شمال مدينة الإسماعيلية، يقع حي السلام الذي يتوسطه جامع ذو مئذنة عالية في الميدان الرئيسي بالمنطقة وتحاوطه الأشجار من جميع الاتجاهات. الحركة في محيط الجامع هادئة، حيث تقف عربة فول بجوار قهوة بلدي، وبمحاذة الرصيف المقابل للقهوة تقف بعض عربيات السوزوكي على هيئة موقف أجرة، وفي الجهة المقابلة كشك (منفذ بيع منتجات ومجازر الجيش). حي السلام منطقة يسكنها البسطاء من الطبقة الكادحة والطبقة المتوسطة تتمتع بجميع المرافق والخدمات والبنية الأساسية ومخططة بأسلوب علمي، حيث يتوسط الميدان الرئيسي جامع السلام وأشجاره، مشهد لا نكاد نراه في كثير من الأحياء التي يسكنها البسطاء. لم يكن هذا هو حال المنطقة منذ حوالي 38 عاماً، حيث كانت تعد – من قبل المتخصصين – منطقة لارسمية، أي تفتقر إلى جميع الخدمات والمرافق والتخطيط الرسمي. إلا أنها وفي العام 1978 شهدت أول مشروع تطوير عمراني بأسلوب “الأرض والخدمات” (Site and Services) لتتحسن بعده الأحوال المعيشية للسكان وتصبح منطقة رسمية. وبالرغم من مشاريع التنمية العديدة التي قامت بعد مشروع تطوير حي السلام في القاهرة الكبری ومدن مصرية أخری، إلا أنه يعد من أكثر مشروعات التنمية استدامة. ذلك أنه اعتمد على مبدأين: أن الناس هم أصحاب التنمية وأن لهم الدور الأكبر في تنمية مساكنهم، وأن الأرض في نهاية الأمر هي مورد يجب تسخيره لتلبية احتياجات الناس وليس مورد مالي يتم استغلاله في زيادة موارد الدولة. تسعى هذه المقالة لإلقاء الضوء على هذا المشروع باعتباره إحدى اللقطات المضيئة في مجال التنمية العمرانية والمشاريع الموجهة لفقراء الحضر في مصر. وذلك من خلال إدراك العوامل التي أدت إلى نجاحه وآليات نقل النظرية إلى حيز التطبيق. وأخيراً، تسعى المقالة إلى استنتاج العوامل التي على أساسها تحدد الدولة أسلوب تعاملها مع المناطق الغير مخططة، في محاولة لفهم العوامل التي حالت دون تكرار ذلك النموذج مرة أخرى.
ترجع أهمية هذا المشروع في أنه بدايةً، يعد من أولى المشروعات التي أدركت واعترفت أن هناك في مصر مناطق حضرية فقيرة بُنيت بالجهود الذاتية من حق ساكنيها حياة كريمة ومسكن ملائم. وأنه حدد بشكل مباشر المشكلات الرئيسية التي تواجه تلك المناطق بعد أن عرفها على أنها “مناطق حضرية غير مخططة تم بناءها تدريجياً” “Unplanned progressive urban settlement”. وبناءً عليه أصبحت المكونات المادية التي سيتعامل معها المشروع واضحة: إسكان، شبكة طرق، بنية أساسية، وخدمات. الإضافة الأخرى التي قدمها المشروع، والتي لم تكن للمنطقة فقط بل في مجال التنمية العمرانية بشكل عام، هي فكرة أشبه ما تكون بفكرة المسكن الملائم، حيث المسكن ليس مجرد أربع حوائط وسقف. نبعت تلك الفكرة من عملية “الإسكان الطبيعي”، أي قدرة السكان على صياغة وبناء مساكنهم بشكل تدريجي يتوافق مع احتياجاتهم اليومية والمستقبلية وما يتوفر لديهم من موارد.1 فقد رأى استشاريين المشروع أن عملية الإسكان الطبيعي هي قيمة وأصل بالإمكان تعظيم الاستفادة منها في تطوير المناطق غير المخططة.
على هذا الأساس، قدم المشروع نموذج الأرض والخدمات كاستراتيجية تنمية لتحسين الأحوال المعيشية للسكان تدريجياً في المناطق غير المخططة باستخدام قيمة الإسكان الطبيعي في إطار رسمي. هذا النموذج يعتمد بالأساس على شراكة حقيقية بين السكان – كفاعلين وليس مستقبلين – والسلطات المحلية. حيث يقتصر دور الحكومة على تقسيم الأراضي وبيعها للمستحقين بأسعار تتناسب مع مستويات دخلهم، وإمداد الأراضي بالبنية الأساسية والخدمات بشكل تدريجي من خلال عائد بيع الأراضي بالمستوى الذي يلائم احتياجات وتفضيلات السكان، على أن يتحمل السكان تكلفة إقامة مساكنهم (كليفورد كولبين وشركاه، 1983). ولهذا تظل عبقرية المشروع في أنه نجح أن ينقل ذلك الإطار النظري إلى أرض الواقع في ظل القوانين والتشريعات الحاكمة حينها، حيث لا يزال الكثيرون ممن تعرضوا لهذا المشروع يشيدوا به.
حي السلام كان يسمى قبل المشروع منطقة “الحكر” نظراً لأن الأهالي كانوا يدفعوا مبلغ مالي للمحافظة، رسمياً، كمقابل انتفاعهم بالأرض، وكان يسكنها حوالي 37 ألف نسمة.2 وترجع قصة منطقة “الحكر” إلى ما قبل 1967، حيث نشأت المنطقة بالجهود الذاتية للسكان – كحال المناطق غير المخططة – على أراضي الدولة كامتداد للمدينة القائمة آنذاك (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998).3 والجدير بالذكر أن النسيج العمراني للمنطقة كان شبه منتظم، حيث أقام السكان مساكنهم على امتداد شبكة الطرق القائمة شمالاً (دايفدسون، 2016). خلال فترة الحرب (1967-1973) تأثر العمران بالإسماعيلية ومنطقة الحكر بصفة خاصة، فقد تحولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية، فقد أخبرنا عم عادل – أحد سكان المنطقة الحاليين – أن منزلهم كان “الميز” (مكان أكل الجنود). على إثر تلك الحرب، تم تهجير معظم سكان الإسماعيلية – بالإضافة إلى مدن القناة الأخرى. ثم ما لبثت أن عادت الحياة الطبيعية تدريجياً إلى الإسماعيلية بعد حرب 1973، حيث تم السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم. وشهدت الإسماعيلية خلال هذه الفترة ازدياداً مضطرداً في أعداد السكان وارتفاع معدلات الهجرة من سائر المحافظات. في ظل هذا النمو السكاني الذي لم تستوعبه خطط التنمية والإسكان، من قبل الحكومة، ازداد دور المناطق غير المخططة في توفير إسكاناً بديلاً للبسطاء. بالتبعية، تميز الطابع العمراني للحكر بالبساطة بشكل عام، حيث الطرق ترابية والمرافق والخدمات منعدمة فيما عدا بعض حنفيات المياه العمومية. إلا أن شمال المنطقة اختلف عن جنوبها من حيث مواد البناء والارتفاعات. في الشمال، بُنيت معظم المساكن بالطين أو الطوب اللبن والمواد المحلية الرخيصة وعلى ارتفاع دور واحد، ومنفصلة عن بعضها البعض، وازدادت الفراغات البينية بين المساكن كلما اتجهنا شمالاً حيث تناثرت المباني وسط الأراضي الفضاء. أمّا في الجنوب، فانتشرت المباني الخرسانية بارتفاعات تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة طوابق. وبصفة عامة انعدمت المرافق والخدمات بالمنطقة فيما عدا بعض حنفيات المياه العمومية (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998).
بانتهاء الفترة العصيبة التي مرت مصر خلالها أراد السادات إعادة تعمير البلد وبصورة سريعة، وكان ضمن محاور استراتيجية الدولة للتنمية محور لإعادة تعمير مدن القناة لما لها من أهمية اقتصادية. في هذا الإطار، تم إعداد مخطط عام لمحافظة الإسماعيلية عام 1976 بهدف أن تستوعب المحافظة حوالي 1,3 مليون نسمة بحلول عام 2000، حيث كان يقدر تعداد المحافظة في عام المخطط بحوالي 353 ألف نسمة. ذلك المخطط تم إعداده من قبل شركة الاستشارات البريطانية “كليفورد كولبين وشركاه” (Clifford Culpin and Partners) تحت إشراف وزارة الإسكان والتعمير بتمويل من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998).
كانت الفكرة الأساسية للمخطط تتمحور حول دور القطاع الخاص اللارسمي في توفير وحدات الإسكان، حيث أدرك الاستشاريين أن هذا القطاع يضيف إلى الرصيد القومي للإسكان وحدات مشغولة أكثر مما تنتجه الدولة، ومن خلال الدراسات الميدانية تبين أن السكان إذا ما كانت حيازتهم للأراضي مقننة وكذلك لديهم ما يحتاجونه من خدمات فإنهم على استعداد لتطوير مساكنهم. وعلى هذا الأساس، اقترح الاستشاريون – ومن ضمنهم جون ترنر (John F.C. Turner) – مقاربات واقعية لدعم وتنظيم ما أطلقوا عليه نظام الإسكان الطبيعي (دايفدسون، 2016). 4
كانت الفكرة الأساسية أن يتم اختيار مناطق غير مخططة (المناطق القائمة) لها مساحات متاخمة من الأراضي الفضاء (المناطق الجديدة)، ويتم إعداد مخطط تفصيلي للمنطقة ككل متضمناً المناطق القائمة والجديدة بناءً على أسلوب الأرض والخدمات الذي كان متبع في المشاريع الدولية لتطوير المناطق غير المخططة (كليفورد كولبين وشركاه، 1983). وفي عام 1977، طلب محافظ الإسماعيلية من الفريق الاستشاري أن يقوموا باختيار عدة مناطق غير مخططة ليتم تنفيذ مشروعات إرشادية بها. حيث تقدم تلك المشروعات نموذج لتطبيق السياسات المقترحة في مخطط 1976 (دايفدسون، 1981). 5 وقع الاختيار على منطقة الحكر لتكون المنطقة التي سوف يتم تنفيذ المشروع الإرشادي بها. وقد تم هذا الاختيار بناءً على عدة معايير تضمنت، بالإضافة إلى احتياج المنطقة للتطوير، وجود محفز للتطوير وعدم وجود معوقات للتنمية وكذلك توفر مساحات متاخمة من الأراضي الفضاء. وقد توفر في منطقة الحكر جميع تلك العوامل، فقد وجد الاستشاريون أن رغبة السكان في استثمار بعض من وقتهم ودخلهم في تحسين مساكنهم محفز رئيسي لنجاح المشروع، وحيث أن الحكر كانت آنذاك أقصى شمال المدينة فقد توفرت مساحات كافية من الأراضي الفضاء لتنفيذ المشروع. بناءً عليه، أصدر المحافظ عام 1979 قرار بتخصيص الأرض للمشروع واعتمدت التنمية بالمنطقة على عاملين رئيسيين. أولاً، قدرة السكان أنفسهم على تحمل التكاليف، من شراء الأراضي وإمدادها بالمرافق. ثانياً، احتياجات السكان خلال مراحل تطور المشروع، والمرتبطة بقدرتهم على الادخار والاستثمار.
تطلبت واقعية المقاربات دراسة تفصيلية للأحوال المعيشية للأسر واستيعاب طموحاتهم والعوائق التي تقف أمامهم، وكيف يمكن للمخطط مساعدة هذه الأسر. وبدأ المشروع، تباعاً، بدراسة عينة عشوائية من الأسر لفهم نظام الإسكان وبالتالي احتياجات الناس الفعلية ومشاكلهم. من ثم طور الاستشاريون عدة أهداف لنقل المخطط إلى حيز التنفيذ من خلال أسلوب الأرض والخدمات وبتمويل ذاتي من السكان بالأساس.
أهداف المشروع الإرشادي بحي السلام:
1. أن يكون المشروع “واقعي”، بمعنى ألا يتطلب إلى تغييرات جذرية في المؤسسات والتشريعات الحاكمة.
2. أن تكون التنمية نابعة من الأحوال المعيشية للسكان ومعتمدة عليها، حيث تراعي الروابط الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية والطابع العمراني بالمنطقة.
3. خلق مجتمع متكامل داخلياً، يتضمن ويضمن إتاحة فرص لجميع فئاته، ومتكامل خارجياً مع البيئة المحيطة.
4. توفير قطع أراضي ذات مساحات وخدمات متعددة لتناسب مختلف مستويات الدخل.
5. أن يتم تنفيذ المشروع في أسرع وقت وبأقل دعم مالي خارجي.
6. أن يتم إدارة المشروع من قبل الجهات المحلية بدعم من الخبراء الخارجيين.
7. قابلية تكرار هذا المشروع في مناطق أخرى.
تم تقسيم حي السلام في المخطط إلى جزئيين متكاملين، الأول خاص بتطوير المنطقة القائمة والتي كانت مساحتها 312 فدان، والثاني يخص تنمية الأراضي الفضاء (المنطقة الجديدة) الواقعة شمال منطقة حي السلام على مساحة 222 فدان (كليفورد كولبين وشركاه، 1983). في المنطقة القائمة، تم إعادة تخطيط وتقسيم الأراضي بأبسط التدخلات، ذلك أن أراضي المنطقة القديمة كان سيتم بيعها لصالح الأهالي القاطنين بها كأول مرحلة في المشروع. فكان الهدف من إعادة التخطيط والتقسيم هو تسهيل، وتقليل تكلفة، إمداد المنطقة بالبنية الأساسية وخلق مساحات لتوطين الخدمات بها، دون الاضطرار إلى إزالة الكثير من المباني. وقد أوضح لنا عم عادل أن فريق عمل المشروع لم يُقدم على هدم المباني الخرسانية لأن مالكيها قد أنفقوا عليها “دم قلبهم” في تشييدها. وقد راعى فريق عمل المشروع – بالطبع – على أن يكون أول المستفيدين من المشروع هم السكان المتضررين من إعادة التخطيط (دايفدسون، 2016). أمّا في المنطقة الجديدة، فتم تقسيم وتخطيط قطع الأراضي بحيث تخدم الفئات المختلفة، تبعاً لتقديرات متوسط الدخل. على هذا الأساس وضع فريق العمل خطة مرحلية لإمداد النطاق الأوسع (الذي يضم المنطقتين القائمة والجديدة) بكافة شبكات البنية الأساسية العامة عند الانتهاء من المشروع، بشرط أن يتم إيصال جميع المرافق مع بداية المشروع وإن كانت بصورة بدائية كحنفيات المياه العمومية والبيارات (دايفدسون، 2016). وقد تم تقسيم تكلفة الإمداد بالمرافق – بناءً على مساحة قطعة الأرض ومستوى المرافق المتصلة بها – إلى سبعة مستويات، وبالتالي تم تحديد أسعار الأراضي بناءً على مواقعها والمرافق الموصولة بها، كما هو مبين بالجدول التالي (كليفورد كولبين وشركاه، 1983).
تم بيع الأراضي بأسعار تناسب الفئات المستهدفة ولكل من ثبت أنه كان يحوز أو يستأجر قطعة أرض أو منزل قبل بدء المشروع في يونية 1977، وفي حالات زعم بعض المواطنين أحقيتهم في الحصول على قطع أراضي بدون وجه حق تم الرجوع إلى الصور الجوية المأخوذة في أبريل 1977، أي قبيل بدء المشروع مباشرة. أمّا في المنطقة الجديدة، تم بيع الأراضي للمواطنين بنظام القرعة، وكانت أولوية التخصيص تقتصر على سكان محافظة الإسماعيلية. فكانت الأولوية للأسر المستأجرة بالمنطقة القائمة ثم إلى سكان الإسماعيلية قبل التهجير – على الترتيب. ولم يتم قبول طلبات المواطنين الذين كانوا يملكون وحدات أخرى في الإسماعيلية سواء أكانت تلك الوحدات خاصة أو من خلال أي جهة حكومية كهيئة قناة السويس. بالإضافة إلى تلك المحددات، ولضمان تنمية حقيقية بالحي، تم الاشتراط على المنتفعين البدء في إقامة مساكنهم خلال السنة الأولى من تاريخ استلام قطعة الأرض.
هيئة المشروع
ذكرت معظم المصادر والجهات التي قامت بدراسة وتقييم المشروع أن أحد العوامل الرئيسية والأبرز، أيضاً، في نجاح مشروع تطوير وتنمية منطقة حي السلام هو إنشاء هيئة مختصة بإدارة المشروع، بقرار من المحافظ عام 1978 (كليفورد كولبين وشركاه، 1983؛ ماتوتشي، 2006؛ مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998؛ دايفدسون، 1981؛ بلانت، 1982). تلك الهيئة تمتعت بصلاحيات واسعة، فبالإضافة إلى دورها الرئيسي في قيادة المشروع فنياً، تمثلت تلك الصلاحيات، بالأساس، في السلطات الإدارية والمالية التي اختصت بها تلك الهيئة والتي خولت لها اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى الجهات الحكومية المحلية. فكان من سلطات هيئة المشروع بيع وشراء الأراضي، وكذلك إدارة ميزانية المشروع وإبرام العقود، الأمر الذي عجل بتنفيذ المشروع، حيث لم تتقيد الهيئة – كثيراً – بالبيروقراطية أو الروتين الحكومي، ولكن – بطبيعة الحال – تلك الصلاحيات لم تحيل دون الرجوع إلى لجنة خاصة برئاسة المحافظ للتأشير على تدفق الأموال. تشكلت الهيئة – في البداية – من خمسة أقسام (كما هو موضح بالشكل)، بالإضافة إلى مكتب مدير المشروع، ثم امتدت الهيئة عام 1980 لتشمل ثمانية أقسام (بلانت، 1982).
مسئوليات هيئة المشروع:
1. القيام بالمسوحات والدراسات اللازمة.
2. إعداد جميع المخططات التفصيلية للمشروع.
3. تقديم الدعم الفني للأهالي في تشييد مساكنهم.
4. التنسيق مع مجلس المدينة فيما يخص المشروع.
5. تمثيل السكان ورفع مطالبهم واحتياجاتهم أمام الجهات الحكومية.
6. تخصيص وبيع الأراضي للمستحقين وإبرام العقود معهم، وكذلك تحصيل الإيرادات.
7. تسهيل عمليات الاقتراض عن طريق نظام التمويل الأصغر (Microfinance).
8. التنسيق والتفاوض مع الجهات المسئولة عن إمداد المنطقة بشبكات البنية الأساسية.
9. الاهتمام بتنسيق المواقع بالمنطقة أو بمعنى أخر الاهتمام بتشجير المنطقة والمسطحات الخضراء.
مجلس الإدارة
تطلب قيام هيئة المشروع بدورها التنسيق مع جميع الجهات المعنية، ولضمان ذلك بأفضل وأسرع طريقة تم إنشاء مجلس إدارة للمشروع– بقرار من المحافظ عام 1978 (ويلبر سميث للاستشارات، 1990). تضمن المجلس– على الورق – 23 ممثل من الجهات المحلية والحكومية المعنية بالتنمية العمرانية كمحافظة الإسماعيلية، ومجلس المدينة، ومديريتي الإسكان والمالية بالمحافظة، وإدارة الأملاك، بالإضافة – بالطبع – إلى مدير المشروع. أما على أرض الواقع، بالإضافة إلى الممثلين السابقين، تضمن مجلس الإدارة ممثلين عن الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) وقسم المساحة والمستشار الهندسي للمحافظ بالإضافة إلى مستشار قانوني. وبعد عام واحد من إنشاء مجلس الإدارة، انضم إليه ممثلين من هيئة قناة السويس وشركة الكهرباء (بلانت، 1982).
مسئوليات مجلس الإدارة
1. دعم هيئة المشروع، حين الحاجة، بالكفاءات اللازمة.
2. التصديق على مقترحات التطوير وكذلك مصروفات المشروع.
3. العمل على ضمان التعاون بين جميع الجهات المشاركة بالمشروع.
4. اتخاذ القرارات اللازمة فيما يتعلق بكيفية تطبيق السياسات المتبعة بالمشروع.
التمويل الذاتي هو الذراع الذي يعتمد عليه أسلوب الأرض والخدمات، وكان هو المصدر الأساسي لتمويل عملية التطوير التنمية في منطقة حي السلام. ويعتمد التمويل الذاتي على بيع الأراضي كمورد رئيسي حيث أن تقنين أوضاع ملكيات الأراضي من المفترض أن يعمل كمحفز رئيسي للأهالي للاستثمار في تشييد وتطوير مساكنهم، والمنطقة بصفة عامة. وهو ما حدث بالفعل، فقد ذكرت دراسة لمركز البحوث والإسكان أن أعداد الوحدات السكنية التي أضيفت بلغت حوالي 9 آلاف وحدة بنهاية عام 1985، وقد قدرت تلك الدراسة حجم الاستثمارات من قبل الأهالي بحوالي 50-70 مليون جنيه مصري آنذاك اعتماداً على تكلفة بناء الدولة للإسكان الاقتصادي (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1986). لكن أغلب الظن أن تلك الاستثمارات مبالغ في تقديرها، ذلك أن الأهالي يشيدون مساكنهم بتكلفة أقل من تلك التي تبني بها الدولة. هذا بالإضافة إلى إيرادات بيع الأراضي، والتي من المفترض أنها عادت إلى المنطقة في صورة بنية أساسية وخدمات، والتي بلغت في عام 1985 حوالي 6,6 مليون جنيه مصري حينها (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998).
إذا كان التمويل الذاتي من السكان هو المورد الأساسي للمشروع، فلم يكن هو الوحيد، فنظراً للظروف الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد آنذاك إثر استنزاف موارد الدولة والشعب خلال فترة الحرب، تبنى السادات سياسة الانفتاح لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية في شتى المجالات (خليفة، 2015). حيث لم تستطع الحكومة الاستمرار في كونها المستثمر الأكبر في الدولة كما كان الوضع في عهد عبد الناصر. انعكست تلك الأفكار على مشروع تطوير وتنمية حي السلام، إذ لم يكن ضمن خطة المشروع جني الأرباح منه ولا في المقابل توظيف أية موارد عامة فيه. فكان أحد الموارد هو التمويل الخارجي، فقد بدأ مشروع إعداد المخطط العام للإسماعيلية بتمويل من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) (ويلبر سميث للاستشارات، 1990). ثم قدمت الحكومة البريطانية منحة قدرها 65 ألف جنيه إسترليني كرأس مال تأسيسي لمشروع حي السلام إلى أن يعطي بيع الأراضي عائداته، وقد تم توظيف المنحة مباشرة في بناء مقر المشروع بالإضافة إلى إعداد المسوحات والدراسات اللازمة (كليفورد كولبين وشركاه، 1983).6 هذا وقد قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تمويل للمساهمة في توفير البنية الأساسية للمنطقة (ويلبر سميث للاستشارات، 1990).7
لا يخلو أي مشروع تطوير وتنمية من العقبات، ولكن بالرغم من تلك التحديات إلا أن مشروع تطوير وتنمية حي السلام لاقى نجاح كبير في نهاية الأمر، بشهادة جميع الخبراء والدراسات وكذلك بناءً على رأي الأهالي الذين تحدثت إليهم مبادرة تضامن. يمكن تصنيف تلك العقبات إلى ثلاثة. الأولى والرئيسية كانت عقبة الاختلاف الأيديولوجي على طبيعة المشروع بين الاستشاريين الأجانب وذوي السلطة بالإسماعيلية، خصوصاً بالمنطقة الجديدة (دايفدسون، 2016). فعلى الرغم من اتفاقهم على الاستراتيجيات الرئيسية، إلا أن رؤى كل طرف تجاه المشروع كانت مختلفة. فمن ناحية، رأى الاستشاريين الأجانب المشروع على أنه تنمية معتمدة على تنظيم ما سموه بالإسكان الطبيعي وأن قطع الأراضي بالمنطقة الجديدة يجب تخصيصها، أولاً، لفئات السكان ذوي الدخل المنخفض. أما من الناحية الأخرى، أراد ذوي السلطة التربح من أراضي المنطقة الجديدة في ظل سياسة الانفتاح المتبعة آنذاك وكذلك كدعاية للحزب الحاكم. فمن وجهة نظر هؤلاء، إن إعادة تعمير الإسماعيلية يجب أن يكون أول إنجاز وانعكاس لسياسة الانفتاح (ماتوتشي، 2006).
على صعيداً أخر، واجه المشروع في البدايات بعض التحديات الفنية من ناحية الكفاءات المعينة – كماً ونوعاً. فبطبيعة حال المشروع لم يكن لدى تلك الكفاءات سابقة خبرات في مثل هذا النوع من المشروعات، بالإضافة إلى عدم توفر جميع التخصصات اللازمة حيث لم يتوفر للمشروع في البداية مهندس طرق او صرف صحي. مع الوقت، نمت خبرات الموظفين وكذلك زاد عددهم، ولكن مع تلك الزيادة ظهرت تحديات أخرى، خصوصاً مع بداية نجاح المشروع. أبرز تلك التحديات كان توتر العلاقة بين هيئة المشروع ومجلس الإدارة، حيث أن سلطات الأخير – المنحصرة في اعتماد الميزانية وتعيين الموظفين – لم تعد ترضي أعضاءه مقارنة بالسلطات التنفيذية المخولة لهيئة المشروع. لذلك أصبح التوصل إلى قرارات ترضي جميع الأطراف أكثر صعوبة، وأدى إلى تعطيل عملية التنمية بالمنطقة (ماتوتشي، 2006)، إلا أن محافظ الإسماعيلية كانت له السلطة والكلمة العليا في نهاية الأمر. بالإضافة إلى ما ذكره أحد استشاري المشروع من أنه كان يذهب إلى القاهرة بصورة دورية لإبقاء الجهات المركزية على علم بمستجدات المشروع وكذلك لتسهيل ما يتطلبه المشروع (دايفدسون، 2016).
وقفت أيضاً قلة الموارد كتحدي ثالث في وجه المشروع، الأمر الذي تسبب في بطء التنمية بالمنطقة. فمركزية توزيع الموارد – المستمرة إلى الآن – لم توفر رأس المال اللازم لتمكين المحافظة من مرونة التصرف خارج إطار الخطة الموضوعة من الجهات المركزية (ماتوتشي، 2006). من جانب أخر، كان المصدر الأساسي للتمويل – كما ذكر سابقاً – هو بيع الأراضي للأهالي، ولكن مع معدلات التضخم آنذاك أصبح عائد بيع الأراضي لا يكفي للقيام بالتنمية اللازمة. مما جعل الاستشاريين الأجانب يطالبوا بزيادة سعر الأراضي بنسبة قليلة، ولكنهم لم يحصلوا على الموافقة من المجلس المحلي، وقد ساهم التمويل الخارجي في التغلب على تلك العقبة (دايفدسون، 2016).
ترتب على تطوير منطقة حي السلام العديد من النتائج والآثار والتي ينبغي أن نقف أمامها لاستيعاب ما تنطوي عليه تلك النتائج. بداية، زادت أعداد السكان في المنطقة من حوالي 37.000 نسمة لتصل إلى حوالي 70.000 نسمة بعد انتهاء فترة تعاقد المشروع في عام 1985 طبقاً لدراسة أجراها مركز بحوث البناء والإسكان عام 1986، وهو ما يتعارض مع التعداد الرسمي الصادر عن الهيئة المركزية للتعبئة العامة والإحصاء الذي قدر سكان المنطقة بحوالي 45.000 نسمة فقط. وبالنظر إلى عمران حي السلام في عام 1985، وجد أن المنطقة شهدت تطوراً في مواد البناء حيث تحولت من الطوب النيء إلى الخرسانة المسلحة والطوب الأحمر بالإضافة إلى زيادة نسبة الأراضي المشغولة. لكن من ناحية أخرى، وجد أن نسبة المباني تحت الإنشاء قد انخفضت في المنطقة القائمة بالرغم من وجود أراض فضاء بها. يشير هذا على تحقيق المشروع لأهدافه، فمع شعور الأهالي بالاستقرار تحولت المباني إلى الخرسانة المسلحة وبقاء بعض المباني تحت الإنشاء دليل على أن تنمية المنطقة تمت بناءً على موارد الأهالي بالأساس واحتياجاتهم. إلا أن الإقبال على المنطقة الجديدة كان أعلى منه في المنطقة القائمة، ومع الأخذ في الاعتبار إلغاء شرط الدخل المحدود لتخصيص الأراضي، يشير هذا إلى أن الفئات التي حصلت على تلك الأراضي لم تكن في غالب الظن من الفئات المستهدفة من ذوي الدخل المنخفض، خصوصاً وأن معدل الإنشاء في المنطقة الجديدة كان أسرع من المنطقة القائمة. بالإضافة إلى انتشار المباني المأهولة بالمستأجرين فقط دون ملاك بالمنطقة الجديدة، يدل على ان هناك من اشترى تلك الأراضي للاستثمار فقط (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1986).
أمّا بخصوص البنية الأساسية، فمع انتهاء فترة التعاقد في عام 1985، لم تكن المنطقة ككل مخدومة بكافة المرافق وشبكات البنية الأساسية العامة. لكن هذا لم يمنع زيادة الأسعار في منطقة حي السلام، فقد ارتفعت أسعار الأراضي – في عام 1985– في المنطقة لتصل إلى ألف جنيه مصري/متر مربع (ج.م/م2) لقطع الأراضي الواقعة على الشوارع الرئيسية، تلك الأسعار لم تختلف كثيراً عن أسعار الأراضي بمركز الإسماعيلية (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1998). هذا يقودنا الى السؤال، من الذي استفاد من المشروع؟ وما الذي حدث للأهالي الذين اشتروا الأراضي من هيئة المشروع؟ وهل المشروع نجح في تحسين الأحوال المعيشية للأهالي، أم أن الأهالي باعوا الأراضي التي حصلوا عليها بسعر السوق واستقروا في مناطق غير مخططة أخرى؟
من الواضح اختلاف المستفيدين من المشروع، وهم أهالي المنطقة الأصليين، بالإضافة إلى الفئات ذوي الدخل المتوسط والمرتفع، وليس المنخفض. بالنسبة للأهالي الأصليين للمنطقة، وجد أن هناك نسبة، ليست بالضئيلة، تحسنت أحوالها المعيشية بالفعل كنتيجة للمشروع. عند لقاءنا بعم عادل أحد سكان المنطقة الذين تم تهجيرهم قبل الحرب، والذي اشترت أسرته الأرض المقام عليها المنزل الآن، أشار إلى أنه يستفيد من إيجار صيدلية بالدور الأرضي بالمنزل. وعلى جانب أخر، ذكر عم أحمد، أحد أهالي المنطقة من قبل التهجير أيضاً، والذي يملك منزلاً أيضاً بالمنطقة أنه استغل الدور الأرضي من المنزل في فتح محل بقالة. أما بالنسبة للفئات المستهدفة من خارح المنطقة، فقد أدى إلغاء شرط الدخل المحدود من شروط قبول المتقدمين بالقرعة الثانية إلى استهداف ذوي الدخل المتوسط والمرتفع، وإشارة دراسة مركز البحوث على أن هناك تقدير “غير رسمي” يشير إلى أن 75% من الأراضي تم إعادة بيعها من قبل السكان يؤكد على استهداف المنطقة لفئات الدخل المتوسط والمرتفع (مركز بحوث الاسكان والبناء، 1986). تلك التطورات في مسار المشروع هي ما ساهمت في خلق مجتمع متجانس ومتكامل من مختلف فئات الدخل كما آمل المخططون، بالإضافة إلى ان فروقات الدخل بين مختلف الطبقات لم تكن شاسعة وبالتالي سمحت بالتجانس بين تلك الطبقات.
حالياً، تحتل منطقة حي السلام – أو شياخة الحكر كما يطلق عليها رسميًا- مساحة تبلغ 632 فدان من أراض الاسماعيلية ويسكنها ما يزيد عن 81 ألف نسمة (التعداد العام للسكان، 2006). 8 وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود، وبفضل المشروع، منطقة حي السلام حالياً هي منطقة مخططة تتصل بكافة شبكات البنية الأساسية من شبكة كهرباء، ومياه شرب، وصرف صحي، وشبكة تليفونات وتتواجد بها أيضاً جميع الخدمات كالمدارس والمستشفيات وخدمات السنترال والبريد. أما بالنسبة لشبكة الطرق، فلا يزال الفرق بين المنطقة القديمة والجديدة واضح. فالمنطقة القديمة جنوب مسجد السلام تتميز بالشوارع غير المنتظمة نسبيًا وغالباً ما تكون الطرق الداخلية غير مرصوفة. في المقابل، تتميز شوارع المنطقة الجديدة شمال مسجد السلام بنمط شبكي منتظم. وبالرغم من مرور ما يقرب من أربعة عقود على المشروع، إلا أن حركة البناء بالمنطقة ما زالت منتعشة، فعلى مرمى البصر عمارات ذات ارتفاعات تصل إلى اثنا عشر طابقاً، بعضها تحت الإنشاء وأخرين غير مأهولين بالسكان بعد. هذه العمارات تم إنشاءها – بناءً على ما ذكره رئيس مركز الهيئة العامة للتخطيط العمراني بإقليم قناة السويس – بمخالفة القرار الصادر من المحافظ بوضع حد أقصى ستة أدوار للارتفاعات بمدينة الإسماعيلية. وتظل منطقة حي السلام من المناطق المركزية بمدينة الإسماعيلية والتي تصل أسعار المباني بها إلى 4 آلاف ج.م/م2 في الشوارع الرئيسية، ويظل الطابع العمراني الغالب على حي السلام هو طابع الطوب الأحمر.
ما حدث في حي السلام هو تطبيق لمفهوم التنمية العمرانية المستدامة التي تم تعريفها على أنها “إدارة عملية التنمية العمرانية بالاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة لتلبية احتياجات الجيل الحاضر دون التأثير على فرص الأجيال القادمة” طبقاً لقانون البناء الموحد رقم (119/2008). فقد استوعب مخطط المشروع حياة السكان وتطورها، وتم توظيف المورد الطبيعي المتاح ألا وهو الأرض في تلبية احتياجات الأهالي الفعلية وليست المزعومة من قبل الدولة من خلال عملية إدارة مرنة وواقعية. فقد سمح المشروع، ولم يفرض، بتحسين الظروف المعيشية للسكان تدريجياً طبقاً لاحتياجاتهم ومواردهم من جهة. من الجهة الأخرى، تم استغلال الموارد العامة بفعالية أكثر لخدمة أكبر عدد من الفئات المستهدفة، حيث تم التعامل مع الأرض على أنها مورد لتحسين حياة السكان وليس مورد مالي لزيادة العائدات المالية للدولة. عكس ما يحدث الآن في استراتيجيات الإسكان المتبعة التي تقدم وحدات إسكان جاهزة لا تستوعب الاحتياجات المختلفة للأسر، والتي تستنفذ الموارد العامة في مد شبكات بنية أساسية كاملة لا تخدم إلا عدد قليل من المواطنين.
لم يكن ما تطلع له مشروع تطوير وتنمية منطقة حي السلام هو تطوير منطقة بعينها فقط، ولكن أمل الاستشاريون بخلق نظام يُمكّن الناس – بقيمهم وعاداتهم ومحيطهم – من سد احتياجاتهم الفعلية وتحسين أحوالهم المعيشية بالأسلوب الذي يتراءى للناس أنفسهم أنه الأنسب ولكن في إطار متفق عليه ومقبول من الجهات الرسمية (دايفدسون، 2016). وبالفعل، أصدر المحافظ عام 1981 قرار بإنشاء هيئة التخطيط والتنمية بالإسماعيلية والتي كانت ضمن مقترحات المخطط العام، كهيئة تابعة للمحافظة ويكون لها حرية التصرف المالي والقانوني. كان دور تلك الهيئة مماثل لدور هيئة مشروع تطوير وتنمية حي السلام، ولكن على مستوى المحافظة، فكان لها أن توظف الموارد كيفما تشاء بين المناطق المختلفة. وتكونت تلك الهيئة من الموظفين الذين شاركوا في مشاريع التطوير الإرشادية. قامت هيئة التخطيط والتنمية بالإسماعيلية باتباع خطى – وكذلك تحديث – مخطط 1976 في تطوير مناطق أخرى غير مخططة في منشية الشهدا، والقنطرة شرق، وفي خمسة مناطق أخرى (ويلبر سميث للاستشارات، 1990). تلك المشاريع الأخرى لم تتم تطويرها بمنهجية الأرض والخدمات وذلك بسبب التحديات المرتبطة بتلك المنهجية آنذاك، والتي تم التغلب عليها في مشروع حي السلام، بالإضافة إلى أن حي السلام تم اختياره اعتقاداً بسهولة تنفيذ عملية التنمية به. تلك التحديات انحصرت في نقص الموارد البشرية والمالية المطلوبة. حيث لم يتم – بصورة كافية – نقل الخبرات التنفيذية ولا بناء كوادر محلية تأخذ على عاتقها إدارة مشاريع مماثلة. من جهة أخرى لم يتم دعم تلك المشاريع مادياً من الجهات المانحة خصوصاً وأن توفير البنية الأساسية في حي السلام تم دعمه بشكل كبير من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). ولهذا نجد ان تجربة حي السلام لم يتم تكرارها في الإسماعيلية، أو في مصر على نطاق أوسع. يرجع أحد الاسباب إلى طبيعة المشاريع الممولة والمدعومة من جهات خارجية والتي تتأثر بتوجه هذه الجهات.
دائماً ما يكون هناك أكثر من منظور واحد لإدراك الأشياء، هذا المنظور يكون هو المرجعية الأساسية للإجابة على أي سؤال. والإشكالية هنا هي بين منظورين يرى الأول المناطق غير المخططة على أنها مناطق ذات “إسكان طبيعي” والأخر ينظر إليها على إنها “عشوائية”. وقد تطور استيعاب الدولة المصرية للمناطق غير المخططة من مناطق ذات إسكان طبيعي إلى “مناطق عشوائية”، يتضح هذا في تطور القوانين المصرية فيما يخص ملكيات الأراضي وإلغاء بعض أنواع الحيازة مثل الحكر. بالتبعية فإن مفهوم الدولة الحديثة للمناطق التي أُنشأت بالجهود الذاتية من المنطقي أن يصل إلى “المناطق العشوائية”. الإدراك المختلف للمناطق غير المخططة يؤدي إلى اختلاف طريقة التعامل معها. وفهم وجهة نظر الدولة في استمرار دعم المدن الجديدة والاسكان الاجتماعي مرتبط بمنظور الدولة تجاه المناطق غير المخططة. ولكي يتضح الفارق بين كلا المنظورين، هناك عاملين أساسين يجب استيعابهم.
أولاً، قيمة الأرض، إن أسلوب التنمية عن طريق توفير الأراضي والخدمات الأساسية، والذي يدخل ضمن إطار المنظور الأول، يتعامل مع الأرض كمورد للتنمية يختص به المشروع وله وظيفته الاجتماعية، مثلما حدث في مشروع حي السلام. أما المنظور الأخر فيتعامل مع الأرض كمصدر للدخل والاستثمار، كانعكاس لسياسات الانفتاح والإصلاحات الاقتصادية التي مرت بها مصر. ويبقى السؤال، ما هي القيمة الحقيقية للأرض، ومن الذي يحددها، واخيرًا من له أحقية الاستمتاع بهذا المورد؟
ثانياً، منتج أو شكل التنمية. يظهر هذا كثيراً في تعامل الجهات الحكومية مع المناطق العشوائية. في مشروع حي السلام على سبيل المثال، لم تكن الجهات الحكومية المحلية راضية عن شكل العمران والمباني كل الرضا، وفضلوا مواد البناء الحديثة على نظيرتها التقليدية. بالإضافة إلى عدم اقتناع تلك الجهات، أيضاً، بفكرة الإمداد التدريجي للبنية الأساسية. هذا ما أكده، مؤخراً، الرئيس السيسي عند ذكره لمشروع “ابني بيتك”، والذي كان يعتمد بالأساس على أسلوب الأرض والخدمات، حيث قال:
“انتوا قلتوا فكرة ابني بيتك، مش كده؟ خدوا الشباب يشوفوا ابني بيتك… خدوا الشباب يشوفوا ابني بيتك…العشوائي اللي موجود. احنا ما بنعملش كده…احنا ما بنعملش كده، احنا بنعمل عمل متقن متكامل محترم.”
لم يقصد بالعشوائية هنا سلوك المواطنين في البناء، ولكن كانت إشارة إلى فكرة عشوائية الإمداد المرحلي للبنية الأساسية من قبل وزارة الإسكان التي خصصت الأراضي للسكان قبل إمداها بالمرافق والخدمات اللازمة. ما أشار اليه، أيضاً، الرئيس السيسي هو بناء مجتمع حضاري متكامل كما هو الحال في حي الأسمرات، أو مشاريع الإسكان الاجتماعي التي لا تزال هي التوجه الرئيسي للدولة لحل مشكلة الإسكان في مصر. 9
انعكس منظور الدولة لقيمة الأرض وشكل التنمية على سياسات العمران في مصر. فأصبحت المدن الجديدة ومشاريع الإسكان الاجتماعي في وجهة نظر الدولة هي الحل الأمثل لمشاكل العمران المصري. على الرغم مما تسببه من أعباء على الدولة في مقابل عدم تلبيتها لاحتياجات المواطنين البسطاء. فتكلفة زيادة أحجام وأعداد المدن الجديدة قد تصل إلى أكثر من ضعف الإنفاق القومي على التعليم والصحة مجتمعين. في المقابل، لم تحقق المدن الجديدة أهدافها المرجوة بشأن عدد السكان المستهدف بها. بالإضافة فأنه تم تخصيص نسبة قليلة من الأراضي في المدن الجديدة للإسكان المتوسط والاقتصادي، ولا يوجد أي بيانات عما إذا كان تخصيص تلك الأراضي يلبي بالفعل الطلب على الإسكان لتلك الفئات. لكن الأكيد هو أن تلك الوحدات السكنية لا تصل في معظم الأحوال إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة، وحتى عندما تصل إلى تلك الفئات فإنها لا تفي باحتياجاتهم للوظائف والنقل والتعليم وخلافه. 10
مع هذا التطور في الإدراك المصري لمثل تلك المناطق، تطورت العديد من نظريات التخطيط العمراني التي تشير إلى أن الدول بمؤسساتها وخبراءها لا يمكن ولا ينبغي أن تكون هي الفاعل الوحيد في عملية تطوير وتنمية المدن. ليس فقط لمحدودية الموارد العامة، كما هو الحال في معظم الدول النامية مثل مصر، ولكن لما تشير له أيضاً نظرية تسمى “التعقيد في المدن” “Complexity Theories of Cities.”. تلك النظرية تشير إلى أن المدن أكثر تعقيداً من أن يتم تخطيطها فقط بطريقة شاملة لأن عملية التطور هي عملية لا يمكن التنبؤ ولا السيطرة عليها بشكل كامل، ولكن لابد من وجود نظام مرن نابع من ديناميكيات المدينة وسكانها يناسب ويضمن احتياجات المواطنين. لذلك تظهر الدولة المصرية متناقضة فيما يخص عملية التنمية. فلا يخفى على أحد محدودية الموارد العامة بمصر، فقد أكد ومازال يؤكد على هذا جميع المسئولين بالدولة المصرية. أما ناحية فاعلية المواطنين في عملية التخطيط والتنمية، فلا يبدو أن الدولة تكفل هذا الأمر بصورة أو بأخرى. فالإطار التشريعي الخاص بالتخطيط والتنمية، كالمادة 78 من الدستور المصري وقانون البناء الموحد 119، يشير دائماً على أن الفاعل الأوحد للتخطيط والتنمية هي الدولة.
ولهذا نرى أن تجربة حي السلام ذات أهمية كبيرة في مجال التنمية العمرانية بمصر، ليس فقط لأنها خلقت مجتمع متكامل ومتجانس من شتى الفئات، بل لأن الاستشاريين أدركوا أن أي مخطط يتم وضعه لا يمكن التنبؤ بنتائجه ولا السيطرة على تطوراته بشكل كامل. بالإضافة إلى أن هذه التجربة أكدت على أن في ظل نظام رسمي موضوع بعناية بناءً على تحركات المجتمع، يمكن أن يكون المواطنين فاعلين ومستثمرين حقيقين في عملية التنمية وليسوا فقط مستقبلين كما هو الحال في مشاريع الإسكان الاجتماعي الحالية. ولهذا نعتبر تجربة حي السلام هي فرصة ضائعة أخرى، مثل تجربة مساكن زينهم لتحقيق توازن بين توطين الموارد العامة – والتي تعرضنا لها في سلسلة مقالات العدالة في التخطيط – من جهة واحتياجات المواطنين كأفراد في المجتمع من الجهة الأخرى.
ويظل نجاح التجارب السابقة هو نجاح مشروط بالظروف المحيطة بكلاً منهما، فكلا المشروعين قد لقيا دعماً سياسياً، فمساكن زينهم كانت بدعم من سوزان مبارك، على غرار حي السلام الذي كان ضمن استراتيجية مدعومة من السادات لإعادة تعمير مدن القناة. لهذا نستطيع القول أن الدعم السياسي بمختلف مستوياته، سواء من رئيس الجمهورية أو من حملة انتخابية برلمانية أو بطرق أخرى، هو المحرك الأول لتغيير أساليب واستراتيجيات التنمية على المستويات المختلفة. وتظل مشاريع الإسكان الاجتماعي هي الأكثر دعماً سياسياً، فما هي وجهة نظر الدولة في استمرار دعم تلك المشاريع بالرغم من عدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين ولجوء الطرف الأخير إلى المناطق “العشوائية” أو الإسكان الطبيعي.
آرك نت. (1983)
Archnet. (1983). Photographs of Ismailiyyah Development Project . Retrieved from Archnet.
بلانت. (1982).
Blunt, A. (1982). Ismailia sites-and-services and upgrading projects – A preliminary evaluation. Habitat Intl., 6(5/6), 587-597.
كليفورد كالبين وشركاه. (1983)
Clifford Culpin and Partners. (1983). Urban projects manual. (F. Davidson, & G. Payne, Eds.) Liverpool: Liverpool university press in association with Fairstead press.
دايفدسون. (1981).
Davidson, F. (1981). Ismailia: From master plan to implementation. Third World Planning, 3(2).
Davidson, F., & Hefnawi, A. e. (2008). Evaluation of the project “Participatory Slum Upgrading in El-Hallous and El-Bhatini, Ismailia, Egypt”.
خليفة. (2015)
Khalifa, M. A. (2015). Evolution of informal settlements upgrading strategies in Egypt: from negligence to participatory development. Ain Shams Engineering Journal, 1-9.
ماتوتشي. (2006).
Matteucci, C. (2006). Long-term evaluation of an urban development project: the case of Hai El Salam.
ويلبر سميث للاستشارات. (1990)
Wilbur Smith Associates. (1990). Local Development II: Urban Project. USAID.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. (1986). النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والظروف السكنية – الإسماعيلية. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. (2006). النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والظروف السكنية – الإسماعيلية. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
عزيزة بدر (2001). العمران العشوائي في مصر. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
حي ثان، الإسماعيلية. (13 فبراير, 2014). بيانات حي ثان. تاريخ الاسترداد يوليو, 2016، من موقع محافظة الإسماعيلية
مركز بحوث الاسكان والبناء. (1986). ندوة مشروعات التنمية بحي السلام بالاسماعيلية. القاهرة: وزارة التعمير والاسكان.
مركز بحوث الاسكان والبناء. (1998). توفير قطع أراضي صغيرة لذوي الدخل المحدود في إطار مشروع تجريبي للاتنمية العمرانية. القاهرة: وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
أحمد خيري. (19 يوليو, 2016). زيارة حي السلام.
عامل مسجد السلام. (19 يوليو, 2016). زيارة حي السلام.
عم أحمد. (19 يوليو, 2016). زيارة حي السلام.
عم عادل. (19 يوليو, 2016). زيارة حي السلام.
سمسار عقارات. (19 يوليو, 2016). زيارة حي السلام.
هشام جوهر. (18 يوليو, 2016). حي السلام بين النظرية والتطبيق.
دايفدسون. (25 يوليو, 2016). ماذا حدث في مشروع تطوير وتنمية حي السلام.
دستور جمهورية مصر العربية. 2014
الموقع الالكتروني لأحد استشاري المشروع
نود أن نوجه جزيل الشكر للبروفيسور فوربس دايفدسون (أحد استشاري مشروع تطوير حي السلام) على قبوله دعوتنا لعمل لقاء معه. له منا جزيل الشكر والتقدير على خبرته ومعرفته الواسعة التي قدمها لنا والتي شاركت في خروج هذه المقالة بهذا الشكل.
1. الإسكان الطبيعي هو لفظ أطلقه استشاريين مشروع منطقة “حي السلام” على أسلوب البناء التدريجي المتبع في المناطق الفقيرة أو الغير مخططة.
2. كانت الأراضي الحكر نوع رسمي من إيجار الأرض من الجهات الحكومية طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1940 بشأن تقسيم الأراضي المعدة للبناء والقانون المدني المصري. وتم تعريف الحكر، في الوسيط لشرح القانون المدني، على أنه “أحد الحقوق المُتفرعة عن حق الملكية. وكان عقد الحكر يكتسب به المًحتكر حقاً عينياً على أرض موقوفة يخوله الانتفاع بإقامة بناء عليها أو باستعمالها للغرس أو لأي غرض آخر وذلك مُقابل أُجرة مُعينة”. إلا أنه صدرت عدة تشريعات متعاقبة بغرض الانتهاء من هذا الشكل من الانتفاع بالأراضي بدءاً بالقانون رقم 649 لسنة 1953 مروراً بالقانون رقم 295 لسنة 1954 ثم القانون رقم 92 لسنة 1960.
3.لم يكن من المتاح معرفة التاريخ الفعلي لنشأة منطقة “الحكر”، لكن أغلب الظن أن نشأة المنطقة ترجع إلى ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي. ذلك نظراً لظروف نشأة مدينة الإسماعيلية والتي كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونظراً -أيضاً – إلى أن القانون رقم 52 لسنة 1940 بشأن تقسيم الأراضي المعدة للبناء تضمن التعامل مع الأراضي الحكر، وأن صدور أول القوانين التي تحد من الحكر كان في العام 1953.
4. “جون ترنر” (John F.C. Turner) هو من أهم الرواد الذين عملوا ونظروا في مجال تنمية المناطق الحضرية الفقيرة والغير مخططة.
5. لقد كان أسلوب “الأرض والخدمات” (Site and Services) – آنذاك – هو المنهجية الجديدة في تنمية المناطق الحضرية الفقيرة على مستوى العالم، كبديل موازي لبرامج الإسكان الاجتماعي بهدف إعادة توجيه الموارد العامة في تطوير تلك المناطق. وقد تم تبني ذلك الأسلوب من البنك الدولي في فترة ما بعد عام 1972 في كثير من مشاريع التطوير (بلانت، 1982؛ دايفدسون، 1981). للاطلاع على معلو1مات أكثر عن ذلك الأسلوب يمكن زيارة هذا الموقع.
6. في عام 1977، 1 جنيه مصري ~ 0,75 جنيه استرليني
7. لم تذكر المصادر المتاحة حجم التمويل الذي قدمته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
8. تتبع منطقة “حي السلام” إداريًا قسم/حي ثان بمدينة الإسماعيلية والذي أنشأ بالتزامن مع المشروع بقرار رقم 412 لسنة 1979 من الدكتور/ عبد المنعم عمارة محافظ الإسماعيلية آنذاك، ويعد قسم/حي ثان أكثر أحياء المدينة كثافةً، طبقاً لتعداد 2006.حيث تنقسم مدينة الإسماعيلية، إدارياً، إلى ثلاثة أحياء. تقدر كثافة حي ثان السكانية بحوالي 133 فرد/فدان مقارنة بالحيين الأول والثالث التي تقدر كثافة كل منهما بحوالي 22 فرد/فدان و33 فرد/فدان، على الترتيب. تم حساب هذه الكثافات بناء على بيانات مساحات أحياء مدينة الإسماعيلية من موقع المحافظة.
9. حي الأسمرات هو أحد مشروعات الدولة لإعادة تسكين سكان منطقة الشهبة في منشية ناصر، ويقع حي الاسمرات بمنطقة المقطم المجاورة. يختلف هذا المشروع عن مشروعات إعادة التسكين في أنه ليس بمنأى عن قلب المدينة.
10.لمعرفة المزيد عن سياسة المدن الجديدة، الرجاء الرجوع لمقالةسياسة المدن الجديدة في مصر: أثر متواضع وعدالة غائبة
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments