في مساء 27 من يناير/ كانون الثاني 2011، حاولت الحكومة المصرية إيقاف كل اتصالات الإنترنت والهاتف المحمول في جميع أنحاء البلاد بهدف عرقلة الاحتجاجات التي نجحت لاحقاً فى الإطاحة بحكم الرئيس “حسنى مبارك”.
لقد دأبت دول مثل الصين وإيران وميانمار على استهداف مواقع الأخبار والتواصل الاجتماعي بالرقابة، ولكن محاولة إيقاف الاتصالات الإلكترونية بالكامل كانت غير مسبوقة، وقد نجحت إلى حد يثير القلق. لقد توقفت خدمة الإنترنت تماماً باستثناء حفنة من الشبكات الوزارية والمؤسسية، كما تم إغلاق جميع خدمات التليفون المحمول. وفى غياب مصادر الأخبار على الإنترنت، باشرت وسائل الإعلام الحكومية تقديم معلومات وتقارير خاطئة للجمهور. لسنوات طويلة، ضغط ناشطو حقوق الإنسان من أجل إصدار قوانين حرية المعلومات، ولكن الانتهاك الصارخ لحرية المواطنين في الاتصال دفع بتلك القضية إلى مقدمة مطالب المتظاهرين.
كان الحق في المعلومات مكوناً هاماً من احتجاجات أخرى تم تنظيمها في سياق ثورات الربيع العربي. بعد الإطاحة برئيسيهما، قامت تونس واليمن بإصدار تشريعات تضمن حق إتاحة المعلومات. وحتى ملك المغرب، الذي احتفظ بعرشه رغم الاحتجاجات، اعترف بأهمية هذا المطلب كأحد عناصر التحول الديمقراطي ونادى باستفتاء دستوري حوله. وقد أصبح الدستور المغربي يضمن حالياً الحق في الحصول على المعلومات. ويختلف قانون إتاحة المعلومات عن الحملة التي شنها ناشطون حقوقيون لسنوات طويلة من أجل حرية التعبير وحرية التنظيم. هذا القانون ينظم ويحمى حقوق المواطنين فى الحصول على المعلومات التي قد تخفيها الكثير من حكومات العالم عن مواطنيها.
ما هو حق إتاحة المعلومات؟
تم التأكيد على الحق فى الحصول على المعلومات التي فى حوزة الدولة فى المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويعتبر الحق في المعلومات أحد الأعمدة الأساسية للديمقراطية ووسيلة فعالة لمحاربة الفساد. “تلك القوانين، التي تعطى الأفراد الحق فى معرفة المعلومات التي تحتفظ بها حكوماتهم، تستند إلى فكرة أن الحكومة لا تحتفظ بالمعلومات لنفسها ولكن بالنيابة عن الشعب. وتعد تلك القوانين أداة قوية للتحول الديمقراطي، حيث تساعد فى تقديم صورة أوضح عن سلوك البيروقراطية وتمنح المواطنين أداة هامة في إرغام الجهاز الحكومي غير المتحمس لتقديم المعلومات على الاستجابة لطلبات الشعب.” (مينديل، 2012).
تعترف الحكومة المصرية بهذا الحق، حيث قامت الحكومة المصرية قبل الثورة بالتوقيع على “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” (الأمم المتحدة: المكتب المعني بالمخدرات والجريمة).
يقر الميثاق المذكور بالحاجة إلى زيادة الشفافية فى الإدارات العامة، بما فى ذلك الإعلان التلقائي عن المعلومات من جانب الحكومة وتشجيع مشاركة الجمهور والالتزام بحق الجمهور فى الحصول على المعلومات وأيضا احترام وتشجيع وحماية الحرية فى طلب وتلقى ونشر وتوزيع المعلومات الخاصة بالفساد (المادة 19، 2013، 9).
يضمن الدستور المصري الذي تم إقراره من خلال استفتاء عام في 2012، الحق في الحصول على المعلومات في المادة 47 منه:
الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى.
وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة.
في أول خطاب له كرئيس لمصر فى يونيو 2012، وعد “محمد مرسى” بأنه سوف يقضى على الفساد فى مصر، مؤكدا أن الفساد وسوء استخدام الموارد هى من أهم المشاكل التي تواجه البلاد. ولكن برغم كل الضمانات الدستورية والوعود الرئاسية، حافظت الإدارة الجديدة على ثقافة إخفاء المعلومات والتى كانت من الخصائص الأساسية للنظام السابق. في أوائل عام 2013، قام وزير المالية بتقديم مشروع ميزانية 2013-2014 إلى مجلس الشورى بدون إتاحته للجمهور (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 2013).
الحق في المعلومات والمصارحة الحكومية هى أمور أساسية لنجاح الديمقراطية ولتحقيق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأخرى بما فى ذلك الحق فى السكن والغذاء والصحة والخدمات الاجتماعية. ومن شأن المصارحة الحكومية أن تؤدي إلى تحسين العلاقة بين الدولة والمواطنين وأيضاً إلى تطوير الخدمات العامة. كما أنها تزيد من الشفافية ومن قدرة الجمهور على مسائلة الحكومة، حيث تقل فرص الفساد الحكومي إذا ما قام المواطنون بممارسة حقهم فى رصد وتحليل أنشطة الحكومة وأدائها.
خلال العشرين سنة الماضية، قامت أكثر من 60 دولة بتبني قوانين بشأن الحق في المعلومات، وهناك أكثر من 90 دولة لديها تلك القوانين بالفعل. وقيل إن الحكومة المصرية تنوى إصدار قانون مصري يؤكد على الحق فى المعلومات بحلول يونيو 2011 (عطالله، 2011) وقيل أيضا أن هذا القانون سوف يصدر فى يناير من هذا العام (كار، 2013)، ولكن القانون لم يصدر بعد.
برغم هذا، فإن هناك العديد من الطريق التي يمكن بها صياغة قانون بشأن الحق فى المعلومات.
كل حركة تطالب بالحق في المعلومات تحدث نوعاً من الديناميكية في المجتمع. ليست هناك قواعد مكتوبة حول أى استراتيجية هى الأفضل. لكن بناء على السياق، يختلف النموذج الأمثل الذي قد يكون أكثر تأثيراً، سواء كان من خلال منظمة غير حكومية أو تحالفات واسعة النطاق، أو حتى ضغوط تمارسها مجموعة نخبوية من المحامين والأكاديميين. المهم هو أن تفهم جماعات المجتمع المدني عملية التغيير في السياق الخاص بالمجتمع، وتتعرف على العوامل التي قد تدفع إلى التغيير: إذ ما الذي يدفع الحكومات التي اعتادت على العمل السرى والبيروقراطية الى تبني الشفافية والالتزام بالانفتاح؟ (بوديبهات، 2009، 2)
أحد النماذج التي توضح مدى تأثير قانون الحق في المعلومات على السياسات المحلية والقومية بدأ فى الهند من خلال حملة صغيرة فى ولاية راجستان في الهند. ومع أن الهند كانت قد تحولت إلى الحكم الديمقراطي لسنوات طويلة، فإن بعض الجماعات ما زالت غير ممثلة بالقدر الكافي ولديها تحفظات على الممارسات الانتخابية. هذا النموذج للحشد من القاعدة إلى القمة قد يكون له فائدة كبيرة فى حالة مصر.
الحق في المعلومات في الهند: نموذج إرشادي
في استجابة للضغوط التي مارستها الحركة المحلية والقومية، أصدرت الهند قانون الحق فى المعلومات فى 2005، ويقضى القانون بأن تستجيب الحكومة على كل مستوياتها لطلبات الجمهور بالحصول على معلومات في زمن معقول. وكانت المحكمة الهندية العليا قد اعتبرت الحق في المعلومات جزءاً أساسياً من الحق في حرية التعبير منذ عام 1975، ولكن الحكومة قامت بوضع قانون ينظم تطبيق هذا الحق بعد أن طالبت جماعات من الناشطين في المجتمع المدني في مختلف أنحاء البلاد بإصدار هذا القانون.
بدأت حركة الحق فى المعلومات فى الهند كحركة تستهدف دعم عملية المشاركة الديمقراطية فى المناطق الريفية من ولاية راجستان. ولم يبدأ قادة الحركة تلك في تطوير أجندة للحق فى المعلومات إلا بعد أن أدركوا أهمية الشفافية الحكومية في تحقيق مختلف الأهداف الاجتماعية والاقتصادية. وقد توصلت الحركة لهذا الإدراك من خلال تنظيمها لجلسات للرقابة المجتمعية، وهى اجتماعات مفتوحة تتم فيها قراءة سجلات الحكومة بصوت مرتفع للتحقق من صحتها.
التحركات الأولية
تم إنشاء “اتحاد تمكين العمال والفلاحين”1، وهي حركة شعبية غير حزبية قامت فى وسط راجستان في 1990 من أجل الدعوة إلى حقوق ملكية الأراضي والحد الأدنى للأجور وتحسين ظروف العمل للعمال والفلاحين فى مختلف القرى بالإقليم . وقد قامت المجموعة بتنظيم احتجاجات واعتصامات ومسيرات وحشود خطابية للضغط من أجل تحقيق مطالب معينة. ولكن عندما كانت تطالب برفع الأجور، كان موظفي الحكومة يقولون لها إن الكثير من العمال الذين يطالبون بأجور ليسوا على “القوائم الأساسية” للعمل ولا على حسابات الأجور وبالتالي ليس لهم الحق في المطالبة بأجر. وعندما طلب العمال الاطلاع على تلك الحسابات، رفض المسؤولون ذلك استناداً إلى “قانون الأسرار الرسمية” الخاص بالهند لعام 1923.
مرت الهند فى أوائل التسعينات بفترة تحول سريعة باتجاه اللامركزية، حيث تخلت الحكومة المركزية عن قدر كبير من سلطاتها الخاصة بالشؤون المالية إلى الحكومات المحلية المعروفة باسم “البانشايات”. ولكن تلك الإصلاحات لم تقترن بأي إجراءات لضمان المراقبة والشفافية، مما أدى إلى زيادة الفساد فى الإدارات المحلية (بافيسكار، 2007). واتضح أن مشروعات التنمية التي تستهدف مساعدة الفقراء فى المناطق الريفية تتعرض بشكل خاص لممارسات الفساد. كان المسؤولون المحليون يزورون الدفاتر الخاصة بمشروعات البنية التحتية التي لم تستكمل ويحسبون أسعار مواد البناء بأكثر من قيمتها، ويضعون أسماء وهمية على قوائم الحسابات مع استبعاد العمال الحقيقيين، ونجحوا من خلال ذلك في الاستيلاء على تلك الأموال (بوديبهات، 2009).
أموالنا، حساباتنا!
فى 1994، قام “اتحاد تمكين العمال والفلاحين” بتقديم طلبات محددة إلى الحكومة المحلية لتزويده بنسخ من السجلات المالية العامة وحسابات الأجور في حملة شعارها “أموالنا، حساباتنا!” ولكن فى غياب الحق الصريح في الحصول على تلك المعلومات، اضطر “الاتحاد” إلى الاعتماد فى البداية على الوثائق المسربة من مسؤولين حكوميين متعاطفين مع قضيتهم. وباستخدام تلك السجلات المسربة بشأن مشروعات التنمية، قام “الاتحاد” بتنظيم جلسة للرقابة المجتمعية. وبدأ الأعضاء فى فحص الوثائق للتحقق من صحتها. وقاموا بزيارة مواقع مشاريع البنية التحتية ومراجعة حسابات الأجور مع العمال الموجودين فى المجتمع. وبعد جمع المعلومات، تمت قراءة الحسابات ونتائج التحقيق علناً في اجتماعات عامة، حتى يتمكن أى شخص من تحدى نتائج التحقيق أو السجلات نفسها. وقد دعا “اتحاد تمكين العمال والفلاحين” صحفيين وأكاديميين ومحامين ومسؤولين حكوميين إلى حضور تلك الجلسات العلنية.
أعاد الكثير من موظفي الحكومة أموالاً كانوا قد سرقوها بعد مواجهتهم بالأدلة على جرائمهم. والبعض الآخر توصل إلى اتفاق مع الاتحاد لحل أي خلافات قبل جلسات المراجعة، حتى لا يتم إعلان مخالفاتهم على رؤوس الأشهاد.
من خلال تلك الجلسات للرقابة المجتمعية اكتشف “الاتحاد” أن الحق فى المعلومات هو حق أساسي من حقوق التمكين وأنه ضرورى من أجل ممارسة الحقوق الأخرى، مثل الحق فى العمالة والتعليم والخدمات الصحية العامة. ومن أجل المطالبة بتلك الحقوق، كان على أعضاء “اتحاد تمكين العمال والفلاحين” جمع معلومات أكبر عن البرامج والحسابات الحكومية. وقد أوضحت جلسات الرقابة المجتمعية مدى المعارضة الرسمية للكشف عن السجلات العامة، الأمر الذي جعل الجميع ينظرون إلى فشل مشاريع الحكومة من زاوية جديدة. كان الاعتقاد السائد قبل جلسات المراجعة هو أن العمال كسالى وبعضهم يتورط فى أعمال السرقة، ولكن فى الحقيقة كانت البيروقراطيات الحكومية هى التي تخرب المشروعات (ميسكار، 2007). وقد أدرك “الاتحاد” أنه من المهم الحفاظ على الديمقراطية فى ممارساته الداخلية مع تجنب الحزبية. يزاول “الاتحاد” أنشطته بدعم من أعضائه ولا يقبل أي دعم مالي خارجي.
وقد استمرت الحركة لعدة سنوات في إعادة تعريف ممارسات الرقابة المجتمعية وتوسيع نطاق طلبها للمعلومات، وقد تخطت مجرد المطالبة بسجلات مشروعات التنمية، كما قامت بتوسيع مجالها الجغرافي لكى يشمل مناطق أخرى فى ولاية راجستان. في 2000، أصدر برلمان ولاية راجستان قانون الحق في المعلومات.
الحملة القومية لحق الشعب في المعلومات في الهند: “الحق في المعرفة هو الحق في الحياة”
فى أوائل التسعينات، كانت الكثير من الحركات الاجتماعية فى الهند تركز على القضايا المرتبطة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية بما فيها الحق في العمل وعدم الإخلاء القسري والسيطرة على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى أنشطة الحركة المناهضة للرأسمالية. وقد اكتشفت تلك الحركات أن الحكومة نادراً ما تنشر أو توزع المعلومات بشأن مشاريعها، وهو ما يعنى أن عليها أن تعتمد على المعلومات التى يتم تسريبها عن طريق الوثائق المقدمة إلى المحاكم أو الهيئات الدولية. وقد أدركت تلك الحركات، كما حدث فى حالة “اتحاد تمكين العمال والفلاحين”، الحاجة إلى إتاحة المعلومات. لهذا السبب قامت تلك الحركات بتنظيم اجتماع حضره أكثر من مائة منظمة ناشطة فى 1996، وانبثقت عن هذا الاجتماع “الحملة القومية لحق الشعب فى المعلومات” (بافيسكار، 2007).
تمثلت قوة تلك الحملة في تنوعها وفى قدرة الجماعة على تشكيل علاقات أفقية بين مختلف الحركات وصولاً إلى الهدف المشترك وهو “الشفافية فى الحياة العامة وتمكين الشعب وتعميق الديمقراطية ومكافحة الفساد وسوء الإدارة” (بافيسكار، 2007، 3). وضم أعضاء “الحملة القومية” منظمات لسكان العشوائيات وعمال التنمية الزراعية وناشطين مناهضين لخطة بناء السدود وسياسيين يساريين وأكاديميين ومنظمات غير حكومية ومحامين وناشطين حقوقيين وبعض البيروقراطيين (بافيسكار، 2007). وقد رفع هؤلاء شعار “الحق فى المعرفة هو الحق فى الحياة”. وعملت “الحملة القومية لحق الشعب فى المعلومات” على جبهتين لترويج الحق فى المعلومات: الأولى على المستوى القومي وتضمنت قيام “الحملة القومية” بالتعاون مع الحكومة بهدف صياغة واصدار قانون حول الحق في المعلومات، والثانية على مستوى المجتمعات المحلية واستهدفت مساعدة مختلف الأشخاص والجماعات فى الحصول على معلومات من الحكومة.
أرسلت “الحملة القومية” المسودة الأولى من قانون الحق فى المعلومات إلى الحكومة المركزية فى 1996. ولكن تلك المسودة تعرضت لإعادة صياغة أضعفت من مضمونها، وذلك قبل إقرار البرلمان لهذا التشريع فى 2002 تحت اسم “قانون حرية المعلومات”، وقد ظل القانون يفتقر إلى الإجراءات اللازمة لتفعيله، مما أدى إلى فشله فى تحقيق أى تغير ملحوظ.
ثم قامت “الحملة القومية” بجهود استهدفت حشد تأييد أكبر لقانون أكثر قوة وقابلية للتنفيذ بشأن الحق فى المعلومات، وذلك عن طريق تنظيم لقاءات ومؤتمرات على مستوى الولاية والدولة. كما قامت قوافل من الناشطين والقرويين والطلبة بالتجول فى مختلف القرى للدعوة إلى الحق فى المعلومات من خلال الأغانى والمسرحيات والخطابات والكتيبات والنشرات الإخبارية. وقد تم اقرار “قانون الحق فى المعلومات” فى 2005، وهو قانون أقوى من سابقه وأكثر قابلية للتطبيق. وخلال سنتين من اصداره، تم تقديم أكثر من 2 مليون طلب للمعلومات من قبل الجمهور على كل مستويات الحكومة. لكن بعض الذين تقدموا بطلب المعلومات تعرضوا للهجوم والتخويف بل والقتل أحيانا.
وجود القانون فى حد ذاته لا يمثل علاجاً سحرياً، ولكنه يعطى المواطنين فرصة أكبر لمحاسبة حكومتهم وطلب حقوقهم. وقد أدى اصدار هذا القانون إلى دعم أنشطة حركات قومية أخرى، مثل “حركة مناهضة الفساد فى الهند” التى زاد نفوذها على المستوى القومى فى العقد الماضي.
الحق فى المعلومات في أعقاب ثورات الربيع العربي
أدت الضغوط السياسية من أجل توسيع نطاق الحرية فى الشرق الأوسط إلى زيادة القوانين الخاصة بالحق فى المعلومات. منذ بداية أحداث الربيع العربى فى 2011، قامت تونس واليمن بإصدار قوانين بخصوص حق الجمهور فى الحصول على المعلومات، كما تبنت مصر تعديلات دستورية تؤكد على الحق فى المعلومات.
تونس
تميّز نظام “زين العابدين بن على” فى تونس، مثله مثل نظام “حسنى مبارك” فى مصر، بالإغراق فى السرية والفساد. وبرغم أن الثورة التونسية كانت ثورة مدنية واسعة النطاق ونادت بإجراء تعديلات كبيرة في البلاد، فإن الفساد الذي كان قد استشرى فى أوساط الحكومة وبين أفراد عائلة الرئيس “بن على” زاد من أهمية المطالبة بالحق فى المعلومات (أندرو-جى، 2011). وقد اعترفت الحكومة المؤقتة في تونس بالحاجة إلى الشفافية وإلى تأكيد حق الجمهور في مساءلة الحكومة. وبعد خمسة شهور من استقالة “بن على”، أصدرت تلك الحكومة قرارا يقضى “بإتاحة الوثائق الإدارية التي تنتجها أو تحتفظ بها الجهات العامة”. وبهذا أصبحت تونس ثاني دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد الأردن، تصدر تشريعا يمنح الجمهور الحق في الاطلاع على المعلومات الحكومية.
تقضى المادة 3 من القانون المذكور بأنه من حق الجمهور الاطلاع على الوثائق الإدارية. وتلزم المادتان 4 و5 السلطات بنشر المعلومات الأساسية التى قد تهم الجمهور، كما تطلب المادة 6 من المسؤولين الحكوميين مساعدة الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين يطلبون الاطلاع على الوثائق الإدارية. وتؤكد المادة 15 على أن تقديم المعلومات الخاصة بالإدارات الحكومية يجب أن يتم بدون مقابل، باستثناء النفقات الخاصة بتقديم المعلومات. بينما تمنح المادة 19 الجمهور الحق فى مقاضاة أى مسؤول حكومى يرفض تقديم أى وثيقة تطلب منه (المادة 19، 2011).
وتنص مسودة الدستور التونسي (المسودة – 14 ديسمبر 2012) على أنه لأى شخص “الحق في الحصول على معلومات لا تضر بالأمن القومى أو بالحقوق التي يقرها القانون في ظل الدستور الحالي” (المادة 18)، وهو حق تضمنه “هيئة الإعلام” (المادة 128).
اليمن
أصدرت اليمن قانون “حق الحصول على معلومات” في 16 يونيو 2012، وقام الرئيس بالتصديق عليه في 1 يوليو 2012. وبهذا أصبحت اليمن ثالث دولة عربية تصدر مثل هذا القانون. وينص القانون على ضمانات بشأن الاجتماعات المفتوحة وبشأن اطلاع الجمهور على السجلات الحكومية. وينص القانون على حق الجمهور في طلب المعلومات من كافة الهيئات التابعة للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وأيضا من أى وزارة أو هيئة بلدية. ويلزم القانون كل السلطات الحكومية بنشر المعلومات التي لديها بشكل دورى وبالاستجابة لطلبات تقديم المعلومات وبتقديم المعلومات الخاصة بأساليب تحقيق الأهداف المؤسسية ونتائج الأداء (مركز القانون والديمقراطية، 2012).
وقد أكد “مركز القانون والديمقراطية” أن قانون الحق فى المعلومات في اليمن هو “الأفضل فى العالم العربي”، بمعنى أنه أكثر فعالية من قانوني تونس والأردن.
المغرب
استجابة من الحكومة المغربية لمطالب الإصلاح الديمقراطي خلال الربيع العربي، أجرت تلك الحكومة استفتاء حول الإصلاح الدستوري فى يوليو 2011، وأوضحت نتائج هذا الاستفتاء عمق التأييد الشعبي لهذا الحق. ويضمن الفصل 27 من الدستور حق المواطنين فى المعلومات، وهو ما يجعل المغرب الدولة الأولى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تؤكد في دستورها على هذا الحق. (الحق فى المعرفة، 2012).
للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة. (الفصل 27)
في أوائل 2013، دعت الحكومة المغربية إلى مشاورات حول مسودة قانون بشأن الحق في الحصول على المعلومات، وذلك من أجل تفعيل الفصل 27 من الدستور.
مصر
يوجد في دستور مصر الجديد نص بشأن حق الجمهور فى الحصول على المعلومات، ولكن هناك تباطؤ واضح فى اصدار تشريع بهذا المعنى، وذلك برغم الضغوط التى يمارسها المجتمع المدنى والمجتمع الدولى. ويقال إن صندوق النقد الدولى قد امتنع عن اقراض مصر حتى تقوم بإصدار قانون الحق فى المعلومات، ولكن مجلس الشورى لم يصدر تشريعاً من أجل تنفيذ هذا الحق المنصوص عليه فى الدستور – وحتى يونيو 2013 لم يتم توقيع اتفاقية القرض بين مصر والصندوق. وهناك تصميم واضح فى أوساط المجتمع المدنى والناشطين على المطالبة بقانون الحق فى المعلومات، وذلك حتى يصبح في الإمكان مراقبة أداءها وطريقة تصرفها (أو إساءة تصرفها) فى الموارد العامة.
هناك أمثلة لمنظمات مجتمعية فى القاهرة نجحت فى الحصول على المعلومات الحكومية واستخدامها فى تحسين أوضاع الأحياء الخاصة بها وفى مساءلة المسؤولين الحكوميين والمقاولين.
هناك مثلا مبادرة رصف الشوارع التى أطلقتها “اللجنة الشعبية للدفاع عن الثورة” في ميت عقبة. بدأ المشروع عندما سمع أعضاء المجتمع فى 2008 عن خطة تستهدف تركيب توصيلات الغاز الطبيعى فى الحى. وقد طلبت “اللجنة الشعبية” من الحكومة وشركة الغاز الطبيعى المشاركة فى مبادرة لرصف الشارع بعد اتمام العمل فى توصيلات الغاز. وكان الفضل فى نجاح تلك التجربة للعلاقة الوثيقة التى قامت بين أبناء الحي وبين مسؤولي الإدارة المحلية الذين ساعدوهم فى الحصول على المعلومات التى يحتاجونها فى التعامل مع شركة الغاز والمقاولين والتأكد من قيامهم بالتزاماتهم على النحو الصحيح.
كانت اتاحة المعلومات عنصراً أساسياً في نجاح مشروع ميت عقبة ومشروعات أخرى مماثلة فى مختلف أنحاء المدينة. ولكن لا يجب أن تضطر المجتمعات المحلية إلى الاعتماد على الصلات الشخصية بالمسؤولين الحكوميين للحصول على المعلومات التى تهمها.
الوصول إلى المعلومات الحكومية بكل أنواعها هو حق أساسي لكل مواطن مصري بدون استثناء. وإتاحة المعلومات تمكن الحكومة من بناء الثقة مع جمهورها وتمكن المواطنين من محاسبة المسؤولين الحكوميين والتأكد من تنفيذهم لوعودهم وقيامهم بمسؤولياتهم. كما تمثل إتاحة المعلومات الخطوة الأولى فى الجهود الرامية لإنهاء الفساد واصلاح الحكومة والتأكد من أن المدينة تخدم بالفعل حاجات ومصالح سكانها.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments