أعادت العشوائيات تشكيل شكل المدن المصرية وطابعها على مدى العقود القليلة الماضية، وسوف تستمر في القيام بذلك لسنوات قادمة. وقد تبنت الحكومة حتى الآن مجموعة من السياسات والقوانين التي تهدف لإبطاء نمو المجتمعات العشوائية أو وقفه، إلا أن نجاحها في تطوير المناطق العشوائية أو إزالتها اقتصر على مجتمعات بعينها فقط، ولم يتمكن من إبطاء معدل نموها.
ما هو عدد المناطق العشوائية في مصر؟ لا أحد يعرف الإجابة على وجه اليقين. في القاهرة، تلك المدينة التي نعرف الكثير عن المناطق العشوائية بها، تقول وزارة الإسكان إن ٤٠ في المئة من السكان يعيشون في مناطق عشوائية. وبناء على أرقام التعداد ما بين عامي ١٩٩٦ و ٢٠٠٦، فإن تلك النسبة قد تصل إلى 67 في المئة (سيمز، ٢٠١٢)، والأرجح هو أن تكون تلك النسبة قد ارتفعت منذ ثورة ٢٠١١. أما في بقية أنحاء البلاد، فالمعلومات المتاحة أقل بكثير. في الإسكندرية، يعتقد دافيد سيمز، وهو باحث مخضرم في الشأن العمراني بمصر، أن 40 في المئة على الأقل من السكان يعيشون في مناطق عشوائية. وفى بعض المدن الأصغر في صعيد مصر والدلتا، من المتوقع أن تكون النسبة أعلى بكثير (سيمز، ٢٠١٣). إلا أن الأرقام التي يمدنا بها أحد المصادر الرسمية للمعلومات، وهو صندوق تطوير المناطق العشوائية، تشير إلى أن 75 في المئة من المناطق العمرانية بالمدن والقرى في مختلف أنحاء مصر هي غير مخططة وأن حوالى ١ في المئة من تلك المناطق غير آمن (صندوق تطوير المناطق العشوائية، ٢٠١٣).
بغض النظر عن التضارب الذي نراه في تلك الأرقام، فإنها جميعاً تشير إلى النمو الكبير للمناطق العشوائية. وسيكون لطريقة تعامل الحكومة مع المناطق العشوائية على مر العقود القليلة المقبلة أثراً كبيراً على مستقبل المدن في مختلف أنحاء الجمهورية. كما أن مقاربة الحكومة في التعامل مع المناطق العشوائية يوضح فلسفتها تجاه المدينة، وما يعتبره المسؤولون الحكوميون نموذجاً لها، وما يعتقدون أنه نوعية الأشخاص الذين يجب أن يعيشوا في المدينة، ومن الذي يرون أن له الحق في اتخاذ القرارات الخاصة بشكل المدينة.
كيف يمكن تطوير نظرة الحكومة تجاه المناطق العشوائية بشكل أكثر تفهما لها؟ ما الذي يمكن للحكومة أن تتعلمه من تاريخها في التعامل مع المناطق العشوائية؟ وما الذي يمكن للحكومة أن تتعلمه من تجارب الدول الأخرى إن أرادت الوفاء بالتزامها الدستوري في “تحسين نوعية الحياة والصحة العامة” في المناطق العشوائية (الحكومة المصرية، ٢٠١٤). في هذه المقالة نتناول إستراتيجيات الحكومة الحالية بخصوص المناطق العشوائية والآثار الناتجة عن تلك السياسات. كما نستعرض عدة أمثلة بخصوص الطرائق التي اتبعتها بعض الدول الأخرى بالتعامل مع المناطق العشوائية في مدنها.
تقر المادة ٧٨ من الدستور المصري بوجود العشوائيات، وتطالب الحكومة المصرية أن تتخذ إجراءات لتحسين الأوضاع بها.
“كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، وتكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية معينة”. (الحكومة المصرية، ٢٠١٤)
في يونيو ٢٠١٤، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء وزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات، وهي الجهة التي ستتولى تنفيذ المادة سابقة الذكر من الدستور المصري، وفقاً للقرار الرئاسي رقم ١٢٥٢ لعام ٢٠١٤.
هناك إشكالية في المادة الدستورية المشار إليها، نظرا لأنها لا تقدم تعريفاً لمصطلح “العشوائيات” باستثناء اعتبار أن تلك العشوائيات تمثل “مشكلة”. بناء على تلك المادة، يمكننا أن نفهم أن تلك العشوائيات تحتاج إلى تخطيط وبنية أساسية ومرافق، وأن سكانها يعانون من نوعية حياة متدنية ومن مخاطر على صحتهم تفوق تلك التي يعاني منها سكان المناطق المخططة. مثل تلك النظرة الضيقة تقتصر في تركيزها على المناطق منخفضة الدخل، ولا تأخذ في اعتبارها المناطق غير المخططة التي لا تخضع لتنظيم استخدامات الأراضي وغير ذلك من القيود التنظيمية، والتي قد تقع في أماكن تسكنها الطبقات المتوسطة والراقية. إضافة إلى أن معنى مصطلح “عشوائيات” ليس موحداً في فهمه بين مختلف الهيئات الحكومية أو بين عامة الناس. ومن الملاحظ أن قانون البناء لعام ٢٠٠٨ يتجنب استخدام هذا المصطلح تماماً، ويشير بدلاً منه إلى “المناطق غير المخططة”. ويشير القرار الرئاسي رقم ٣٠٥ لعام ٢٠٠٨ إلى المناطق غير المخططة و”غير الآمنة”. أما القرار الرئاسي سابق الذكر، رقم ١٢٥٢ لعام ٢٠١٤، فيستخدم نفس المصطلحات المستخدمة في المادة الواردة بالدستور.
وبرغم غموض المادة ٧٨، فإن إدراج المناطق العشوائية في الدستور يشير إلى حدوث تغير كبير في مقاربة الحكومة للمناطق العشوائية على مر العقود القليلة الماضية. ففي أواخر السبعينات وخلال الثمانينات كانت الحكومة تهمل تنمية المناطق العشوائية على وجه العموم، على أمل أن تلك المشكلة سوف تختفي من تلقاء نفسها (سيمز، ٢٠١٢). وعندما لم يحدث ذلك، تبنت الحكومة مدخلاً يقوم على التدخل الواضح خلال التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحالي. واليوم فإن الحكومة تعترف بوجود العشوائيات في المدن، بل وتستخدم مصطلحات “المشاركة” و”الصحة العامة” و”السلامة” في سياساتها الخاصة بالمناطق العشوائية. ولكن في الكثير من الأحيان فإن اللغة التي تستخدمها الحكومة لا تتماشى مع تصرفاتها. على سبيل المثال، ما زالت الحكومة تتخذ إجراءات تعسفية “لإزالة” المناطق العشوائية عند الضرورة (منظمة العفو الدولية، ٢٠١١). وقد نتج هذا التحول التدريجي في سياسات الحكومة عن عدة عوامل، منها: أن مساحة المناطق العشوائية تفوق قدرة الحكومة على إدارتها، المواءمات السياسية، المخاوف الأمنية، المنافسة الانتخابية. وكذلك ارتفاع أصوات المجتمع المدني التي تطالب بمقاربة أكثر إنسانية وتشاركية وانفتاحا تجاه السكان الموجودين بالعشوائيات.
هناك مبدآن هامان يشكلان الدعامتين الأساسيتين لمقاربة الحكومة للمناطق العشوائية وللتنمية العمرانية بشكل عام. المبدأ الأول هو أن المناطق العشوائية تمثل مشكلة. وطبقاً لهذا المبدأ، يتم تعريف تلك المناطق وتوصيفها على نحو سلبي، وتعامل على أنها شيء يجب أن يتم الحد منه أو إزالته. فالمساعي الحكومية مع المناطق العشوائية لا تختلف مع مساعيها الأخرى الرامية للحد مثلاً من الأمية والجهل ومعدل الوفيات بين الأطفال. أما المبدأ الثاني فهو أن النمو العمراني يجب أن يتم توجيهه بعيداً عن المدن القائمة حالياً والأراضي الزراعية، إلى المناطق الصحراوية؛ وذلك لكي تتمكن الدولة من تحقيق التنمية بشكل سليم ومن التعجيل بمعدل النمو الاقتصادي. وكثيرا ما يقال في هذا الصدد إن مصر لا تستغل سوى ٤ في المئة فقط من مساحة أراضيها (ميتشيل، ١٩٩١؛ سيمز، ٢٠١٢).
تخضع المناطق العشوائية أساساً للهيئات الحكومية التالية: وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، المحافظات، صندوق تطوير المناطق العشوائية، ووزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات.١ لاحقاً سنناقش دور تلك الهيئات في تنظيم المناطق العشوائية بالتفصيل. أما المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية فليست له صلة مباشرة بالمناطق العشوائية، وإن كان يركز على التنمية العمرانية بشكل عام، حيث يقوم المجلس بتحديد الأهداف والسياسات القومية للتخطيط والتنمية العمرانية، وينسق بين الهيئات الحكومية المختصة بالتنمية العمرانية، ويقدم الخبرة الفنية للمشرّعين بخصوص القوانين التي تحكم التنمية العمرانية، ويتولى تقييم تنفيذ الخطة القومية الإستراتيجية والمخططات القومية الإستراتيجية، كما يوافق على المخططات القومية والإقليمية ومخططات المحافظات الخاصة بالتنمية العمرانية. (ندا، ٢٠١١).
وهناك نوعان من المقاربات التي تتبناها الحكومة للمناطق العشوائية: مقاربات وقائية تهدف إلى وقف نمو العشوائيات ومقاربات تدخلية تسعى الحكومة من خلالها إلى تحسين المناطق العشوائية أو إزالتها. ومن المهم أن ندرك أنه من وجهة النظر العملية، فإن هذين النوعين من التعامل ينطبقان فقط على نسبة صغيرة من العشوائيات. فالكثير من المناطق العشوائية لديها خدمات عامة ومرافق وبها حيازة مستقرة، وإن لم تكن رسمية، للأراضي. ولا ندعي أن المناطق العشوائية تحظى بنفس مستوى العناية الذي تحظى به المناطق المخططة، لأن كم الخدمات العامة المتاحة في المناطق العشوائية ونوعها أقل في العموم من تلك المتاحة في المناطق الرسمية. وقد اعترف مخططو الحكومة وصانعو القرار منذ وقت طويل بأن العشوائيات هي جزء لا يمكن تجاهله من الأمر الواقع للمدن. وإلى جانب مسألة تعامل الحكومة مع المناطق العشوائية، هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية، وهى توقيت التعامل مع تلك المناطق. وسنحاول إلقاء الضوء على هاتين المسألتين في هذا الجزء من المقال.
تتضمن المقاربات الوقائية تناول ’حدود التنمية العمرانية‘ بـ”التحزيم” والترسيم والفرض، وحظر استخدام الأراضي الزراعية في الاستعمال السكني، ووضع اليد على الأراضي الصحراوية المملوكة للدولة، وأيضاً استخدام الأكواد والاشتراطات البنائية والتخطيطية التي ستؤدى حال تنفيذها إلى حظر بعض المباني التي تجري أقامتها في المناطق العشوائية ذات الدخل المنخفض.
والتحزيم هو أسلوب تخطيطي يتم من خلاله إحاطة المناطق العشوائية بمناطق مخططة تحول دون امتدادها أفقياً. اتبعت الحكومة هذه المقاربة للمناطق العشوائية من خلال برنامج “تحزيم العشوائيات” الذي استمر من ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٨ (الشحات والخطيب، ٢٠١٣)
الحيز العمراني هو الحدود التي يتم رسمها لتقييد التوسع المستقبلي للمدينة من خلال تشجيع النمو في مناطق بعينها، تكون عادة داخل الحيز نفسه، مع الحد من النمو أو حظره تماماً في مناطق أخرى. تُستخدم حدود الحيز العمراني في تقييد الامتداد المنخفض الكثافة للمدينة والحفاظ على المناطق الخضراء وتشجيع الكثافة البنائية في مناطق بعينها. في مصر، يتم استخدام الحيز العمراني بشكل أساسي لمنع امتداد المناطق العشوائية إلى الأراضي الزراعية. ويسمح القانون ١١٩ لعام ٢٠٠٨ (قانون البناء) باستخدام الحيز العمراني كأداة عند وضع الخطط الإستراتيجية للمدن (ندا، ٢٠١١).
وتحظر المادة ٩٧٠ من القانون المدني البناء على أراض صحراوية مملوكة للدولة. وفى حالة وقوع “تعديات” فإن الوزير المختص له الحق في إزالة هذه “التعديات”. والمادة ٢٦ من قانون ١٩٧٩ للحكم المحلى تعطى المحافظ السلطة في حماية “الممتلكات العامة والخاصة للدولة وإزالة أي تعديات بالطريق الإداري” (منظمة العفو الدولية، ٢٠١١).
أما بالنسبة للأراضي الزراعية، فقد بدأت الحكومة محاولة السيطرة على شكل النمو في الأراضي الزراعية المحيطة بالمدن في ١٩٧٨، من خلال سلسلة من القوانين والقرارات الحكومية (سيمز، ٢٠١٢). ولكن العشوائيات تمكنت من الامتداد إلى المناطق الزراعية برغم ذلك، مما حدا بالحكومة إلى إصدار لوائح أكثر صرامة، بما فيها قرار عسكري في ١٩٩٦ يجرّم البناء غير القانوني على الأراضي الزراعية (وكالة المعونة الأمريكية، ٢٠١٠). وقد تم إلغاء قرار عام ١٩٩٦ في ٢٠٠٤، ومنذ ذلك الوقت يتم استخدام القانون ١١٦ لعام ١٩٨٣ بوصفه الأداة الرئيسية لحماية الأراضي الزراعية. وفقا لهذا القانون، فإن أي مبنى يقام على أرض زراعية يعد مخالفاً للقانون، كما أن أي أنشطة مجتمعية لتقسيم الأراضي الزراعية بغرض البناء عليها تعد بدورها مخالفة للقانون (الحنفي، بدون تاريخ).
برغم الحيز العمراني والحظر المفروض على البناء بالأراضي الزراعية، فإن معظم التنمية العشوائية في مصر قامت في مناطق زراعية مجاورة للمناطق الحضرية. السبب في هذا هو أن الأراضي الزراعية هي ملكية خاصة وتكلفة عمليات شراء الأراضي وبنائها منخفضة نسبياً، كما أن تلك المناطق لديها فرصة استخدام المرافق والخدمات المتاحة للمدينة إلى درجة ما. البديل الآخر للتوسع التلقائي للمدينة هو أن يحدث النمو في اتجاه الأراضي الصحراوية المملوكة للدولة، والتي ليست معروضة للبيع. إلا أن وضع اليد على أراض صحراوية تملكها الدولة هو أمر يتضمن قدرا كبيرا من المخاطرة، وذلك بسبب أن احتمال إزالة المباني التي تقام على تلك الأراضي يكون أكبر في هذه الحالة عنه في حالة في المناطق الزراعية. (سيجورنيه، ٢٠٠٩)
الحظر والحيز العمراني والتحزيم كلها مقاربات تستهدف منع بناء المناطق العشوائية أو تقييده. ويستهدف قانون البناء ولوائحه التنفيذية منع أنواع البناء ووضع القيود عليه والكثافة السكانية والبنائية بالمناطق العشوائية ذات الدخل المنخفض. وتفرض تلك اللوائح والقيود التنظيمية معايير تتعلق بالحد الأدنى من ارتفاعات البناء، وأبعاده، وحرم الطريق، ونسبة المبني إلى مساحة الأرض، والمساحات المفتوحة، والطرقات الجانبية وعرضها، ومواد البناء، والمعايير الهندسية، وغير ذلك من الأمور الخاصة بالمباني والأحياء الجديدة. ويعد المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء التابع لوزارة الإسكان هو الجهة المسؤولة عن كود البناء المصري، كما يقوم المركز أيضاً بإصدار الأكواد المتعلقة بالبنية التحتية، وأنشطة البناء، الهندسة البيئية، والتعاريف المعمارية (مثل التصميم المعماري والتخطيط) (سلامة، ٢٠٠٦). أما الهيئة العامة للتخطيط العمراني، التابعة هي الأخرى لوزارة الإسكان، فهي مسؤولة عن الاشتراطات التخطيطية، وهي تتعاون مع جهات الإدارة المحلية في وضع المخططات الإستراتيجية للمدن. عند إعداد مخططات المدن، فإن السلطات المحلية قد تُضمّن أكواد البناء والاشتراطات التخطيطية الخاصة بهذه المدن معايير محلية أعلى، إلا أنها لا ينبغي أن تقل عن الحد الأدنى، كما ينبغي على المخططات التي تعدها أن تكون متسقة مع المخططات الإقليمية والقومية الأعلى منها. ويقع على عاتق المحافظات مسؤولية تطبيق الأكواد والاشتراطات الموضوعة. (الحكومة المصرية، ٢٠٠٩)
لم يحالف السياسات الوقائية النجاح في الحد من نمو المناطق العشوائية. وفى أفضل الأحوال كان كل ما نجحت فيه تلك السياسات هو إعادة توجيه النمو العشوائي من منطقة إلى أخرى. أما في أسوأها، فإنها قد أدت إلى تشجيع النمو العشوائي وزيادة الفساد في الإدارة المحلية تاركة السكان عرضة للإضرار بهم. على سبيل المثال، فإن اشتراطات البناء التي أصدرها المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء تناسب الإسكان المتوسط وفوق المتوسط، ولكنها لا تناسب أنواع البناء التي تستطيع الأسر ذات الدخل المنخفض تحمل تكلفتها. ومن أجل الوفاء باحتياجات تلك الفئات، يضطر مقاولو البناء إلى العمل بطرق غير مشروعة، حيث إنهم يعلمون أنهم لو قاموا ببناء وحدات تفي باشتراطات البناء فإن الكثير من الناس لن يقدر على دفع ثمنها (ندا، ٢٠١١). كما أن موظفي المحافظات الذين يتولون تطبيق أكواد البناء محلياً وإصدار تراخيص المباني يدركون أن الاشتراطات لا تكون دائماً مناسبة ظروف المجتمع، وأحياناً ما تستخدم كوسيلة للتربح من وظيفتهم. والمحصلة النهائية هي أن الاشتراطات يجري تجاهلها، لا يتوفر حد أدنى من معايير الأمان والسلامة، وفي النهاية فإن السكان هم من يلحق بهم الضرر. ومع أن هذا الوضع يشجع القطاع غير الرسمي على القيام بالدور الأكبر في الوفاء بالطلب المتزايد على وحدات السكن ذات السعر المعقول في مصر، فإن المباني أحياناً ما تكون غير مستقرة إنشائياً، متواضعة الجودة، وغير آمنة للسكن. في تلك الحالات، فإن اشتراطات البناء قد تكون في صالح موظفي الإدارة المحلية والمقاولين، إلا إنها تضر بالسكان؛ وهم الذين يفترض بها أن تقوم بحمايتهم.
تشمل مقاربات التدخل الإخلاء والهدم وإعادة التوطين وتحسين أوضاع المباني القائمة. كيف تقرر الحكومة موقع التدخل وطريقته؟ هناك جهتان حكوميتان لهما سلطة التدخل في المناطق العشوائية: أولهما هي المحافظات والثانية هي “صندوق تطوير المناطق العشوائية”. ومن المقرر أن يعمل “الصندوق” تحت إشراف “وزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات” التي تم إنشاؤها حديثاً.
صندوق تطوير المناطق العشوائية
تم إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية في ٢٠٠٨ بمقتضى مرسوم رئاسي في أعقاب كارثة انهيار صخرة الدويقة والتي أدت إلى مقتل حوالي ١١٠ من سكان منطقة عشوائية في سفح هضبة المقطم في القاهرة. وتتسم مقاربة الصندوق للمناطق العشوائية بالبساطة. حيث يقوم الصندوق سنوياً بمسح لكل المناطق العشوائية في البلاد ويحدد المناطق التي تفي بشروط معينة من جهة نقص الأمان أو التخطيط. وأي منطقة عشوائية يقرر الصندوق أنها غير آمنة أو مخططة تصبح موضوعاً لإجراءات تدخلية من جانبه. كل المناطق العشوائية الأخرى يترك أمرها للمحافظات. وتلك المناطق غير الآمنة وغير المخططة يتم إعطاؤها درجة من ١ إلى ٤، بحيث تكون الدرجة ١ هي المناطق الأكثر خطورة على صحة السكان وسلامتهم، بينما تكون الدرجة ٤ هي الأقل خطورة. هذا الترتيب الهرمي يسمح بوضع أولويات للتدخل من قبل الصندوق في المناطق العشوائية. (راجع العمود الجانبي لمزيد من التفاصيل). وفقاً لتقرير ٢٠١٠، فإن السكان الذين يعيشون في مناطق الدرجة ١ سوف يتم نقلهم إلى مناطق مجاورة أو قريبة. أما سكان المناطق من الدرجة ٢ فسوف يتم نقلهم أو إعادة توطينهم أو تحسين أوضاع منازلهم. وفى مناطق الدرجة ٣، سوف تتعامل الحكومة مع المشكلات الصحية إما من خلال تحسين الخدمات العامة وشبكات المرافق أو من خلال تقليل التلوث المتولد عن المصانع القريبة على سبيل المثال. وبالنسبة للسكان في المناطق من الدرجة ٤ فإن السلطات سوف تتفاوض معهم بغرض تقنين أوضاع ملكيتهم للأراضي.
يقوم الصندوق أيضا بتنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية تركز على صحة المرأة وفرص العمل للشباب ومحو الأمية بين الكبار وتقليل الإدمان، إلى جانب برامج للادخار والقروض وبناء المدارس. ولكن الحكومة لا تقوم بإتاحة المعلومات للجمهور بسهولة حول أشكال التدخل المعينة أو البرامج التي تقوم بها. وليس من السهل أن يفهم المرء جوانب الاختلاف أو التكامل أو التداخل بين تلك البرامج وغيرها من البرامج الحكومية، أو التي تتم تحت رعاية دولية. مثلاً، بعض برامج صندوق تطوير المناطق العشوائية تتداخل مع تلك التي يقدمها الصندوق الاجتماعي للتنمية، والأخير هو جهة حكومية (يمولها البنك الدولي) ويترأسها رئيس الوزراء، وتسعى إلى التقليل من البطالة والفقر. يركز الصندوق الاجتماعي للتنمية أساساً على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن نطاق عمله واسع، حيث يتولى مشروعات تتصل بالصحة والتعليم والتدريب وتنمية المجتمعات والبنية التحتية والخدمات البيئية وغيرها.
أحد التحديات التي تواجه عمل صندوق تطوير المناطق العشوائية هو مدى إتاحة المعلومات. كان الصندوق يقوم في السابق بنشر معلومات توضح حالة المناطق غير الآمنة على الموقع الإلكتروني التابع له، ولكن هذا الأمر توقف بعد تولى خالد عبد العزيز الجبرتى منصب المدير التنفيذي للصندوق اعتباراً من يناير ٢٠١٣. وكان نتيجة هذا النقص في المعلومات أن السكان وغيرهم من الأطراف لم يعد يتوفر لديهم أي معرفة بخطط الحكومة في مناطقهم. وقد يحدث أن تستهدف منطقة ما بالإزالة أو التطوير دون إخطار السكان بشكل رسمي أو غير رسمي وأيضا دون معرفة الجمهور بهذا الأمر. وأحيانا تجري إزالة بيوت السكان بدون إنذار مسبق، وبدون أن تتم استشارة المجتمعات حول خطط الصندوق، ودون أن يتلقى السكان أي إخطار بالإزالة (منظمة العفو الدولية، ٢٠١١).
إن مقاربة صندوق تطوير المناطق العشوائية للمناطق غير الآمنة تفتقر إلى الاتساق إلى حد أنها قد تتسبب في إحداث مشكلات. وقد يعطى نظام الدرجات السابق الإشارة إليه الانطباع بوجود مقاربة عقلانية وواضحة للمناطق غير الآمنة التي تنوي الحكومة التدخل فيها بسبب تعرض حياة السكان للخطر (الدرجة ١) أو غير ذلك. ولكن الأمور قد لا تسير على هذا النحو. ففي بعض المناطق، تم نقل السكان الذين يعيشون في ظل ظروف سكنية متدنية (الدرجة ٢) قبل السكان الذين يعيشون في مناطق تهدد حياتهم (الدرجة ١). بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة أحيانا بإجلاء الأسر وتركهم بلا مسكن أو مصدر للرزق وعرضة لانتهاكات حقوق الإنسان (منظمة العفو الدولية، ٢٠١١).
أحد التحديات التي يواجهها الصندوق هي وضعه داخل الهرم الإداري الحكومي. فكما هو الحال بالنسبة للصندوق الاجتماعي للتنمية، يقع صندوق تطوير المناطق العشوائية تحت الإدارة المباشرة لرئيس الوزراء، مما يجعله يفتقر إلى الثقل الذي قد يعطيه له وجود وزير على رأسه. وفي سبيل تنفيذ مشروعاته، كان عليه أن يخوض صراعاً من أجل الحصول على الموارد المالية اللازمة لها (ندا، ٢٠١٤)، كما أن عمله قد تعرض لتدخل من الحكومة (فريد، ٢٠١٤). والآن فإن الصندوق تحت إشراف وزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات، وهو أمر قد يعطيه قوة كان يفتقدها في السابق.
معظم المناطق العشوائية أو غير المخططة التي تقع في مجال عمل المحافظة لا تلقى العناية الكافية. فبرغم إدراج تلك المناطق في الخطط القومية والإقليمية والمحلية التي تعدها الهيئة العامة للتخطيط العمراني وسلطات الإدارة المحلية، إلا إن المحافظات ليست لديها أي سياسة رسمية تجاه المناطق العشوائية، وهو ما قد يجعل تلك المناطق أكثر عرضة للمخاطر من المناطق التي يصفها الصندوق بأنها غير آمنة. وتمثل المناطق العشوائية الموجودة على أراض مرتفعة القيمة مشكلة خاصة، نظراً لكونها أكثر تعرضاً من غيرها لعمليات الإخلاء وإعادة التوطين وإعادة الإسكان. على سبيل المثال، هناك منطقتان قريبتان من وسط القاهرة، هما مثلث ماسبيرو وبولاق، اللتان طالما كانتا مطمعاً لعمليات إعادة تطوير جذرية لسنوات طويلة.
وفى سياق برنامج التنمية التشاركية في المناطق الحضرية، الذي تعاونت هيئة المعونة الألمانية GIZ مع الهيئة العامة للتخطيط العمراني في تطويره، قامت هيئة المعونة الألمانية بإقامة وحدات للتطوير العمراني بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، لتكون نقاط ارتكاز للجهود الحكومية في المناطق العشوائية. وتقوم تلك الوحدات بتنسيق جهود الوزارات والإدارات المحلية والمجتمع المدني. وحتى لحظة كتابة هذه المقالة، مازال التعاون قائماً بين هيئة المعونة الألمانية والحكومة المصرية من أجل إقامة وحدات للتطوير العمراني في بقية محافظات مصر.
إعادة التوطين هي عملية يتم خلالها نقل السكان من منطقة إلى منطقة أخرى بنفس المدينة، وعادة ما تكون المنطقة الجديدة على مسافة غير قريبة من الموقع الأصلي. في تلك العملية يقوم السكان بإخلاء مساكنهم ويجري هدم تلك المساكن ويمنح السكان شققاً جديدة في مبان سكنية تابعة للدولة، عادة بإيجار منخفض. إعادة التوطين قد تكون اختيارية أو قسرية. تُطبّق إعادة التوطين الاختيارية عندما يوافق السكان من تلقاء نفسهم على شروط الإجلاء التي تقترحها الحكومة. أما إعادة التوطين القسرية فتُطبّق عندما لا يُمنح السكان فرصة الاختيار، بل يتم إخلاؤهم بالقوة من مساكنهم من قبل قوات الأمن قبيل هدمها (باتيل، ٢٠١٣).
وتنص أفضل الممارسات الدولية لإعادة التوطين الاختيارية على ما يلي: (١) يجب أن تتم إعادة التوطين في أضيق الحدود وبعد استنفاد كل الاحتمالات الأخرى، (٢) عندما لا يكون هناك مفر من إعادة التوطين، يتم تعويض السكان بدفع القيمة الكاملة لممتلكاتهم إليهم، (٣) يجب على الحكومة أن تساعد الأسر في تحقيق مستوى المعيشة السابق لها وأن تتحقق من قدرة تلك الأسر على كسب الرزق بشكل منتظم (ميراندا، ٢٠١٤).
كما ذكرنا سابقا، فإن صندوق تطوير المناطق العشوائية هو المسؤول عن تحديد المناطق غير الآمنة التي تتم “إزالتها” وإعادة توطين سكانها. تتولى المحافظة والصندوق عمليات الإخلاء بالتنسيق مع الجيش وقوات الأمن عند الضرورة. وتكون الحكومة مسؤولة عن هدم الموقع وإخلائه، وأيضا عن بناء المساكن الجديدة وتقديم الخدمات العامة في المنطقة الجديدة. ومع أن المناطق التي يصفها الصندوق بأنها غير آمنة تكون معرضة لخطر الإزالة، فإنه وفقا لسياسات الصندوق على الأقل، يجب أن يتم نقل سكان تلك المناطق إلى مساكن بديلة (وإن كان سجل الصندوق في إعادة التسكين لا يخلو من التناقضات). إما إذا قررت الحكومة إجلاء مجتمع ما بالقوة برغم أن الصندوق لم يصف هذا المجتمع بأنه غير آمن، فإن هذا المجتمع لا يحق له المطالبة بمساكن بديلة ولا يحصل عادة على تعويض ملائم عن المساكن التي فقدها (منظمة العفو الدولية، ٢٠١١).
تفضل الحكومة عادة مقاربة إعادة التوطين في تعاملها مع المناطق العشوائية، ربما لأنها تتمكن بعد ذلك من التطوير والاستفادة من المناطق التي تم إخلاؤها (باستثناء الأراضي غير الصالحة للاستثمار). ولكن لا يجب أن ننسى أن الحكومة ترى بالفعل أن إعادة التوطين لها أثر إيجابي على السكان. فعندما تتم إعادة توطين هؤلاء السكان في وحدات سكنية ذات نوعية أعلى وبها ملكية أكثر استقرارا وفى أحياء حديثة تبعد عن الأخطار البيئية، ما هي المشكلة في هذا؟
تلك النظرة تتميز بالأفق المحدود، حيث إنها لا ترى المشكلة إلا من جانب واحد. تركز الحكومة في نظرتها على نقائص المناطق العشوائية –مثل أوضاع السكن المتردية والمخاطر البيئية والازدحام وما إلى ذلك– وهي تعتبر توفير المساكن البديلة بمثابة الحل الأفضل لتلك المشاكل. ولكن تلك النظرة تعجز عن رؤية الجوانب الإيجابية في المجتمعات التي تنقل خارج منطقتها الأصلية، وذلك من جهة شبكة العلاقات الاجتماعية وخدمات المواصلات والمناطق التجارية والاستثمار السابق في الحي ووسائل النقل العام. كما أن تلك النظرة تتجاهل خصائص المجتمع المحلى، نظراً لاعتمادها المفرط على الأسرة كوحدة للتحليل، حيث يتم التعامل في تلك الحالة مع الأسرة التي تضم أبوين وطفلين ولها دخل متوسط مستقر وتعيش في منزل من ١٠٠ متر مربع بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع أسرة ترأسها امرأة معيلة ولها أربعة أطفال ودخلها غير مستقر وتعيش في شقة من ٤٠ متراً مربعاً. كما أن الأسرة التي يعمل من يعولها في وسط البلد تلقى نفس المعاملة التي تلقاها الأسرة التي يعتمد من يعولها على نشاطه داخل الحي.
عادة ما تشمل المجتمعات التي تتعرض لإعادة التوطين بعض أكثر المواطنين المصريين فقرا وتعرضاً للمخاطر. وبرغم أن الحكومة قد تعتبر إعادة التوطين أمراً مفيداً وصحياً لتلك المجتمعات، فإن سياساتها قد تؤدى إلى الإضرار بالفقراء. وبدلاً من تحسين الظروف المعيشية للسكان ذوي الدخل المنخفض، فإن نقلهم إلى مناطق أخرى عادة ما يؤدى إلى تفاقم أوضاعهم بسبب ما تؤدى إليه تلك العملية من تدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية لتلك المجتمعات. فمعظم مناطق إعادة التوطين تقع على أطراف المدينة وبعيداً عن فرص العمل والمناطق التجارية، وعادة ما تفتقر إلى وسائل النقل العام. ونتيجة لذلك فإن الكثير من السكان الذين يتعرضون لإعادة التوطين يفضلون ترك الوحدات السكنية الجديدة ويعودون مرة أخرى للحياة في المناطق العشوائية في المدينة، وهو ما قد يعرضهم مرة أخرى لإعادة التوطين.
توضح دراسة أجريت في ٢٠٠٩ حول برامج إعادة التوطين في عشوائيات دلهي ومومباي بالهند مدى الأعباء الاقتصادية التي يتحملها السكان الذين يتعرضون لتلك البرامج. وقد تبين من تلك الدراسة أن دخل الأسر التي تعرضت لإعادة التوطين قد انخفض، بينما زادت البطالة –بالذات بين النساء– وانخفضت قيمة الممتلكات التي تخص الأسرة في المتوسط. ونتيجة لفقد الدخل، فإن مصروفات الأسرة قد انخفضت في المتوسط. وأصبحت الأسر تنفق أقل عما سبق على الضروريات مثل الطعام والملبس والتعليم، وبالطبع على الترفيه، بينما زاد انفاقها على المواصلات والصحة والكهرباء والمياه (خوسرا، ٢٠٠٩). ومن المعروف أن انخفاض النفقات على الطعام والتعليم قد يكون له أثر بعيد المدى على التنمية البشرية للسكان، بالذات بين الأطفال (معهد التخطيط القومي، فيكتورا وآخرون، ٢٠٠٨).
ليست هناك دراسات مماثلة تدرس التأثير الاجتماعي والاقتصادي لإعادة التوطين في مصر، ولكن لو افترضنا أن الأوضاع مماثلة في المجتمعات التي أعيد تسكينها في مناطق جديدة في مصر، فإن هذا الأمر لا يبعث على التفاؤل. على سبيل المثال، هناك عمليات إعادة توطين قد جرت في مساكن عثمان التي تقع على أطراف مدينة ٦ أكتوبر، بين الأحياء الجنوبية والمدافن على طريق الجيزة – الواحات. وعندما يتم استكمالها تلك العملية فإن مساحة من الأراضي تبلغ ٢٠٠ فدان سوف يقام بها ٧٦٢ عمارة سكنية، بها حوالي ١٨٫٠٠٠ شقة يسكنها ٧٥٫٠٠٠ ساكن.٢ واعتبارا من ٢٠١١، كان هناك حوالي ١٤٫٠٠٠ شخص يعيشون في تلك المنطقة. الكثير من السكان تم نقلهم من وسط القاهرة، على بعد حوالي 40 كيلومتراً (بعضهم تم اخلاؤهم من قبل الصندوق برغم أن سياسته المعلنة تقضى بتوفير مساكن بديلة للسكان في “مناطق قريبة أو مجاورة” لمكان إقامتهم الأصلي) (صندوق تطوير العشوائيات، ٢٠١١). في تلك المنطقة، ليست هناك أي خطوط للنقل العام، وليس هناك سوى مبنى خدمي حكومي واحد – وهو وحدة صحية ما زالت مغلقة وغير مستخدمة حتى وقت كتابة هذه المقالة. وقد تم تجاهل المساحات التجارية في خريطة الموقع الجديد، أما تلك المحلات التجارية التي ظهرت هناك فقد قام السكان أنفسهم بفتحها بعد وصولهم. وتعتبر فرص العمل في المنطقة منخفضة للغاية.
موقع إعادة توطين بمساكن عثمان بمدينة السادس من أكتوبر. يلاحظ تكيف الأهالي مع المكان لتوفير مساحات تجارية للمنطقة © تضامن
اللجوء إلى إعادة التوطين يجب أن يكون في حالات معدودة بعد استنفاد كل البدائل الأخرى، كما لا يجب أبداً أن تُطبّق عملية أعادة التوطين بالقوة. لو كان الغرض من برنامج إعادة التوطين هو تحسين حياة السكان الذين يعيشون في مناطق غير آمنة، فإنه ينبغي شرح مزايا إعادة التوطين للسكان. يجب أيضاً أن يتم إخطار السكان بكل شفافية عن نية الحكومة لإعادة توطينهم وأن يكون الجدول الزمنى المقرر لذلك معلناً لهم. وتتعين مشاركة السكان في عملية التخطيط لإعادة التوطين وتنفيذه. كما يجب أن يكون لهم حق اختيار المناطق التي يتم نقلهم لها من بين عدة بدائل تشمل على الأقل بديلاً واحداً في منطقة قريبة من مساكنهم الأصلية. أما بالنسبة للمساكن البديلة، فإن الحكومة عليها أن تضمن أن تكون تكلفة المساكن الجديدة في حدود إمكانيات السكان على السداد، وأن الوحدات السكنية الجديدة تستوفي اشتراطات الأمان والسلامة الإنشائية. ويجب أيضاً أن يتم توفير جميع الخدمات الأساسية في مناطق إعادة التوطين قبل نقل السكان إليها، وبالذات وسائل نقل عام وفرص عمل كافية. كما يجب أيضا أن يتلقى السكان ما يلزمهم من أشكال المساعدة إلى حين استقرارهم في المناطق الجديدة.
إعادة التسكين هو مقاربة للمجتمعات السكنية، تتولى فيه الحكومة توفير سكن مؤقت لأعضاء المجتمع بينما تقوم بإزالة مساكنهم الأصلية وبناء عمارات سكنية في نفس الموقع يتم توزيعها على السكان الأصليين (باتل، ٢٠١٣).
تأخذ عملية إعادة التسكين شكلين. في أحدهما تكون الحكومة هي الكيان المسؤول و المنفذ و تمول العملية بواسطة المال العام. يتم نقل السكان خارج الموقع بشكل مؤقت ثم يتم بناء مساكن حكومية بكامل مساحة الموقع الآصلي و بعد الإنتهاء من مرحلة البناء، تطرق الحكومة إلي وسيلة من الوسائل الآتية لتسليم السكان الوحدات الجديدة: منح الوحدات بدون مقابل آو توفير القروض المدعمة آو تآجير الوحدات بإيجارات مدعمة. و يعد مشروع مساكن زينهم مثالا لهذا الشكل من عمليات إعادة التسكين.
الشكل الثاني لإعادة التسكين يكون من خلال مشاركة بين الحكومة و القطاع الخاص. في مصر وغيرها من البلدان التي توجد بها مجتمعات عشوائية كبيرة، تنظر الحكومة إلى هذا الشكل من إعادة التسكين كوصفه تدخل غير مكلف للتنمية العمرانية، بل إنه يعتبر وسيلة لجذب استثمارات جديدة إلى المناطق ذات الدخل المنخفض مع “تحرير” القيمة الفعلية للأرض. كيف يتم ذلك؟ يلعب شكل البناء في المجتمعات القائمة دوراً هاماً في تلك العملية. فعادة ما يتميز المجتمع الذي يتم استهدافه بالمنازل منخفضة الارتفاع. ولو تمت إعادة تسكين المجتمع ذاته في مبان مرتفعة، فإن نفس العدد من السكان لن يشغل سوى نسبة محدودة من مساحة الأرض المتاحة.
يتضمن هذا الشكل من إعادة التسكين ثلاث خطوات، وتتطلب تدخلاً من جانب الحكومة بالتعاون مع مستثمر واحد أو أكثر من القطاع الخاص. بعد تحديد المجتمع الذي يصلح لإعادة التسكين، تقوم الحكومة بإعادة تسكين المجتمع في مساكن مؤقتة خارج المنطقة مع هدم كل المساكن القديمة. بعدها تعطى الحكومة حقوق استخدام الأرض لمستثمر خاص مقابل قيامه ببناء شقق للسكان الأصليين على نفس الموقع. ويقوم المستثمر عادة بإهداء بعض المباني للحكومة لكي تقوم ببيعها أو تأجيرها للمجتمع. ويصبح بذلك من حق المستثمر الخاص القيام بتنمية الأراضي الخالية بأي طريقة تتراءى له. في مدينة مثل القاهرة تتميز بندرة الأراضي القريبة من وسط البلد وارتفاع ثمنها، فإن المستثمرين يتهافتون على القيام بمشاريع من هذا القبيل، حيث إنه بمجرد نقل السكان الأصليين إلى شقق في عمارات مرتفعة، فإن نسبة قد تصل إلى ٩٠ في المئة من الأرض ستصبح متاحة للاستثمار الخاص، وهو ما يعنى أن في إمكانهم تحقيق أرباح طائلة (جيريدهارداس، ٢٠٠٦).
تعتبر الحكومة إعادة التسكين حلاً رائعاً، نظرا لما فيه من فائدة للجانبين: فمشروعات إعادة التسكين تقدم إسكانا من نوعية جيدة لسكان غير قادرين على دفع القيمة السوقية لسعر الوحدات السكنية التي يحصلون عليها، كما أنها تحقق أرباحا طائلة لكبار المستثمرين العقاريين ولا تكلف الحكومة أي شيء، فكل تكلفة البناء يتحملها المستثمر. علاوة على ذلك، فإن عملية تنمية المنطقة تؤدي إلى زيادة الضرائب التي يتم تحصيلها من المنطقة، وأيضاً إلى زيادة العائد من الضرائب العقارية على المدى البعيد.
وبرغم أن إعادة التسكين تخلو من مشكلة بُعد المسافة التي تظهر في حالات إعادة التوطين، فإنها تصيب المجتمع بأضرار ملحوظة. فكما يحدث في حالات إعادة التوطين، تؤدي عملية إعادة التسكين إلى إرباك الاقتصاد المحلى وتعطيل شبكاته الاجتماعية. فمن المعروف أن معظم اقتصاد المناطق العشوائية يقوم على المحلات والورش وغيرها من الخدمات التي تكون في الطابق الأرضي من المباني. وكل أشكال الترابط المجتمعي وهيكل العلاقات في تلك المجتمعات ونظم الدعم المعنوي بداخلها ترتبط بكون المباني الموجودة منخفضة الارتفاع. وعندما يتم نقل السكان إلى عمارات عالية فإن المجتمع يصبح أقل تماسكاً، وهو ما قد يؤدى إلى زيادة الجريمة، وإلى حرمان السكان من فرصة قضاء الوقت خارج المساكن، وإلى نقص فرص الوظائف والتسوق، والحصول على الخدمات الأخرى. ومع أن إعادة التسكين قد تؤدي إلى تحسين أوضاع السكن في بعض المناطق، فإن نوعية الحياة عموماً قد تنخفض، ويجب أن تضمن الحكومة وجود خدمات يمكنها تقليل تلك الآثار الجانبية.
في حالات إعادة التسكين، هناك أيضا مخاوف تتعلق بالخدمات العامة وتكلفتها بالنسبة للسكان ذوي الدخل المنخفض. فالبنية التحتية للمدن المصرية تعاني من ضغوط كبيرة عليها، وهي ضغوط سوف تتزايد مع زيادة الكثافة البنائية. علاوة على هذا، فإن تكلفة صيانة المباني المرتفعة أكبر بكثير من المباني منخفضة الارتفاع. فتعرض ماسورة للكسر مثلاً في برج سكنى مرتفع، يستلزم إحضار شخص متخصص في هذا النوع من الصيانة، بينما لا يتطلب إصلاح ماسورة في المناطق العشوائية الكثير من الجهد أو المال (جيريدهاراداس، ٢٠٠٦).
وأخيراً فإن إعادة التسكين بدون تكلفة على الحكومة هي مقاربة لا يمكن تطبيقها إلا في المناطق التي تكون فيها أسعار الأراضي مرتفعة إلى الحد الذي يشجع المستثمرين على المشاركة في المشروع، مثلما كان عليه الحال في مشروع إعادة تسكين منطقة زينهم، وهو مشروع حظي باهتمام سياسي على أعلى المستويات.
وباختصار فإن إعادة التسكين هي عملية تتضمن هدفين مرتبطين. فمن ناحية تريد الحكومة أن تزيل المناطق الموبوءة والقبيحة والفقيرة مع تجنب الانتقادات التي ترتبط بإعادة التوطين. ومن ناحية أخرى يتم “تحرير” القيمة السوقية لتلك الأراضي وفتحها أمام فرص الاستثمار العقاري الرسمي الذي يمكنه القيام بمشاريع اقتصادية تتواءم مع تلك القيمة المرتفعة للأرض. ولكن المقاربة بأكملها مثيرة للجدل. فإعطاء حقوق التنمية العقارية للمستثمرين مقابل بناء مساكن منخفضة الدخل يعنى أن الحكومة سوف تنقل الثروة الحالية والمحتملة للمجتمعات الفقيرة إلى المستثمرين العقاريين، وبالتالي إلى السكان أصحاب الدخل المرتفع. وبينما تفتح مشروعات التطوير (انظر التطوير وإعادة التأهيل) الباب أمام مقدم سكان أصحاب الدخل المرتفع إلى تلك المناطق، فإنها قد لا تترك للسكان ذوي الدخل المنخفض إلا الفتات.
في بعض الأحوال، قد تكون إعادة التسكين مقاربة مناسبة للمناطق العشوائية. ولكن القرارات التي تتخذ بهذا الشأن لا يجب أن تتوقف أساسا على حاجة المستثمرين إلى التنمية العقارية، وإنما إلى حاجات السكان أنفسهم، مع أخذ أمور الصحة العامة ومصالح المجتمع في الاعتبار. والخلاصة هي أن السكان يجب أن يكونوا المستفيدون الرئيسيون من عملية إعادة التسكين.
تحسين أو تطوير منطقة معينة هو عملية تتضمن تحسين المباني القائمة والبنية التحتية في منطقة عشوائية بشكل تدريجي حتى تصل إلى مستوى مقبول، مع تجنب تدمير النسيج العمراني أو تهجير السكان إلى منطقة أخرى أو إلى موقع آخر بذات المنطقة (ديل ميسترو وهنشر، ٢٠٠٩).٣ ويهدف التطوير إلى تحسين أوضاع المجتمع القائم بالفعل على نحو يتضمن الحد الأدنى من الإرباك العمراني والاجتماعي لهذا المجتمع. ويمكن للتطوير أن يشمل نطاقاً واسعاً من التدخلات المحتملة. في حالة التطوير المحدود، يمكن القيام بتحسين إضاءة الشوارع وتسوية مناسيب الطرق أو دهان واجهات المنازل. أما في حالة التطوير الأوسع نطاقاً، فمن الممكن إنشاء بنية تحتية للغاز الطبيعي، مد شبكة لصرف الصحي إلى جميع المنازل، تقديم الخدمات الصحية وخدمات التعليم وغيرها من الخدمات العامة، أو تجديد عدد ملحوظ من المساكن (باتيل، ٢٠١٣).
هناك ثلاثة مستويات للتطوير في المناطق العشوائية (شوجيل وآخرون، ١٩٩٣):
١) مستوى الخدمات الأساسية التي تفي باحتياجات المجتمع الصحية الأساسية
٢) مستوى الخدمات المتوسطة التي تقدم مستويات مقبولة من الخدمات الاجتماعية والثقافية.
٣) مستوى الخدمات الأرقى التي يمكنها تحسين حياة السكان بشكل ملحوظ.
يعتبر التطوير عموماً من أفضل الممارسات الدولية لتحسين أوضاع المجتمعات العشوائية. التطوير لا يؤدى عادة إلى إرباك الاقتصاد المحلى أو تمزق النسيج المجتمعي.٤ وهو أقل تكلفة من عملية إعادة التسكين أو التوطين ويمكن أن يكون له أثر سريع وملحوظ في تحسين أوضاع المجتمعات. (التطوير هو أيضا أفضل سبيل لضمان أن المجتمع المستهدف سوف يستفيد بالفعل من المشروع من خلال حشد موارده الذاتية أو جذب استثمارات من خارجه.)
في مصر، هناك بعض أشكال التطوير التي تجري، وهي ليست بالضرورة نتاج أي برنامج رسمي للتطوير المجتمعي. مثلا هناك الكثير من المناطق العشوائية التي تحظى باعتراف الحكومة بها بشكل ضمني، حيث تتولى الدولة مد شبكات المرافق العامة إليها أو تزودها بنوع أو بآخر من الخدمات العامة الأساسية أو المتوسطة. في أوائل الثمانينات، تبنت هيئة المعونة الأمريكية برنامجاً قومياً لتطوير البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي على أساس قوى السوق. ولأن البرنامج كان مبنياً على قوى السوق فقد كان من حق المناطق الرسمية وغير الرسمية أن تشارك فيه طالما كانت قادرة على الدفع. وقد تم تدشين أول برنامج حكومي لتطوير المناطق ذات الدخل المنخفض في مايو ١٩٩٣، وذلك استجابة من الحكومة لتمدد الحركات الإسلامية إلى المناطق العشوائية. وتضمن البرنامج تحسين الكهرباء والمياه والصرف الصحي ورصف الشوارع وتجميل المناطق العامة. ولكن هذا البرنامج لم يمنح المجتمعات الفرصة في المشاركة في صنع القرارات، كما أنه تضمن الدعوة إلى إزالة ٢٥ منطقة متدهورة في القاهرة والإسكندرية (البطران وأرانديل، ١٩٩٨).
ما زالت بعض أشكال التطوير المماثلة تتم حتى وقتنا هذا. لقد أعلن صندوق تطوير المناطق العشوائية في يناير 2014عن برنامج لتطوير العشوائيات تبلغ تكلفته ٣٥٠ مليون جنيه مصري، ويشمل تطوير مرافق المياه والصحة وإنشاء شبكات لخدمات الإطفاء وإضاءة الشوارع ورصف الطرقات في ٣٠ منطقة عشوائية بمحافظتي القاهرة والجيزة. وعادة ما يكون الصندوق مسؤولا عن تخطيط وإدارة مشروعات التطوير، بينما تتولى المحافظات تنفيذها. ولكن في هذا البرنامج يتولى الجيش التنفيذ على أساس أن المشروعات “تحتاج إلى خبرة مرتفعة”، كما ورد في بيان عن مجلس الوزراء (فريد، ٢٠١٤). تلك التدخلات من قبل الصندوق وغيره من برامج الخدمة الحكومية قد تؤدى إلى مشاكل نظراً لخلوها من المشاركة المجتمعية.
إن التنمية الناجحة لأي منطقة تتطلب توفر عدة عوامل. وأهم تلك العوامل هو “تحمس” المجتمع لها. يجب أن يساهم المجتمع بالوقت والمال اللازمين لوضع تصور المشروع وتنفيذه. ويجب أن يتم تأمين الحيازة لسكان المجتمع. لو أحس السكان أنهم سوف يفقدون أملاكهم، فإنهم سوف يقاومون بشدة أي محاولات لتطوير المنطقة. وإلى جانب جهود المنظمات الخيرية والتبرعات الشخصية، يجب أن يتمكن المستثمرون من استعادة النفقات المرتبطة بالتنمية (شوجيل، ١٩٩٩ – ديل ميسترو وهينسار، ٢٠٠٩)
على مدى العقود القليلة الماضية، ارتقت مجموعة من أفضل الممارسات العالمية الخاصة ببرامج تطوير العشوائيات من مجرد التدخلات العمرانية إلى التدخلات التي تشمل أيضاً البرامج المجتمعية مع مشاركة الجمهور في كل مراحل التخطيط والتنفيذ والتقليل من الإخلاءات القسرية وإعادة التوطين إلى أدنى حد.
وفيما يلي بضعة أمثلة لبرامج التطوير الناجحة من مختلف أنحاء العالم والتي تمثل هذه الطفرة.
برنامج كامبونج للتطوير، جاكارتا، إندونيسيا
برنامج التطوير في كامبونج هو برنامج للتطوير العمراني بدأ في ١٩٥٨ في جاكارتا وسورابايا ثم تم توسيعه ليشمل نحو ٨٠٠ مدينة في البلاد.٥ ويهدف البرنامج إلى تطوير الظروف البيئية ونوعية الحياة لكثير من سكان جاكارتا الفقراء مع ضمان عدم اضطراب العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المستهدفة، وأيضاً زيادة القدرات الإنتاجية للسكان؛ حتى يتمكنوا من زيادة دخلهم والمشاركة في تنمية البلاد، مع تقليل نفقات المشروع بقدر الإمكان. كان البرنامج يرتكز في البداية على التحسينات العمرانية في المجتمعات، من خلال شق طرق فرعية وجسور وطرق مشاة ومد مرافق المياه والصرف الصحي وإنشاء مبان اجتماعية ومدارس وعيادات صحية. وافترض مخططو البرنامج أنه من خلال تقديم المرافق الأساسية والخدمات العامة فإن السكان سوف يقومون بالاستثمار في مساكنهم. وقد تعاونت إدارة المدينة مع المجتمعات المستهدفة من خلال لجنة “كامبونج” التي كانت مسؤولة عن تحديد أولويات التطوير وطرق الاتصال بالمجتمعات. وقد تنافس المقاولون المحليون في تقديم عطاءات لبناء المشروع. وتطور المشروع ليشمل نواحيَ اجتماعية أيضاً.
أحد الآثار الباقية للمشروع كان تأثيره على الحكومة المحلية. فعندما بدأ المشروع، كان التخطيط العمراني في إندونيسيا يتسم بالمركزية الشديدة، كما هو الوضع في مصر، لكن مع امتداد المشروع إلى مدن أخرى، أصبحت إدارة المشروع أكثر تعقيداً، مما أجبر الحكومة على ترك مسؤولية التنفيذ لمستويات الإدارة المحلية (مؤسسة الآغا خان، ١٩٨٠؛ داكال، ٢٠٠٢).
برنامج التطوير العمراني للمناطق الشعبية في ريو دي جانيرو (بروآب ٢) أو “فافيلا باريو ٢”، ريو دي جانيرو، البرازيل
مشروع “فافيلا-باريو ٢” (أي: من عشوائيات إلى أحياء رسمية) هو المشروع الثاني في برنامج ثلاثي المراحل لتطوير العشوائيات بدأ في ١٩٩٥ في ريو دي جانيرو. تم تمويل المشروع بقرض يبلغ ١٨٠ مليون دولار من بنك إنتر-أمريكان للتنمية، إلى جانب التزام من قبل بلدية ريو دي جانيرو بإنفاق ١٢٠ مليون دولار. هدف المشروع كان تحسين نوعية الحياة في المناطق ذات الدخل المنخفض من خلال الاستثمار في البنية التحتية والبرامج الاجتماعية. وتضمن المشروع أيضاً برامج تستهدف الشباب وفرص العمل وزيادة الدخل وبرامج بناء تنمية القدرات الخاصة بمسؤولي الإدارة المحلية. جاء المشروع نتيجة لإدراك الحكومة أن برامج الإخلاء والهدم وإعادة التوطين التي أدت إلى تجميع السكان في بنايات كبيرة للإسكان العام بعيدة عن وسط المدينة ليست المقاربة الأفضل للمناطق العشوائية.
استفادت حوالي ٧٦٫٠٠٠ أسرة من المشروع في ٦٢ منطقة عشوائية. وقد شارك السكان في كل جوانب التخطيط والتنفيذ. ومثله مثل صندوق تطوير المناطق العشوائية في مصر، فإن مشروع “فافيلا-باريو” بدأ بمسح كل مدن الصفيح في ريو دي جانيرو. وكان في بدايته مبادرة للتطوير من أعلى، ولكن السكان ساهموا في كل مرحلة من التخطيط وتنفيذ المشروع ولم يقم المشروع (كما يفيد اسمه) بتحويل العشوائيات إلى أحياء رسمية، ولكنه لعب دوراً كبير في ترسيخ أسلوب التطوير “المرتبط بالمكان” كمدخل للتطوير العمراني والاعتراف بحق السكان في الحياة في المكان الذي يختارونه (مجالهايس ودى فيلاروسا، ٢٠١٢).
السياق القومي لمشروعات “فافيلا-باريو” له أهمية كبرى. ففي ١٩٨٨، أصبحت البرازيل الدولة الأولى في العالم التي تخصص باباً مستقلاً للسياسة العمرانية في دستورها. يتضمن الفصل المذكور مادتين: الأولى تعترف بالدور الاجتماعي للملكية، والثانية تعترف بحقوق السكان غير الرسميين. هاتان المادتان لا ترتبطان بأي أحداث معينة في التاريخ الحضري في البرازيل ولكنهما نتجتا عن سنوات طويلة من الجهد الذي بذلته “الحركة القومية للإصلاح العمراني” والحركات التي سبقتها في الدفاع عن قضايا الفقراء والديمقراطية، مثل اتحادات العمال والمنظمات المدنية واتحادات السكان والجناح التقدمي من الكنيسة الكاثوليكية المعروف بأفكاره الدينية المتحررة (فرناندز، ٢٠١٠).
على مدى الخمس عشرة سنة التالية، أصبحت الحكومات المحلية أكثر ديمقراطية واستقلالاً عن الحكومة المركزية وتمكنت من تصميم برامج تفي باحتياجات المدينة وتنفيذها. ويمكن القول بأن الاتجاه إلى اللامركزية في السلطة الحكومية يرتبط بالرغبة القومية في إعلاء شأن العدالة العمرانية ودعم “الحق في المدينة“، الأمر الذي سمح للبلديات البرازيلية بأن تصبح حقل تجارب للابتكار العمراني والإدارة الديمقراطية. وقد أصبحت مشروعات “فافيلا-باريو” في ريو دي جانيرو نموذجاً لسلسلة من المشاريع المثيلة التي تم تنفيذها في مختلف أرجاء البلاد.
خطة تطوير لمنطقة”ريو داس بدراس” منطقة شعبية في ريو دي جانيرو من ضمن المناطق التي غطاها برنامج “فافيلا باريو”
الإسكان الجماعي في بان مانكونج – تايلاند
دشنت الحكومة التايلندية مشروع الإسكان الجماعي في بان مانكونج في ٢٠٠٣ بهدف التعامل مع مشاكل الإسكان لأصحاب الدخل المنخفض. ويقدم المشروع دعما للبنية التحتية في المجتمع وأيضاً قروضاً للإسكان والأراضي. وبخلاف معظم برامج تحسين المجتمعات منخفضة الدخل عن طريق القروض، فإن القروض لم تقدم إلى أشخاص ولكن لمنظمات المجتمع، بغرض استخدامها في تحسين الإسكان والبيئة والخدمات العامة وضمان استقرار الملكية. من خلال إقراض منظمات المجتمع، تمكنت الحكومة من حشد أصول المجتمع والهياكل التنظيمية القائمة مع تحسين خدمة الدين وتقليل الديون المعدومة. وقد لوحظ أن الأفراد الذين يشاركون في قرض جماعي يقل احتمال تخلفهم عن الدفع أو إساءتهم لاستخدام القرض عن الأشخاص الذين يقترضون بشكل شخصي. قام بإدارة البرنامج “معهد تنمية المنظمات المجتمعية”، وهو مؤسسة حكومية تخضع “لوزارة التنمية الاجتماعية والأمن الإنساني”. قام أعضاء المجتمع بمعظم عمليات البناء لتقليل الكلفة وأيضاً لإعطائهم قدراً أكبر من التحكم في نوعية البناء. قدم المشروع خدماته إلى حوالي ٩١٫٠٠٠ أسرة وكلّف الحكومة التايلندية حوالي سبعة ملايين بات (١.٥ مليون جنيه مصري تقريباً).
ما زال برنامج بان مانكونج يتمتع بالنجاح نظراً لتمتعه بدعم الحكومة المركزية، التي تعترف بأهمية جعل المجتمعات الطرف الأساسي في تحسين نوعية الحياة بداخلها. يقوم البرنامج ببناء قدرات المجتمعات المحلية بخصوص تنظيم وتنفيذ المشروعات. كما يقدم مساحة يمكن من خلالها لقادة المجتمع والمحليات والمهنيين والمنظمات غير الحكومية التعاون في دمج المجتمعات الفقيرة في خطط التنمية الأكبر للمدينة.
يؤدى هذا الأسلوب إلى تحسين الاستدامة طويلة المدى للمشروع، كما يقلل من النفقات ويضمن أن التحسينات التي تم إدخالها تتمتع بتأييد المجتمع. وكثيرا ما يؤدى هذا بالمجتمع إلى القيام بتحسينات قد لا تكون مثالية من وجهة نظر المخطط، ولكن المجتمع يكتسب من خلالها خبرة قيمة في مجال التنفيذ، كما أنه يزداد قدرة على وضع أولويات البرامج على المدى البعيد (بونيابانشا، ٢٠٥؛ IWPR، ٢٠١٢).
الية عمل برنامج الإسكان الجماعي في بان مانكونج. “معهد تنمية المنظمات المجتمعية” (CODI) مؤسسة حكومية مستقلة تماماً مسؤولة عن تنسيق برنامج بان مانكونج
الرسم التوضيحي مُعدل من CODI
بونى، الهند
قامت “مؤسسة بلدية بونى” بتنفيذ برنامج تطوير “مرتبط بالمكان” يهدف لتحسين أوضاع المنازل القائمة وخدمات المياه والصحة للأسر الفقيرة. وفى ظل هذا المشروع أصبح في إمكان العائلات التي تقيم في منازل ذات نوعية بناء منخفضة الحصول على خدمات التصميم والإنشاء التي يمكن من خلالها إقامة منزل جديد في نفس المكان. قامت الحكومة القومية بتمويل 50 في المئة من المشروع، بينما ساهمت الولاية بحوالي ٣٠ في المائة من المشروع، ودفعت البلدية ١٠ في المئة من تكاليف المشروع. وتحمل السكان نسبة ١٠ في المئة الباقية من التكاليف. قام كل منزل بدفع ٣٠٫٠٠٠ روبية (حوالي ٣٫٦٠٠ جنيه مصري) على أقساط، وذلك من أجل تخفيف العبء على دخل الاسرة. أما السكان الذين يعيشون في منازل سليمة إنشائياً فقد تم إعطاؤهم المال اللازم لتحسين توصيلات المياه والصرف لمنازلهم. تم في سياق نفس المشروع تحسين المساحات العامة والطرقات والمساحات الخضراء. قبل تلقى الخدمات، طلب من سكان المجتمع توقيع اتفاقية تفيد بأنهم يريدون أن يتم تحسين مجتمعهم، وأنهم مستعدون للتعاون مع فريق المشروع. تمت إدارة المشروع من قبل المنظمات غير الحكومية التي عملت طويلاً داخل المجتمع (منظمة عالم واحد الهند، ٢٠١٢؛ فيهر، ٢٠١٢)
هناك بعض الملامح المشتركة التي ساهمت في نجاح تلك البرامج، يمكن تلخيص أهمها في النقاط الثلاث التالية: أولا، اعترفت الحكومة بقيمة مساهمة المجتمعات وأهمية وضع السكان في قلب عملية التحسين. هذا الأمر يتطلب مشاركة المواطنين في كل مرحلة من تخطيط وتنفيذ المشروع. هناك عدة وزارات وهيئات حكومية في مصر، منها وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والهيئة العامة للتخطيط العمراني، وصندوق تطوير المناطق العشوائية، قامت بتبني نصوص تشير إلى ضرورة مساهمة المواطنين في برامجها. ولكن المساهمة تقتصر غالباً على تقدير حاجات المجتمع والاستشارة. أما آخر عملية تحسين أعدها صندوق تطوير المناطق العشوائية فمن المقرر أن يقوم الجيش بتنفيذها، وهو ليس مؤسسة ذات باع في الشفافية والانفتاح، أو معروفاً عنها الرغبة في التعاون مع المجتمعات (صايغ، ٢٠١٢).
ثانياً، تجنبت تلك الحكومات برامج الإسكان المكلفة التي تقدم للسكان وحدات جاهزة بأسعار محملة بدعم كبير. بل على العكس، بحثت عن حلول محلية قليلة التكلفة تعتمد على المعرفة والمواد والعمالة المحلية. لا تحتاج الحكومة المصرية إلا للنظر في مدى اتساع المناطق العشوائية في البلاد لكي تفهم أن لدى السكان من القدرة والاستعداد ما يمكنهم من الاستثمار في تحسين مجتمعاتهم بأسعار في متناولهم. ما بين ١٩٩٦ و ٢٠٠٦ كانت ٧٨ في المئة من عملية النمو في القاهرة تتم في المناطق العشوائية. وبعد ثورة ٢٠١١ وتوقف السلطات عن فرض الإجراءات التنظيمية، تشير الأدلة غير الرسمية إلى أن معدل البناء غير الرسمي قد تضاعف مرتين أو ثلاثة (سيمز، ٢٠١٣). ولابد أن نقر بأن السكان والمقاولين المحليين يتمتعون بمهارة في بناء المجتمعات، وقد قاموا بتطوير حلولهم الحضرية الخاصة (ديبوليت، ٢٠٠٩). وفى وسع الأسرة التي تقوم بإدارة عملية الإنشاء بنفسها أن تقلل نفقات البناء بحوالي ٣٠ في المئة من خلال استخدام العمال والمقاولين غير الرسميين وشراء المواد الخام بنفسها (سيمز، ٢٠١٣). البناء غير الرسمي لأي منزل هو الوضع الطبيعي، أما البناء الرسمي فهو الاستثناء.
ثالثاً، تعترف برامج التطوير المشار إليها بأهمية المقاربة الاجتماعية والعمرانية المتكاملة للمناطق العشوائية. فلا يركز أي من هذه البرامج على التحسينات العمرانية فحسب. وحتى مشروع تحسين كامبونج في إندونيسيا، الذي بدأ بالتركيز على التحسين العمراني، أصبح يعترف بالقيمة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات القائمة. الاعتراف بتلك الصلة بين البيئة المبنية والشبكات الاجتماعية يلغى بديل إزالة المجتمعات أصلاً.
تقدم مشروعات التحسين فرصة كبيرة للحكومة لكي تتواصل مع الأحياء السكنية وتتعاون معها في تحديد أولويات الاستثمار الحكومي. وفى وسع مشروعات التطوير من خلال المشاركة المجتمعية أن تشجع العمل التطوعي وأيضاً أن تقدم رؤية جديدة لمقاولي القطاع الخاص، عندما يتمكن السكان من حشد الدعم المحلى وموارد الحكومة في رصف الطرق. وقد لعب المجتمع ذلك الدور في ميت عقبة وتوصيل خطوط الغاز الطبيعي.
تستطيع مشروعات التطوير القائمة على مساندة المجتمع المحلي لها أن تقوى العلاقة بين الدولة والمجتمع، وأن تساعد في التغلب على طريقة الحكم الأبوية التي تهيمن على الفكر الحكومي الحالي بشأن التخطيط والتنمية العمرانية. فسكان المناطق غير الرسمية في مصر يتمتعون بقدر كبير من الاكتفاء الذاتي والقدرة على الإبداع. لكن الحكومة، على الرغم من الغياب الواضح لها (باستثناء الأنشطة الأمنية)، فإنها تتصرف وكأنها تعرف ما هو في مصلحة الناس، وتضع نفسها بسبب هذا في موقف الأب العاجز عن القيام بواجباته. لقد نجح سكان المناطق العشوائية في بناء مجتمعات قوية لها اقتصاديات محلية متماسكة وشبكات اجتماعية فعالة. والأهم من هذا، أن تلك المجتمعات نجحت في القيام بذلك رغم معارضة الدولة لها. وبعبارة أخرى، فإن تلك المجتمعات نجحت في أن تفهم أساليب عمل الحكومة غير الرسمية. تلك المعرفة المحلية لها تكلفتها بالطبع. هناك أموال تضيع في رشوة المسؤولين وفى دعم شبكات القوة غير الرسمية في المجتمعات. ويلاحظ أن البناء غير الرسمي لا يخضع لنفس الرقابة والشروط البنائية مثل البناء الرسمي، وهو ما يعنى أن السكان قد يتعرضون للخطر لو أقاموا في بنايات سيئة الإنشاء.
وبرغم أن الحكومة لا تقوم بالضرورة بفرض الشروط البنائية على المبان الجديدة، فإنها عادة ما تمنع السكان من تجديد المباني القديمة، بالذات في الأحياء التاريخية، وهو ما يجعل المباني عرضة للانهيار على نحو يهدد حياة السكان، وقد يؤدى إلى ضياع التراث الثقافي للمجتمع.
على مدى السنوات القليلة القادمة، سوف تواجه الحكومة المصرية مهمة ثقيلة في إدارة اقتصاد البلاد المتدهور، مع محاولة الوفاء باحتياجات السكان بتوقعاتهم العالية. لو أصرت الحكومة على القيام بمشروعات كبيرة ومكلفة من خلال قرارات فوقية، فإن تلك المهام سوف تزداد صعوبة. وفى إطار اهتمامها بأجندة التنمية القومية، سوف يتعين على الحكومة أن تنفذ مشروعات صغيرة وغير مكلفة ومحلية. ربما لا تكون تلك المشروعات لها نفس الجاذبية الإعلامية التي يتمتع بها مشروع مقترح لبناء مليون مسكن، ولكن مشاريع التطوير العمراني من خلال المشاركة المجتمعية من شأنها أن تزيد من قدرة الإدارة المحلية والمنظمات المجتمعية وشرعيتها، وأن تدعم الثقة بين الحكومة والمجتمعات المحلية على مختلف المستويات. وعندها سوف يكون في إمكان المصريين الحكم على مدى التقدم العمراني أو قوة الحكومة، ليس على أساس عدد المساكن التي بنيت أو الطرقات التي عبدت أو شبكات المرافق التي استكملت، ولكن على أساس الكفاءة والانفتاح واستعداد الحكومة لأن تستمع إليهم وتستجيب إلى حاجاتهم.
المشاركة المجتمعية في تصميم عمليات التطوير هي التي تضمن أن المشروعات التي تنفذها الحكومة هي بالفعل ما يريده الناس وأنها تتم بأسعار في متناولهم. كما أن تلك المشاركة تعطى الفرصة للحكومة لكي تستفيد من المعرفة المحلية. لا يعنى هذا التقليل من أهمية الجوانب الفنية في تصميم المشروع. فالتصميم السليم من الناحية الفنية هو أمر ضروري بالتأكيد، ولكنه ليس بديلاً عن المعرفة المحلية ومشاركة المجتمع.
من شأن تطوير المجتمعات القائمة أن يؤدى إلى آثار اقتصادية بعيدة المدى، حيث يؤدي الاستثمار الحكومي إلى تنشيط الاقتصاد المحلى وحشد رأس المال المحلى، وإعادة تشكيل السوق العقاري المحلى على نحو يجذب استعمالات عالية القيمة. يظل هناك خطر من أن يؤدى التطوير إلى قدوم سكان أصحاب دخل مرتفع إلى المنطقة وحلولهم محل السكان ذوي الدخل المنخفض. ولذا يجب اتخاذ خطوات للتأكد من أن السكان الأصليين سوف يتمكنون من البقاء في مساكنهم. وعلى الحكومة أن تضمن أن الاستثمارات في التطوير العمراني لن تؤثر سلباً على أوضاع السكان الأكثر فقراً.
تظهر المناطق غير الرسمية وغير المخططة وغير الآمنة في المدن بسبب الحرمان المنظم لحقوق المواطنة الكاملة لنسبة كبيرة من السكان. وقد تركزت جهود الحكومة عبر السنين على وقف توسع المناطق غير الرسمية وتخفيف أثرها على شكل المدينة أو إزالتها بالكامل، بدلاً من تزويدها بالخدمات العامة مثلها مثل غيرها من المناطق الرسمية أو الأكثر ثراء. ويبدو أن أفكار الحكومة عن المدينة، للأسف البالغ، تمنح الأولوية لتلك المجتمعات التخيلية التي توجد فقط في الخطط ومشروعات التنمية على أمل اجتذاب الاستثمار و”تجميل” المدينة.
تلك النظرة تتضمن نوعاً من أنواع الفشل في كل من التخطيط العمراني والحوكمة. ومن الضروري أن يقوم أي تدخل عمراني على أساس إعطاء الأولوية لاحتياجات السكان الذين يعيشون في المجتمعات القائمة. يجب على الحكومة أن تلتزم بالتعامل مع الاحتياجات الفعلية للسكان (وليس الاحتياجات التي تتخيلها الحكومة) في كل أشكال التدخل في المناطق غير الرسمية، وذلك مع تقليل آثارها السلبية. ويجب على الحكومة أن تتخلى عن ممارسات إعادة التوطين إلا في الحالات القصوى. وحتى في تلك الحالات النادرة التي لا مفر فيها من إعادة التوطين، يجب أن يمنح السكان الاختيار بشأن منطقة إعادة التوطين، مع توفير خدمات عامة ومواصلات كافية.
لقد فشلت الحكومة على مر الجيلين الماضيين في مواءمة سياساتها العمرانية مع الآليات الاجتماعية والاقتصادية التي أدت لتوسع المناطق غير الرسمية. وبدلاً من علاج هذا العيب في سياساتها، فإن الحكومة راحت تدين تلك المناطق غير الرسمية وتشيطن سكانها؛ من أجل تبرير تدخلاتها العدوانية والجائرة. هل تستمر الحكومة في نفس أسلوب تعاملها مع المناطق العشوائية، أم أنها، بعد إنشاء وزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات، سوف تتبنى منهجاً جديداً؟ هل يستمر سكان المناطق العشوائية في الإحساس بالتهميش والاضطهاد، أم أن الحكومة سوف تعطيهم الفرصة في المشاركة في تنمية مجتمعاتهم على نحو يؤدى إلى إنعاش اقتصاد البلاد في ذات الوقت؟
١.هناك جهات أخرى مثل وزارة النقل، ووزارة المالية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، والهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة والجيزة، لها علاقة بالمناطق العشوائية، ولكنها لا تتمتع بنفس التأثير الذي تتمتع بها الهيئات سالفة الذكر. وقد يكون لوزارة الحكم المحلى، بحكم مسؤوليتها عن تحسين نظام الإدارة المحلية وتنفيذ جهود الحكومة الخاصة باللامركزية، تأثير أكبر في تنمية المناطق العشوائية على المدى البعيد إن قامت المجالس المحلية المنتخبة بلعب دور أكثر فعالية فى عملية صنع القرار فى المستقبل.
٢.مساحة الفدان حوالي 4,200 متر مربع.
٣.لقد تجنبنا مصطلح التنمية “المرتبطة بالمكان” نظرا لأن تعريفه غير واضح فى أذهان الكثير من الممارسين. والمعنى الحرفي للمصطلح هو “التنمية في الموقع”. ولهذا يتم كثيرا الخلط بينه وبين إعادة التسكين، الذي يتضمن إخلاء السكان مؤقتا وهدم منازلهم ثم إعادة بنائها في نفس المنطقة.
٤.ليس ما نعنيه هنا هو أن الاقتصاد المحلى لن يتأثر بالمرة. يمكن لمشروعات التطوير أن تحدث انعكاسات كبيرة على السوق العقاري. ومن المتصور أن يؤدى أى استثمار كبير من قبل الحكومة وأي تحسين لأوضاع الملكية في المجتمع إلى اجتذاب استثمارات جديدة وسكان جدد على نحو قد يهدد طبيعة المجتمع على المدى البعيد.
٥. تشير كلمة “كامبونج” إلى المناطق ذات الدخل المنخفض التي تعاني من نقص الخدمات. ولا يتضمن هذا المصطلح بالضرورة “مدن الصفيح”.
Aga Khan Award for Architecture (AKAA). 1980.”Kampung Improvement Programme.” Aga Khan Development Network. Accessed 12 June 2014. Link
Amnesty International. 2011.”‘We Are Not Dirt’ Forced Evictions in Egypt’s Informal Settlements.” London. Accessed 15 June 2014. Link
Baverel, Anne. No Date.”Best Practices in Slum Improvement: The Case of Casablanca.” Development Innovations Group. Accessed 2 July 2014. Link
Boonyabancha, Somsook. 2005. “Baan Makong: Going to Scale with “Slum” and Squatter Upgrading in Thailand.” Environment and Urbanization 17: 21-46.
Choguill, C.L., R. Franceys, and A. Cotton. 1993. “Building Community Infrastructure in the 1990s: Progressive Improvement.” Habitat International 17: 1-12.
Deboulet, Agnès. 2009. “The Dictatorship of the Straight Line and the Myth of Social Disorder: Revisiting Informality in Cairo.” In Cairo Contested: Governance, Urban Space and Global Modernity, ed. Diane Singerman. Cairo: American University of Cairo Press.
Del Mistro, Romano, and David A. Hensher. 2009. “Upgrading Informal Settlements in South Africa: Policy Rhetoric and What Residents Really Value.” Housing Studies 24: 333-54.
Dhakal, Shobhaker. 2002. “Comprehensive Kampung Improvement Program in Surabaya as a Model of Community Participation.” Working paper, Urban Environmental Management Project, Institute for Global Environmental Strategies. Accessed 2 June 2014 Link
El-Batran, Manal, and Christian Arandel. 1998. “A Shelter of Their Own: Informal Settlement Expansion in Greater Cairo and Government Responses.” Environment and Urbanization 10: 217-32.
El-Hefnawi, Ayman Ibrahim Kamel. No Date. “”Protecting” Agricultural Land from Urbanization or “Managing” between Informal Urban Growth While Meeting the Demands of Communities (Lessons Learned from the Egypt Policy Reforms).” Ministry of Housing Utilities and Urban Communities, Egypt. Accessed 2 July 2014. Link
El-Shahat, Manal M. F. , and Samah M. El Khateeb. 2013. “Empowering People in Egyptian Informal Areas by Planning: Towards an Intelligent Model of Participatory Planning.” Paper presented at: Cities to be Tamed? Standards and Alternatives in the Transformation of the Urban South, Milan, Italy. Planum: The Journal of Urbanism 1: 26.
Farid, Doaa. 2014. “Armed Forces to Implement an Egp 350m Project for Developing 30 Slum Areas.” Daily News Egypt, 5 January 2014. Accessed 6 June 2014. Link
Fernandes, Edesio. 2010. “The City Statute and the Legal-Urban Order.” In The City Statue of Brazil: A Commentary: Cities Alliance, Nacional Secretariat for Urban Programmes, and Brazil Ministry of Cities. Accessed on April 2, 2013. Link
Fyhr, Kyle. 2012, “Participation in Upgrading of Informal Settlements: A Case Study of the Project ‘City in-Situ Rehabilitation Scheme for Urban Poor Staying in Slums in City of Pune under Bsup, Jnnurm.” Stockholm University. Accessed 7 August 2014. Link
Giridharadas, Anand. 2006. “Not Everyone as Grateful as Investors Build Free Apartments in Mumbai Slums.” New York Times, 15 December 2006. Accessed 2 July 2014. Link
Government of Egypt (GoE). 2014a. ”Unofficial Translation of the 2014 Egyptian Constitution.” Accessed 3 August 2014. Link
———. 2014b.Presidential Decree No. 1252/2014.
———. 2009. “Executive Regulations Implementing Law on Building No. 119 of the Year 2008.” In Law 119/2008. The Middle East Library for Economic Services.
———. 2008a. Law on Building No. 119/2008.
———. 2008b. Presidential Decree No. 305/2008.
India, OneWorld Foundation. 2012. “In-Situ Slum Upgradation under JNNURM” Ministry of Personnel, Public Grievances and Pensions, Government of India. Accessed 7 August 2014. Link
Informal Settlements Development Facility (ISDF). 2013. “Development of Slum Areas in Egypt.” ed. Informal Settlements Development Facility.
———. 2011. “تقرير لجنة تقدير الاحتياجات الخدمية لتوطين سكان المناطق المهددة للحياة بمدينة 6 أكتوبر.”
Informal Waste Pickers and Recyclers (IWPR). 2012. “The Project Baan Makong and the ‘Community Organizations Development Institute’ (CODI) of Thailand.” Informal Waste Pickers and Recyclers. Accessed August 8 2014. Link
Khosra, Renu. 2009. “Economics of Resettling Low-Income Settlements (Slums) in Urban Areas: A Case for on-Site Upgrading.” Urban India 29: 22-49.
Magalhães, Fernanda, and Francesco di Villarosa. 2012. “Slum Upgrading: Lessons Learned from Brazil.” In Secondary Slum Upgrading: Lessons Learned from Brazil. Intern-American Development Bank. Washington, DC. Accessed 30 June 2014. Link
Mitchell, Timothy. 1991. “America’s Egypt.” Middle East Report 21. Accessed 14 August 2014. Link
Miranda, Juan. 2014. “Forward.” In Lose to Gain: Is Involuntary Resettlement a Development Opportunity? , ed. Jayantha Perera. Philippines: Asian Development Bank. Accessed 7 August 2014. Link
Nada, Mohamed. 2011. “The Politics and Governance of Implementing Urban Expansion Policies in Egyptian Cities.” Égypte/Monde arabe Third Series, 11. Accessed 18 June 2014. Link
Patel, Sheela. 2013. “Upgrade, Rehouse or Resettle? An Assessment of the Indian Government’s Basic Services for the Urban Poor (BSUP) Programme.” Environment and Urbanization 25: 177-88.
Institute of National Planning (INP). 2000. “Egypt: Human Development Report 1998/99.” In Secondary Egypt: Human Development Report 1998/99. Kalyoub, Egypt: Al-Ahram Commercial Press. Accessed 30 June 2014. Link
Salama, Amr Ezzat. 2006. “Egyptian Codes for Design Construction of Buildings.” In Building the Future in the Euro-Mediterranean Area: Workshop. Varese, Italy. PowerPoint Presentation. Accessed 7 August 2014. Link
Sayigh, Yezid 2012. “Above the State: The Officer’s Republic in Egypt.” Carnegie Middle East Center, Beirut, Lebanon. Carnegie Endowment for International Peace. Accessed 7 August 2014. Link
Séjourné, Marion. 2009. “The History of Informal Settlements.” In Cairo’s Informal Areas: Between Urban Challenges and Hidden Potentials, eds. Regina Kipper and Marion Fischer: Cairo: GTZ Egypt and Participatory Development Programme in Urban Development (PDP). Accessed 7 August 2014. Link
Sims, David. 2013. “The Arab Housing Paradox.” The Cairo Review of Global Affairs. 24 November 2013. Accessed 7 August 2014. Link
———.2012. Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control. Cairo, Egypt: American University of Cairo Press.
USAID. 2010. “USAID Country Profile, Property Rights and Resource Governance: Egypt.” United States Agency for International Development. Washington, DC. Accessed 2 July 2014. Link
Victora, Cesar G., Linda Adair, Caroline Fall, Pedro C. Hallal, Reynaldo Martorell, Linda Richter, and Harshpal Singh Sachdev. 2008. “Maternal and Child Undernutrition: Consequences for Adult Health and Human Capital.” The Lancet 371: 340-57.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments