ما هو المسكن الملائم؟
ما الفارق بين “المسكن” و”المسكن الملائم”؟ ما علاقة ذلك بأن يعيش المواطنون بسلام وكرامة في بيئة صحية جيدة؟ ومن المسئول عن توفير المسكن للمواطنين؟ وما هو دور الدولة في ذلك؟ تحاول السطور القليلة القادمة الإجابة على بعض هذه التساؤلات.
في عام 1966 أصدرت الأمم المتحدة “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” والذي أقرت مادته الحادية عشرة بـ “حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمسكن، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية” على أن تتعهد الدول الموقعة على هذا العهد باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق.
ولكن بمرور الوقت، ومع تطبيق هذا الالتزام، ظهرت مشكلة وهي ببساطة: ما هو تعريف السكن أو المسكن؟
انتبهت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1991 لإشكالية التعريف هذه وعالجتها بتوضيحها أن “المسكن الملائم” ليس مجرد “مسكناً” بأربعة جدران وسقف. فـ”المسكن الملائم” يتخطى ذلك المفهوم الضيق ليصبح حق الجميع في العيش في مكان آمن بسلام وكرامة. والذي لا بد أن تتوافر به الشروط التالية[1]:
الحيازة الآمنة للمسكن: حيازة المسكن تتخذ أشكالاً مختلفة منها الإقامة بسكن إيجار (عام أو خاص)، والإسكان التعاوني، والتمليك، والإيواء في حالات الطوارئ، والإسكان غير الرسمي، ويتضمن ذلك أن يشغل السكان الأرض أو المبنى. وبصرف النظر عن نوع الحيازة، يجب أن يتمتع كل الأشخاص بالأمان في السكنى، والذي يضمن الحماية القانونية ضد الإخلاء القسري، والمضايقات، والمخاطر الأخرى.
توفر المرافق والخدمات الأساسية: المسكن الملائم لا بد أن تتوافر به الخدمات الضرورية لتلبية الاحتياجات الصحية، والأمن، والراحة، والغذاء. ويجب أن يتيح المسكن الملائم لكل المواطنين سهولة الوصول إلى الموارد الطبيعية، ومياه الشرب الآمنة، والطاقة اللازمة لأعمال الطهي والتدفئة والإضاءة، ومرافق الصرف الصحي، وخدمات النظافة والتخلص من النفايات، والاتصالات، وخدمات الطوارئ.
القدرة على تحمل تكلفة المسكن: الجزء المقتطع من الدخل الشخصي أو العائلي، والخاص بالإنفاق على السكن يجب ألا يهدد أو ينتقص من القدرة على الإنفاق لتلبية الاحتياجات الأساسية. فنسبة تكاليف الإنفاق على السكن يجب أن تكون بوجه عام متناسبة مع مستوى الدخل من خلال توفير دعم للإسكان وإيجاد وسائل مناسبة لتمويله. ولا بد كذلك من حماية المستأجرين ضد الإيجارات المبالغ فيها وزيادتها.
وحدة سكنية آمنة وصالحة للمعيشة: يجب أن يكون المسكن الملائم مكاناً صالحاً للعيش من الناحية الإنشائية، وذو مساحة مناسبة. وأن يوفر المأوي من البرد، والرطوبة، والحرارة، والمطر، والرياح أو أي مخاطر أخري تهدد صحة الإنسان.
سهولة الحصول على المسكن: لا بد من سهولة حصول جميع الفئات المهمشة والمحرومة على المسكن الملائم واستفادتهم به. ويجب الأخذ في الاعتبار أولويات توفير الإسكان لفئات كبار السن، والأطفال، وذوي الإعاقة الجسدية والذهنية، والمصابين بأمراض لا شفاء منها، وضحايا الكوارث الطبيعية، والأشخاص الذین یعيشون في مناطق معرضة للكوارث وغيرهم من الجماعات.
ﻤﻮﻗﻊ سكن آمن يتوافر به الخدمات العامة: المسكن الملائم لا بد أن يكون بموقع قريب من فرص العمل، ومراكز الرعاية الصحية، والمدارس، ومراكز رعاية الطفولة، والخدمات الاجتماعية الأخرى. وهذا ينطبق على حد السواء في المدن الكبيرة أو المناطق الريفية. حيث تمثل تكلفة الانتقال بين المسكن ومكان العمل – من حيث الوقت والمال – عبئاً كبيراً على ميزانية الأسر الفقيرة. كذلك يجب ألا يتم بناء المساكن في مواقع ملوثة أو قريبة من مصادر التلوث التي تهدد صحة السكان.
مسكن يتناسب مع ثقافة المجتمع: یجب أن تعبر الطریقة التي یتم بها بناء المساكن، ومواد البناء المستخدمة، والسياسات الداعمة لها عن الهویة والتنوع الثقافي للسكان. وینبغي لأنشطة الإسكان العام أو الخاص أن تراعي الأبعاد الثقافية للسكان، وتكنولوجيا البناء المتوافقة والملائمة لهم وللبيئة التي يعيشون فيها.
ويعتبر المسكن الملائم حقاً مكفولاً لجميع السكان بصرف النظر عن دخلهم، أو إمكانية حيازتهم لموارد اقتصادية، أو خلفياتهم الاجتماعية والثقافية. كما يشمل هذا الحق جميع من يعيشون على أرض الدولة وتحت ولايتها سواء من مواطنين أو أجانب أو لاجئين.
ما هو تأثير الحق في المسكن الملائم على حياتنا اليومية؟
منذ عقود عديدة والمصريون يعانون من أزمة سكن تكاد تكون مزمنة. ولكن ما هي أسباب تلك الأزمة؟ وهل من دور الدولة أن توفر المسكن لجميع المواطنين بصورة مباشرة؟
في الواقع لا تستطيع الدولة – أي دولة – الوفاء بصورة مباشرة باحتياجات كافة مواطنيها من السكن. ففي مصر على سبيل المثال لا يغطي عدد المساكن التي توفرها الدولة بصورة مباشرة من خلال كافة برامجها للإسكان أكثر من 10-15% من الاحتياج السنوي الفعلي للسكن. لذا يجب أن ينصب جهد الدولة من خلال برامجها المباشرة على توفير الموارد اللازمة لتسكين الفئات الأكثر احتياجا بالمجتمع، ودعم االمهمشين، ومن لا مأوى لهم، مع حمايتهم من الإخلاء القسري، وضمان الحد الأدنى من مستويات الجودة بالمسكن.
ولكن ذلك وحده لا يكفي، فهناك بعض القضايا الأخرى المتعلقة بالسكن، والتي يجب أن تتعامل معها الدولة حتى نضمن حق جميع السكان في “المسكن الملائم”:
موارد السكن
كيف يحصل المصريون على الأرض اللازمة لبناء مساكنهم؟ من أين يحصلون على التمويل؟ ومن يتحكم في أسعار الأرض ومواد البناء؟ ومن يتيحها للمواطنين؟ كيف يحصل المصريون على التراخيص اللازمة للبناء، ومن يحميهم من فساد المحليات وجشع المقاولين؟
في الحقيقة، للدولة دور أساسي في كل ما سبق. فمن واجب الدولة أن توفر للقطاع الخاص والإفراد والجماعات المنظمة البيئة المؤسسية والموارد اللازمة لإنتاج المسكن من أدوات قانونية وتمويلية وإدارية، ودعم فني، وأراضي وخامات بسعر مناسب يتلاءم مع الحد الأدنى لدخل المواطنين. فقضية إتاحة الأرض اللازمة للبناء هي أحد أشد القضايا تعقيداً وإلحاحاً فيما يتعلق بقضية السكن في مصر. فسياسات الدولة الراهنة في تسعير الأرض، وآليات بيعها، وتقسيمها إلى قطع أراضي بمساحات كبيرة، وتوزيعها الجغرافي في مناطق نائية كلها سياسات تحرم الأغلبية العظمى من المواطنين من الحصول على الأرض بسعر مناسب، وطرق دفع ملائمة، وفي مواقع قريبة من العمران.
العمران غير الرسمي والإنتاج الاجتماعي للمسكن
كيف يعثر المواطن المصري على وحدة سكنية بسعر معقول داخل العمران الرسمي للمدينة الذي خططته الدولة؟
قد يصادف بعض المواطنين الحظ في الحصول على وحدة إسكان حكومي توفرها الدولة في التجمعات العمرانية الجديدة والتي يقع معظمها في مناطق صحراوية بعيدة عن مراكز المدن. ولكن على الجانب الآخر، يدفع ارتفاع تكلفة الانتقال بصورة يومية إلى مواقع العمل، وتكاليف المعيشة، والبعد عن الأقارب والأصحاب، وقلة فرص العمل في التجمعات العمرانية الجديدة معظم المواطنين إلى البحث عن بدائل أخرى مناسبة للعيش.
نتيجة لذلك، يعيش اليوم ما يزيد عن نصف سكان القاهرة الكبرى في مناطق عمران غير رسمي أنتجوها بأنفسهم عبر العقود الماضية بسبب عدم وجود خيارات أخرى يقدمها السوق الرسمي للسكن بأسعار مناسبة وفي مواقع ملائمة قريبة من فرص العمل والخدمات. ويسمي بناء المواطنين لمساكنهم وتعاونهم معاً لإقامة مجتمعاتهم العمرانية بأنفسهم بعملية “الإنتاج الاجتماعي للمسكن”. وبالرغم من أن هذه هي العملية التي ظهرت بها معظم مدننا إلى النور، إلا أن سكان تلك المناطق غير الرسمية يواجهون العديد من التحديات.
فعلى سبيل المثال، لا تعترف الدولة بالعديد من مناطق العمران غير الرسمي، ولا تعترف بحق سكانها في البقاء على الأراضي (وخاصة المملوكة ملكية خاصة للدولة) التي سكنوها لعقود عديدة نشأت فيها تلك المجتمعات وازدهرت تحت سمع وبصر أجهزة الدولة المختلفة. وبالرغم من جهود الدولة لمد المرافق والخدمات لبعض تلك المناطق، إلا أن عدم اعترافها هذا بحق المواطنين في البقاء، وحرمانهم بالتالي من الحيازة الآمنة للمسكن، والتقصير في مد هذه المناطق بالمرافق والخدمات الأساسية اللازمة يشكل تهدداً مباشراً لحق هؤلاء المواطنين في المسكن الملائم ويحرمهم من حقوق المواطنة الكاملة.
ولا نتحدث هنا عن حالات فردية، ولكن مناطق كاملة من مدننا المصرية يسكنها ملايين المواطنين منها مناطق منشية ناصر وعزبة خير الله وغيرها. فعلى سبيل المثال، يقع حوالي 17% من المناطق غير الرسمية في مصر على أراضي مملوكة للدولة على أطراف المدينة (سواء مناطق صحراوية أو زراعية)، والتي يمكن أن تخضع جميعاً لعمليات إخلاء من قبل الدولة. وقد شهدت الأعوام الماضية نجاحات لسكان العديد من المناطق مثل عزبة خير الله ورملة بولاق بالقاهرة وجزيرة القرصاية بالجيزة في الحصول على أحكام قضائية تؤكد حقهم في البقاء في مناطقهم. ولكن في مقابل قصص النجاح هذه، هناك عدد لا يحصى من الحالات غير المعروفة من الطرد والتشريد التي نشأت نتيجة لغياب نصوص دستورية وقوانين واضحة تحمي حقوق الملايين من المواطنين في مثل هذه الحالات.
والأهم من ذلك، يجب أن يتجاوز دور الدولة في توفير المسكن الملائم مفهوم توفير الوحدات السكنية، ليمتد إلى التعامل مع المناطق العمرانية الجديدة ومناطق الإسكان الرسمي وغير الرسمي القائمة بصورة متكاملة، وأن تدعم الدولة الجهود الفردية والمنظمة للإنتاج الاجتماعي للمسكن، سواء من خلال توفير الموارد اللازمة، أو إمداد هذه المناطق بالخدمات والمرافق التي تجعل منها مناطق للسكن الملائم بمفهومه الأشمل.
أزمة السكن والملكيات الشاغرة
على مدى عقود، ونحن نسمع عن “أزمة السكن” في مصر. ويمكن للمرء أن يفترض بسهولة أن هذه الأزمة تعني نقصاً في الوحدات السكنية الشاغرة بالمدن المصرية وبما يشمل أنواع الإسكان المختلفة سواء (الرسمي، وغير الرسمي، أو العام). لكن على العكس من ذلك، تعاني مدننا من قلة الاستفادة من العقارات المبنية بالفعل، ووجود عدد كبير من الوحدات السكنية الشاغرة غير المستغلة والتي تصل إلى 28٪ من عدد الوحدات السكنية في محافظة القاهرة، و34٪ في محافظة الجيزة، و35٪ في محافظة الإسكندرية. ويرجع ذلك إلى غياب القوانين وأنظمة الضرائب العقارية الفعالة التي يمكن أن تحسن من استغلال الملكيات العقارية الشاغرة وترفع من كفاءة استخدام الأصول العقارية الخالية والمجمدة، وهي كلها أمور تنصب تحت مفهوم “الوظيفة الاجتماعية للملكية”.
اشتراطات تنمية وتخطيط المدن
يندر بمصر وجود اشتراطات بناء ومخططات تنمية عمرانية تتسم بالوضوح والشفافية، وتهتم بتطوير مناطق العمران القائم وتعظيم الفائدة منها من خلال توفير المرافق والخدمات الأساسية والمواصلات العامة. وهذه كلها أمور ترتبط بصورة مباشرة بالحق في المسكن الملائم. ولكن ما يحدث هو عملية هدم مستمرة للعديد من المناطق السكنية القائمة ذات الارتفاعات المنخفضة، وإعادة بناء تلك المناطق مجدداً بكثافات وارتفاعات أكبر مما يتسبب في أحمال إضافية على شبكات المرافق الأساسية والخدمات العامة بالمدينة. وبدلاً من تطوير تلك المناطق وتحسين جودة الحياة فيها، يبدأ مستواها في التدهور وتفقد تدريجياً الخواص التي تؤهلها لأن تكون مناطق للسكن الملائم.
الحق في المسكن الملائم والدستور المصري
بالرغم من أن مصر من الدول الموقعة على “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” منذ عام 1967، فإن الإشارة إلى الحق في المسكن الملائم لم تظهر في أي من الدساتير المصرية سوى في فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011. فقد ظهر الحق في المسكن الملائم لأول مرة في دستور عام 2012، في المادة (68) والتي تنص على ما يلي:
“المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحي حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضي الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال.”
انتقد خبراء الإسكان هذه المادة لسببين أساسيين:
أولاً، لا توضح المادة من المسئول عن تلبية وإنفاذ الحق في المسكن الملائم. هل هي الدولة أم أطراف أخرى؟ كما لا تلزم هذه المادة الدولة بتوفير السكن للمواطنين الذين لا يستطيعون تحمله تكلفته المالية، ولا تحدد آليات أكثر وضوحاً لتنفيذ ما يسمى بـ”خطة وطنية للإسكان”.
ثانياً، لا تقدم المادة تعريفاً محدداً وواضحاً لمفهوم المسكن الملائم، ولا تربط تعريف المسكن الملائم في الدستور المصري بالمواثيق والمعاهدات الدولية المنظمة لهذا المجال كمرجعية لتعريف معايير الحق في المسكن الملائم. يفتح ذلك الباب لاستمرار العديد من الممارسات مثل إعادة تسكين سكان المناطق غير الرسمية في مناطق بعيدة عن العمران وغير متصلة بأماكن عملهم، أو إغفال نقطة الحيازة الآمنة للسكن التي تهدد العديد من سكان قرى ومدن مصر بالتهجير أو الإخلاء القسري.
مؤخراً، قامت “لجنة العشرة” في دستور 2014 بحل إشكالية المادة (68) جزئياً من خلال إلزام الدولة بكفالة المسكن الملائم لجميع المواطنين من خلال المادة (59) والتي تنص على ما يلي:
“تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم، والماء النظيف، والغذاء الصحي، وتلتزم بتبني خطة وطنية للإسكان، تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية، والتعاونية في مجال الإسكان، وتنظيم استخدام أراضي الدولة لأغراض العمران، بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال”.
ومع ذلك تظل مشكلة التعريف الواضح المتفق عليه لمفهوم الحق في “المسكن الملائم” بمعناه الأشمل، وغياب آليات تفعيل وإنفاذ هذا الحق قائمة. كما يفتقد الدستور المصري لمواد توفر الحيازة الآمنة للسكان بما فيها أنماط الحيازة العرفية والتي تعترف بها مواثيق الأمم المتحدة.
أمثلة للحق في المسكن الملائم في دساتير دول أخرى
تواجه العديد من الدول النامية تحديات مماثلة كتلك التي تواجهها مصر، ومنها محدودية الموارد، والنمو السكاني المضطرد، والتغيرات السياسية المتلاحقة. إلا أن كثير من هذه الدول استطاعت صياغة دساتير تكفل حماية حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة في المسكن الملائم. فدساتير دول مثل البرازيل (1988) والرأس الأخضر (1992)، والشيشان (2003)، وفنزويلا (1999) تقوم بتعريف المسكن الملائم بناءً على معايير واضحة.
وفي عام 1918 على سبيل المثال نص دستور الأوروجواي في المادة (45) على أن “البيئة الصحية السليمة، واقتصادية المسكن، وسهولة الحصول عليه من قبل السكان” كلها حقوق تكفلها الدولة. وقد تمت صياغة هذا الدستور منذ فترة طويلة وقبل أن تكون الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أمراً شائعاً في الدساتير. وإذا كان هذا الدستور- الذي تمت كتابته منذ ما يقرب من قرن من الزمن – قد قام بتعريف خصائص المسكن الملائم لشعب الأوروجواي، فمن باب أولى أن تتوفر مثل هذه الحقوق للمصريين الآن.
كذلك يتضمن دستور فنزويلا (1999) تعريفاً شاملاً للمسكن الملائم، ويضع هيكلاً تنظيمياً لتأمين حق السكن اللائق لمواطنيها. فالمادة (82) من الدستور الفنزويلي تنص على أن:
“لكل شخص الحق في المسكن الملائم، والذي يتسم بصفات الأمان والراحة ويتمتع بالبيئة الصحية النظيفة، مع توافر الخدمات الأساسية التي تضمن بيئة تراعي إنسانية العلاقات العائلية وعلاقات الجوار والعلاقات الاجتماعية. التوفير المستمر لهذا الحق التزام مشترك بين المواطنين والدولة في جميع المجالات. ويجب على الدولة إعطاء الأولوية للأسر وأن تصيغ السياسات الاجتماعية التي تتيح للمواطنين الحصول على الائتمان اللازم للبناء، واقتناء أو تحسين مساكنهم، وخاصة للأسر ذات الموارد المحدودة”
ولا تشترط العديد من الدساتير أن توفر الدولة المسكن الملائم بصورة مباشرة، ولكنها تحدد بصورة واضحة آليات توفير هذا المسكن. فعلى سبيل المثال، من خلال المادة (123) لدستور المكسيك (1917)، تلزم الدولة المؤسسات الزراعية والصناعية أو أي نوع آخر من المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة بتوفير مسكن صحي ومريح للعاملين بها من خلال مساهمات مالية مباشرة في صندوق وطني لإسكان العاملين بهذه المؤسسات. كما تنص على إيجاد نظام تمويلي يوفر تمويل منخفض الفوائد يمكن العاملين من تغطية حصتهم المالية لمساعدتهم على تملك وحداتهم السكنية. وبناء على هذه المادة، ما زال الصندوق الوطني لإسكان العاملين يمارس دوره إلى يومنا هذا في بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية سنوياً لصالح العاملين باستخدام مساهمات المؤسسات والقروض الميسرة للعاملين.
وتوجد مواد مماثلة في دساتير دول أخر مثل البرازيل (1988) وغواتيمالا (1985). كما أقر دستور جمهورية الكونغو الديمقراطية (2005) لامركزية الإسكان وبناء الطرق ونقل تبعيتها من المستوى القومي (الوزارات) إلى مستوى المحافظات (المحليات)، مما يتيح لكل محافظة تخصيص الموارد وتحديد أولويات الإسكان واحتياجات البنية الأساسية على المستوى المحلي. كما تلزم المادة (65) في دستور البرتغال (1976) الدولة بضمان تحقيق القدرة على تحمل تكاليف السكن وتوفيره لكافة السكان، ويبين أهمية التعاون بين الدولة والسلطات والمجتمعات المحلية لتوفير الإسكان الاقتصادي والاجتماعي. كما أنه يعطي المواطنين الحق في المشاركة في أنشطة التخطيط العمراني.
نحو دستور أفضل
الوفاء بالحق في المسكن الملائم ليس بالمهمة السهلة، ويحتاج إلى تعريف واضح لأدوار من يقومون بالوفاء بذلك الحق، وكذلك التوقعات المطلوبة منهم، بالإضافة إلي تعاون قطاعات المجتمع المختلفة في هذا المجال.
تؤمن المادة الحالية المقترحة من “لجنة العشرة” في دستور 2014 جانبين من جوانب الحق في المسكن الملائم وهما: أولاً، الاعتراف بحق المواطنين في المسكن الملائم؛ وثانياً، كفالة الدولة لهذا الحق. ولكن للوصول إلى ضمانات أفضل لهذا الحق، وتعريفه بصورة أكثر تحديداً تتوافق مع المفاهيم الدولية والممارسات الجيدة في دساتير الدول الأخرى، وتوضيح آليات إنفاذه والوفاء به، ولتغطية جوانب أخرى تتعلق بقضية السكن، يمكن مراعاة النقاط التالية:
أولاً، الإشارة في المواد المتعلقة بالسكن إلى المواثيق الدولية التي تعرّف الحق في “المسكن الملائم”، أو النص صراحة على شروط المسكن الملائم وهي: الضمان القانوني للحيازة الآمنة، وتوفر الخدمات العامة والمرافق الأساسية، والقدرة علي تحمل تكلفة المسكن، والصلاحية للسكن، وإمكانية الحصول عليه خاصة للفئات غير القادرة والمهمشة، وسهولة الوصول لموقع السكن، والقرب من أماكن العمل والمواصلات، والملائمة الثقافية للمستخدمين.
ثانياً، أن يشمل الحق في المسكن الملائم كافة المقيمين داخل مصر (سواء مصريين أو غير مصريين) حيث أنه حق أساسي يجب أن يتمتع به كافة السكان دون تمييز وبغض النظر عن وضعهم الاقتصادي أو الاجتماعي.
ثالثاً، الإشارة إلى قضية الإنتاج الاجتماعي للمسكن ومسئولية الدولة في ذلك سواء من توفير المسكن الملائم بصورة مباشرة للطبقات الأكثر احتياجاً، أو توفير البيئة المؤسسية والموارد اللازمة لعملية الإنتاج الاجتماعي للمسكن من أدوات قانونية وتمويلية وإدارية، ودعم فني، وأراضي وخامات بسعر مناسب.
رابعاً، أن تعترف الدولة بجهود العمران الذاتية وغير الرسمية، وأن تعمل على تقنين أوضاعها وإمدادها بالخدمات والمرافق المطلوبة، وأن تدعم المبادرات الذاتية والتعاونية في هذا المجال سواء من أفراد أو جماعات، وأن يمتد التزام الدولة تجاه المسكن الملائم إلى المناطق السكنية المستحدثة والقائمة بالفعل على حد السواء.
خامساً، التزام الدولة بضمان الحيازة الآمنة لكافة السكان دون تمييز مع الاعتراف بأنماط الحيازة الرسمية والعرفية وغير الرسمية، كذلك التعامل مع قضايا وضع اليد على أملاك الدولة (التقادم المكسب للملكية) بصورة عملية تسهم في حل مشاكل المسكن الملائم في تلك المناطق.
سادساً، حظر عمليات الإخلاء القسري دون حكم قضائي نهائي، مع الالتزام بالمعايير الدولية في هذا المجال.
.
[1] التعليق العام رقم 4، الحق في السكن الملائم، المادة 11 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
أحمد محمد راشد Says:
السلام عليكم
May 1st, 2015 at 9:33 amأشكركم على هذه المعلومات الثرية وأرجو أن يكون بيننا تواصل لمعرفة كيفية توعية الجمهور بها من أجل الحياة الكريمه..
هذا أولاً
ثانيًا:هل لديكم معلومات على نفس الوتيرة – بنفس الأسلوب والتناول- لمشكلات الطفولة ؟ ولكم خالص الشكر