ما هو الحق في المياه والخدمات المحلية والحضرية؟
الحق في المياه النقية هو أحد عناصر الحق في الطعام الكافي والمسكن الملائم والصحة. بدون إتاحة المياه النقية، تصبح كل تلك الحقوق بعيدة المنال، وينهار معها مبدأ الحق في مستوى معيشة لائق. في 2002، أصدرت “لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” التعليق العام رقم 14 الخاص بالبند 12 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. تقرر تلك الوثيقة أن “الحق الإنساني في المياه يعنى حق كل فرد في المياه الكافية والآمنة والمقبولة والمتاحة ماديا بسعر معقول للاستخدام الشخصي والمنزلي.” ويضيف التعليق العام رقم 14 أن “الحق في المياه يشمل كلا من الحريات والاستحقاقات. تتضمن الحريات الحق في الوصول إلى مصادر المياه اللازمة للوفاء بالحق في المياه والحق في الحرية من التدخل، بما في ذلك الحق في الحرية من القطع التعسفي للمياه أو تلويث مصادر المياه. وفي المقابل، فإن الاستحقاقات تتضمن الحق في نظام لتوزيع وإدارة المياه يضمن تساوى الفرص بين جميع الناس بشأن الحق في المياه”.
يعرّف “الميثاق العالمي للحق في المدينة” الخدمات المحلية والحضرية على أنها تلك الخدمات التى تقدمها الحكومة القومية أو المحلية، بما في ذلك “النظافة وجمع القمامة والطاقة وخدمات الاتصالات والخدمات الصحية والتعليم وتوفير السلع الأساسية والترويح، في إطار المسؤولية التضامنية مع الهيئات العامة والخاصة الأخرى”.1 وفقا “للميثاق العالمي للحق في المدينة”، يتضمن الحق في المياه والخدمات المحلية والحضرية توفير الخدمات اللائقة بسعر مناسب إلى جميع الأفراد، حتى وإن تمت خصخصة الخدمة. ويؤكد الميثاق أنه من حق الجمهور الإشراف على ورصد الخدمة للتأكد من نوعيتها وإبداء الرأى بشأن التكلفة.
ما هو تأثير الحق في المياه والخدمات المحلية والحضرية على حياتنا اليومية؟
ما هي الخدمة العامة ذات النوعية الجيدة؟
تحفل تقارير الحكومة بمؤشرات كمية تظهر أن الدولة تفي “بأهداف التنمية الألفية” من جهة التحسين المتدرج لمستوى المعيشة، بما في ذلك توصيل مياه الشرب إلى 100% من الأسر في المدينة و93% من الأسر في الريف، ولكن هذا المؤشر الكمي لا يخبرنا بالرواية كاملة. برغم كل تلك الاستثمارات الحكومية، فإن شبكات المياه في المناطق الريفية ذات نوعية سيئة ولا تتم صيانتها بشكل منتظم، الأمر الذي يتسبب في تسريبات وأعطال في محطات تنقية المياه، كما أن الملوثات الزراعية والصناعية ومياه المجاري تتسرب هي الأخرى إلى شبكات المياه، الأمر الذي يعرض الناس لمخاطر صحية.
يمكننا أن نستخدم “التعليق العام رقم 15″ للخروج بإرشادات تلقى الضوء على ما إذا كانت الخدمات العامة تفي بأهدافها الاجتماعية. تلك الإرشادات تنقسم إلى أربعة أنواع يمكن استخدامها في تحليل نوعية تقديم الخدمات العامة في مصر، وهى:
الوصول: انتظام تقديم الخدمة وسهولة إتاحتها (المسافة التي يجب على الفرد قطعها للوصول إلى الخدمة).
الكفاية: توزيع تقديم الخدمة من أجل الوفاء الكمي بالحاجات المحلية.
القبول: درجة أمان تقديم الخدمة العامة واحترامها للثقافة المحلية وقضايا النوع الاجتماعي.
السعر المعقول: الكلفة المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بإتاحة الخدمة العامة.
الإتاحة: تقدر إحصائيات عام 2005 أن هناك 75% من سكان الريف محرومون من الخدمات الصحية، أي أن هناك حوالى 30 مليون شخص يعانون يوميا بسبب عدم اتصالهم بشبكات المجاري والصرف.2 في 2012، خرجت عشرات القرى في مظاهرات تطالب السلطات بتنفيذ وعودها بتقديم مياه الشرب النقية وتوفير الكهرباء في المنازل وأماكن العمل. خلال الأشهر القليلة الأولي من 2013، وقعت انقطاعات متكررة للكهرباء في مختلف المحافظات. تلك الانقطاعات التي دامت لفترات طويلة لم تؤثر فقط على نوعية حياة السكان ولكن أيضا على نشاطهم الاقتصادي.
الكفاية: أظهرت دراسة جرت في محافظة الفيوم عام 2005 أن 30% من الأسر تعانى من انقطاع الماء بشكل متكرر وأن 22% من الأسر تعانى من نقص المياه خلال النهار، مما يضطرها لاستخدام مصادر المياه غير المعالجة مثل الترع.
ويواجه سكان الريف مشاكل مماثلة في خدمات الكهرباء والنظافة. وسوف نناقش باختصار توزيع تقديم الخدمات في وقت لاحق.
القبول: يعتمد المصريون على مياه النيل للوفاء بـ 84% من احتياجاتهم من المياه، بينما تسد الآبار الارتوازية 14% من الاحتياجات القومية. هذان المصدران الرئيسيان للمياه، أي المياه السطحية والجوفية، يتعرضان لتلوث بالغ، وليس في وسع محطات المعالجة التخلص تماما من الملوثات التي تسربت إلى المياه.
تقدر الملوثات الصناعية في مصر بحوالي 4.5 مليون طن سنويا، منها 50,000 طن من المواد السامة، ونظرا لغياب أي إجراءات تنظيمية مشددة على التخلص من المخلفات، يتم إلقاء نسبة كبيرة منها مباشرة في مصادر المياه السطحية وشبكات المجاري البلدية. ولوحظ أن محطات معالجة مياه الصرف الصحي تتخلص من مخلفاتها بإلقائها مباشرة في قنوات المياه. كما أن الناس العاديين كثيرا ما يلقون القمامة والحيوانات الميتة في نفس الترع التي تجلب منها محطات التحلية مياهها. في 2009، أصيب ألف ساكن في البرادعة، وهى قرية صغيرة في محافظة القليوبية، بمرض التيفود بسبب تسرب مياه المجاري إلى شبكات المياه.
عادة ما تتلوث مصادر المياه الجوفية بسبب اختلاطها بمياه المجاري والصرف. في غياب البدائل الأخرى، يضطر بعض الناس في المناطق الريفية أحيانا إلى شرب المياه الجوفية التي يستخرجونها باستخدام مضخات يدوية بدون معالجة. ليس من الصعب التنبؤ بأثر ذلك على الصحة العامة، حيث أن 20% من وفيات الأطفال و80% من كل الأمراض ترتبط بمشاكل صحية مرتبطة بشرب مياه منخفضة الجودة ونقص المرافق الصحية، ناهيك عن أثر تلك الملوثات على البيئة. لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، يقدم “تقرير 2010 حول الحق في المياه“، وهو من إعداد “مركز حابي للحقوق البيئية” و”تضامن”، بعنوان “كيف يحصل المصريون على كوب مياه نقي؟“، دراسة متعمقة حول تقديم المياه في مصر.
السعر المعقول: بسبب سياسات الدعم الشاملة التي تم تطبيقها لعقود من الزمن في مصر، يتم تقديم الخدمات العامة للجمهور بأسعار معقولة، على الأقل نظريا. أحدى الخدمات العامة التي تعانى من سوء الإدارة على المستوى المحلى هى أنابيب الغاز المخصصة للاستخدامات المنزلية. هناك 10% فقط من الفقراء تصلهم خدمات شبكة الغاز الطبيعي هى 10% من الفقراء في المناطق الحضرية، بينما يعتمد أغلب الفقراء في المدن وأيضا أغلب سكان الريف على أنابيب الغاز لأغراض الطهي. وتقوم الدولة بدعم أنابيب الغاز بشكل كبير لضمان أن يكون سعرها في المتناول، ولكن بسبب سوء الإدارة وسوء الرقابة على المخزون في المنافذ المحلية وتفشى الفساد، تتكرر أزمات نقص الأنابيب في السوق. وهو أمر يؤدى إلى طوابير طويلة تتخللها مشاجرات، وقد يضطر الناس إلى شراء احتياجاتهم من السوق السوداء حيث تباع الأنابيب بعشرة أضعاف ثمنها الأصلي أو أكثر.
تخطيط وإدارة الخدمات المحلية والحضرية
لكى يتم تقديم الخدمات العامة بشكل فعال وعادل يجب التأكد من أمور ثلاثة: أولا، إتاحة الموارد المالية للهيئات الإدارية المحلية التي تقدم الخدمة؛ ثانيا، التوزيع العادل للموارد عبر المناطق بما يدخل في الاعتبار الاختلافات في حاجة السكان؛ وثالثا، الاستخدام الكفء على المستوى المحلى من أجل تحسين نوعية وزيادة كمية الخدمة المقدمة.3
ويلاحظ أن مصر لا تقوم بتخصيص ما يكفي من الموارد لتقديم الخدمات العامة، نظرا لأن 16% فقط من الموارد القومية المتكررة يتم تخصيصها لتقديم الخدمات على مستوى الإدارات المحلية، مقارنة بنسب تتراوح بين 20% و30% في الاقتصاديات الانتقالية الشبيهة بمصر. أما بالنسبة للاستخدام الكفء للموارد على المستوى المحلى، يلاحظ أن الهيئات المختصة بتقديم الخدمات العامة لا تختلف عن غيرها من الهيئات الحكومية في أن معظم ميزانيتها تنفق على المرتبات وغيرها من النفقات. من الميزانية المخصصة، كل ما ينفق على العمليات والصيانة هو 25%، بينما يتم إنفاق 6% على النفقات الرأسمالية المحلية.4 بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة تتحمل كلفة أكبر من اللازم من أجل تقديم الخدمات المحلية والحضرية في المناطق الجديدة بسبب سوء التنسيق بين السلطات المعنية. ومن الملاحظ أنه بدلا من أن يتم تركيب توصيلات المياه والمجاري والغاز في نفس الوقت وقبل رصف الطريق، فإن كل خدمة يتم تركيبها بشكل مستبق مما يتسبب في أعادة رصف الطرق وهو أمر مكلف ومرهق ويؤدى هذا الأمر إلى إزعاج السكان الذين يضطرون لتحمل فترات طويلة من الأعمال الإنشائية في الطرقات.
برغم أن تقديم الخدمات العامة هو أمر موكل للوحدات الإدارية المحلية، فإن الإدارة المحلية تقع تحت سيطرة البلديات التنفيذية التي تتلقى أوامرها من الحكومة المركزية. وبسبب الطبيعة المركزية للنظام الإداري المصري، فإن المديرين المحليين والمستفيدين المباشرين ليست لديهم السلطة اللازمة لتحقيق التناغم بين الإنفاق والاحتياجات المحلية. وعندما ينفصل صنع القرار عن الواقع المحلى، فإنه يصبح غير كفء ولا يستجيب للحاجات المحلية. وعلى عكس الكثير من البلدان في “الجنوب العالمي” (كما نوضح في “الأمثلة العالمية” المذكورة أدناه)، لا ينتخب المصريون ممثليهم في أجهزة الحكم المحلى، تلك الأجهزة التي تقوم بإصدار القرارات الخاصة بالخدمات العامة في مناطقها في غياب الرقابة المباشرة أو تدخل الحكومة المركزية. هذا النقص في الشفافية والمساءلة هو أحد الأسباب التي تؤدى لتدنى مستوى تقديم الخدمات. (اضغط هنا لمعرفة المزيد عن نظام الإدارة المحلية في مصر).
توزيع الخدمات العامة
لا يتم توزيع الخدمات العامة والميزانيات المرتبطة بها بشكل يتسم بالعدالة أو يتواءم مع كثافة السكان والطلب على تلك الخدمات. والواقع أن هناك تفاوتا ملحوظا في نوعية وكمية الخدمات المقدمة من مكان إلى آخر داخل البلد بل وداخل المدينة الواحدة وهو ما يعنى غياب التنمية العادلة والمستدامة. لا شك أن الدولة تواجه نطاقا واسعا من الاختيارات وأن ميزانيتها محدودة، ولكن لو اهتمت الدولة بتقديم حد أدنى من الخدمات إلى المواطنين المهمشين وتوقفت عن معاملتهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فإن هذا الأمر يمكن تحقيقه في حدود الميزانية المتاحة.
يحظى سكان المدن بقدر أكبر من الخدمات العامة – كما وكيفا – مقارنة بسكان الريف، وهو وضع نراه في كثير من البلاد. ولكن الخدمات المتاحة لسكان الريف هى في أغلب الأحوال أقل من الحد الأدنى المقبول. وينطبق نفس الشيء على معظم الخدمات العامة، مثل الصرف الصحي والطاقة وغيرها. مثلا، هناك 75% من سكان الريف لا تصلهم خدمات الصرف الصحي5 و56% لا تصلهم مياه الشرب النقية باستمرار، مقارنة بسكان الحضر الذين يتمتعون بخدمات المجاري والمياه بشكل شبه كامل. نصيب الفرد في السنة من مياه الشرب في مصر هو 259 لتر/يوميا، ولكن هذا المتوسط يرتفع في القاهرة (752) والإسكندرية (580) عن المنيا (105) وأسوان (108). وهناك تفاوت مشابه في تقديم خدمة الكهرباء بين الريف والحضر، حيث أن الكثير من بلدات الصعيد لا تصلها الكهرباء لأكثر من ساعتين يوميا، وفي الليل تغرق البلدة بأكملها في الظلام باستثناء القلة من الأسر التي تمتلك مولدات كهربية. وعموما هناك تفاوت ملحوظ بين المناطق الحضرية والريفية في مختلف أنحاء البلاد، وعلى وجه الخصوص في تلك البلدات والقرى التي لا توجد فيها صناعات كبرى أو مزارات سياحية.
لا يقتصر التوزيع غير المتكافئ للخدمات على الفروق بين المناطق الحضرية والريفية فحسب ولكن هناك فروقات واضحة بين المناطق الغنية والفقيرة في نفس المدينة، وأيضا بين المناطق المخططة والمناطق غير الرسمية. ويمكن ملاحظة التفاوت في مستوى تقديم الخدمات بالنظر إلى معدلات قطع الكهرباء التي ارتفعت منذ 2011، حيث تحملت المناطق منخفضة ومتوسطة الدخل العبء الأكبر من انقطاع الخدمة، وطالت بها فترات الانقطاع إلى عدة أيام أحيانا. ولكن في المناطق المرتفعة الدخل من المدينة لم تكن فترات الانقطاع تتعدى بضعة ساعات – لو حدثت. وهناك سيناريو مشابه في توزيع المياه، حيث أن بعض المناطق المتوسطة والمنخفضة الدخل تتعرض بشكل منتظم لفترات طويلة من انقطاع المياه. وقد حدا هذا بسكان “صفط اللبن”، تلك القرية الواقعة في الجيزة، إلى تنظيم احتجاجات واحتلال مكاتب المحافظة في 2012. وهناك أمثلة عديدة على وجود فجوة واسعة بين المناطق مرتفعة ومنخفضة الدخل داخل المدن بالنسبة لنوعية وكمية المنشآت الصحية والمدارس وتوفر النقل العام والصرف الصحي والمساحات العامة.
الحق في المياه والخدمات المحلية والحضرية في الدستور المصري
وقعت مصر على “العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، وهى بذلك ملزمة بالوفاء بكل تلك الحقوق التي يشملها العهد بما في ذلك الحق في المياه. تم ذكر تقديم الخدمات العامة للمرة الأولى في دستور 1971. وتضمن المادة 16 من هذا الدستور التزام الدولة بتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية ورفع مستوى المعيشة في القرى. وقد تم إلغاء تلك المادة من دساتير 2012 و2014.
ورد في المادة 79 من الدستور الذي تمت صياغته في 2014 أن:
“لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف وماء نظيف”. ورغم أن هذه المادة تعترف بالحق في المياه النظيفة، فإنها لا ترغم الدولة على تقديم المياه النظيفة لمواطنيها. من جهة أخرى، فإن المادة 45 تلزم الدولة “بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية” وتحظر “التعدي عليها أو تلويث” الموارد المائية.
تعالج المادتان 176 و177 طرق تقديم الخدمات على المستوى المحلى. تنص المادة 176 على أن القانون ينظم “وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية والنهوض بها وحسن إدارتها”. بينما تلزم المادة 177 الدولة بضمان “التوزيع العادل للمرافق والخدمات والموارد (بين الوحدات المحلية)”. أما المادة 83 فتركز على احتياجات الجماعات الخاصة، وتلزم الدولة بأن تراعى “في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين”. ورد ذكر إدارة الخدمات العامة أيضا في المادة 171 التي تعطى رئيس الوزراء سلطة إصدار “القرارات اللازمة لإنشاء المرافق والمصالح العامة وتنظيمها بعد موافقة مجلس الوزراء”.
لا يعالج الدستور المصري مسائل إتاحة وكفاية ومستوى وسعر الخدمات المحلية والحضرية، وهى أمور حيوية لضمان أن تلك الخدمات تفي بغرضها الاجتماعي. ومازال أمام الدستور شوط طويل لابد أن يقطعه حتى يعالج بشكل سليم مسألة تقديم المياه والخدمات المحلية والحضرية ويفي بذلك بالتزام الدولة الاجتماعي تجاه الشعب.
أمثلة في دساتير دول أخرى
يمثل تقديم الخدمات العامة حجر الأساس في ضمان نوعية مقبولة من الحياة، ويعدّ جوهر العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. لذا فإن الكثير من البلاد قامت بصياغة مواد دستورية قوية تلزم الدولة بتقديم الخدمات الاجتماعية وتحمى المواطنين ضد الخصخصة وتحدد الحد الأدنى المقبول لنوعية الخدمة. وهناك نماذج مفيدة في المواد الدستورية الواردة في بلاد في الجنوب العالمي، بالذات في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، بخصوص معالجة القضايا المتصلة بتقديم الخدمات العامة.
المادة 147.2 من دستور جمهورية الدومينيكان لسنة 2010 والمادة 20-ii من دستور بوليفيا لسنة 2009 هما الوحيدتان في العالم اللتان تلزمان الحكومة ومقدمي الخدمات العامة من الشركات بالامتثال بالخمس قواعد المرتبطة بتقديم المياه والمذكورة في تقرير لجنة الأمم المتحدة، وغير ذلك من المبادئ. تنص المادة الخاصة بجمهورية الدومينيكان على أن “الخدمات العامة التي تقدمها الدولة الأفراد وفقا لترتيبات تعاقدية يجب أن تلتزم بمبادئ الشمول والإتاحة والكفاءة والشفافية والمساءلة والاستمرارية والنوعية والسعر المعقول والعدالة”.
الدستور الكولومبي (المادة 365، 1991) والبوليفي (المادة 374-i) والمغربي (المادة 154، عام 2011)، كلها تلزم الدولة بضمان التوزيع العادل والكفء للخدمات العامة في مختلف أنحاء البلاد. وتؤكد المادة الواردة في الدستور الكولومبي أيضا على أهمية الخدمات العامة “للأغراض الاجتماعية للدولة”. تستند إتاحة الماء في الدستور الكولومبي إلى “مبادئ التضامن والتكامل والتبادلية والعدالة والتنوع والاستدامة”. (المادة 373-i)
أما النظام الإدارى الذى تقوم السلطات بتقديم الخدمات الاجتماعية بمقتضاه، فقد تمت معالجته في دستور 2002 الخاص بتيمور الشرقية، الذي يذكر أن الإدارة “سوف يعاد هيكلتها لمنع البيروقراطية المفرطة … وضمان مساهمة الأشخاص المهتمين في إدارتها بكفاءة” (المادة 137.2). ويقدم دستور تيمور الشرقية أيضا الفرصة للمجتمع المدني والمواطنين للمشاركة بالرأي في عملية إدارة الموارد. وبالمثل، فإن دستور الإكوادور لعام 2008 يلزم الحكومة بتقديم “توزيع عادل من خلال قرارات تشاركية في تخصيصات الميزانية لتحقيق السياسات العامة وتقديم السلع والخدمات العامة” (المادة 85.3). وقد تم حظر خصخصة تقديم المياه تماما في الدستورين الإكوادوري (المادة 318) والبوليفي (المادة 373-ii). وتعتبر بوليفيا إتاحة نظم المياه والمجاري حقا إنسانيا (المادة 20-iii). وتلزم بوليفيا الدولة “بإدارة وتنظيم وحماية وتخطيط الاستخدام الكافي والمستدام للموارد المائية” (المادة 374-i). وينص الدستور المغربى في المادة 154 على أن الدولة تلتزم بتقديم الخدمات العامة وفقا “لمعايير النوعية والشفافية والمساءلة المحاسبية والمسؤولية”.
ويمكن تطوير نظام إدارى شفاف لتقديم الخدمات العامة من خلال إنشاء قنوات لمشاركة الجمهور على نحو يضمن مساءلة الدولة. يلزم الدستور البوليفي الحكومة بإدارة الموارد المائية “من خلال المشاركة الاجتماعية على نحو يضمن إتاحة المياه لجميع السكان” (المادة 374-i). أما المغرب فيلزم مقدمى الخدمات العامة “برصد تعليقات (المستخدمين) واقتراحاتهم وشكاويهم. مع اعداد تقارير حول إدارة الأموال العامة … وخضوعهم لمقتضيات المتابعة والتقييم” (المادة 156).
تتم معالجة الخدمات العامة بطريقة متشابهة في الدستورين الكولومبى والبوليفي. وتعتبر الدولة مسؤولة عن تنمية الأراضى المحلية وبناء مشاريع لهذا الغرض (كولومبيا، المادة 311). أما لا مركزية تقديم الخدمة وتمكين السلطات المحلية فهما أمران أساسيان في قياس الاحتياجات وإدارة الخدمات العامة وفقا للظروف المحلية المتعلقة “بالسكان والموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافة الاجتماعية والأوضاع البيئية” (كولومبيا، المادة 302). ويسمح للكيانات اللامركزية على المستوى المحلى بتقديم الدعم للأفراد منخفضى الدخل، بهدف تغطية احتياجاتهم الأساسية من الخدمات العامة المحلية (كولومبيا، المادة 368).
هناك مادة دستورية تغطى الكثير من الجوانب الهامة المتعلقة بنوعية وعدالة تقديم الخدمة ومدى استجابة الدولة وخضوعها لمسائلة الجمهور، وهى المادة 232 من دستور كينيا لعام 2010. تشرح تلك المادة بالتفصيل التزامات الدولة بالوفاء بتلك الأهدام كما تجبر البرلمان على اصدار قوانين تضمن تطبيق المادة. تقول المادة:
(1) تتضمن قيم ومبادئ الخدمة العامة:
(أ) مستوى مرتفعا من الأخلاقيات المهنية؛
(ب) استخداما كفء وفعالا واقتصاديا للموارد؛
(ت) تقديم الخدمات بشكل يستجيب للحاجات وسريع ومؤثر وغير متحيز وعادل؛
(ث) إشراك الناس في عملية صنع السياسات؛
(ج) المساءلة عن التصرفات الإدارية؛
(ح) الشفافية وتقديم المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب للجمهور؛
(خ) وفقا للفقرات (د) وذ)، فإن التنافس المتكافئ والكفاءة هي أساس التعيينات والترقيات؛
(د) تمثيل المجتمعات المتنوعة في كينيا؛ وأيضا
(ذ) تقديم فرص كافية ومتكافئة للتعيين والتدريب والترقي على كل مستويات الخدمات العامة لكل من:(i) الرجال والنساء؛
(ii) أعضاء كل الجماعات العرقية؛ وأيضا
(iii) الأشخاص ذوى الإعاقات.(2) تنطبق القيم والمبادئ الخاصة بالخدمة العامة على أنشطة:
(أ) كل الإدارات الحكومية على كل المستويات؛ وأيضا
(ب) كل المؤسسات التابعة للدولة.(3) يجب على البرلمان إصدار تشريع يضمن التفعيل الكامل لهذه المادة.
نحو دستور أفضل
يعد تقديم الخدمات المحلية والحضرية، بالذات توفير المياه، أمرا أساسيا لتحسين مستوى المعيشة في مصر. ويجب على الدولة أن تقر بالتزامها الأساسي بتقديم وتوزيع تلك الخدمات بشكل عادل للوصول إلى جميع مواطنيها وسكانها. وفيما يلي بعض القواعد التي يمكنها أن تساعد في تحقيق هذا الهدف:
1. سوف تتناول هذه المقالة مياه الشرب وخدمات الصحة العامة وتوفير الطاقة.
2. جمهورية مصر العربية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ميثاق الأمم المتحدة لمحاربة التصحر، مركز دراسات الصحراء. (2005) “برنامج العمل القومى المصرى لمكافحة التصحر”.
3.بويكس، جيمى (2011). “التحول الديمقراطي في مصر: الدور المحتمل للاّمركزية. مركز المعهد الحضري للتنمية والحوكمة الدولية.”
4.راجع هامش رقم 4.
5.راجع هامش رقم 2.
الصورة المختارة تصوير مايكلانيم. منشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي.
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks