للجماهير الحق في الاستمتاع الكامل بكل أرجاء المدينة والأماكن العامة فيها على أساس مبادئ الاستدامة، والعدالة الاجتماعية، واحترام كافة الثقافات الحضرية والموازنة بين كافة الثقافات الريفية والثقافات الحضرية.
ممارسة الحق في الاستمتاع بالمدينة التي تقوم على أساس الإدارة الديمقراطية للمدينة، وذلك فيما يتعلق بالوظيفة البيئية والاجتماعية للمدينة وللممتلكات وللمدينة نفسها والممارسة الكاملة للمواطنة.
المادة (31) من دستور جمهورية الأكوادور، 2008
ما هو مبدأ الحق في المدينة؟
يعتبر مبدأ الحق في المدينة هدف من الأهداف السامية. والفكرة منها هو أن المدينة من حق كل شخص وتنتمي لكل شخص، وأن لكل شخص الحق في أن يقول رأيه في أي شأن من شئون المدينة التي تخصه وتصوره بالنسبة لكيفية صنع قرار وخلق مستقبل المدينة ليلبي احتياجاتهم وطموحاتهم. يتعلق الأمر كله بالعدالة الاجتماعية. على الرغم من ذلك، فإنه ليس هناك حقاً من حقوق الإنسان الفردية التي تشبه مجموعة الحقوق التي قدمناها من قبل. إنها مجموعة من الحقوق الجماعية الحضرية والبيئية المرتبطة ببعضها البعض والتي تعزز الرفاهية المشتركة لكل السكان، وهو الحق الذي يفرض جميع الحقوق الأخرى على أرض الواقع، ويتطلب عملاً جماعياً وتضامناً بين كافة المواطنين من أجل إدراكه. فإذا ما حازت سيدة ما – على سبيل المثال – على كافة حقوقها الشخصية الكاملة، ولم تنل جارتها نفس حقوقها، أو كانت في وضع أسوأ منها، فإن من حازت حقوقها تلك تكون قد حازت عليها على حساب جارتها، وإن الحق في المدينة لم يتم تحقيقه في هذا الصدد، ويتطلب هذا الحق عملاً جماعياً، لأن هذا الحق لا يتم منحه كهبة بواسطة الدولة، لكن يجب أن يتم إدراكه والتمسك به من خلال تفاعل المواطنين. إنه حق جميع المواطنين أن يشاركوا في كافة مراحل التخطيط وصناعة القرار التي تؤثر على البيئة المحيطة بهم في حياتهم، إنه حق المواطنين في استخدام الأماكن الحضرية لأقصى ما يمكن وبكل إمكانياتها في كل أغراض الحياة من لهو أو عمل أو غير ذلك. ويعتبر غياب أو إهمال صوت أي مواطن من أن يكون عنصراً فعالاً في تشكيل مستقبل المدينة تقصيراً في الحق بالاستمتاع المثالي بالمدينة.
من يملك القاهرة؟
يتعلق الحق في المدينة بالملكية أيضاً. ويتنافى مع الميل الطبيعي لليبرالية الجديدة من تحويل المدينة إلى سلعة تجارية وإضفاء الصبغة الدستورية على التمييز العنصري المكاني والإقصاء الاجتماعي للبشر. ويقر هذا المبدأ أيضاً بأن الاستخدام الخاص للملكية له آثار اجتماعية، وإن كافة الممتلكات لها وظائف اجتماعية محددة، وتعطي أولوية لما هو أكثر عدالة من الناحية الاجتماعية، وأن الاستخدام المستدام بيئياً للأماكن الحضرية يفوق الحقوق الفردية للملكيات.
تأمل على سبيل المثال، أكثر موارد القاهرة أهمية: نهر النيل، من يملك نهر النيل؟ هل هو مورد عام من موارد الدولة وحق الاستمتاع به متاح للجميع على قدم المساواة؟ بينما يقوم الأثرياء بشراء الأراضي على ضفاف النهر ومؤسسات الدولة تسيطر على ضفاف نهر النيل لمصالحهم الخاصة، هل سيكون هناك في المستقبل وقت يرى القاهريون نهر النيل عند مرورهم فوق الكباري فقط؟ ثم ماذا عن المجتمعات العمرانية الضخمة ذات الأسوار والبوابات المغلقة والمساحات الخضراء الهائلة التي تضمها والتي تستولي على كميات هائلة من الموارد الثمينة للبلاد؟ هل تم بناء هذه المجتمعات ذات الأسوار والبوابات المغلقة لأهل القاهرة أم للمصالح الخاصة لقلة من الأثرياء؟
إن الحق في المدينة يتعلق بالكرامة. إنه يمثل حق وإمكانية جميع البشر الأثرياء، والفقراء، والطبقة الوسطى، والمعدمين، وواضعي اليد والنازحين، والجماعات الأقلية في أن يعيشوا جميعاً في كرامة وشعور بالفخر، حيث يتم الاعتراف بهم والإقرار بأنهم عنصر حيوي لنجاح المدينة، عوضاً عن اعتبارهم مشكلة يجب أن يتم تناول أوضاعهم وإيجاد حلول لها. إن الأمر يتعلق بالمدينة التي يجب أن يتم فيها توزيع عادل للموارد العامة مثل الأرض، والصحة، والتعليم، والإسكان.
ويتعلق الحق في المدينة بحق السكان في حرية الوصول إلى مواردها العامة. إنه حق جميع الأشخاص في استخدام ليس فقط ما هو موجود بالفعل في القاهرة، ولكن الحق في الاشتراك في تحديد وخلق مستقبل المدينة في التطوير من أجل إشباع حاجاتهم ورغباتهم وتطلعاتهم نحو الأفضل. إنه حق المواطنين في تطبيق الشفافية وحق مسائلة الحكومة والحق في الوصول إلى المعلومات العامة. إنه الالتزام القاطع من الدولة بالانصياع للإرادة الجماعية للجماهير، بدلاً من العمل فقط لصالح النخبة الخاصة أو النخبة الأجنبية.
الحق في المدينة حق شامل. يتنافى مع المنهج التقليدي للإدارة الحضرية للمدينة، الذي يفترض استقلالية التحديات الحضرية، وحل كل منها بمعزل عن الآخر. الحق في المدينة هو إطار متكامل يجمع كافة الجهات الفاعلة والتي تؤثر في الأماكن الحضرية العامة:
المعدمون يطلبون الأرض؛ والمشردون يطلبون المأوى؛ كما أن العاطلين عن العمل يطلبون وظائف ملائمة تلبي متطلبات معينة؛ كما أن المبدعين يطلبون حرية الإبداع؛ وذوي الاحتياجات الخاصة يطالبون بالتوائم مع احتياجاتهم؛ وجميعهم يطلبون أن يسود الجمال بيئتهم، وحق الوصول والاستمتاع بجمال الطبيعة وبالخدمات الصحية. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هذه المطالب ليست منفصلة عن بعضها البعض في النظرة الموحدة – فهي بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض، ليس فقط في الرؤية للمدينة والتي يتم يمكن أن يتم تقديمها لهم، ولكن أيضاً في التحليل عن التساؤل: لماذا هذه الحقوق ليست موجودة في الوقت الحالي، وما هي القوى التي تعرقل إدراكها أو الوصول إليها، وعن ما هي القوى، والمجموعات، والأفراد الذين لهم مصالح مشتركة في تحقيق أهدافهم المتعددة (Marcuse 2008).
كيف تبدو المدينة عند تحقيق مبدأ الحق في المدينة؟
يجب أن نبدأ في إجابتنا على هذا التساؤل بحقيقة أن ذلك لن يكون في هذه المدينة الموجودة على أرض الواقع، أو معظم هذه المدينة التي هي، من جانب، تقوم بترك قطاع عريض من سكانها بأقل بكثير من احتياجاتهم الأساسية من أجل الحياة الصحية اللائقة، وتترك الكثيرين منهم بلا مأوى، يعانون من سوء التغذية، وفي أوضاع صحية سيئة وبدون رعاية طبية مناسبة، وفي بيئة ملوثة تحيط بهم، وفي مدن مزدحمة، وأحياء لا تنعم بالأمن والطمأنينة، وخاضعين فيها لسيطرة واستغلال القوى العاملة فيهم، وتقييد حريتهم في حق الخطابة أو في حق التصرف والتجمع، أو التطور – سكان محرومون حتى من ابسط أساسيات حقوقهم في المعيشة اللائقة (Marcuse 2011).
الحق في المدينة
ربما تقرأ هذا الموضوع وتتأمل وتقول في داخلك: “كل هذا أمر جيد وطيب، لكنه مستحيل على أرض الواقع، ولا يمكن الوصول إليه”. يمكن أن تكون محقاً في رأيك هذا – لأن المسافة بين الواقع والنظرة التي يضمها وضع الحق في المدينة موضع التنفيذ محبط للغاية – لكن ذلك يجعلنا نبتعد عن النقطة الأساسية.
هناك الكثير من أصحاب النفوذ الأقوياء في مصر والذين يريدون أن يشهدوا إزالة الأحياء العشوائية، والشوارع الواسعة التي تحيط بها الأشجار من كل جانب وهي تخترق المدينة، وأن يروا أيضاً ترحيل الملايين من البسطاء إلى الضواحي البعيدة عن قلب القاهرة. وتلك هي النظرة التي تجسدها خطط التنمية الحضرية التي تتسم بالفخامة المتكلفة والتي يطلق عليها القاهرة 2050. في حقيقة الأمر، هناك القليل من الناس، إن كان هناك أحد في الأصل، يتوقع أن يتم تنفيذ هذا المشروع بالكامل؛ فهو باهظ التكلفة، ويتميز بالغرابة الشديدة، والبهرجة الصارخة، وتجافي حدود المنطق والتفكير السديد. وعلى الرغم من كل تلك الغرائب، فإن برنامج القاهرة 2050 قد حقق نصراً كبيراً. فقد قام بتحديد أنماط جديدة من ممارسة التخطيط في مصر لسنوات قادمة. كما قام بتأسيس معطيات ثابتة للبرنامج الحضري ويمكن أن تكون المناقشات لا تزال جارية عن مستقبل مدينة القاهرة ربما تحت مسميات أخرى مختلفة، على الرغم من الانتقادات التي يتم توجيهها لتلك الخطة من الكثيرين من خبراء ومخططي المدن منذ ثورة عام 2011.
يعتبر مبدأ الحق في المدينة وجهة نظر مضادة لهذه الرؤية، فهو منهج يأخذ بعين الاعتبار ضرورة إشراك الجماهير في القرارات التي تؤثر على مستقبل مدينتهم، والوصول إلى الإدراك الكامل له أمر غير محتمل كما هو الحال تماماً مع برنامج القاهرة 2050. لكنه على العكس من برنامج القاهرة 2050، يقدم رؤية عادلة ومنصفة، وكأي رؤية أخرى يجب إدراكها عبر الزمن، ولكن ذلك لا يحول بينها وبين ضرورة حيازتها لقبول الجماهير اليوم.
ما الذي يستحقه سكان القاهرة الذين يعيشون فيها اليوم؟
هل نظرة الأثرياء فقط تجاه القاهرة عامل وحيد يحدد مستقبلها أم يجب أن تكون وجهة نظر تحدد الأولويات الخاصة بها ويتم تبنيها بالإجماع؟ هل هي النظرة التي تقررها الحكومة – وهي الرؤية التي تلبي رغبات السائحين من مختلف أنحاء العالم والصورة الذهنية العالمية؟ أم تقررها الجماهير بنفسها؟ أم هي رؤية تصلح لأهل القاهرة وأولئك الذين يأتون لزيارتها؟
من أين نبدأ؟
يتطلب تفعيل مبدأ الحق في المدينة مؤسسات ديمقراطية حقيقية، وأنماط، وممارسات على كافة مستويات الحكومة الإدارية ومن خلال منظمات المجتمع المدني. وتكون الديمقراطية الانتخابية هي البداية، لكن الأمر يجب أن يمتد لأبعد من ذلك. يدعو مبدأ الحق في المدينة إلى الممارسة المباشرة والاندماج الكامل والمستمر للمواطنين في مجابهة التحديات المشتركة. ويتعزز مبدأ الحق في المدينة عندما تقوم جماعات من المواطنين بتقديم طلبات إلى المسئولين المحليين ويعملون مع الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل حل المشاكل بشكل جماعي وبصفة شاملة. جسدت اللجان الشعبية مبدأ الحق في المدينة أثناء الثورة، عن طريق العمل الجماعي في صالح مجتمعاتهم بينما كانت الأزمة تنشب أظافرها في كافة أنحاء البلاد.
استمرت بعض هذه اللجان في تأدية أعمالها المهمة. وبرزت العديد من المبادرات المهمة ومنظمات المجتمع المدني في أرجاء البلاد بينما يقوم المصريون بالتعبير عن أنفسهم، والتنسيق فيما بينهم، والتعبير عن احتياجاتهم الخاصة والتحديات التي تواجههم. ونحن نوجه التحية لتلك الجهود المخلصة ونشجع الآخرين أن يقوموا بتنظيم، وحشد، ورفع مطالبهم للحكومة.
على أي حال، إن ما تحتاج إليه هذه الصورة هو إطار كامل يقوم بتوحيد هذه الجهود، وراية واحدة يتحدون تحتها، ورؤية شاملة: إن مبدأ الحق في المدينة هي فكرتنا لهذه الرؤية.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks