هل يعتبر المواطن العادي هو المنتفع الرئيسي من مشاريع الدولة؟ هل من حق الدولة أو الأفراد الاحتفاظ بأراض وعقارات بدون استخدام يعود بالنفع على المجتمع، طمعاً في زيادة سعرها فيما بعد؟ كصاحب أو مالك لعقار ما، هل لي الحق في بناء أو هدم أو تعديل هذا العقار كيفما شئت، أم أن هناك قواعد وإرشادات تقيد هذا الحق وتحمي المنفعة العامة؟ هل تعلو الحقوق الفردية على الحقوق الجماعية للمجتمع؟
يجيب مفهوم الوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية على العديد من هذه التساؤلات. وهو مفهوم يمثل حجر الزاوية الذي ترتكز عليه حقوق العمران، حيث ينظم هذا المفهوم إدارة واستخدام الأراضي للوصول إلى عمران يتصف بالعدالة الاجتماعية والقدرة على دمج واحتواء كافة السكان وتعايشهم معاً بصورة إيجابية – عمران يحمي حقوق السكان الجماعية في حياة كريمة ولائقة.
ما هي الوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية؟
يتبنى مفهوم الوظيفة الاجتماعية للمدينة فكرة العدالة الاجتماعية وأن المدينة تنتمي لكافة سكانها. ويعطي هذا المفهوم الحق لكل شخص بالانتفاع الكامل من كافة الموارد التي تقدمها المدينة. فالموارد والمصادر العامة يجب أن تُستَخدم لضمان جودة معيشة كافة السكان من خلال إتاحة الفراغات الخاصة والعامة اللازمة لذلك، وتنفيذ المشاريع التنموية على أساس المصالح الاجتماعية والثقافية والبيئية لكافة أفراد المجتمع. فمن حق كافة السكان أن يتمتعوا بمساحات خضراء، ومدارس، ومتنزهات، وحدائق، وفراغات عامة آمنة بالمدينة. فوفقاً لهذا المفهوم، يجب ألا يقتصر استثمار الموارد العامة والضرائب التي يدفعها المواطنون في الارتقاء بأحياء المدينة الغنية فقط. فالوظيفة الاجتماعية للمدينة لا تتحقق حينما يتمتع شخص ما بكافة امتيازات كونه مواطناً بالمدينة، بينما لا يتمتع جاره بهذه المميزات ويحرم منها.
لذا يجب أن يفرض الدستور على مؤسسات الدولة القانونية والإدارية والمالية واجب حماية وتعزيز المصالح الجماعية لكافة سكان العمران دون تفرقة.
ترتبط الوظيفة الاجتماعية للملكية العمرانية بصورة مباشرة بالوظيفة الاجتماعية للمدينة. فالوظيفة الاجتماعية للملكية تعترف بتأثير حيازة واستخدام الملكية الفردية الخاصة على المجتمع ككل. لذا، تقوم فكرة الوظيفة الاجتماعية للملكية العمرانية على مفهوم بسيط وهو أن “الملكية الفردية” هي جزء من “مدينتنا” التي نملكها ونتشارك فيها جميعاً، وأن مصالح “مدينتنا” ككل يجب أن تعلو على مصالح “الملكية الفردية”. فكما أن لأصحاب الملكيات الفردية الخاصة حقوق، تفترض الوظيفة الاجتماعية للملكية العمرانية أيضاً أن على أصحاب هذه الملكيات التزامات من خلال استخدامهم المثمر لثرواتهم وملكياتهم بما يعود بالنفع على المجتمع ككل. كما يضع هذا المفهوم على عاتق الدولة أيضاً تطبيق سياسات تتيح الاستخدام الكامل والفعال للملكيات العامة والخاصة المهجورة، وغير المستخدمة، وقليلة الاستخدام، أو غير المأهولة. كما يسعى هذا المفهوم لتوزيع الأعباء أو الامتيازات الناتجة عن عمليات التحول العمراني والاستثمارات العامة بصورة عادلة بين كافة السكان.
ما هو تأثير الوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية على حياتنا اليومية؟
هل توجه استثمارات الدولة إلى أغلبية السكان أم إلى قلة قليلة من الصفوة؟
على مدار العقود القليلة الماضية، كانت الدولة تبيع الأراضي الصحراوية المحيطة بالقاهرة الكبرى إلى العديد من الأفراد والمطورين العقاريين بغرض تنميتها. أبطأ هؤلاء الأفراد والمطورون العقاريون عمليات تنمية هذه المناطق الصحراوية – التي تم شراءها بثمن بخس – أو أوقفوها تماماً. قاموا بذلك انتظاراً لارتفاع قيمة ممتلكاتهم الخاصة عبر الاستثمارات العامة للدولة في البنية التحتية في تلك المناطق الجديدة. وهي الاستثمارات التي كان من الممكن أن توجه لخدمة المناطق العمرانية القائمة حيث تعيش الغالبية العظمى للسكان لكي تحسن من مستوى معيشتهم. عبر عملية التحول العمراني هذه، اكتسبت الأراضي الصحراوية – التي لم يكن لها قيمة تذكر – قيمة مالية مرتفعة في وقت قصير. عاد كل هذا الارتفاع في القيمة نتيجة لاستثمارات الدولة العامة بالنفع على قلة من الملاك والمطورين العقاريين دون جهد يذكر من جانبهم. ناهيك عن انعكاس هذه الزيادة المطردة في أسعار الأراضي في المدن الجديدة على أسعار وحدات الإسكان الباهظة والتي أصبحت بعيدة كل البعد عن متناول ملايين المصريين.
الأملاك العامة والخاصة غير المستخدمة
تعاني المدن المصرية من نقص حاد في الوحدات السكنية ذات التكلفة الملائمة لقدرات أغلب المواطنين المادية. مع ذلك، وبالرغم من هذا النقص الشديد، قدرت الإحصاءات في عام 2006 أن 25% من الوحدات السكنية في محافظة القاهرة خالية، ووصلت هذه النسبة إلى 32% في محافظة الجيزة، و35% في محافظة الإسكندرية 1. ومن المتوقع أيضاً أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت بشدة منذ ثورة 25 يناير 2011 نتيجة لأنشطة البناء المتزايدة والتي انتشرت خارج نطاق أي سيطرة في كافة المدن المصرية. لماذا إذن تبقى كل هذه المساكن خاوية دون استخدام؟
هنا يأتي دور الوظيفة الاجتماعية للملكية. فالسياسات العمرانية القائمة، والتي عَفَّى عليها الزمن، تعطي لأصحاب الوحدات السكنية حق غلقها دون استخدام، بعيداً عن متناول أشد المحتاجين إليها. لا يعني ذلك أن تصادر الدولة هذه الوحدات المغلقة أو أن يحتلها ويستولي عليها واضعو اليد. ولكن يفرض مبدأ الوظيفة الاجتماعية للملكية على الدولة المصرية سن تشريعات فعالة للضرائب العقارية على العقارات المغلقة تضمن استخدامها بصورة فعالة بعيداً عن المضاربات العقارية. كذلك يصبح من دور الدولة صياغة سياسات متوازنة تنظم العلاقات الإيجارية وتحمي حقوق كل من الملاك والمستأجرين بعيداً عن تعسف كل من الطرفين. كما يمكن أن تساهم استثمارات الدولة في المواصلات العامة وغيرها من الخدمات في تحسين وصول كافة المواطنين للمدن والمناطق العمرانية الجديدة والسكن بها، والتي لا يستفيد منها حالياً سوى جزء صغير من المجتمع.
لا تقتصر هذه المشكلة على الملكيات الخاصة فقط، ولكنها تطال أيضاً العديد من الملكيات العامة غير المستخدمة أو المستغلة والتي يقع جزء كبير منها في مناطق مكتظة بالسكان تفتقر لأقل الخدمات الأساسية. ولا تحقق هذه الملكيات والأراضي العامة لسكان تلك المناطق أي نفع عام سوى كونها منظراً قبيحاً ومكاناً تتجمع فيه القمامة يؤذي السكان الذين هم في أمس الحاجة إلى فراغات تستوعب الخدمات والمرافق العامة التي يحتاجونها بشدة. هذا هو الحال في العديد من المناطق العمرانية غير المخططة، ومنها على سبيل المثال عزبة خير الله، والتي يقطنها أكثر من 650.000 شخص محرومين من أبسط الخدمات العامة – عدا مدرسة حكومية واحدة. ولا يوجد بالعزبة أية فراغات متاحة لتقديم هذه الخدمات، سوى قطعة أرض محاطة بسور كبير (تبلغ مساحتها حوالي37 فدان) تملكها محافظة القاهرة، تظل منذ أعوام وحتى يومنا هذا دون استغلال واضح سوى أن وزارة الداخلية تحتفظ بها وكانت تستخدمها في وقت من الأوقات كنادي لـ”الفروسية والبولو”.
التوزيع العادل للخدمات والأعباء
تصب عوائد ومنافع التحول العمراني في مصر – وبشكل غير متوازن – في كفة فئة صغيرة من المجتمع المصري، بينما يتكبد الفقراء والمهمشون – بشكل غير متوازن أيضاً – أعباء هذا التحول. يتطلب الأمر جولة واحدة فقط في منطقة مثل منشية ناصر للتأكد من أن نمو القاهرة العمراني لم يحدث في صالح الفقراء. في مناطق أخرى عديدة من مصر، نرى أن ترميم الآثار والمناطق التاريخية يستهدف في الأساس جذب السياحة بدلاً من أن يعود بالفائدة على سكان تلك المناطق الذين تحملوا الكثير من التجاهل والحرمان وقد يطولهم التهجير من مناطقهم نتيجة لتلك التدخلات. كما توضح العديد من المخططات العمرانية التي أعدتها الدولة في السنوات الأخيرة الانحياز الصارخ للطبقات الغنية على حساب الأحياء الفقيرة التي تم التعامل معها في هذه المخططات كأنها هي وسكانها غير موجودين بالأساس. فلا نرى أي من مخططات الإزالة الواسعة وإعادة التخطيط وفتح الطرق الواسعة – بل وإزالة أحياء بأكملها وتهجير سكانها لصالح المستثمرين – سوى في الأحياء الفقيرة والمحرومة من مدننا المصرية المختلفة. وبالرغم من جهود الدولة في توفير المرافق والخدمات للعديد من هذه المناطق، إلا أنه ما زال أمامنا شوطاً كبيراً لنقطعه نحو ضمان التوزيع العادل لهذه الخدمات بين أحياء المدينة المختلفة.
أين تنتهي الحقوق الفردية في الملكية الخاصة، ومتى تبدأ المصلحة الجماعية المجتمع ككل؟
إذا تملك أحد الأشخاص عقاراً ذو قيمة معمارية أو تاريخية، فهل يحق له أن يقوم بهدمه أو تغيير معالمه كما يحلو له؟ وإذا امتلك شخص آخر قطعة من الأرض، فهل من حقه تنميتها والبناء عليها بصورة تشكل خطراً على العقارات المجاورة، أو تجرح خصوصية سكانها، أو تمنع عنهم منفعة ما كالتهوية والإضاءة الطبيعيين؟ هل من حق هذا الفرد ترك أرضه أو عقاره هذا دون استعمال حتى يتحول لعقار خرب أو منطقة مليئة بالقمامة تضر السكان المجاورين؟ هل يحق لأجهزة الدولة أن تحتفظ بمساحات شاسعة من الأراضي بالقرب من مناطق مكتظة بالسكان، وترفض تنميتها لخدمة الصالح العام لهؤلاء السكان، بل وتبيعها للمستثمرين بغرض تحقيق الربح؟
تطالعنا الصحف بصورة شبه دورية بأخبار العقارات التاريخية التي قام أصحابها بهدمها لبناء أبراج سكنية جديدة أو بيع الأراضي التي تقع عليها. أو خبر المستثمر الأجنبي الذي قام بشراء أحد الفنادق الشهيرة المطلة على نيل القاهرة، ثم قرر إغلاقه وتركه بلا استخدام لسنوات عديدة. وتطالعنا أيضاً أخبار العقارات التي تنهار في الكثير من المناطق الشعبية (مدينة الإسكندرية كمثال) وتهدم معها بعض المنازل المجاورة، ويذهب ضحيتها العديد من المواطنين نتيجة جشع من قاموا ببناء مثل هذه العقارات وخالفوا الارتفاعات المقررة ولم يلتزموا باشتراطات البناء الآمن. وتمتد مثل هذه القائمة لتشمل العقارات ذات الارتفاعات الشاهقة والمباني التجارية التي تملأ الآن سماء أحيائنا الشعبية ومناطقنا التاريخية، وتحرم سكان تلك المناطق من جودة الحياة سواء بالضغط الزائد على المرافق المتهالكة بالفعل، أو حرمانهم من التهوية والإضاءة الطبيعيين، ناهيك عن انتهاك خصوصية حياتهم اليومية.
كل هذه الأعراض ترجع بشكل كبير إلى أصل واحد، وهو التضارب واضح بين حق الفرد في “ملكية” أرض أو عقار ما (وهو حق يجب صيانته واحترامه)، وحق هذا الفرد في “تنمية” هذه الأرض أو العقار. وهنا تأتي أهمية الوظيفة الاجتماعية للملكية العمرانية في تنظيم العلاقة بين حق الملكية وحق التنمية. ففي حين أن حق الملكية مصون، إلا أن مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية يفرض بعض الالتزامات على حق مالكي هذه الأراضي والعقارات في تنميتها أو حتى تركها دون تنمية. وهذه الالتزامات مبنية بالأساس على ضرورة أن تلعب هذه الملكيات الخاصة دوراً فاعلاً في خدمة المجتمع وتحقيق مصلحته الجماعية، أو في أقل الأحوال، منع الضرر الذي قد يقع على المجتمع منها.
الوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية والدستور المصري
قد لا تكون هناك قوانين أو آليات مؤسسية واضحة لتحقيق وتفعيل مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية في الواقع المصري. ولكن قد يُفاجأ البعض ليس فقط بحقيقة أن مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية موجود بالفعل في الدستور المصري، ولكن أن هذا المفهوم ورد بوضوح بالدستور المصري منذ ما يقرب من ستين عام. فالوظيفة الاجتماعية للملكية مذكورة بوضوح في الدستور 1954 الذي تمت صياغته بعد ثورة 1952.
فالمادة 32 بدستور عام 1954 تعترف بالوظيفة الاجتماعية للملكية ووجوب تنظيمها عبر القانون، وهي في جزء منها تنص على ما يلي:
“الملكية الخاصة مصونة، ويرعى القانون أداء وظيفتها الاجتماعية ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدماً وفقاً للقانون.”
أكدت المادة 32 أيضاً بدستور عام 1971 على دور الوظيفة الاجتماعية للملكية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية، أضافت نفس المادة “ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب.” وهو ما تم حذفه في دستور 2012 ودستور 2014.
تكاد تتطابق المواد المرتبطة بالوظيفة الاجتماعية للملكية في دستور 2012 ودستور 2014. تنص المادة 35 من دستور 2014 على:
الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدماً وفقاً للقانون.
وعلى الرغم من وجود مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية في الدستور المصري على مدار الستين عام الماضية، إلا أن سياسات وممارسات الدولة العامة تعارضت بشدة مع هذا المبدأ. يوضح هذا الأمر أنه ببساطة لا يكفي فقط وجود عبارة مثل “الوظيفة الاجتماعية للملكية” أو أي من المبادئ الأخرى الجيدة في الدستور لضمان تحقيق هذه المبادئ على الأرض. فما لم يتم وضع آليات واضحة من تشريعات وسياسات عامة لتفعيل تلك المبادئ، وتحديد جهات الدولة المسئولة عن إنفاذها، وما لم يعرف المواطنون بوجود مثل هذه المبادئ ويطالبون بتطبيقها، تظل هذه المبادئ والحقوق عبارات جوفاء مدفونة في نصوص الدستور لا نجد لها انعكاساً على واقعنا اليومي.
أمثلة للوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية في دساتير دول أخرى
أدرجت عديد من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا عناصر الوظيفة الاجتماعية للمدينة وللملكية العمرانية في نظامها القانوني. ويعد دستور البرازيل (1988) أحد أهم الدساتير التي تعاملت بصورة شاملة مع هذا المبدأ الهام.
فالمادة 170 من دستور البرازيل (1988) تجعل من الوظيفة الاجتماعية للملكية أحد المبادئ الرئيسية للاقتصاد الوطني، وتوضح أن نظام الاقتصاد الوطني يجب أن “يعني بضمان تمتع الجميع بحياة كريمة، في توافق مع مبادئ العدالة الاجتماعية.”
كما تنص المادة 5 أيضاً من نفس الدستور على ضرورة “أن تُراعي الملكية وظيفتها الاجتماعية” وأن “القانون يجب أن يقرر إجراءات المصادرة ونزع الملكية للضرورة أو المصلحة العامة، أو مراعاة للمصلحة الاجتماعية، مع تعويض نقدي عادل يدفع مقدماً.” وتمنح المادة 156 لوحدات الحكم المحلي حق جمع الضرائب التصاعدية عن الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق العمرانية، “من أجل ضمان تحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية.”
وتنص المادة 182 على وجوب استيفاء مخططات التنمية العمرانية للوظيفة الاجتماعية للمدينة:
“تهدف سياسة التنمية العمرانية التي تقوم بها الحكومة المحلية، وفقاً للمعايير الموضحة بالقانون، إلى تمكين وتفعيل التنمية الشاملة للوظيفة الاجتماعية للمدينة وضمان رفاهية قاطنيها.”
ولكبح جماح المضاربات العقارية، تضمن المادة 182 حق الحكومة المحلية – بالوسائل المبينة في القانون – في إجبار ملاك “الأراضي غير المبنية، أو قليلة الاستخدام، أو غير المستخدمة والتي تم توفيرها للاستخدامات الملائمة بالمناطق العمرانية” على بناء هذه الأراضي، كذلك إخضاع هذه الأراضي والعقارات غير المستغلة لضرائب تصاعدية، بالإضافة إلى إجراءات رادعة مشابهة للتحكم في المضاربات العقارية.
وفي عام 2001، مررت البرازيل “لائحة وتشريع المدن” بغرض إنفاذ المادة 182 بالدستور وتحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية من خلال إعطاء الأولوية للمصالح الاجتماعية على حقوق الملكية الفردية لوضع حد للمضاربة العقارية. بالطبع، يجادل الكثيرون بأن الوظيفة الاجتماعية للملكية لم تتحقق بشكل تام في البرازيل، لكن زودت هذه المبادئ الدستورية الناخبين، والمشرعين، والمواطنين بالأسس القانونية اللازمة للنضال من أجل تطبيق وتنفيذ هذه الحقوق وتعزيزها.
يتوسع دستور البرازيل أيضاً في مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية ليشمل الأراضي الزراعية، كما هو موضح في المادتين 185 و186، واللتان تشيران إلى الاستعمال الملائم والرشيد للأرض، والموارد والمصادر الطبيعية، والحفاظ على البيئة، وكذلك الامتثال للقوانين المتعلقة بالعمل.
ونص دستور كولومبيا (1991) بوضوح في المادة 58 أنه في حالة حدوث “تضارب حول حقوق الأفراد، يجب أن تذعن المصالح الفردية للمصلحة الاجتماعية أو العامة”. كما أنها توضح أن “للملكية وظيفة اجتماعية تنطوي على التزامات، منها على سبيل المثال الالتزامات البيئية.”
كما تتوسع المواد 31، والمادة 66 (بند 26) والمادة 282 من دستور جمهورية الإكوادور (2008) في مفهوم الوظيفة الاجتماعية للملكية ليشمل الوظيفة البيئية للملكية على حد سواء. وتنظم هذه المواد مجتمعة دور الوظيفة الاجتماعية والبيئية للملكية في تحقيق المفهوم الأشمل “للحق في العمران”، كذلك الحقوق الجماعية للمجتمع في الملكية الخاصة، وآليات توزيع الأراضي بين المواطنين بما يحقق الوظيفة الاجتماعية والبيئية للملكية.
نحو دستور أفضل
كما يوضح “الميثاق العالمي للحق في المدينة”، يجب إعطاء الأولوية للمصالح الاجتماعية والثقافية الجماعية على حقوق الملكية الفردية. مع ذلك، لا يعني هذا إهمال الحقوق الفردية. والدستور المصري يذكر بالفعل الوظيفة الاجتماعية للملكية، لكن يتطلب الأمر المزيد من التوضيح والتفصيل لضمان تحقيق وتنفيذ هذا المبدأ. وللتعامل بصورة أكثر شمولاً مع هذا المبدأ، يجب وضع هذه الجوانب في الاعتبار عند صياغة الدستور أو ما يلحقه من تشريعات:
أولاً، يجب أن تؤدي المناطق العمرانية وظيفة اجتماعية تضمن لكل سكانها حق الانتفاع الكامل من كافة مواردها، وأن توجه مشروعات الدولة واستثماراتها بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.
ثانياً، يجب أن تُقدِم السياسات العمرانية المصلحة الاجتماعية والثقافية الجماعية، على حقوق الملكية الفردية ومصالح المضاربين. وأن تضمن التشريعات الاستفادة الكاملة من الأراضي والملكيات العامة والخاصة غير المأهولة، وغير المستخدمة، والقليلة الاستخدام بما يحقق الوظيفة الاجتماعية للملكية.
ثالثاً، يجب أن تقيد الدولة المضاربات العقارية من خلال إتباع السياسات المناسبة لتحقيق التوزيع العادل للأعباء والمزايا الناتجة عن عمليات التحول العمراني، ومن خلال تبني أدوات اقتصادية وضرائبية ومالية وإنفاقية تستهدف تحقيق التنمية العمرانية العادلة والمستدامة.
رابعاً، يجب أن يتم توجيه المكاسب الجارية (والرأسمالية) الناتجة عن الاستثمار العام – التي لا يستفيد منها حاليا إلا المطورين العقاريين والقطاع الخاص – لخدمة البرامج الاجتماعية التي تضمن الحق في السكن الملائم وتوفير الحياة الكريمة لقطاعات السكان التي تعيش في ظروف متدنية وأوضاع غير آمنة.
1. حسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء↩
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks