في الثالث عشر من يناير 2017، انتقلت مبادرة التضامن العمراني بالقاهرة إلى مدينة الإسكندرية لتنظيم ورشة عمل لمدة يومين تحت عنوان “اعرف مدينتك، الإسكندرية”، وذلك بالتعاون مع مبادرة أنقذوا الإسكندرية وباستضافة المعهد السويدي بالإسكندرية. وجاءت فكرة الورشة من شعار “اعرف مدينتك” الذي أطلقته مبادرة تضامن على سلسلة مقالات تهدف إلى التوثيق العمراني لأحياء ومناطق القاهرة. وذلك للتعريف بمناطق وأحياء المدينة المتنوعة والغنية بعمرانها وتاريخها وتجارب مجتمعاتها التي تجمعها مدينة واحدة لا يعرف أغلب سكانها الكثير عن مناطق مدينتهم ويغلب في تصوراتهم عنها التنميط والافتراضات المسبقة. وقد أسفرت هذه المقالات عن إنتاج دليل لمدينة القاهرة، آملين أن نوضح أهمية المناطق المختلفة كجزء أصيل ومهم من المدينة ككل، وتشجيع سكانها على المطالبة بحقهم في المدينة. ولم تقتصر تجربة مبادرة تضامن على توثيق العمران فقط، بل امتدت إلى توثيق بعض المبادرات ومشاريع التنمية بالمشاركة ضمن سلسلة مقالات أخرى تحت مسمى “تجارب عمرانية“. وذلك بهدف التعرف على المبادرات التي نجحت في مواجهة التحديات والقضايا المختلفة لهذا العمران المعقد مثل البنية الأساسية، والمرافق والخدمات العامة، والإسكان، والفراغات العامة، وغيرها، والتعلم منها وإتاحة الفرصة لتكرار التجربة ونجاحاتها مرة أخرى.
 

أهداف ورشة العمل

لهذا كان الهدف الرئيسي من هذه الورشة هو نقل تجربة مبادرة تضامن في التوثيق خارج مدينة القاهرة، وخصوصًا أن هناك العديد من المدن المصرية التي لا يقل غنى عمرانها وتاريخها وتجارب مجتمعاتها عن القاهرة بل في بعض الأحيان يزيد. ولما كانت الإسكندرية من أثرى المدن المصرية بتاريخها وعمرانها الممتد عبر آلاف السنوات ومختلف الحضارات والثقافات، فقد قرر فريق مبادرة تضامن الانتقال إلى هذه المدينة لتبادل الخبرات والأفكار في مجال الكتابة والتوثيق، بالإضافة إلى تشجيع المهتمين بالقضايا العمرانية على توثيق الإسكندرية. وذلك من خلال انتاج عدة مقالات لتوثيق بعضًا من مناطق الإسكندرية والمبادرات العمرانية بها يبدأها المشتركون خلال الورشة، ثم يطوروها فيما بعد الورشة بالتنسيق والمتابعة مع فريق مبادرة تضامن.
 

بناء ورشة العمل

جاء بناء ورشة العمل ليخدم الهدف الرئيسي سابق الذكر وليساعد المشتركين على انتاج مقالاتهم عن الإسكندرية. حيث اعتمد البناء على إعطاء مدخلات للمشاركين من خلال عدة جلسات، وتقديمهم لعدة مخرجات من خلال أنشطة مختلفة ومتنوعة. تم وضع المدخلات وترتيبها في تسلسل معتمد على الخطوات المتبعة في عملية البحث العلمي بشكل عام وتجربة مبادرة تضامن في التوثيق والكتابة بشكل خاص وكذلك توضيح أهم النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار عند الكتابة، إضافةً إلى أهم التحديات التي واجهها فريق مبادرة تضامن عند التوثيق. أمًا المخرجات، فتم تصميمها على أن تخدم المنتج الأساسي للورشة، ألا وهو المقالات وذلك من خلال مساعدة المشاركين على بناء وتطوير أفكارهم خطوة بخطوة وفي تسلسل منطقي أيضاً.
 

مدخلات ورشة العمل

تم توزيع مدخلات ورشة العمل على اليومين المخصصين لها. احتوى اليوم الأول على عدة جلسات تم من خلالهم إعطاء ثلاث محاضرات. الأولى عن الأسس البحثية والتي احتوت على خطوات انتاج المقال البحثي ومنها: اختيار الموضوع والسؤال البحثي ووضع الخطة البحثية وتجميع البيانات وتصنيفها وتحليلها. أمًا المحاضرتين الثانية والثالثة فكانتا عن كيفية كتابة مقالات اعرف مدينتك وتجارب عمرانية، وتضمنتا عرض مكونات هذه المقالات التي تهتم بتوثيق أحياء المدينة، والأخرى التي تهتم بتوثيق التجارب التي تسعى لتغيير المدينة للأفضل، وتضمنتا أيضَا هاتان المحاضرتان كذلك خطوات البحث المكتبي والميداني اللازم لإنتاج المقالات. أمًا في اليوم الثاني تم التركيز على عناصر مكملة ولكنها أساسية في نفس الوقت للقيام بالأبحاث وكتابة المقالات بشكل عام، فاحتوى اليوم الثاني على عدة جلسات أيضًا تم من خلالهم إعطاء ثلاث محاضرات. تناولت المحاضرة الأولى بناء الحُجج والتي تعرضت لتحليل البيانات والأفكار والخروج بحجة واضحة ورسالة للمقال. وحاولت هذه المحاضرة الإجابة على أسئلة رئيسية متعلقة بعناصر الحُجة القوية ومما تتشكل هذه الحُجج، بالإضافة إلى كيفية اقناع الأطراف المختلفة بحُجتك وربط موضوع المقال بموضوع أكبر يهم القارئ. أمًا المحاضرة الثانية فتعرضت لكيفية الاخراج البصري للمقال واستخدام الصور والخرائط والانفوجراف لتوضيح البيانات كأداة لدعم الأفكار التي تحتويها المقالات. وتناولت المحاضرة الأخيرة لهذا اليوم أهم تفاصيل الكتابة التقنية التي يجب تطبيقها في مراحل الكتابة البحثية والمراجعة والتدقيق.
 

 

مخرجات ورشة العمل

تم تصميم سلسلة من الأنشطة المرتبطة بالمدخلات التي تم سردها مسبقًا والمرتبة بشكل تصاعدي بهدف أن تساهم وتخدم نتاجات تلك الأنشطة المخرج الرئيسي للورشة وهي مقالات المشاركين. واشتمل اليومين على أربعة أنشطة. في اليوم الأول، بدأت الأنشطة باختيار المشتركون لموضوعات يرغبون في الكتابة عنها سواء تحت اعرف مدينتك أو تجارب عمرانية. ثم ركز النشاط التالي على الخروج بمسودة للمقترح البحثي للمشاركين، وذلك من خلال الإجابة على عدة أسئلة تضمنها النموذج الإرشادي للمقترح البحثي الذي تم توزيعه على المشتركين.
 

 
أمًا اليوم الثاني فقد ضم الأنشطة الأخرى والتي كانت متعلقة ببناء الحُجج. أولى هذه الأنشطة كان متعلق بتكوين حُجج بشكل غير منهجي بهدف رصد أوجه قوة وقصور المشاركين في تكوين الحُجج. هذا النشاط هو لعبة تم تقسيم المشتركين فيها إلى فريقين بناءً على تأييدهم أو معارضتهم لموضوع تم تحديده مسبقاً وهو (زيادة أسعار الموصلات العامة). وبعد أن قدم جميع المشتركين حُججهم، طُلب منهم تبني وجهة النظر المعاكس لموقفهم الأصلي، وذلك بهدف التفكير جيدًا في الحُجج المضادة. ثاني تلك الأنشطة كان متعلق بكيفية صياغة حُجة واضحة وقوية بشكل منهجي ومعتمداً على المدخلات التي قدمها فريق تضامن بخصوص نفس الموضوع. وفي هذا النشاط تم توزيع نموذج إرشادي أخر (خريطة بناء حُجة) على المشتركين. حيث طُلب من المشتركين ذكر ادعاء واحد على الأقل متعلق بالمقال، ثم ذكر ثلاث أسباب رئيسية حول صدق هذا الادعاء، ومن ثم ذكر ثلاث أدلة لدعم كل سبب. ولكي تكون الحُجة أكثر وضوحاً وقوة، طُلب أيضًا من المشاركين ذكر حُجة مضادة على الأقل لما يدعوه وتفنيد هذه الحُجة المضادة.
 

 

ماذا بعد…

في نهاية ورشة العمل عرض المشتركون نتائج ما توصلوا إليه خلال أنشطة اليومين، وذلك في إطار تطوير موضوعات الكتابة المُقترحة. حيث قدم المشاركون الأخرون بالإضافة إلى فريق مبادرة تضامن تعليقاتهم ونقدهم لما عرضه أصحاب هذه الموضوعات. وبالفعل بدأ المشتركون في تطوير مقالاتهم بعد الورشة بالتنسيق والمتابعة مع فريق مبادرة تضامن. الجدير بالذكر، أن ورشة العمل ومخرجاتها والمتابعة التي تمت فيما بعد الورشة مع المشتركين آتت ثمارها إلى حد جعلت فريق تضامن على نفس قدر حماسة المشتركين إن لم يكن يزيد. ذلك أن قيمة التوثيق العمراني لما تحتويه المدن والأحياء والمناطق ليس فقط هدفها تسجيل التاريخ وحفظه وإن كان هذا كافي، بل تمتد تلك القيمة إلى كونها مصدر قوة للمجتمع المدني وخطوة في سبيل التغيير نحو مدن أفضل. على سبيل المثال، تتمحور الصور النمطية للمناطق اللارسمية على أنها أوكار للبلطجة والسرقة والمخدرات، إلا أن توثيق تلك المناطق يجعلنا نفهم مجتمعات تلك المناطق بشكل أشمل وإدراك أن سكان هذه المناطق قادرون على تنظيم أنفسهم بشكل أو بآخر وتقديم ما لم توفره لهم الدولة. لهذا تأمل مبادرة تضامن في تكرار هذه الورشة في مختلف أنحاء الجمهورية ونشر قيمة التوثيق العمراني. ونرجو منكم متابعتنا لقراءة مقالات المشتركين والتي سوف يتم نشرها على الموقع الالكتروني لمبادرة تضامن خلال الأسابيع القليلة القادمة.
 

Published on March 22, 2017