“ثينك تانك” هو مشروع مهتم بدعم مشاركة الشباب في جهود التنمية ونشر مفهوم الريادة الاجتماعية بين الشباب وخاصة الطلبة، ويهدف برنامجه الخاص بفنون المناظرات إلى نشر فكرة الحوار الجاد والمناظرة حول قضايا السياسات العامة المختلفة على أسس علمية، من خلال تدريب الشباب على بحث القضايا محل النقاش وتشكيل ادعاءات وحجج مدعومة بالأدلة بعد البحث والدراسة، واتخاذ أدوار –لا تعبر بالضرورة عن توجهاتهم الحقيقية- فيما يشبه المسرحية التي يتبنى فيها كل فريق من الفريقين المتناظرين رأيًا أو توجهًا محدد على نقيض ما يتبناه الفريق الآخر، ويكون لزاما عليه الدفاع عن حجته ومحاولة دحض الحجج المطروحة من الفريق المقابل. وبهذا تعرض المناظرة العامة للجمهور نقدًا جادًا لكلا التوجهين –المؤيد والمعارض لسياسة عامة محددة- وتفتح أمامهم العديد من النقاط الاشكالية والأسئلة التي تساهم في تعميق وجهات النظر المتبناة أو تغيير الرؤية تماما بخصوص بعض القضايا بعد الاستماع للحجج التي يطرحها كلا الفريقين والأدلة والأمثلة الداعمة لها. وهنا تكمن أهمية المناظرات كأداة توعوية في أنها تساهم في رفع الوعي بدرجة من العمق وتعدد الوجهات لا تتيحه أدوات توعوية أخرى. فالهدف منها لا يقتصر فقط على تشجيع الشباب على المشاركة الجادة والمسئولة في القضايا العامة ولكن أيضًا دعم القضايا الاجتماعية وتمكين فئات أكثر من المشاركة والتأثير الواعي في صناعة السياسات العامة في نهاية المطاف.
في هذه المناظرة، قام فريق مبادرة تضامن بتوفير المراجع البحثية المطلوبة وشارك في تدريب وتحضير المتناظرين. وقام بالمناظرة طلاب جامعيون من تخصصات مختلفة لم يكن من بينها التخطيط العمراني أو أي من مجالات الدراسات العمرانية.
المقولة: يؤمن هذا المجلس بضرورة تطوير العشوائيات القائمة على مواقع مميزة في المدينة بدلًا من نقل سكانها واستثمار أراضيها
تمت المناظرة على طريقة البرلمان البريطاني، مجلس مؤيد ومجلس معارض، يتكون كل مجلس من أربعة أفراد، ويتاح لكل فرد في دوره أن يعرض حجته في مدة 7 دقائق –بما يشمل الرد على حجج الفريق المقابل ودحضها. خلال المناظرة، يسمح للفريق الآخر أن يطرح الأسئلة على المتحدث بعد انقضاء دقيقة واحدة من السبع دقائق المخصصة له، ويمكن للمتحدث أن يقبل السؤال أو يرفضه. ويسمح للجمهور التفاعل مع المناظرة بإبداء إعجابه بالحجة أو الدحض.
حاول الفريقين خلال المناظرة تضمين العديد من الجوانب الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تثار حول قضية التعامل مع المناطق اللارسمية على أراضي مميزة. سنقوم هنا بعرض النقاط الأساسية التي دارت حولها الحجج المؤيدة والمعارضة للمقولة.
مفهوم الحق في المدينة مقابل مفهوم المصلحة العامة
المجلس المؤيد:
طرح أعضاء المجلس المؤيد للتطوير في المكان 1 مفهوم “الحق في المدينة” كمفهوم فلسفي يؤكد على حق جميع الأفراد من جميع الطبقات والأجناس والأعراق والأديان في التمتع بمميزات العيش في المدينة والانتفاع من مواردها وفرصها والمشاركة في تقرير مصيرها، دون تهميش أو إقصاء. وأشاروا إلى كتابات الفيلسوف هنري لوفيفر والأكاديمي المرموق ديفيد هارفي كمرجعيات.
أكد الأعضاء على أن وجود الفقراء على أراضي مميزة في المدينة هو جوهر حقهم في المدينة، حيث ضمان سكنهم وأنشطتهم المعيشية المرتبطة بمناطقهم، وحيث توافر المواصلات والخدمات المركزية وسوق العمل في قلب المدينة الحيوي. وتطوير هذه المناطق في النهاية مرتبط بتحقق العدالة الاجتماعية. فبينما التهديد المستمر لاستقرار الفقراء في مناطقهم إن ارتفعت قيمتها العقارية وخطط النقل وإعادة التوطين تشعرهم بالفرق بينهم وبين الفئات الأعلى دخلا وأنهم مواطنون من درجة أدنى ولا يستحقون الانتفاع بالمورد الأهم في إقامة المجتمع وهو الأرض، فإن التطوير في المكان يضمن حقوقهم ويساهم في شعورهم بانهم مساوون لغيرهم ومندمجون في المجتمع الأكبر.
المجلس المعارض:
وبينما المجلس المؤيد قد أعلى حقوق الأفراد ومجتمعات الأقليات في المدينة كجميع السكان، فقد دافع المجلس المعارض للتطوير في المكان عن مفهوم المصلحة العامة باعتباره الإطار القيمي الذي يحكم الدولة وتخطيطها الفوقي الذي يعتبره المجلس ضرورة لتحقيق التوازن الحضري وإدارة الموارد بشكل أمثل.
أكد المجلس المعارض على أن المصلحة العامة يجب أن ترتفع على الخاصة. واعتبر أن تمسك السكان بسكن هذه الأراضي رغم ارتفاع قيمتها العقارية هو تشبث غير مبرر بالملكية ] أو الحيازة [ الخاصة وهو إهدار لتلك المساحات التي يمكن استغلالها بشكل أفضل لخدمة المصلحة العامة للمجتمع ككل بدلا من مجموعة صغيرة من الناس لمجرد من أنهم تواجدوا هناك قبل غيرهم. فمفهوم الحق في المدينة ينزه المنفعة العامة عن الخاصة. فاذا كان هناك استغلال أفضل للأراضي بحيث تدر الكثير من الأموال للخزانة العامة للدولة فان تمسك ان يعيش الفقراء عليها بدعوى حقوقهم الفردية فيها هو إهدار لهذا المورد الثمين. وربط الفريق توجهه برؤية أشمل للتنمية العمرانية، حيث يرون في نقل السكان فرصة ستساهم في استغلال الأراضي الفضاء غير المستغلة من صحراء مصر ومعالجة التزاحم والتكدس السكاني، حيث تستغل مصر 4% فقط من مساحتها حول النيل والدلتا.
هل المفاهيم متعارضة؟
كما يحدث في الواقع، ميّز المناظرة التباس المفاهيم وقابلية تفسيرها وفقًا للتصور السياسي وإخضاعها لخدمة التوجه ونقيضه في نفس الوقت. على سبيل المثال: بينما اعتمد الفريق المؤيد للتطوير على مفهوم الحق في المدينة ورأى ضمانه في بقاء السكان في أماكنهم. اعتبر الفريق المعارض أن نقل ساكني هذه المناطق إلى مساكن جديدة كريمة وآمنة سيكون لضمان حقهم في المدينة والمسكن الملائم، بشرط أن تبنى المساكن الجديدة بمعايير تضمن جودة الحياة. مدعين أن الحق في المدينة لا يعني أن يتحكم بعض السكان في بعض الأراضي لانهم يملكونها أو يستقرون عليها ولكن يعني أن يتشاور سكان المدينة حول أمثل استخدام لأراضيها ، ويتشاركون في المرافق والخدمات. أكد الفريق المعارض للتطوير في المكان والمطالب بتبني استراتيجية أخرى وهي إخلاء ونقل جميع السكان من المناطق ذات القيمة العقارية العالية، باعتبار أن ظروف المعيشة في هذه المناطق لا توفر حياة جيدة للسكان وتفتقر للخدمات والمرافق الأساسية، مؤكدين أن المواطن الذي يسكن عشة أو مبنى متواضع من الطوب اللبن يجب أن يتمتع بظروف أفضل وأن الحكومة ملزمة وفقا للدستور بتوفير المسكن الملائم له، وهو ما يخرج عن استطاعة الحكومة في حالة بقائه في مكانه لعدم توفر الأموال اللازمة للتطوير بينما في حين نقله سيتم توفير الأموال من خلال البيع وبناء مساكن جديدة. المناطق الجديدة بنيتها التحتية سليمة ومتكاملة ومخططة بالكامل لأنها توفرت قبل بناء المنطقة على خلاف تطوير الوضع القائم المحدود بالضرورة.
في المقابل دافع الفريق المؤيد للتطوير على أن المصلحة العامة تقتضي حماية مصالح الأفراد وبالأخص الأضعف في النظام الاجتماعي، وهم الفقراء، وأن المصلحة العامة من الممكن أن تكون في تطوير المجتمعات المحلية والحفاظ على حياتها وأنشطتها وليست في كسب الأموال من بيع الأرض للمستثمر لاستغلالها في مشاريع تخدم الطبقات الأعلى. فالأرض ليست مجرد مورد اقتصادي فقط ولكن لها دور أساسي في تكوين المجتمعات، والنظر لسعر الأرض يغفل الوظيفة الاجتماعية للأرض وكيف تعكس علاقات المجتمعات والأفراد. واستدل الفريق بحكم مجلس الدولة في قضية التنازع على أرض جزيرة القرصاية، والذي استند فيه القاضي على مفهوم المصلحة العامة في تبرير أحقية أهل الجزيرة في سكنها وليس المستثمر، حيث ربط المصلحة العامة بالحفاظ على السلم الاجتماعي وعدم تهديد استقرار المجتمعات المحلية. طرح الفريق المؤيد للتطوير كذلك مسألة الأعداد الضخمة التي تسكن هذه المناطق، وبالتالي ليس من الدقة اعتبار مصالحهم مصالح خاصة، وأعطوا مثال منطقة ماسبيرو التي تأوي 100 ألف مواطن بعضهم يتوارث الأرض منذ أجيال. وعن قانونية أوضاع السكان طرح الفريق المؤيد للتطوير ضرورة تقنين الأوضاع لكي لا يصبح زريعة لإهدار حقوق السكان، واستشهدوا بحكم المحكمة في قضية عزبة خيرالله الذي ألزم الحكومة ببيع الأرض للسكان بدلا من شركة المعادي لانهم واضعين يد منذ زمن طويل وشكلوا مجتمع مستقر فلهم الحق الكامل والأولوية في تملك الأراضي، ولكن الحكومة ما زالت تتعسف في البيع.
كما رفض الفريق المؤيد للتطوير في المكان أن ارتفاع سعر الأرض ومحاولات التربح منها من خلال بيعها لاستخدامات تجارية واستثمارية لا يتم طرحه إلا في حالة أن المجتمعات التي تسكن هذه الأرض تكون من فقراء الحضر. بينما لا يتم طرح إزالة مساكن الفئات الأعلى دخلًا ومكانة اجتماعية بالقوة والإجبار حتى وان كانت على أراضي غالية، ما يزيد الفقراء شعورًا بالتمييز الواقع ضدهم. واستخدم الفريق نفس الحجة للرد على مشكلة التكدس والازدحام وهي مشكلة لا تخص العشوائيات ومناطق الفقراء فقط ولكن تخص الكثير من المناطق الأخرى، فلماذا لا يتم إجبار سكان آخرين في مناطق مزدحمة ولكن أعلى دخلا على الانتقال للصحراء ويترك الأمر لتفضيلاتهم؟ واعتبروه مظهر من مظاهر غياب العدالة.
هل ينبغي الحفاظ على المجتمع المقيم بالمنطقة وروابطه القائمة؟
المجلس المؤيد:
أكد أعضاء المجلس على ضرورة الحفاظ على المجتمع الساكن في هذه المناطق والروابط الاجتماعية القوية بين الجيران والأقارب به، وبخاصة المجتمعات التي استقرت على هذه الأراضي منذ زمن بعيد وتوارثت الأرض والعلاقات عبر الأجيال. وأن قطع هذه العلاقات خسارة اجتماعية كبيرة لا يمكن تعويضها وتؤدي لشعور أكبر بالظلم والاضطهاد وتشتيت المجتمع، وهو تهديد لجوهر السلم الاجتماعي.
ادعى المجلس المؤيد أنه لا يوجد رؤية واضحة لنقل السكان لمناطق جديدة بشكل لا يؤدي إلى انهيار النظم الاجتماعية والسياسية القائمة. وأن الدولة يجب أن تجعل المواطن هو الأولوية الأولى و يكون هدف التنمية هو تلبية احتياجات المواطن واحترامه مما يساهم في اعلاء قيم الأمان الاجتماعي والانتماء للمجتمع وهو ما سيحافظ على الدولة والمجتمع.
ودعموا موقفهم بأمثلة من القاهرة لنقل سكان مناطق كالدويقة وعزبة خيرالله إلى مناطق بعيدة على أطراف المدينة وبشكل متفرق حيث أدى هذا النقل إلى انهيار هذه العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي لانهيار شبكات الأمان الاجتماعي الذي يعتمد علها هؤلاء المواطنون في معيشتهم الصعبة نتيجة تهميشهم وفقرهم، كأن يساعدوا بعضهم في المهام المنزلية وفي العمل وفي توفير النقود والسكن والادخار وغيرها. هذا بالإضافة لعدم قدرة المنقولين على التأقلم مع المنطقة الجديدة، إما لاختلاف نمط الحياة وعدم توفر الاحتياجات اليومية بنفس القدر أو لعدم الملائمة الثقافية. وهو ما أدى بدوره لعودة المنقولين إلى مناطقهم الأصلية بعد فترة من الوقت وساهم في انتشار العشوائية بدرجة أكبر في نهاية الأمر. بينما استشهد الفريق بمثال تطوير منطقة زينهم، الذي على خلاف الأمثلة السابقة قد لاقى نجح في الحفاظ على المجتمع ولاقى رضاء الأهالي وأصبح حلمًا لكل سكان العشوائيات.
المجلس المعارض:
بنى الفريق المعارض للتطوير في المكان الحجة القائلة بأن الحفاظ على الروابط الاجتماعية القائمة أولوية قصوى تستلزم التضحية بالنفع الذي سيترتب على نقل السكان، مدعين أن المدينة تختلف عن الريف في سياقها الاجتماعي، وأن العلاقات والروابط الاجتماعية بالمناطق الحضرية تتميز بكثير من السيولة والمرونة وليست بنفس قوة الروابط في الريف، وأن القاهرة الكبرى تحديدا هي مدينة تتميز بانها مسرح صراع مضني للالتحاق بالعمل وكسب الرزق والحراك الاجتماعي، فهي ليست بذلك الطابع الريفي الذي يتميز بالانغلاق والاعتمادية، وعادة ما يتنقل السكان فيها وراء الفرص والسكن أو العمل الأفضل.
واستدل الفريق على سهولة تشكيل علاقات جديدة بأمثلة تم بناء مساكن ونقل السكان لها، كحالة ما بعد زلزال 1992، وبعد فترة تعايشت الأسر وكونت علاقات جيرة جديدة ومجتمع جديد. مع ذلك، اعترض الفريق المؤيد على هذه النقطة باعتبار أن الزلزال ظروف قهرية واستثنائية ولا يجوز القياس عليها.
أما بخصوص صعوبة التأقلم في المناطق الجديدة ، اقترح الفريق المدافع عن النقل تنفيذ برامج تأهيل للسكان وتوعية ثقافية وتدريبات تحضير للسكان تساعدهم على التأقلم مع المناطق الجديدة، كما أن النقل من الممكن أن يكون متكامل وليس جزئي بحيث لا يحدث تشتيت للسكان ويتم توفير كافة المرافق سواء مستشفيات أو مدارس أو اي خدمات حكومية. وأضافوا انه لا يوجد ما يمنع الشخص من ممارسة نفس المهنة بعد النقل، وانه من الممكن اختيار موقع مناسب وأن يحدث اندماج في المجتمع الجديد واستمرار للعمل نفسه الذي كان يُمارس من قبل، وضربوا مثالا بمشروع حي الأسمرات في المقطم.
في النهاية، هل سيتم الحفاظ على المجتمع؟
أثار الفريق المعارض للتطوير في المكان إشكالية أخرى، وهي أن تطوير العشوائيات يخلق ظاهرة الاحلال الطبقي أو الجنترة (gentrification) نتيجة استقطاب فئات جديدة أعلى دخلا بعد التطوير حيث تغري المنطقة أصحاب رؤوس الأموال والطبقات الأعلى وبالتالي يحدث ضغط على السكان لترك منازلهم لصالح استخدامات أعلى قدرة على إدرار دخل. بالإضافة لان أغلب السكان الحاليين يعيشون بالإيجار وبعد التطوير في الغالب يتم رفع الايجارات بالمنطقة وبالتالي يضطر السكان الأفقر للرحيل ويذهبوا لسكن أو بناء مناطق عشوائية جديدة، أي انه يتم ترحيلهم أيضًا ولكن بطريقة غير مباشرة ويصبح المستفيد من التطوير أصحاب رؤوس الأموال والطبقات الأغنى، رغم الأموال التي تكلفتها الدولة كدعم للفقراء.
كان رد الفريق المؤيد للتطوير بأنه لا يوجد ضمان أيضًا في حالة النقل من أن يبيع السكان شققهم الجديدة أو لا يتحملون تكلفة الايجارات بها. والحل الذي طرحه الفريق المؤيد للتطوير في المكان تمثل في تطبيق أداة قانونية موجودة في البرازيل، وهي إعلان مناطق مخصصة للفقراء بشكل حصري “مناطق النفع الاجتماعي الخاص (ZEIS) “ بحيث يكون انتفاع الفقراء من المناطق المميزة في المدينة محمي بقوة القانون ولا يمكن لمستثمر أن يبني فيها إلا لصالحهم ولا يتم الضغط عليهم لبيع مساكنهم. أن هذا أفضل من أن يظل مصير المجتمعات المحلية مرهون بسوق العقارات وكلما ارتفعت قيمة أرض عقاريًا وأصبحت مطمعا لاستخدام فئات دخل أعلى يتم طرد السكان الأصليين.
الفعالية الاقتصادية
المجلس المعارض:
من أهم الحجج الذي اعتمد عليها الفريق المعارض كانت حجة الفعالية الاقتصادية. تركز طرح هذا الفريق على أن المواقع المميزة في المدينة محدودة وهي الأعلى قدرة على جذب الاستثمار، فعلى سبيل المثال لا يمكن اقناع مستثمر ببناء فندق في الصحراء في موقع غير متميز ولا جاذب للسياحة ولا يطل على مشهد مميز وجميل، كالمواقع المطلة على النيل أو منطقة نزلة السمان المطلة على الأهرامات التي تعتبر من أهم المواقع الأثرية في العالم ولا يصح من منظور الفريق المعارض تطويرها في مكانها والابقاء على اسطبلات الخيول واكوام القمامة بينما الاستغلال الأمثل لها قد يكون في الفنادق والمنتجعات السياحية. وركزوا على أن القاهرة مدينة كبيرة وهامة تجذب السائحين وتتجه لها أنظار العالم لقيمتها الثقافية والتاريخية، وهي مركز الادارة والسياسة في مصر ويجب أن يُعتنى بتجميلها والحفاظ على مظهرها لتعكس الواجهة الحضارية التي تستحقها البلاد.
نقل المناطق أفضل من الناحية الاقتصادية بسبب الموارد الهائلة التي من الممكن أن تدخل خزانة الدولة ، مثلث ماسبيرو كمثال مساحته 72 فدان، ومجموع مقابل بيع الأرض – في أقل تقدير وفقًا لسعر السوق قبيل إقامة المناظرة – يقدر ب 35 مليار جنيه. بينما يتكلف بناء حي جديد بأكمله لسكان المثلث ما يقرب المليار ونصف – بالقياس على تكلفة حي الأسمرات – وتستطيع الدولة الاستفادة بالمليارات الفائضة في تقديم خدمات لأهل مصر جميعهم وليس لسكان المثلث فقط. هذه المليارات لا يمكن تعويضها في حالة التطوير في المكان، فتكلفة التطوير تتحملها الدولة كاملة بينما بناء مدن جديدة يتم دفعه من بيع الأرض. وادعى الفريق أن تعنت سكان هذه المناطق قد يكون له دوافع اجتماعية ولكن السبب الأكبر هو انهم يطمعون في تعويضات أعلى.
طرحوا أيضًا ضرورة تشجيع ودعم الاستثمار الذي سيحفز النمو ويدر دخل يمكن من خلاله توفير فرص عمل تساهم في علاج البطالة. وأبدى الفريق رأيًا مناهضًا لما يطرحه المؤيدون لتطوير العشوائيات بأن اقتصاد العشوائيات يساهم في تنمية البلاد، حيث اعتبروه اقتصاد موازي، أو اقتصاد ظل، لا يؤثر في الناتج القومي لأنه لا يخضع للضرائب، وبالتالي مثل هذا النوع من الاقتصاد لا يمكن أن يتحول إلى انفاق عام يساهم في تقديم الخدمات. بينما الاقتصاد الرسمي ملزم بدفع ضرائب وسيوفر فرص عمل في مشروعاته لسكان المدينة ككل، ومن بينهم سكان العشوائيات والفقراء وبالتالي يجبر هؤلاء على الدخول في القطاع الرسمي.
المجلس المؤيد:
دافع الفريق المؤيد للتطوير في المكان عن أن التطوير قد يكون أعلى تكلفة ولكنه يقضي على العشوائيات بشكل نهائي حيث النقل غير المدروس يساهم في المزيد من العشوائية. وأضافوا أنه من أهم مقومات نجاح خطط ومشروعات التنمية ان يكون المجتمع متحمس لها، وفي حالة كانت رغبة السكان تطويرهم في أماكنهم سيشاركون في التكلفة ولن تتحملها الدولة وحدها كما من الممكن أن تساهم المؤسسات الأهلية في التكلفة كذلك. ومن ثمة يكون التطوير هو أفضل وسيلة لحشد الموارد الاقتصادية المحلية بل ومن الممكن جذب أنماط استثمار تساهم في تطوير وتنمية المجتمع اقتصاديا، وسيؤثر على دخل أفراد المجتمع بالإيجاب حيث سيحافظ على فرص العمل ويخلق فرص جديدة وليس بالسلب كما في حالة نقله لمدن بعيدة جديدة، وهو الهدف الأسمى للتنمية الاقتصادية التي تقودها الدولة. كما أن التطوير لا يجب أن يكون بالضرورة عن طريق هدم المنطقة وبنائها من جديد، فالعديد من المناطق قد تم استثمار الكثير من رأس المال المحلي بها لبناء البيوت وقامت الحكومة بإمدادها بالمرافق، ولا تحتاج لأكثر من تدخلات للصيانة والترميم وتحسين المباني والطرق وخلق فرص للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأضافوا أن القيمة الاقتصادية لا تحسب فقط بقيمة العقارات المادية ولكن يوجد قيمة اقتصادية للعمل في بلد تعاني من معدل مرتفع للبطالة. والمنطقة العشوائية ليست قطعة أرض مستقلة داخل المدينة ولكن يربطها بالمناطق حولها علاقات اقتصادية حيوية، حيث يوجد فرص عمل في العشوائيات لسكان مناطق أخرى من المدينة ويوجد عمل في مناطق المدينة المحيطة لسكان المنطقة العشوائية. وشكك الفريق في أن الدولة تمتلك القدرة على توفير فرص عمل جديدة لمن يتم قطع أرزاقهم في حين أنها لا تستطيع حل مشكلة البطالة للعاطلين من الأساس.
أثار الفريق المؤيد للتطوير في المكان أيضًا قضية التكلفة غير المرئية، وهي الخسائر التي يتحملها كل من الدولة والمواطن مع النقل ولا يتم أخذها في الاعتبار. على سبيل المثال تكلفة المواصلات والتنقل والتي تتحملها الأسرة من دخلها الشهري المحدود، وتتحملها الدولة في صورة طرق ومواصلات عامة، ثم تتحملها مضاعفة في عودة السكان لمناطقهم الأصلية أو مناطق أخرى بقلب المدينة والبناء على أراضي جديدة بشكل غير رسمي في حالة لو توفر الدولة المواصلات وفرص العمل والخدمات المتكاملة في المدن الجديدة.
الإخلاء القسري وتهديد الاستقرار
المجلس المؤيد:
أثار المجلس المؤيد أكثر من مرة سؤال “وماذا لو رفض السكان النقل؟” وناقشوا أنه أيًا كانت المنافع المقترحة من الفريق المعارض التي يفترض أن تترتب على خطط النقل واستثمار الأراضي، فانه في حين رفض السكان النقل، سيتم إخلائهم قسريا وهو غير مقبول من وجهة النظر الحقوقية والقانونية. أكد الفريق على أن الدستور المصري يمنع الإخلاء القسري التعسفي، وأن مشاركة المجتمع في تحديد مصيره والحفاظ على حياة وممتلكات الأفراد به أولى وأفضل من أي سيناريو آخر يتم إجبار المواطنين به على التهجير وتهديدهم أو ارهابهم باستخدام القوة معهم أو تشريدهم وعدم حصولهم على تعويض في حالة الرفض.
المجلس المعارض:
دافع المجلس المعارض بانه يمكن صياغة آليات لنقل السكان مع الحفاظ على حقوقهم. وأن ما يقترحوه يتضمن الاخلاء الطوعي ونقل السكان بالتراضي، وسيعتمد هذا على السياسة التحفيزية التي من الممكن اتباعها مع السكان بتوفير ضمانات تحافظ على الحقوق والسلامة لهم ومنحهم تعويضات عادلة عن ممتلكاتهم.
أثاروا أيضًا ادعاء آخر بخصوص استقرار الأسر والأفراد وممتلكاتهم وحيواتهم، وهو أنه عند تنفيذ التطوير في المكان يتم نقل السكان مرحليًا إلى مساكن بديلة تقوم الدولة بتوفيرها وبقاءهم هناك طوال فترة تنفيذ مشروعات الهدم والبناء وتوفير شبكات المرافق والتي من الممكن أن تستمر لعدة سنوات، ثم إعادة تسكينهم في المنطقة بعد تطويرها، وهو ما اعتبره الفريق حالة من عدم الاستقرار بسبب التنقل الذي قد يؤثر على ترتيبات الحياة اليومية والدراسة والعمل بين المساكن المؤقتة والمنطقة الأصلية. وادعوا أن نقلهم وتوطينهم في منطقة أخرى جديدة بشكل نهائي يجعلهم يرتبون حيواتهم على المكان الجديد ويستقرون فيه بشكل كامل. كما أثاروا نقطة الاستقرار القانوني حيث سيمتلكون عقود قانونية تضمن حيازتهم للمساكن الجديدة بشكل يؤكد على استقرار الحياة.
ختام المناظرة
تقيم مبادرة تضامن العديد من الفاعليات العامة التي تناقش القضايا العمرانية مع الحضور، من بينها جميعا كانت هذه المناظرة هي الأنجح من حيث تفاعل الجمهور معها. تفتح كل حجة مما طرح الباب لنقاشات أوسع والكثير منها كان مصدر إلهام للعديد من الدراسات والأبحاث، وقد انعكس هذا في الأسئلة والمناقشات التي دارت بعد المناظرة مع جمهور الحاضرين وفريق المتناظرين وفريق تضامن، والتي اتسمت بدرجة عالية من الاهتمام والوعي. لم تساهمت المناظرة في تحفيز الجمهور للنظر بعين نقدية للسياسات العامة وتوجهاتها المختلفة فحسب، ولكنها ساهمت أيضًا في تعميق فهم الشباب المتناظرين أنفسهم بدرجة كبيرة للقضية، حيث أنهم لم يتعرضوا لدراسة نقدية تتناول العمران وقضاياه من قبل، وكغيرهم من الناس كان الاعلام وطريقة تناول قضايا العشوائيات في النقاشات العام قد شكلوا لديهم تصورات مغلوطة عن المجتمع وقضاياه وتصنيف مشكلاته.
لذا فان تشجيع دراسة ومناقشة القضايا هو السبيل الوحيد لتعديل المفاهيم والتصورات، وخلق وعي اجتماعي أكثر نضجًا ومسئولية بين فئات المجتمع المختلفة. وهو الخطوة الأولى في طريق بناء قدرات المجتمع المدني ليصبح قادرًا على المشاركة والدفع للتأثير في السياسات العامة والتغيير للأفضل.
1. مفهوم التطوير في المكان (In-Situ Development) يعبر عن نهج متعارف عليه في أدبيات التنمية و يعني التطوير العمراني للمناطق وإعادة تسكين الأهالي في نفس الموقع، وتختلف التدخلات به حسب حالة المنطقة، فهو يضم تحت مظلته الإمداد بالمرافق العامة، أو التخطيط للخلخلة العمرانية بتوسعة الشوارع الرئيسية وخلق أراضي فضاء للخدمات، أو التطوير الكامل بهدم وإعادة بناء المنطقة بأكملها تدريجيًا وإعادة السكان إلى نفس مواقعهم بعد التطوير.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments