ما هو الحق في الإنتاج الاجتماعي للموئل؟
الحق في الإنتاج الاجتماعي للموئل هو حق الشعب في تنظيم مبادرات والعمل جماعياً لتحسين مجتمعاتهم والتمتع بها والمشاركة فيها. فالإنتاج الاجتماعي للموئل هو عملية إنتاج مجتمع قائم على العمل الجماعي. فمن حق المواطنين أن يعملوا سوياً لتحسين مساكنهم.1 يتضمن الحق في الإنتاج الاجتماعي للموئل حقوق أخرى متعددة مثل حرية تكوين الجمعيات والحق في تشكيل منظمات والقيام بمبادرات سواء كانت رسمية أو غير رسمية، دائمة أو منظمة كرد فعل للمشاكل أو القضايا المحلية. وعلى الدستور أن يمنح المدن أحقية خلق آلية مؤسساتية وتطوير الآليات القانونية والمادية والإدارية والبرمجية والمالية والتكنولوجية والتدريبية لدعم الإنتاج الاجتماعي للموئل مؤكدين على عملية الإدارة الذاتية سواء كانت فردية أو أسرية أو مجهودات تعاونية منظمة.
تقسم الخبرات العالمية في مجال الإنتاج الاجتماعي للموئل إلى: الموضوع، والإطار، والاستراتيجية. تشترك جميعها في بعض السمات، منها:2
كيف يؤثر الإنتاج الاجتماعي للموئل على الحياة اليومية
الإنتاج الاجتماعي للموئل ليس بالفكرة الجديدة. يعمل المجتمع لتحسين بيئته الحياتية منذ قرون عديدة. لكن في خلال الستين عاماً الماضية، أثرت سياسات الحكومة في مصر بشكل ملحوظ على ديناميكية المجتمعات بطرق متعددة. أولا: أخذت الحكومة على عاتقها مسؤولية تقديم خدمات عامة واسعة النطاق تشمل التعليم، والصحة العامة، والمرافق، وفي بعض الأحوال الإسكان. ثانياً: عندما أخفقت الحكومة في تقديم هذه الخدمات، خاصة في المناطق الفقيرة، منعت المجتمعات من العمل الجماعي لتحسين ظروفهم. فعلت هذا عن طريق سن قوانين صارمة تنظم عمل المنظمات غير الحكومية وطلب شروط تسجيل وقبول مرهقة لإنشاء أي نوع من أنواع المنظمات المجتمعية، وكذلك المراقبة المتواصلة لهم. تتبع الحكومة سياسة التمييز ضد المناطق الفقيرة ولا توفر لهم موارد ملائمة. ففي تلك البيئات، يعد الإنتاج الاجتماعي للموئل هو الخيار العملي للفقراء لتحسين مستوى سكنهم ومجتمعاتهم.4 فمنذ ثورة 2011، تصاعدت موجة كبيرة لتدعيم المبادرات المجتمعية من المواطنين. فتح الإنتاج الاجتماعي للموئل مجالاً واسعاً للمشاركة في مصر لم يكن متوقعاً منذ سنوات قليلة مضت. يمكن لهذه المبادرات المجتمعية أن تساعد في تطوير الحكم المحلي في مصر، كما حدث في البلاد الأخرى حول العالم.5
تنفيذ الإنتاج الاجتماعي للموئل
يجب أن تكون هناك طريقة مؤسساتية تؤجر وتبيع وتبني وحدات سكنية عملية ومتاحة مادياً لمعظم الناس لكي نستطيع مواكبة المتطلبات السكنية بطريقة توقف الانتهاكات غير القانونية التي استمرت على مدار النصف قرن الأخير للأراضي الزراعية والأراضي المملوكة للدولة. فلا يوجد حاليا آليات متاحة للمواطن متوسط الدخل أو لمجموعة من المواطنين يشترون من الحكومة قطعة أرض على أطراف المدينة (أو في وسط المدينة إذا كان ذلك متاحاً) لبناء بيتاً، وإذا وجدت هذه الفرصة بأسعار يمكن دفعها، يقع المواطن في متاهة الطلبات والإجراءات.
يعد نموذج التطوير بالمشاركة في حي السلام بالإسماعيلية الذي تم تنفيذه عام 1978 أقرب مثال للمشروع الذي يشمل عناصر الإنتاج الاجتماعي للموئل. تم تنفيذ هذا المشروع في الحكر- واحدة من أكبر المناطق اللارسمية في المدينة. يعتبر هذا المشروع الأول هو من نوعه في مصر الذي يقوم بالتطوير من أسفل إلى أعلى، من أجل حل المشكلات المتعلقة بالبناء غير الرسمي دون إخلاء ونقل المجتمع بأسره. من ناحية أخرى تم الاستعانة بطرق البناء المحلية التي يقوم بها السكان. قام المشروع بالتركيز على مواجهة المشكلات الأساسية في المنطقة: أمن حيازة الأراضي، وتحسين المباني القائمة، وتوفير الخدمات العامة الأساسية.
ساعد المشروع السكان على بناء منازلهم عن طريق تقديم أراضي بأسعار مدعومة للأسر محدودة الدخل عن طريق خطط للتمويل وقروض صغيرة. ولتسهيل عملية البناء على السكان، تم توفير المواد اللازمة للبناء وتيسير إجراءات ومعايير البناء. بدأ المشروع بتوفير الحد الأدنى من البنية التحتية لجميع المناطق، ثم بدأت أعمال التطوير تدريجياً في المناطق شديدة الاحتياج. فبدلاً من السياسة التقليدية للدولة وهى نقل السكان بالكامل إلى وحدات سكنية عامة جديدة، تعامل المشروع مع الواقع المبني وقرر أن تلبية الاحتياجات الجماعية الأساسية هي الأكثر فائدة من وضع معايير غير قابلة للتحقيق إلا لفئة قليلة بسبب الموارد المحدودة. أشادت منظمات دولية بهذا المشروع بما فيهم البنك الدولي ووكالات تنموية عديدة، كما عرضت تبنيه باعتباره نموذجاً لمشروعات التنمية العمرانية. وعلى الرغم من ذلك لم يتم تكراره في أي من المناطق اللارسمية الأخرى في مصر. 6
الاعتراف بالمنظمات المجتمعية وتقويتها: خياراً عملياً للفقراء
إن تواجد مثل هذه المنظمات المجتمعية ليست بالأمر السهل في مصر على الرغم من فوائدها العديدة. يجب على الحكومة تشجيع وحماية المبادرات المجتمعية التي من شأنها خلق بيئات حضرية أفضل. فمنطقة ميت عقبة تعد إحدى المناطق المكتظة بالسكان والتي تم إنشائها منذ قرن تقريباً، ولكن منذ الستينات أصبحت تطل على حي ذو سكن باهظ الثمن: المهندسين.
يواجه الحي الكثير من التحديات العمرانية ويعاني من عجز في الخدمات العامة. في عام 2008، وعدت الحكومة سكان ميت عقبة بأنها سوف تعمل على إدخال خطوط غاز طبيعي لهم ولكن لم يتحقق أي من تلك الوعود. حثت اللجنة الشعبية بمنطقة ميت عقبة، اللجنة التي تم تشكيلها أثناء ثورة 2011، مسؤولي الحكومة المحلية على بدء هذا المشروع كما عبأت الدعم المجتمعي لتدشينه، وشجعوا مبادرتهم لرصف شوارع الحي بعد توصيل أنابيب الغاز الطبيعي. اكتسبت اللجنة خبرات بشأن متطلبات المشروع، وحشد المتطوعين للعمل، ومتابعة المقاولين وعملية التدشين. كما أدت مشاركتهم في المشروع وقدرتهم على جلب شركاء مع مسؤولي الحكومة المحلية إلى خفض تكلفة المشروع، وعملت على توسيع نطاق المشروع، وخلفت نتائج عالية الجودة.
تطوير الحكم المحلي
في كثير من مدن أمريكا اللاتينية (مثل ليما، بيرو؛ ساو باولو، البرازيل) شاركت الحركات الاجتماعية التي تقوم على الخدمة المجتمعية في تحسين مساكنهم، ثم بدأت تطالب بالاستماع إلى أصواتهم فيما يخص السياسات العمرانية والاعتراف بجهودهم من قبل مسؤولي الحكومة المحلية وممثليها. وفي مواجهة للضغط من تلك المجموعات، أقرت بعض دول أمريكا اللاتينية أن المجتمعات المنظمة تعتبر جهات فاعلة محلية جديدة مما أدى في نهاية المطاف إلى تطوير ونجاح الحكم المحلي التشاركي.7 يعد قانون بوليفيا 1994 للمشاركة الشعبية مثالاً يحتذى به في اعتراف الدول بجهود ممثلي المجتمع في الحكم المحلي؛8 وتطبيقا لهذا القانون تم نقل خُمس ميزانية الدولة للحكم المحلي وتم إدراج المشاركة المجتمعية كإلزام في التخطيط المحلي والرقابة على الميزانية.
الحق في الإنتاج الاجتماعي للموئل في الدستور المصري
إحدى السمات المشتركة في تجارب الإنتاج الاجتماعي للموئل هي استخدام لغة الحقوق. تتضمن هذه الحقوق حق الضمان القانوني للحيازة والحقوق الملزمة لتوافر خدمات (مثل الحصول على مياه نظيفة)، والقدرة على تحمل التكاليف (مثل الحق في رعاية صحية تكلفتها متاحة)، وإمكانية الوصول إلى الخدمات (مثل الحق في سكن ملائم). من أجل الحفاظ على الحقوق المتعلقة بالإنتاج الاجتماعي للموئل وحمايتها وتطبيقها، يجب أن يتم استيفاء مجموعة أخرى من الحقوق مثل الحق في الحصول على المعلومات، و الحق في التعليم، وبناء القدرات، والمشاركة، وحرية تكوين جمعيات، وحرية التعبير عن الرأي.
تتناول المادة 78 من الدستور المصري الذي تم إقراره في 2014 مبادئ الإنتاج الاجتماعي للموئل باعتباره يشجع المبادرات الفردية والتعاونية:
تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.
وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.
يتضمن الدستور مجموعة من المواد الأخرى التي تيسر عملية الإنتاج الاجتماعي للموئل. المادة 68 تعطي جميع المواطنين الحق في الحصول على المعلومات، المادة 73 تعطي المواطنين الحق في تنظيم اجتماعات عامة، المادة 75 تجيز للمصريين الحق في إنشاء جمعيات، المادة 85 تحدد الحق في خطاب الجهات العامة. لا تتناول هذه المواد هذه الحقوق على نحو شامل كما أن هناك بعض التحفظات على غموض المصطلحات المستخدمة في بعض المواد سالفة الذكر وعدم وجود آليات واضحة للتنفيذ والمساءلة.
يشجع الدستور مبادرات المساعدة الذاتية والتعاونيات ولكنه لا يوفر أي آليات لإنشاء المبادرات التعاونية المجتمعية أو دعمها أو الاعتراف بها. يتم تنظيم المجتمع المدني والحياة التعاونية في مصر بإحكام، ولكن هناك مسألة أخرى تؤثر على الحكم الذاتي واتجاه الإنتاج الاجتماعي للموئل. فهناك العديد من الجهود تبذلها الكثير من المبادرات المجتمعية ولكنها عادة ما ترغب في تجنب الظهور بصفة رسمية أمام الجهات الحكومية خشية أن يؤدي ذلك إلى تشديد الرقابة الحكومية والقيود البيروقراطية. على الرغم من ذلك، فهم يرغبون في إشراك الجهات الحكومية وإشراك نشطاء آخرون عندما يقتضي الأمر. يقدم الإنتاج الاجتماعي للموئل مساحة سياسية للمجموعات غير الرسمية، وروابط السكان، وأشكال أخرى من العمل الجماعي للعمل على نحو مستقل عندما يريدون، وتكون معترف بها ومحمية قانونيا.
لا يدعم الدستور المصري حق الإنتاج الاجتماعي للموئل بالدرجة الكافية. مع ذلك، يلزم الدستور بما يتضمنه من مواد قوية بشأن الحقوق المتعلقة بالإنتاج الاجتماعي للموئل الجهات الحكومية لتبني سياسات من شأنها تقوية المبادرات المجتمعية وتمكين المواطنين من اتخاذ إجراءات من تلقاء أنفسهم.
أمثلة في دساتير دول أخرى
الإنتاج الاجتماعي للموئل أمر متعدد الأوجه ولا يوجد دستور حالي يغطي جميع جوانبه. يهدف دستور جواتيمالا (1985) إلى زيادة تمليك الأراضي للأسر المحرومة من خلال إنشاء نظام مالي لبناء إسكان شعبي (المادة 119). يضمن دستور هندوراس إنشاء الصندوق الاجتماعي للإسكان لتنمية المناطق الريفية والحضرية (دستور 1982، المادة 181). تتطلع الفلبين لشراكة خاصة وعامة لتقديم سكن ملائم ومتاح وبتكلفة قابلة للدفع مع تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الأقل امتيازا والذين بدون مأوى في المراكز الحضرية، كما تلتزم الدولة باحترام حقوق أصحاب الأملاك الصغيرة (دستور 1987، المادة 13.9)
لا تتأثر فقط أعمال الإنتاج الاجتماعي للموئل بالقوانين واللوائح الحالية، ولكنها أيضا تثير تغيرات إدارية وقانونية.9 ففي بوليفيا، على سبيل المثال أدى ضغط المنظمات الإقليمية الشعبية لمعالجة مشكلة المركزية إلى سن قانون للمشاركة الشعبية عام 1994، يعترف بالمنظمات الإقليمية الشعبية باعتبارها جهات فاعلة محلية جديدة. سجلت حكومة بوليفيا لأكثر من 15,000 منظمة إقليمية شعبية في الثلاثة سنوات التالية لسن القانون عام 1994. سجلت تلك المنظمات نشاطاً ملحوظاً في التخطيط التشاركي، والإشراف على المشاريع المحلية، وتعبئة المجتمع من أجل العمل في تلك المشروعات.10
يعد قانون بوليفيا في مجال المشاركة الشعبية مثالاً يحتذى به في حماية القوانين ودعمها لمبدأ الإنتاج الاجتماعي للموئل؛ حيث حدد نطاق الموارد المالية ومصدرها من أجل إنفاقها على نشاطات الإنتاج الاجتماعي للموئل. حدد هذا القانون دور المنظمات الإقليمية الشعبية في الحكم المحلي، والتزمت الدولة بإعطاء المزيد من السلطة للمجتمعات.
نحو دستور أفضل:
إن الأعمال التي يقوم بها المواطنين لتحسين سكنهم لا تعفي الدولة من التزاماتها تجاه مواطنيها. على الجانب الآخر، تلتزم الدولة باعتماد المؤسسات الإدارية والقانونية التي من شأنها تيسير عملية المبادرات المحلية الذاتية. فتحقيق مثل هذا الهدف صعب للغاية ويتطلب الكثير من العزم والموارد الاجتماعية والاقتصادية التي ليست متاحة بسهولة. مع ذلك، فإن الخطوة الأولى يمكن أن تكون في دستور يدعم المبادئ التالية للإنتاج الاجتماعي للموئل:
1. تم تطوير مبدأ الإنتاج الاجتماعي للموئل في أمريكا اللاتينية كما تم ربطها مع الحركة الاجتماعية المتعلقة بتجربة السكان لتنمية أحيائهم بطريقة إدارة الذات. (الإنتاج الاجتماعي للموئل) “التحالف الدولي للموئل”
2. جوزيف شكلا، 2005
3. جوزيف شكلا (2005) “ما هو الإنتاج الاجتماعي للموئل؟” التحالف الدولي للموئل.
4. جوزيف شكلا. 2005. الإنتاج الاجتماعي للموئل وحق الإنسان في الحصول على مسكن ملائم. في الإنتاج الاجتماعي للموئل: تأملات في الحقوق، السياسات، وآراء التأييد العالمي والمحلي. القاهرة: التحالف الدولي للموئل.
5. جويل أوديفروي 2005. فهم الشراكة على المستوى العالمي: الدروس والعروض. في الإنتاج الاجتماعي للموئل: تأملات في الحقوق، والسياسات، من المنظور العالمي والمحلي. القاهرة: التحالف الدولي للموئل.
6. ماتيوتشي ، كلاوديو. 2006. “تقييم طويل الأجل لمشروع التنمية الحضرية: حالة حي السلام” مؤتمر N-Aerus، سبتمبر 2006
7. Kohl, Benjamin، 2003 “ديمقراطية اللامركزية في بوليفيا: قانون المشاركة الشعبية”. مجلة التربية والتعليم للتخطيط والبحوث. 23:153-164
8. Audefroy, Joel. 2005
9. جوزيف شكلا، 2005
10. Kohl, Benjamin. 2003
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments