كثير من المدن في جميع أنحاء العالم عليها أن تتصدى لعدد ضخم من القضايا التي تدور أساساً حول كيفية جعل المدينة أكثر ملائمة للعيش بها بالنسبة لأعداد السكان الآخذة في الازدياد. والقاهرة ليست استثناء، حاولت حكومة تلو الأخرى إدارة المدينة وإدخال التحسينات عليها من خلال الخطط الاستراتيجية الشاملة منذ ستينيات القرن الماضي. ولكن مع الأسف كانت تلك الخطط في كثير من الأحيان يتم وضعها وتنفيذها باستخدام نهج: من القمة إلى القاعدة، دون أي مراعاة للمواطنين الذين يقيمون في المدينة. وعلى مدى عقود وسكان القاهرة لا يدرون كيف يتم اتخاذ القرارات الخاصة بالتخطيط وما الذي يمكن توقعه بالنسبة لمستقبل مدينتهم. المشكلة مع نهج “من القمة إلى القاعدة” ليس فقط أنه يفترض أن السكان لا يملكون شيئاً مفيداً للمساهمة به في تنمية مناطقهم ، لكنه أيضا غير فعال عندما تتعطل الخطط نتيجة لاعتراض المواطنين.مثال رئيسي على ذلك خطة القاهرة 2050 التي قدمتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني عام 2008 تقريباً كرؤية لمنطقة القاهرة الكبرى لتصبح “مدينة عالمية”. تعرض مشروع القاهرة 2050 لانتقادات عنيفة لافتقاره إلى الشفافية ولتجاهله السكان المتضررين. وقد أدى عدم وجود أي نوع من المشاركة الشعبية إلى استفحال الشعور بانعدام الثقة – وهو كان موجود من ذي قبل- بين المواطنين والحكومة. بعد الثورة المصرية عام 2011 ، قررت الهيئة العامة للتخطيط العمراني مع الدعم الفني من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية البدء في سلسلة من المهام لبناء الثقة مع سكان القاهرة، ولزيادة المشاركة الشعبية في عملية التخطيط1. ولكن ما الذي يستلزمه التخطيط التشاركي في الحقيقة، وكيف يمكننا تقييم ما إذا كان يحدث بالفعل؟
ما هو التخطيط التشاركي؟
يعرف البنك الدولي التخطيط التشاركي بأنه ” العملية التي من خلالها يؤثر أصحاب الشأن على، ويتشاركوا فى التحكم فى مبادرات التنمية والقرارات والموارد التي تؤثر عليها”. ومصطلح “أصحاب المصلحة” هنا يشير إلى مختلف الأطراف التي من شأنها أن تتأثر بالمشاريع المقترحة، بما في ذلك المنظمات المحلية والمجتمع المدني والشركات الخاصة المحلية، وبطبيعة الحال، وفي المقام الأول، السكان. هذا يعنى أكثر من مجرد السماح للسكان بالتعبير عن آرائهم بالنسبة للخطط الموجودة بالفعل، إنه يعنى التعلم من السكان والتعامل مع آرائهم على أنها معلومات من خبراء منذ بدء عملية التخطيط. هذا يبدأ من خلال ما يصفه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بأن “السكان المحليين بوصفهم خبراء ومعلمين، والدخلاء بوصفهم مبتدئين” مما يضمن أن الخطط تستند إلى رؤى السكان الخاصة بالنسبة لمناطقهم.
هذه ليست عملية بسيطة، وينبغي أن تنفذ من خلال عدد من الخطوات التي، وفقاً لأدوات المشاركة في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ، تشمل أنشطة ما قبل التخطيط مثل تحديد أصحاب المصلحة، وتشكيل شراكات مع جميع أصحاب المصلحة، وتبادل الرؤى حول المناطق المعنية. مع أخذ هذا التعريف في الاعتبار، هل يمكن وصف أحدث خطة استراتيجية للقاهرة على أنها خطة تشاركية؟
المشروع
مر مشروع القاهرة 2050 بالعديد من التغييرات منذ قيام الثورة، ولعل أكثر تغيير يجذب الانتباه هو العنوان حيث يسمى الآن: الرؤية الاستراتيجية لتنمية القاهرة الكبرى. ويرتكز الاسم الجديد على تغييرين: أ) قرار أن تاريخ 2050 لا يعكس بدقة مختلف التواريخ المستهدفة في مكونات الوثيقة المختلفة، والتي تتراوح من 2015 إلى ما بعد العام 2050؛ و ب) قرار استخدام مصطلح ‘رؤية’ بدلا من ‘خطة’ حيث أن الخطط غالبا ما تكون مفصلة وملزمة، في حين أن الرؤية الاستراتيجية تقدم بالأحرى “رؤية تنموية تستهدف الثلاث المحافظات الموجودة في القاهرة الكبرى” عامة، التي سوف يتم دمجها في وقت لاحق مع الخطط الموجودة حالياً2 في كل محافظة. تتضمن الرؤية الاستراتيجية 22 مشروعاً ورغم إنه لا توجد معلومات محدثة متاحة في الوقت الحالي3، فإن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بصدد استكمال كتيب لتعميمه.4
كجزء من الجهود التي يبذلها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية و الهيئة العامة للتخطيط العمراني لزيادة الشفافية وتحسين العلاقات بين الحكومة والمجتمع في أعقاب ردود الفعل السلبية بالنسبة إلى مشروع القاهرة 2050، فقد كلف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية شركة استشارية خاصة تسمى مجموعة البيئة والتنمية لإجراء تقييم للأثر الاجتماعي والاقتصادي. تنص الشروط المرجعية المكتوبة من طرف برنامج الأمم المتحدة لشركة التقييم على ما يلي:
تتبنى الهيئة العامة للتخطيط العمراني أسلوب التخطيط الاستراتيجي الذى يهدف إلى صياغة رؤية تنموية مستقبلية متكاملة للقاهرة الكبرى. هذه الرؤية تهدف أساساً إلى تحقيق التنمية المستدامة، والتوصل إلى استراتيجية مجدية وقابلة للتطبيق والتى يتم إعدادها بواسطة جميع المنظمات المعنية وأصحاب المصلحة، بالإضافة إلى ضمان الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة، وتدبير الموارد اللازمة لتمويل عملية التنفيذ. وتهدف خطة الرؤية الاستراتيجية للقاهرة الكبرى أيضاً إلى خلق فرص عمل من خلال المشاريع المستقبلية في مجالات استثمارات رأس المال والأصول الثقافية، ورفع مستوى البنية التحتية، وتحسين البيئة الحضرية.
يغطي تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي خمسة مشاريع ويعتمد في المقام الأول على جمع آراء وردود فعل السكان بالنسبة إلى المشاريع التى تم تصورها لمناطقهم، ثم ينقل الاستجابات المجتمعية إلى برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية و الهيئة العامة للتخطيط العمراني. وينبغي اخذ هذه النتائج في الاعتبار عندما تقوم الهيئة العامة للتخطيط العمراني بتصميم خطط مفصلة للمشروع5. تم جمع آراء السكان بواسطة مجموعة البيئة والتنمية الذين أجروا مقابلات ومناقشات مع مجموعات بؤرية في المناطق المختلفة للمشروع ، وهم حاليا يقومون بإجراء 8 جلسات مناقشات مجتمعية للمشاركة بنتائج التقييم حتى الآن، ولجمع تعليقات أكثر من السكان.
تم عقد جلسة في كلٍ من الوراق، المطرية، وشبرا المظلات حتى الآن لإبلاغ السكان عن التطوير الذي تم تصوره بالنسبة إلى كل منطقة، ومناقشة الآثار المحتملة على المجتمع.
نهج “تشاركي”؟
إن هذا التقييم هو واحد من المرات القليلة التي سعت فيها الحكومة المصرية لدمج أي نوع من المشاركة في عملية تخطيط تقوم بإجرائها. إن هذه لخطوة إيجابية قامت بها الهيئة العامة للتخطيط العمراني لتعزيز التخطيط التشاركي، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من هذه التجربة لتحسين التخطيط في المستقبل في مصر كما يتبين من تحليل بسيط لجلسات المناقشة المجتمعية. إن جلسات المناقشة المجتمعية التي تعقد في الوقت الراهن توفر وسيلة مفيدة يمكن من خلالها التفكير بتمعن في التخطيط التشاركي في مصر.
كما ذكر أعلاه، فقد تم عقد ثلاث جلسات حتى الآن. وقد تم عقد جلسة الوراق خلال شهر فبراير عام 2014، في حين عقدت جلسة المطرية في 5 مارس 2014، وعقدت جلسة شبرا المظلات في 25 مارس 2014، وقد ناقشت كل جلسة المشروع المخطط لتلك المنطقة مثل مشروع تطوير كورنيش الوراق، ومشروع تطوير المطرية ومحطة محور روض الفرج التبادلية.
تفاوتت جودة الجلسات، حيث كانت بعضها أكثر نجاحاً من غيرها. وعلى وجه الخصوص، عانت جلسة الوراق من انخفاض نسبة المشاركة وكان أسلوب شرح المشروع غير واضحاً، مما أدى إلى مناقشة ضعيفة جداً مع السكان. وقد عالجت جلسة المطرية تلك العيوب، لكنها بطبيعية الحال عانت من بعض الشوائب، لا سيما في ما يخص عملية اختيار الحاضرين من أعضاء المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، لم يجاوب المقدمين على الكثير من الأسئلة، وأيضاً لم يناقشوا تفاصيل كثيرة بشأن بعض المكونات الرئيسية للمشروع (وعلى وجه الخصوص مكون رفع مستوى المناطق العشوائية)6. شهدت جلسة شبرا المظلات إقبالاً أقل من الإقبال على جلسة المطرية ، ولكن أعلى من جلسة الوراق، قام المقدم بالرد على كل التعليقات والأسئلة مع كمية كافية من التفصيل. غير أن محور النقل المخطط يستلزم نزع ملكية الأراضي الزراعية من المزارعين في المنطقة، وبينما أكد المقدم أن أصحاب الأرض كانوا سعداء بالتعويض، لم يكن أي منهم موجود لتأكيد ذلك أو نفيه.
أحد العيوب الرئيسية هو أن الثلاث جلسات عقدوا أثناء ساعات العمل فى خلال أيام الأسبوع، وهو ما يعني أن العديد من المدعوين لم يتمكنوا من الحضور7. من ناحية أخرى، حافظت الجلسات على مستوى معين من الشفافية. ولم يتجنب المقدمين مناقشة الآثار السلبية المحتملة للمشروع جنباً إلى جنب مع الآثار الإيجابية المتوقعة. أما بالنسبة للمشاركة، فقد شارك الحضور بفعالية في المناقشة بما في ذلك عدد كبير من النساء، وكانت تعليقاتهم تمثل طائفة من الآراء، وكثير منها كان يمثل تحدياً للمقدمين.
ومن ثم فإن مثل تلك الجلسات إجمالاً جهد إيجابي واضح من قبل الهيئة العامة للتخطيط العمراني وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لجعل تنمية القاهرة عملية أكثر شفافية. ولكن هل تؤهل هذه الجهود الرؤية الاستراتيجية إلى أن يتم وصفها بأنها وثيقة تشاركية؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أولاً التمييز بين التخطيط التشاركي والتشاور بعد انتهاء التخطيط. كما هو موضح أعلاه، التخطيط التشاركي يتطلب إشراك السكان منذ بداية عملية التخطيط، بينما في هذه الحالة فإن السكان تم إشراكهم فقط بعد أن تم بالفعل وضع الخطة. على الرغم من أن الشروط المرجعية للتقييم تنص على أن التخطيط التشاركي “بمثابة أحد أحجار الزاوية التي يقوم عليها المشروع ” – فإن أحد مقدمي جلسة المطرية أوضح ما يسمى بالنهج التشاركي بالقول: الجميع داخل الهيئة العامة للتخطيط العمراني (وليس السكان) شاركوا، بما في ذلك الموظفين الأصغر سنا، 2) أنهم عقدوا العديد من الاجتماعات مع المسؤولين المحليين، و 3) أنهم زاروا المنطقة عدة مرات.
وغني عن القول أن هذا لا يتفق مع تعريفات المشاركة المذكورة أعلاه، ووفقاً لأدوات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ، ” تقييم الأثر من خلال المناقشة ” هو الخطوة 18 من أصل 20 خطوة للتخطيط التشاركي، وينبغي أن يسبقه أدوات أخرى للتخطيط التشاركي.
لمزيد من التوضيح لهذا التمييز، يصف كتيب المشاركة للبنك الدولي “متوالية المشاركة” التي تبدأ مع التمكين الذي يعتبر أعلى مستوى للمشاركة ، يليه التعاون والتشاور وتبادل المعلومات وذلك أدنى مستوى. طريقة أخرى لتخيل مستويات المشاركة المختلفة هو عبارة عن سلم المشاركة حيث يكون عدم المشاركة السلبي في المستوى السفلي، يليه التشاور (حيث تلتمس الحكومة رأى المواطن ولكن لا تستخدمه بالضرورة). وتشمل الدرجات العليا من السلم الشراكة بين المواطنين والحكومة ، تليها تفويض السلطة ثم تحكم المواطن. قرار إجراء التقييم يضع الرؤية الاستراتيجية على مستوى التشاور فى المتوالية/السلم .
أسئلة بشأن المشاركة العامة فى مصر
من الذي يمثل المجتمع المحلي؟
بينما يضمن الدستور المصري حق المواطنين في التواصل مع السلطات العامة في المادة 85 ، فإنه للأسف لا يشمل أي إلزام على السلطات بالرد.
المجالس الشعبية المحلية المنتخبة هي الإطار القانوني الذي يوفر القناة الرسمية الأولية التي يجب من خلالها أن يشارك المواطنون في تخطيط وإدارة الشؤون المحلية. على الرغم من أن جميع المجالس الشعبية المحلية المنتخبة تم حلها في 2011، لم يتم تعديل القانون الذي ينص بوضوح على سلطاتهم ومسؤوليتهم فى الإشراف على جميع الشؤون المحلية 8. لذا ، فإنه من غير الواضح على أي أساس تقوم الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوضع الخطط على المستوى المحلي في ظل غياب القناة القانونية التي يجب من خلالها أن يقوم السكان بالإشراف على هذه العملية. هل وضعت وزارة التنمية المحلية إطار قانوني بديل يمكن من خلاله للأجهزة المركزية مثل الهيئة العامة للتخطيط العمراني إجراء التخطيط في غياب المجالس المحلية ؟ إذا كان الأمر كذلك، ينبغي أن يعلن هذا الإطار على الملأ لضمان أن كلاً من الهيئة العامة للتخطيط العمراني وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية يلتزمان به.
ما هو نوع المعلومات التي تقدم للجمهور؟
هناك مسألة أخرى هي عدم وجود معلومات حول الخطة، وهذه كانت سمة مشتركة بين معظم خطط تنمية القاهرة الكبرى منذ أن وضعت أول خطة في ستينيات القرن الماضي. تنص المادة 68 من الدستور المصري لعام 2014 على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب. والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة هو حق تكفله الدولة لكل مواطن. تلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية.” في هذا الصدد تذهب المسألة إلى أبعد من الرؤية الاستراتيجية نفسها، حيث أنه أكثر ارتباطاً بغموض عملية التخطيط في مصر بشكل عام. هناك عدد كبير من الجهات الرسمية التي تشارك في التخطيط ، وحتى الآن وبدلاً من طرح خطة واحدة مدمجة، فإنهم يمطرون السكان بوابل من الخطط المختلفة مع عدم وجود تفسير واضح لكيفية ارتباطها ببعضها البعض. على سبيل المثال، ليس من الواضح ما هى العلاقة بين الرؤية الاستراتيجية ومشروع المليون وحدة سكنية التي أعلن عنها مؤخراً، أو مدى ارتباطها بخطط التنمية لصندوق تطوير المناطق العشوائية حيث أن الرؤية الاستراتيجية تتعامل مع بعض المناطق العشوائية. وعلاوة على ذلك، فإنه من غير الواضح كيف سيتم دمج الرؤية الاستراتيجية ضمن خطط وضعت بالفعل بواسطة محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، والتي تقع في القاهرة الكبرى جزئياً. هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد تفاصيل كافية معلنة على العامة حول الرؤية الاستراتيجية أو الخطوات المستقبلية التي تخطط الهيئة العامة للتخطيط العمراني لاتخاذها قبل التنفيذ .
حرية الوصول غير المقيدة إلى المعلومات العامة حق ينبغي أن يسعى إليه كل السكان، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقرارات تؤثر على حياتهم اليومية. المشاركة ببعض المعلومات العامة من قبل الهيئة العامة للتخطيط العمراني عن الرؤية الاستراتيجية خطوة جيدة إلى الأمام مع ذلك سوف تظل هذه المعلومات غير مكتملة حتى يتم تقديمها للجمهور بطريقة شفافة كاملة وكافية وفي الوقت المناسب وموثوق بها.
هل يؤثر بالفعل رأى السكان على الخطط العامة؟
كما ذكر أعلاه، يعرف البنك الدولي التخطيط التشاركي بأنه ” العملية التي من خلالها يؤثر أصحاب الشأن على، ويتشاركوا فى التحكم فى مبادرات التنمية والقرارات والموارد التي تؤثر عليها.” الكلمة الرئيسية هنا هى التحكم، وبينما تسمح هذه الجلسات للمخططين بإبلاغ السكان عن المشروع المقترح والحصول على آرائهم حوله، فإنه لا يعطي لهم أي سلطة في صياغة المشروع فى الواقع. وحيث أن السلطات ليست ملزمة قانونياً للاستجابة لآراء السكان ، فأنه من غير الواضح إلى أي مدى سوف تؤثر المعلومات التي تم جمعها من السكان من خلال التقييم على الرؤية الاستراتيجية والمشاريع الناجمة عنه. على سبيل المثال فقد أشار أحد السكان في جلسة شبرا المظلات إلى أن هناك مشاريع أخرى أصغر – مثل تجديد الطرق والجسور – التي من شأنها أن تفيد المنطقة أكثر من محور وسائل النقل المقترح. ولكن هل سيؤدى هذا إلى أن تعيد الهيئة العامة للتخطيط العمراني التفكير في استراتيجية التنمية؟ وبالمثل ، فإن جزء من مشاريع التنمية فى المطرية يستلزم تطوير منطقة عشوائية تدعى عزبة الليمون، ولكن لم يكن هناك بين الحضور عدد كاف من سكان تلك المنطقة للتعبير عن آرائهم فى الخطة. إذا كان السكان غير راضين عن خطة نقلهم – ولو مؤقتا – هل سيتم تغيير الخطة نتيجة لذلك؟
مثل تلك الأسئلة تصبح ذات أهمية بصفة خاصة في ضوء دراسة استقصائية أجريت في عام 2009 على خطة القاهرة 2050 الأصلية. وكان الهدف من الدراسة تعزيز ” الحوار المجتمعي من أجل دعم وإضفاء المصداقية على استراتيجيات التنمية في مصر”. غير أن هذه الدراسة تقدم نتائج غامضة للغاية تسعى كلها تقريباً لإظهار موافقة شاملة على خطة القاهرة 2050. وغني عن القول، فإن عبارات مثل “وافق جميع المشاركين على أن برامج الإسكان يجب أن تأخذ البعد الاجتماعي في الاعتبار” و “وافق 94.5 % من أفراد العينة بأن تنمية القاهرة الكبرى ينبغي أن تشمل زيادة المساحات الخضراء” لا يمكن أن تظهر حقا آراء المواطنين حول تفاصيل الخطة وكيف ستؤثر بالفعل فى حياتهم اليومية. وعلاوة على ذلك ، تم سؤال المواطنين حول خطط المناطق التي لا يعيشون فيها، مما نتج عنه عبارة مثل: ” 96.9 % من أفراد العينة يوافقون على أن منطقة نزلة السمان ينبغي تحويلها إلى متحف مفتوح عن طريق نقل السكان”. ومن ناحية أخرى، اختلف 60.5 % من أفراد العينة من جزر النيل (الوراق والدهب والقرصاية) مع الرؤية المقترحة لتطوير مناطقهم في مشروع القاهرة 2050، وحتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت خطط هذه المناطق تم تغييرها كنتيجة لذلك. لقد أجريت هذه الدراسة أيضا بواسطة شركة استشارية مستقلة، و لكن هذا لم يكفل التنفيذ السليم لأداة المشاركة التي يجري استخدامها. وفي النهاية، فإن مشروع القاهرة 2050 يضى قدماً، مما يثير التساؤل عن ما إذا كانت أراء المواطن تؤثر بالفعل على قرارات الحكومة.
دروس للمستقبل
في حين أن قرار تكليف شركة مستقلة لإجراء تقييم الأثر واستخدام أساليب تشاركية هو بلا شك خطوة إيجابية، لا يزال هناك الكثير للقيام به في هذا الصدد. لكى تكون عملية التخطيط في مصر تشاركية بالفعل، ينبغى أن تعكس رؤى السكان لمدنهم. ويجب أن تهدف الخطة التشاركية من البداية إلى تمكين السكان لكى يحصلوا على ملكية مدينتهم وذلك من خلال الاعتماد بشكل أساسي على السكان لتحديد المشاكل ومجالات التحسين والموارد المطلوبة وكيفية وضع ميزانية لتلك الموارد للتأكد من أنها تلبي الاحتياجات العامة.
إذا كنا نتحدث من الناحية المثالية، فإن هذا ينبغي أن يكون مضموناً في الدستور والتشريعات من خلال آليات واضحة لإعمال الحق في المشاركة في عمليات التخطيط والحق في الوصول إلى المعلومات العامة. ومع ذلك، فإن قرار الهيئة العامة للتخطيط العمراني لإجراء التقييم يعطي الأمل أنه ربما ولمرة واحدة يمكن لمؤسسات وطنية أن تقود الإصلاح التشريعي بدلاً من أن يفرض عليهم كما هو الحال عادة. إن الهيئة العامة للتخطيط العمراني والوكالات المعنية الأخرى لديهم فرصة ذهبية لكى يصبحوا قادة في مجال مشاركة السكان من خلال ضمان أن يتم التخطيط بطريقة تشاركية فعلاً. خلاف ذلك ينبغي أن يوضحوا ببساطة أن جلسات المناقشة هذه هي مجرد جلسات جمع المعلومات وإسقاط كلمة المشاركة تماماً من التسمية. في هذه المرحلة ، فإنه لا يزال من غير الواضح إذا كان التقييم سيؤثر حقا على قرارات الحكومة القادمة، أو إذا كنا سنشهد تكراراً للدراسة الاستقصائية لعام 2009 لمشروع القاهرة 2050 المذكور أعلاه. قد تقرر الهيئة العامة للتخطيط العمراني تجاهل نتائج التقييم والمضي قدماً كما هو مخطط، أو قد تقرر أن تأخذ النتائج بعين الاعتبار، لكن في غياب أي نوع من الالتزام القانوني، كل ما يمكننا القيام به الآن هو أن ننتظر ونرى.
هذا المقال مبني بتصرف على مقال من مدونة وزارة الإسكان الظل.
الصورة المختارة: في جزيرة الدهب. تصوير منى فاروق. استخدمت بإذن.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks