وانتاج الخرائط باستخدام برمجيات نظم المعلومات الجغرافية والخطوات التفصيلية في كل مرحلة.
تبع هذه الجلسات تدريب عملي لتطبيق منهجية البحث على مستوى مراكز المحافظة الثلاث: أبو قرقاص والمنيا وسمالوط. حيث تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات عمل، وتسليمهم خرائط مطبوعة لحدود المراكز والقرى والمدن والشياخات داخلها، ثم قام المشاركون بإنتاج خرائط العدالة المكانية يدويًا باستخدام جداول مطبوعة للبيانات من التعداد العام للسكان والخطة الاستثمارية ومصادر أخرى، بحيث يستخرج منها المشاركون البيانات المطلوبة لقياس المؤشر الخاص بالقضية محل الدراسة على مستوى القرية والشياخة، ثم تصنيف البيانات إلى مستويات لكل مستوى لون معين وتوضيح البيانات على الخريطة بتظليل كل منطقة حسب التصنيف المناسب لبياناتها. تمرن المشاركون خلال التدريب على جميع المراحل التي لا تتطلب برمجيات خاصة لتنفيذها.
الجزء الأول من التدريب كان يهدف لتعلم رسم خرائط مؤشرات الفقر، حيث أنتج المشاركون خرائط نسب الفقراء وأعداد الفقراء -وهي مؤشرات بسيطة تعتمد على بيان واحد، وذلك على مستوى القرى (ريف) والشياخات (حضر) أي على أضيق مستوى محلي ممكن. ومن خلال النتائج قارن المتدربين بين المناطق وبعضها البعض واستطاعوا فهم أنماط انتشار ظاهرة الفقر، وكيف يتغير فهمنا للفقر بالنظر للمؤشرات المختلفة.
ثم انتقل المشاركون لمستوى أعقد وهو تركيب مؤشرات تعكس الاحتياج بشكل كامل وفعال، ثم مقارنة هذه المؤشرات المركبة لقياس الاحتياج بالمشروعات التنموية المخصصة من قبل الدولة. مثال على ذلك: لتحديد القرى الأكثر احتياجًا للوصول لخدمات الصرف الصحي قامت المجموعة المعنية بقضية الصرف الصحي في مركز أبوة قرقاص بتركيب عدة مؤشرات هي: مؤشر نسبة المتصلون بشبكة الصرف الصحي في القرية، مؤشر نسبة الذين لديهم مرحاض داخل المنزل، مؤشر عدد الأفراد الذين يزيد عمرهم عن 60 عامًا. وبمراكبة هذه المؤشرات الثلاث واسقاطهم على الخريطة استطاعت المجموعة تحديد القرى الأكثر احتياجًا لمشروعات الصرف الصحي (أقل نسبة اتصال بالشبكة + أقل نسبة تواجد مراحيض خاصة + أكبر عدد من السكان كبار السن) ثم مقارنتها بمواقع مشروعات الصرف الصحي المحددة بخطة الدولة.
الدروس المستفادة
أهم ما تعلمه المشاركون في هذا التدريب هو أنه هنالك الكثير من البيانات متاحة التي تمكننا من دراسة القضايا التي ندافع عنها بشكل أكثر فعالية، بينما لا يعرف الكثيرون من العاملين بالمجتمع المدني والمواطنون عنها شيء. تعلم المشاركون من خلال هذا التدريب كيفية قراءة الوثائق الهامة كالموازنة العامة والخطة الاستثمارية للدولة المصرية واستخراج أدلة تثبت وجود خلل في ربط الانفاق بالاحتياجات مما يؤكد على الأسباب المؤسسية لغياب العدالة المكانية.
تعلم المشاركون كذلك أهمية التحليل المكاني عند دراسة قضية معينة، حيث ساعدهم رسم خرائط العدالة المكانية على فهم قضايا التنمية بشكل مختلف وادراك الانتشار المكاني لظواهر الفقر واللامساواة في الخدمات في مناطق محددة دون أخرى. وتعلموا أنهم بالنظر لمؤشرات مختلفة يفهمون الظاهرة بشكل أفضل، فطالما كانت نسبة الفقر في قرى المنيا هي المؤشر الأوسع انتشارا لفهم الفقر، بينما عند النظر لأعداد الفقراء اكتشف المشاركون أن بعض القرى التي يمثل الفقراء نسبة قليلة من سكانها ولا يعتبرونها قرية فقيرة هي في الحقيقة الأكبر في أعداد الفقراء الذين يسكنوها عن قرى أخرى نظرًا لكبر تعداد سكانها. تعلم المشاركون أيضًا أهمية ربط قضايا التنمية ببعضها البعض، والنظر دائمًا للصورة الأكبر. على سبيل المثال إن كانت المنظمة مهتمة بقضية الاتصال بمرفق عام كالصرف الصحي في قرى شرق النيل بمركز المنيا، يكون من المفيد جدًا أن يكون دفاعهم مبني على دراسة لواقع التوزيع المكاني للخدمة، ومقارنة هذه القرى بمثيلاتها في أماكن أخرى وإثارة الأسئلة حول هذه الفجوة التنموية وما إن كانت تؤخذ في الاعتبار عند وضع الخطط التنموية وتخصيص الأموال للمحافظة. من المفيد كذلك مقارنة حجم الاستثمارات في قطاع الصرف الصحي بالمقارنة بقطاعات أخرى وتقييم مدى جدوى هذا التوزيع للموارد في إطار أولويات المواطنين واحتياجاتهم.
من المفارقات أن الحديث النظري عن كيفية استخدام هذه المنهجية لتفعيل المسائلة والمحاسبة المجتمعية قد لمسه المشاركون خلال التدريب، حين اكتشف أحد المشاركين الذي يسكن قرية بلنصورة التابعة لمركز أبو قرقاص، عند مراجعته لمخصصات التعليم مع مجموعة العمل، أن هناك اعتماد أموال لإنشاء مدرسة في بلنصورة في الخطة الاستثمارية للسنة المالية السابقة، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي خطوات تجاه بناء المدرسة، مما أثار تساؤلات حول آليات متابعة تنفيذ المشروعات والرقابة عليها من المواطنين.
تعد جميع هذه الدروس هي الأهداف الأساسية من مشروع العدالة في التخطيط، ورغم أن المشاركون في ورشة العمل لم يمتلكوا الأدوات التكنولوجية التي تمكنهم من مستوى أعقد من التحليل، حيث قاموا بمقارنة البيانات بدون استخدام الحاسب الآلي ورسم الخرائط يدويا عوضًا عن استخدام برمجيات نظم المعلومات الجغرافية التي تتيح امكانات أكبر في تركيب المؤشرات والخروج بنتائج أشمل، ولكن في النهاية استطاع المشاركون بدرجة كبيرة تركيب المؤشرات ورسم الخرائط الأساسية التي أتاحت لهم مستويات من فهم القضايا وأبعادها لم تكن متاحة من قبل. مثل هذه التدريبات لا تساهم في رفع وعي ومهارات المشاركين فحسب ولكنها تسعى لخلق فرص لتطوير أدوات جديدة تساهم في تمكين المجتمع المدني من المشاركة والمسائلة المبنية على المعلومات من أجل حياة أفضل للمواطنين جميعًا.
1. تشمل هذه الخصائص: الحيازة الآمنة و توفر الخدمات والبنية الأساسية والقدرة على تحمل تكلفة المسكن وأن تكون الوحدة السكنية آمنة وصالحة للمعيشة و سهولة الحصول على المسكن، والموقع الملائم للمسكن، وأن يتناسب مع ثقافة المجتمع. للمزيد: اقرأ مقال تضامن “الحق في المسكن الملائم في الدستور المصري”
2. للاطلاع على شرح بسيط ودقيق لعملية إعداد الموازنة المصرية وتنفيذها. اقرأ “دليل الموازنة المصرية” إصدار مؤسسة “شراكة الموازنة الدولية”، 2014.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments