إن مدينة كبيرة ومكتظة بالسكان مثل القاهرة والمناطق المحيطة بها تحتاج إلى مجموعة كاملة من خيارات وسائل النقل العام والتي عادة ما تشمل شبكات المترو والسكك الحديدية الخفيفة (الترام) وأوتوبيسات النقل العام. وخلق التوازن الصحيح بين هذه الخيارات من الممكن أن يؤدي إلى تحسناً كبيراً فى الفعالية الشاملة لشبكات وسائل النقل العام وأن يحُد من الاختناقات المرورية. وقد استثمرت القاهرة مليارات الدولارات في شبكات مترو الأنفاق منذ عام 1987 ومازالت مستمرة في هذا، وافتتحت خط مترو الأنفاق الثالث في عام 2014 مع وجود خطط للعديد من الخطوط الأخرى خلال الأعوام القادمة. إن أتوبيسات النقل العام التابعة للحكومة وكذلك أيضاً الميكروباصات الخاصة شائعة في جميع أنحاء المدينة لخدمة المناطق التي لا يصل إليها متروالأنفاق. واستكمالاً لهذا النظام فإن الحكومة لديها أيضاً خططاً للسوبرترام أو الترام فائق السرعة الذي يربط قلب المدينة ببعض المدن الجديدة. وقد كانت هناك بعض التصريحات حول مشاريع السوبرترام الطموحة لكنها تبقى مجرد أحلام غير محققة بسبب تكلفتها العالية وصعوبة تمويل المشروع.
هناك خيار واحد لم تستكشفه الحكومة بعد ألا وهو نظام النقل السريع بالأتوبيسات (BRT). إن نظام النقل السريع بالأتوبيسات هو نظام للأتوبيسات على مستوى سطح (الأرض) ذو سعة عالية وهو يحاكي سرعة وكفاءة المترو (أو السوبرترام) وتكلفة رأس المال لهذا النظام 4 – 20 مرة أقل من أنظمة السكك الحديدية الخفيفة (أو السوبرترام) و10- 100 مرة أقل من تكلفة شبكات المترو . ونظام النقل السريع بالأتوبيسات يحقق هذه السرعة والسعة باستخدام الأوتوبيسات المفصلية (ثنائية أو ثلاثية المِفصل) التي يمكن أن تستوعب حتى 200 راكباً وتلك الأوتوبيسات تسير في مسارات مخصصة لها على محاور النقل الرئيسية، وبذا تتجاوز كل حركة المرور. إن هذا النظام يعتمد على معايير موضوعة من أجل تحقيق السرعة والانتظام والراحة بتكلفة منخفضة نسبيا.
تم تأسيس أول شبكة للنقل السريع بالأتوبيسات في عام 1982 في كوريتيبا بالبرازيل، بواسطة معهد البحوث والتخطيط العمراني في كوريتيبا (IPPUC) ومنذ ذلك الحين انتشرت في أكثر من 150 مدينة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أماكن متنوعة مثل دلهي بالهند واسطنبول في تركيا ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. ولسوء الحظ، فإن الحكومة المصرية لم تأخذ الفكرة بجدية بشكلٍ كافٍ على الرغم من قيام المؤسسات الدولية بالترويج لها.
في عام 2014، أصدر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية طلباً لتقديم مقترحات لمسارات النقل السريع في القاهرة من أجل تشجيع مشروعاً للنقل السريع في وقت لاحق في مصر. كما استطلع البنك الدولي إمكانية إنشاء نظام النقل السريع بالأتوبيسات في القاهرة في دراسة في عام 2014 والتي أشارت إلى أن الاستثمار في نظام النقل السريع أكثر منطقية من بناء المزيد من الطرق التي لن تؤدي إلا إلى ازدياد حركة السيارات.
إن الحكومة في القاهرة تدرك أنها تحتاج أيضاً إلى إيجاد حلول للاختناقات مرورية سيئة السمعة وأوقات التنقل الطويلة وتلوث الهواء اللذين يسببهم إلى حد كبير الأعداد المتزايدة من السيارات الخاصة ، ولكن محدودية الموارد المالية تمنعها من إكمال مشاريع البنية التحتية الأكثر طموحاً. في ضوء هذه المشاكل، قام كلٍ من الجهاز التنفيذي لتعمير مشروعات القاهرة الكبرى – التابع لوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية – ومحافظة القاهرة بإطلاق مشروع جديد لوسائل المواصلات في عام 2014 الذي يركز على شارع مصطفى النحاس في مدينة نصر ويهدف الى تخفيف ازدحام حركة المرور في المنطقة. وقد إنشاء المشروع مسار مخصص للأوتوبيسات في وسط الشارع ابتداء من تقاطعه مع شارع رمسيس ويمتد 8 كم إلى التقاطع مع متولي الشعراوي، وذلك بتغطية المسارات القديمة للترام الذي توقف عن العمل منذ حوالي سبع سنوات، و توسعة الشارع الموجود قليلاً. وقد قُصِدَ أَن يَكُون هذا المشروع جزءاً من التنمية المتكاملة للطرق ومسارات وسائل النقل على مستوى القاهرة الكبرى، وذلك للحد من الاختناقات المرورية في العاصمة. إن مشاريع إعادة تأهيل الطرق الأخرى المجاورة في شوارع الشهيد وامتداد رمسيس والبترول والشركات والخليفة الظاهر، وشارع محمد متولي الشعراوي سوف تكون مكملة لمسار الأوتوبيسات في مصطفى النحاس.
وعلى الرغم من الآمال العريضة للحكومة في مسار الأوتوبيسات بشارع مصطفى النحاس، فقد انتقد السكان بشدة مشروع التطويرالذي تكلف 60 مليون جنيه بعد أن اكتمل ولم يؤد إلى تخفيف حدة الازدحام بشكل يذكر – وفي الحقيقة فإنه ربما قد جعل الوضع أسوأ في بعض المناطق. ومن ضمن العناوين التي وردت عن المشروع على وسائل الاعلام الاجتماعية: “الموت تحت إشراف الحكومة“، و”الطريق إلى الموت” و “ضد كارثة مصطفى النحاس“. إن فكرة مسار مخصص للأوتوبيسات فكرة جيدة من حيث المبدأ ، ولكن كما علمت الحكومة الآن أن مجرد تخصيص مسار للأوتوبيسات وحده لا يعني بالضرورة خلق تجربة جيدة.
ويمكن للسكان أن يشعروا بالراحة إذا أخذوا في الاعتبار أن مسار الأوتوبيسات مؤقت فقط، يقوم بمثابة إجراء لسد الفجوة قبل البدء في مشروع أكثر طموحاً، مشروع “السوبرترام” الذي من شأنه إعادة الحياة لخطوط الترام التي دفنت تحت الأسفلت، لبناء خط الترام الحديث بطول 44 كم والذي يمكنه الوصول إلى سرعة 35 كم / ساعة ويقوم بربط القاهرة الجديدة بشبكة المترو القائمة بالفعل. أعلن وزير النقل علاء فهمى عام 2010، الانتهاء من دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وتكلفته خمسة مليارات جنيه ويستغرق تنفيذه 48 شهر، والذي كان من المقرر أن يتم بدعم جزئي من البنك الدولي. لأسباب عدة، لم يشهد مشروع السوبرترام الضوء، ولن يراه في أي وقت في المستقبل القريب.
لذا، في الوقت الراهن فإن مصطفى النحاس به مسار مخصص للأوتوبيسات ويجب على الحكومة انتهاز الفرصة لإجراء التجارب. حيث أنه باستثمارات متواضعة وتحسينات استراتيجية سوف نناقشها أدناه، يمكن تعديل أول مسار لنظام النقل السريع في القاهرة وتقديم نموذجاً يمكن تكراره في جميع أنحاء المدينة، وربما يسمح للحكومة أن تنسى كل شيء عن ذلك السوبرترام والخمسة مليارات جنيه ثمناً له.1
إن المكون الأساسي لنظام النقل السريع هو تكريس الحق في أولوية المرور، تقريباً على نفس طريقة شبكات المترو التي لها مسارات مكرسة. ومصطفى النحاس بالفعل به مسار مكرس للأوتوبيسات، ولكن تكريس استخدامه للأوتوبيسات بصورة حصرية لا ينفذ. العديد من السكان يستخدمون المسار لمرور السيارات، أو في ما هو أسوأ من ذلك، كموقف للسيارات. إن الهدف الرئيسي من توفير مسارات منفصلة للأوتوبيسات وإنفاذ الحق في أولوية المرور هو التأكد من أن السيارات لا تعوق الحارات المخصصة للأوتوبيسات وتبطئ من حركتها وبالتالي ضمان أعلى سرعات ممكنة للأوتوبيسات للتحرك على طول المسار.
إن إنشاء الحق في أولوية المرور يتطلب وجود حواجز. عدم وجود حواجز في مسار مصطفى النحاس هو أحد الأسباب الرئيسية في الصعوبات التي يواجهها. إن الحاجز الوحيد الذي يفصل بين مسار الأوتوبيس والحارات الأخرى المخصصة للمرور هو مجرد رصيف، والقاهريين خبراء في القيادة عبر وحول وفوق تلك الأرصفة. وإنشاء فصل حقيقي بين مسار الأوتوبيسات والحارات الأخرى يمكن تحقيقه عن طريق حواجز مادية دائمة أو شبه دائمة أو مؤقتة. والحواجز المؤقتة من الممكن أن توفر لمصممي المشروع شيء من المرونة وفترة تجريبية لتحديد أفضل ما يمكن عمله لتحسين مشاكل المرور. أذ إنه ليس من السهل تقدير مدى التأثير الذي سوف يُحدثه التغير في مسار واحد على شبكة النقل الأكبر، لذا فإن بعض المرونة يمكن أن يعتبر مزيّة. وبالرغم من هذا فإن الحواجز الدائمة عادة ما تؤدي وظيفة أفضل في إبقاء السيارات والناس بعيداً عن مسار الأوتوبيس. وبغض النظر عن ما يتم اختياره، هذه “الأداة” يجب أن تكون مصحوبة بمكّون قوي وإن كان أكثرليونة: إنفاذ القانون. إذ أنه للأسف، لو لم تلتزم السيارات بقواعد المرور وكان إنفاذ تلك القواعد ضعيف جداً، فإن هذا التصميم لن ينجح.
تخطيط مسار الأوتوبيس
إن جانباً أساسياً آخر في نظام النقل السريع هو تخطيط مسار الأوتوبيس – أي جزء من الطريق سوف يقوم هذا النظام باستخدامه. استخدام الشريط الأوسط من الممر، كما هو الحال في شارع مصطفى النحاس، مثالي ويمكن أن يمثل قاعدة فعالة للنظام. في تصميمات أخرى، عندما يكون مسار الأوتوبيسات على الجانب الأيمن من الطريق، فإن هذا قد يضطر الأوتوبيسات إلى التحرك ببطء عندما تحتاج السيارات أن تتجه إلى اليمين أو أن تكون شاحنة بحاجة إلى خدمة مؤسسات تجارية في شوارع جانبية.
تقاطعات الطرق
إن الهدف الرئيسي من حل مشاكل التقاطعات هو زيادة تدفق الأوتوبيسات بدون انقطاع (الذي يسمى أحياناً “الموجة الخضراء”) وهي واحدة من العناصر الأساسية لنظام النقل السريع ‘السليم’. واثنان من الاستراتيجيات المستخدمة الأكثر شيوعاً هما حظر الاستدارة عبر مسار الأوتوبيس وتنظيم إشارات المرور لكي تكون في صالح الأوتوبيسات وليس السيارات. قد يكون من الصعب اتخاذ قرار بحظر كل مناطق الاستدارة للخلف عبر طريق الأوتوبيس، ويمكن أن يسبب هذا زيادة الازدحام في أماكن أخرى ولكن حظر معظم أو نصف أو حتى بعض مناطق الاستدارة للخلف يمكن أن يحدث فرقاً خاصة عندما يتم تعزيز هذا بتقنيات أولوية إشارة المرورللنقل السريع. مشروع مصطفى النحاس به نظام إلكتروني للتحكم في إشارات المرور وحظر الاستدارة للخلف في كثير من الأماكن، ولكن التقاطعات كانت تمثل تحدياً كبيراً، و كثيراً ما تكون حركة المرورمتشابكة. وكما ذكر فيما سبق، فإن إنفاذ قوانين المرور هو المفتاح لضمان التدفق الحر للأوتوبيسات.
تصميم محطات الأوتوبيس
إن محطات الأوتوبيس المصممة تصميماً جيداً بحيث يمكن للركاب الصعود إلى والنزول من الحافلات بسرعة وأمان هي مكون آخر في نظام النقل السريع الذي يساعد على تحسين السرعة الاجمالية وعلى فعالية النظام. وهذا هو أحد العيوب الرئيسية في مشروع مصطفى النحاس – إذ لا يوجد محطات على الإطلاق.
إن المسافة المثالية بين المحطات حوالي 450 متراً، وفقاً لمعايير نظام النقل السريع القياسية التي وضعها معهد سياسات النقل والتنمية،. إذا كانت المحطات أبعد من ذلك فإن هذا سوف يتطلب من الناس أن يسيروا لمسافات أطول للوصول إلى الأوتوبيس (وربما يقلل هذا من استخدام الأوتوبيسات) وإذا كانت أقرب سوف يخفض هذا من سرعة النظام. وقد أثبتت الأبحاث أيضا أن محطات الأوتوبيس ينبغي أن تكون على بعد لا يقل عن 26 متراً – ولكن بشكل مثالي على بعد 40 متراً – من التقاطعات وذلك لتجنب التأخير وإبطاء حركة المرور لأن الأوتوبيسات يجب أن تنتظر السيارات التي سوف تنعطف. وهذا يشير إلى أنه ينبغي أن يكون هناك 18- 20 محطة على طول مسار مصطفى النحاس بما في ذلك محطتي القيام والوصول. والصورة الأمثل هي أن تكون محطتي القيام والوصول على اتصال بوسائط نقل أخرى (السكك الحديدية، والمشاة، والمترو، وما إلى ذلك).
إن محطات الاوتوبيس المصممة تصميماً جيداً يمكن أن تقوم بتحسين النظام إلى حد بعيد من خلال توفير بيئة آمنة ومريحة للركاب. حتى داخل محطة لا يبلغ اتساعها سوى ثلاثة امتار (الحد الأدنى لنظام النقل السريع)، يمكن للركاب أن يتسفيدوا من محطة مُجهزة ضد التقلبات الجوية والتي تُحسّنُ إلى حد كبير تجربة المستخدمين. ويمكن للحكومة بناء محطات مفتوحة مع وجود عناصر تظليل قوية للوقاية من أشعة الشمس في نطاق المساحة المتوفرة بشارع مصطفى النحاس.
عناصران هامان من عناصر تصميم المحطة واللذان يمكن أن يحسنا كثيراً من كفاءة نظام النقل السريع هما تحصيل الأجرة قبل الصعود إلى الأوتوبيس وأن يكون مستوى منصة الصعود على نفس مستوى الأوتوبيس.
أحد العوامل التي تبطئ من سرعة الأوتوبيس هي الوقت الذي يستغرقه الركاب في الصعود إلى والنزول من الأوتوبيس. وعندما يكون على الركاب دفع الأجرة على متن الأوتوبيس فإن هذا يؤدي إلى طوابير طويلة. تحصيل الأجرة قبل الصعود إلى الأوتوبيس يقضي على إمكانية حدوث طوابير طويلة عند صعود الركاب على متن الأوتوبيس ويقلل من وقت انتظار الأوتوبيس في كل محطة.
وقد تعاملت المدن مع تحصيل الأجرة قبل الصعود إلى الأوتوبيس بطريقتين. يمكن أن تكون المحطة مصممة كمنطقة انتظار ذات بوابات حيث يجب على الركاب دفع الأجرة قبل الدخول إليها على غرار الطريقة التي يجب على ركاب المترو أن يدفعوا حتى يتسنى لهم الوصول إلى منطقة منصة الصعود، أو يمكن أن يكون بالمحطات ماكينات تذاكر آلية حيث يمكن للركاب شراء تذاكرهم قبل الصعود إلى الأوتوبيس ثم يقوم مفتش بالتحقق من التذاكر على متن الأوتوبيس. الأوتوبيسات في القاهرة تعمل بالفعل بكفاءة نسبية في هذا الصدد، حيث يصعد الركاب أولاً، ثم يدفعوا الأجرة إلى محصل التذاكر في الجزء الخلفي من الأوتوبيس.
إن رفع منصة الصعود عن الأرض لكى تكون على نفس مستوى أرضية الأوتوبيس يقلل التأخير عند الصعود إلى أو النزول من الأوتوبيس. كما أنه يعزز السلامة، وخاصة بالنسبة لكبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، ويجعل صعود الأشخاص الذين يحملون أمتعة أسهل وذلك من خلال الحد من أي فارق بين المحطة وأرضية الأوتوبيس ويلغي تماماً الحاجة لارتقاء درجات لكي يصلوا إلى الأوتوبيس.
الوصول الآمن
إن وصول المشاة الآمن لمحطات الأوتوبيس أولوية أيضاً. يستخدم نظام النقل السريع معابر المشاة الآمنة ومن الأفضل أن تكون في مستوى سطح الأرض مع وجود معابر للمشاة بإشارات ضوئية، وخاصة إذا كانت الأوتوبيسات في حاجة لعبور أكثر من حارتين، كما هو الحال بالنسبة لمشروع مصطفى النحاس. إن معابر المشاة المضاءة جيداً حيث يكون المعبر مستوي ومستمر، واستخدام الأرصفة المائلة، على سبيل المثال، ضرورية أيضاً. خصائص التصميم العالمية التي تمكن المواطنين ذوي الإحتياجات الخاصة من استخدام وسائل النقل العام بشكل مستقل تتطلب دمج قرئ برايل ومؤشرات لسطح الأرض عن طريق اللمس، من بين الخصائص الأخرى، في نظام النقل السريع
وفقاً لردود فعل الجمهور حول مشروع مصطفى النحاس، فقد كانت السلامة وسهولة الوصول يمثلان تحدياً كبيراً للركاب والمشاة، وقد كانت هناك العديد من الحوادث وإنفاذ ضعيف لقواعد المرور الجديدة.
التصميم الجذاب
أفضل أنظمة النقل السريع لا تقوم فقط بتعزيز تجربة المستخدم وزيادة كفاءة نظام النقل العام وسرعة التنقل لكنها تشمل أيضاً أوتوبيسات ومحطات مصممة تصميماً جيداً ومثيرة للاهتمام من الناحية الجمالية التي تعطي صورة إيجابية للمدينة. إن نموذج لأعمال الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الممكن أن يكون مفيداً عند تقديم وتمويل وتصميم نظام النقل السريع والتصاميم الراقية داخل المدينة قد تقوم بجذب المزيد من الاستثمارات إلى المناطق التي يخدمها نظام النقل السريع. ومع هذا فالتصميم الجذاب لا يعني بالضرورة أن تكلفته مرتفعة، بل على العكس يمكن أن يعني أنه تصميم وثيق الصلة بالثقافة وصديقاً للبيئة. ويمكن أن تزود المحطات أيضاً الركاب بمعلومات من الواقع عن رحلات الأوتوبيسات، مما يتيح لهم معرفة موعد وصول الأوتوبيس القادم، وذلك من خلال لوحات إلكترونية بها التوقيت الفعلي أو جداول معلومات حديثة لزيادة رضاء العملاء ودعم تجربة نظام النقل السريع بشكل عام.
لقد وضعت كوريتيبا بالبرازيل في الثمانينات من القرن الماضي، المعيارالذهبي في تصميم المحطات عندما قدمت “محطات الأوتوبيس ذات الشكل الأنبوبي” وهي محطات أسطوانية الشكل شفافة لها بوابات دوارة وبها سلم ومصعد للكراسي المتحركة. ويدفع الركاب الأجرة وهم في طريقهم للدخول إلى المحطة وينتظرون الأوتوبيسات على منصات مرتفعة. والأوتوبيسات لها – بدلاً من السلم – أبواب واسعة ومداخل منحدرة تمتد إلى رصيف المحطة عندما تُفتح الأبواب. وقد أدى دفع الأجرة خارج المحطة بالإضافة إلى الصعود للأوتوبيسات من نفس المستوى إلى أن يكون زمن السكون الاعتيادي (مقدار الوقت الذي ينتظر فيه الأوتوبيس في المحطة لصعود ونزول الركاب) لا يزيد عن 15 إلى 19 ثانية لكل محطة. في نهاية المطاف أصبحت هذه المحطات ذات الشكل الأنبوبي علامة مميزة لنظام الأوتوبيسات في كوريتيبا وقامت المدن في جميع أنحاء العالم بتقليدها في أنظمة النقل السريع الخاصة بها.
التكامل مع وسائل النقل العام الأخرى
فيما هو أبعد من الأجزاء التقنية لنظام أوتوبيسات فعال باستخدام الخطوط الأساسية والنقاط المرجعية لنظام النقل السريع، فإن التكامل الشامل للخدمات والترابط مع شبكات النقل العام الأخرى لضمان اتساق الخدمة أمر بالغ الأهمية أيضاً. إن وضع نقاط التقاء وسائل النقل على مقربة من بعضها البعض وتوحيد نظام الأجرة في أجزاء مختلفة من نظام النقل العام يؤدي إلى زيادة التكامل. ويمكن أيضا أن تُعزز كفاءة النظام من خلال تقديم خدمات محدودة تتجاوز المحطات التي ينخفض الطلب عليها أو تقديم خدمات التوصيل السريع التي تحمل الركاب من بداية المسار إلى نهايته بدون توقف. وأخيراً إذا كانت هناك عدة خطوط تعمل على مسار واحد أو على مسارات متعددة، فإن ذلك سوف يخفض من استثمارات رأس المال ويزيد من كفاءة النظام بصورة جماعية. مصطفى النحاس هو واحد من الممرات الهامة التي تربط مدينة نصر بوسط المدينة من خلال شارع إمتداد رمسيس وكوبرى السادس من أكتوبر، وكذلك أيضاً بالمدن الجديدة في شرق القاهرة من خلال الطريق الدائري. وتحيط به العديد من المسارات التي يجري تطويرها في وقت واحد ضمن مشروع النقل المتكامل لتلك المنطقة، والتي تجعل منه مرشحاً جيداً لاستثمار رأس المال.
وفي الختام، هناك بالتأكيد احتياج لنظم للنقل العام ذات سعة عالية في منطقة حضرية شاسعة مثل منطقة القاهرة الكبرى وينبغي أن تمثل تلك النظم معياراً قياسياً لأي مشروع جديد للنقل العام. ومع ذلك، ونظراً لمحدودية الموارد فإنه من المفيد أن تتم تجربة حلول اثبتت نجاحها عالمياً ولا سيما عندما تكون تكلفتها أقل من أنظمة النقل العام الأخرى مثل المترو. وبالنسبة إلى حالة مصطفى النحاس، فقد قامت الحكومة بالفعل ببعض التحسينات في البنية التحتية في نظام الأوتوبيسات، ولكنهم يأملون في بناء السوبرترام الأكثر طموحاً وتكلفة على المدى الطويل. ونظراً إلى الخصائص العامة لنظام النقل السريع بالإضافة إلى انخفاض تكلفته، كان من الممكن أن يكون أكثر فعالية لو تم تطوير مصطفى النحاس إلى نظام النقل السريع بدلاً من انتظار الاستثمارات الرأسمالية للسوبرترام.
في حين يستمر الجدل حول مزايا وعيوب وتكلفة خيارات وسائل النقل العام ذات السعة العالية – المترو والسكك الحديدية الخفيفة والسوبرترام أو أنظمة الأوتوبيسات ذات الكثافة العالية – فإن الحل الأمثل هو الاستفادة من جميع الخيارات المتاحة لإيجاد توازن بين التكلفة والسرعة والشمولية. النظام المتكامل يكون لديه المزيد من الإمكانيات لخدمة مجموعات مختلفة وحل مشاكل النقل المحددة. إن نظام النقل السريع يمكن أن يكون خياراً فعالاً من حيث التكلفة وخاصة على مشارف المدينة حيث المساحة متوفرة أكثر لمسارات الأوتوبيسات المخصصة لخدمة المناطق الراقية الموجودة على أطراف ضواحي االقاهرة، وتلك المسارات يمكن أن تتقاطع مع الامتداد الجديد لخطي المترو واللذان سوف يربطا في نهاية المطاف بين مدينة السادس من أكتوبر ومطار القاهرة. وربط هذه الوسائل مع أمكانية السير أو حتى ركوب الدراجة من الممكن أن يحد من التلوث الحضري. في مدينة مثل القاهرة، عدم فعل أي شيئا ليس خياراً، إلا أن أسوأ سيناريو سيكون البدء في مشروع يهدر الموارد العامة مع عدم وجود تأثير إيجابي ملحوظ على حياة الناس. إن دمج مكونات نظام النقل السريع القياسية في مسار الأوتوبيس في مصطفى النحاس ربما قد يتطلب المزيد من الاستثمارات، ولكنها ستكون استثمارات من شأنها أن تؤتي ثمارها حتى على المدى المتوسط، وبالتأكيد على المدى البعيد. لكن تخيُل مشاريع مكلفة مثل سوبرترام في ظل المناخ الاقتصادي الحالي يوحي بوجود لامبالاة تجاه حق المواطن الأساسي في وسائل نقل عام آمنة ومن السهل الوصول إليها وأسعارها معقولة. مسار مصطفى النحاس لا يزال لديه إمكانات كبيرة لمشروع نقل عام ذو سعة عالية وفعال من حيث التكلفة، ولكن الفرصة سوف تضيع ما لم يتم في القريب العاجل إدخال تحسينات مُبتكرة وخلاقة وواقعية وفعالة من حيث التكلفة على التصميم.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks