ولكن، نظرا لأن المشروع لم يتم نقاشه بشكل علنى ولم تقم مصلحة الضرائب العقارية ببحثه بشكل كاف، فإن القانون المذكور اصطدم بمعارضة واسعة النطاق، بالذات فى قطاعات السياحة والاستثمار العقارى، ولم يتم العمل به فى نهاية الأمر. وقد اقترح “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” تعديلات على القانون فى 2011 إبان حكمه للبلاد خلال المرحلة الانتقالية التى تلت الإطاحة بالرئيس “حسنى مبارك”. وكان من المفترض أن يبدأ العمل بالتعديلات الجديدة فى يناير 2013 (الجريدة الرسمية، 2011). ولكن فى ديسمبر 2012، أصدر الرئيس “محمد مرسى” تشريعا جديدا يحل محل ذلك الذى تقدم به “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” (الجريدة الرسمية، 2012). وكان من المفترض أن يدخل قانون الضرائب العقارية الذى أعلنه الرئيس الجديد حيز التنفيذ فى يوليو 2013، ولكن الظروف السياسية تدخلت مرة أخرى وتم عزل “محمد مرسى”.
حتى إذا ما نحينا جانبًا الاضطرابات السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، يظل تطبيق قانون الضرائب العقارية أمرا صعبا في مصر لعدة أسباب. أولها، أنه وفقا لدراسة قام بها الاقتصادى “هيرناندو دى سوتو” فى عام 1997، فإن أكثر من 90 فى المائة من التعاملات العقارية فى المناطق الحضرية لم يتم تسجيلها بشكل رسمى مع السلطات، ونتيجة لذلك فإن الحكومة لا تعرف من الذى يمتلك العقارات فى مصر، وهو أمر يؤدى إلى انتشار التهرب الضريبى.
وثانيها، فإن الضريبة على العقارات هى ضريبة واضحة للعيان ويجب أن يدفعها صاحب العقارات بشكل مباشر وفى دفعات كبيرة وبشكل دورى – وذلك بخلاف ضريبة الدخل التى يتم حجزها عند المنبع وضريبة المبيعات التى تدفع خلال الشراء بشكل يومي (سلاك وبيرد، 2006). وهذا الأمر يجعل ضريبة العقارات تواجه مقاومة ملحوظة فى أوساط كبار ملاك العقارات، من المرتبطين بالجيش، والشركات الكبيرة، أو المستثمرين الأجانب فى مصر – والذين يطلب منهم دفع مبالغ أكبر نظرا لأن ضريبة العقارات هى تصاعدية فى الأساس – وأيضا فى أوساط الطبقة المتوسطة المصرية الذين تمثل العقارات لهم الشكل الأكثر شيوعا للإستثمار الطويل المدى. وهذا التشابه بين مصالح الطبقات المتوسطة والعليا يخفض كثيرا من التقبل الشعبى لضريبة العقارات. وهذا هو السر فى قيام الحكومة بفرض الكثير من القيود على تطبيق تلك الضريبة لكى تجعلها مقبولة من جانب الشعب (سلاك وبيرد، 2014).
يهدف قانون الضرائب العقارية لعام 2008 (بعد تعديلات “السيسى” المذكورة آنفا) إلى تصحيح عيبين فى قانون 1954 ، صغر وعاء الضريبة وقصور نظام تحصيل الضرائب ، وهما أمران أديا إلى إضعاف كفاءة التحصيل بشكل واضح. بهدف توسيع نطاق الوعاء الضريبى، يسرى القانون الجديد على كل العقارات فى البلاد، بما فيها تلك التى ما زالت فى طور البناء، مقارنة بقانون 1954، الذى كان لا يفرض الضريبة إلا على الأملاك الموجودة داخل كردون المدينة، والتى تمثل حوالى ثلث الأملاك العقارية فى مصر، والذى كان يستثنى أيضا العقارات التى ما زالت فى تحت الإنشاء (المادة 2، الجريدة الرسمية، 1954). وهذا يعنى أن العقارات الموجودة فى المجتمعات الجديدة – عادةً ما تكون من المجمعات السكنية الفاخرة والمنتجعات والفنادق الواقعة على أطراف القاهرة أو فى الساحل الشمالى– سوف يتم اخضاعها للضريبة للمرة الأولى. كما أن إدخال المبانى التى ما زالت تحت الإنشاء فى الوعاء الضريبى يغلق ثغرة معروفة فى القانون، حيث اعتاد ملاك العقارات على التهرب من الضريبة بترك الطابق الأعلى “بدون تشطيب” لكى يصبح المبنى “تحت الإنشاء”. وتلك الصياغة الجديدة من شأنها أن تشجع ملاك العقارات على تشطيب مبانيهم للنهاية، وأيضا على بيع أو تأجير تلك العقارات-الأدوار العليا.
يتضمن قانون 2008 أيضا إصلاحًا لنظام تحصيل الضرائب. فى هذا الصدد، يقلل قانون 2008 من فترة إعادة تقييم العقار من عشر سنوات فى ظل قانون 1954 (المادتان 3 و11، 1954) إلى خمس سنوات (المادة 5، 2008)، كما يفرض القانون معدلًا ثابتًا للضريبة يبلغ 10% من الدخل الإيجارى على كل العقارات (بعد خصم نسبة من هذاالدخل لتكاليف الصيانة وخلافه ، نسبة 30% للعقارات المستعملة في أغراض السكن و32% للعقارات غير السكنية) (المادة 12، 2008). هذا المعدل الجديد يحل محل المعدلات التى تراوحت بين 10% و40% فى قانون 1954(بعد خصم نسبة 20%) والتي تختلف باختلاف القيمة الإيجارية (المادة 12، 1954). ولكن نظرا لأن قانون 1954 لم يخضع العقارات إلى إعادة تقييم مستمرة وفقا لمعدل التضخم وزيادة أسعار الأراضى – معدل 10% مثلا كان يسرى على الايجارات التى تقل عن 3 جنيهات ومعدل 40% كان ينطبق على الإيجارات التى تزيد عن 10 جنيهات – فإن معظم دافعى الضريبة كان عليهم نظريا أن يدفعوا الحد الأقصى للضريبة، وهو 40%، من القيمة الإيجارية لعقاراتهم كل عام. مع هذا فإنه من غير المحتمل أن مثل تلك النسب المرتفعة كان يتم بالفعل فرضها على دافعى الضرائب نظرا لأن أغلبيتهم لن يقدروا على دفعها.
وبشكل عام، فإن من شأن تطبيق قانون الضرائب الجديد أن يساعد على تحديث قاعدة بيانات “مصلحة الضرائب العقارية” الخاصة بدافعي الضرائب على العقارات المبنية. سيتم تسجيل عدد أكبر من دافعي الضرائب وسيتم التقييم بصورة دورية أكثر. هذا بالإضافة إلا أن معدل الضريبة الثابت سييسر عمل “مصلحة الضرائب العقارية” لكونه أكثر ملائمة للقدرة المالية لدافعى الضرائب، الأمر الذى يزيد من احتمال تحصيلها.
برغم التحسينات التى يقدمها قانون ضرائب العقارات المبنية الجديد بشأن تحصيل الضرائب، فإن هذا القانون لن يؤدى إلى زيادة ملحوظة فى الحصيلة الضربية بسبب كثرة الإعفاءات والقيود المفروضة على تقديرات قيمة العقارات. يفرض القانون سقفا لزيادة تقديرات قيمة العقارات يبلغ 30% بالنسبة للعقارات السكنية و45% بالنسبة للعقارات غير السكنية (المادة 5، الجريدة الرسمية، 2008 و2014). تلك القيود سوف يكون لها تأثير سلبى طويل الأجل على موارد الدولة من ضريبة العقارات المبنية. علينا أن نتذكر أن متوسط معدل التضخم فى مصر على مدى الخمسين عاما الماضية بلغ 9% سنويا، بل إنه فاق هذا المعدل فى السنوات الأخيرة. ومن شأن التضخم وحده أن يلتهم أى زيادات فى قيمة الممتلكات بسبب ديناميكيات السوق العقارى. مثلا، بناء على أسعار التضخم التى أوردها البنك المركزى المصري، فإن العقار الذى كانت تبلغ قيمته 930,000 جنيه فى مطلع عام 2009 أصبحت قيمته فى نهاية عام 2013 حوالى 1.35 مليون جنيه، وذلك بفعل التضخم وحده. هذه الزيادة تبلغ 45%، حتى بدون إدخال ديناميكيات السوق العقارى فى الحسبان. الآن، لو فرضت سقفا لزيادة تقييم الممتلكات يبلغ 30% كل خمس سنوات، فإن الممتلكات السكنية سوف تقل قيمتها التقديرية بمرور الوقت عن عن قيمتها الفعلية، أما لو حددت سقف زيادة التقديرات بمعدل 45% فى المائة، فإن قيمة تلك الممتلكات سوف تظل ثابتة. وبعبارة أخرى، فإنه لو انهار سوق العقارات، فإن الدخل الضريبى سوف ينقص، أما لو انتعش سوق العقارات، فإن الحكومة وكل من يعتمد على الخدمات العامة التى تقدمها الحكومة لن يستفيدوا من هذه الأرباح. وبالتالى فإنه من الأفضل أن يتم تقييم كل الممتلكات بسعر السوق عند القيام بعملية إعادة التقدير. ولو تم الاعتراض على تلك التقديرات، فإنه يمكن إعادة النظر فى كل حالة على حدة لو تخطت الزيادة معدلا مرتفعا يتم تحديده.
بالنسبة للإستثناءات، تستثنى الضريبة بشكلها الجديد الشقق التى تبلغ قيمتها عدة ملايين والتى يتم “تأجيرها” وفقا لنظام تحديد الإيجار الذى تم إدخاله فى الحقبة الناصرية، والذى أدى إلى أن يدفع المستأجرون إيجارات شهرية ضئيلة (عادة أقل من 50 جنيها). ونظرا لأن قيمة الممتلكات تتحدد وفقا للقيمة الإيجارية، فإن قيمة الضرائب على تلك العقارات ستكون منخفضة بالضرورة. علاوة على ذلك، فإن الكثير من الاستثناءات قد تم ادخالها فى تعديلات عام 2014 على قانون 2008.
أولا، تم إعفاء كل الممتلكات السكنية التى تبلغ قيمتها أقل من 2 مليون جنيه أو يقل إيجارها عن 24,000 جنيه سنويا (أى 2,000 جنيه شهريا). ولكن أى ممتلكات سكنية إضافية يمتلكها أى شخص لن تخضع للإعفاء. وفى حالة الممتلكات التى تزيد قيمتها عن 2 مليون جنيه، فإن الضريبة سوف تحصل فقط على القيمة التى تزيد عن 2 مليون جنيه. ورغم أن القيام بفرض الضرائب على كل الممتلكات الإضافية هو أمر جيد – كل الممتلكات التى يتم تقييمها بأقل من 500,000 جنيه أو يقل إيجارها السنوى عن 6,000 جنيه (أو 500 جنيه شهريا) كانت معفية فى قانون 2008 – فإن دافعى الضرائب سوف يتزمرون من تلك الخطوة، برغم احتمال أن يقوم بعضهم بتسجيل ممتلكاتهم السكنية الإضافية تحت اسم شخص آخر فى العائلة.
ثانيا، تم إعفاء كل العقارات غير السكنية التى يقل إيجارها السنوى عن 1.200 جنيه أو تقل قيمتها التقديرية عن 100,000 جنيه، وهى عقارات يتم استخدامها عادة فى الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية الصغيرة.
وأخيرا، تم إعفاء كل النوادى والفنادق التابعة للقوات المسلحة وكل المراكز الطبية والمستشفيات والعيادات العسكرية، وذلك برغم الاعتراضات التى أبداها “مجلس الدولة” عند مراجعته للقانون المذكور (المادة 18، 2014).
من الواضح أن القانون يهدف إلى حماية أصحاب المنازل والمشروعات الصغيرة (وبالتالى الحصول على دعمهم السياسى). ورغم أن دعم الحكومة للأسر ذات الدخل المنخفض هو أمر مطلوب، فإن سقف الإعفاءات الذى وضعه القانون للمبانى السكنية مرتفع للغاية. فى 2008، خلص “طارق فرج”، الرئيس السابق “لمصلحة الضرائب العقارية”، إلى أن 90% من العقارات فى مصر تقدر بأقل من 500,000 جنيه أو أن دخلها أقل من 6,000 جنيه سنويا، وهو ما يعنى أن تلك النسبة من العقارات سوف تخضع للإعفاء فى ظل قانون العقارات المبنية الجديد. وبرغم أنه لا يوجد من يحب دفع ضرائب على العقارات، فإن تلك الضريبة تلعب دورا هاما فى دعم علاقة المواطنين بالحكومة، كما أنها تضفى الشرعية على مطالب السكان بتقديم الخدمات الحكومية لمجتمعاتهم.
والأفضل أن يقوم كل المواطنين بدفع الضريبة العقارية، حتى ولو كان ذلك على نحو تصاعدى. مثلا، يمكن فرض نسبة 1% إلى 2% على العقارات التى تقل قيمتها عن 500,000 جنيه مصرى و5% على العقارات التى تقل قيمتها عن 2 مليون جنيه مصرى و10% على العقارات ذات القيمة الأعلى. ويجب أن يكون هناك آلية لتحديث تقديرات قيم العقارات وفقا لمعدلات التضخم. وبعبارة أخرى، فإن المطلوب من الحكومة هو أن تحمى العائلات ذات الدخل المنخفض من العبء الضريبى ولكن بدون أن تعفى غالبية السكان من الدفع.
بعد فرض قانون الضريبة على العقارات المبنية ، كانت الحكومة تتوقع تحصيل 3.5 مليار جنيه سنويا. ولكن بسبب التأخير فى إرسال الإخطارات الضريبية إلى الملاك، إلى غير ذلك من التعقيدات الإدارية، فإن الحكومة قامت بتحصيل مليار جنيه واحد فحسب، كما أعلنت “ليلى اسكندر”، وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات.
يفترض أن يؤدى قانون الضريبة على العقارات المبنية إلى زيادة موارد وحدات الإدارة المحلية بغرض زيادة قدرتها على التعامل مع القضايا المحلية والاجتماعية. ينص القانون على أن يتم تخصيص 25% من عائد الضريبة العقارية للمحافظات (المادة 28، قانون 2008). فى 2012، أعلن وزير المالية أن 25% من دخل الضريبة المذكورة سوف يخصص “لصندوق تطوير المناطق العشوائية” التابع لوزارة التطوير الحضارى والعشوائيات. كما أعلن الوزير فى وقت لاحق أن 50% أخرى من دخل الضريبة ذاتها سوف يخصص لتحسين التعليم والصحة وبرامج المعاشات وأيضا تمويل برامج التنمية فى المحافظات. ورغم تلك التصريحات، فإنه من المستبعد أن يكون لضريبة العقارات المبنية أثر ملموس على القضايا المحلية، وذلك بسبب عدة أمور نوردها فيما يلى.
الأمر الأول هو أن العائد من ضريبة العقارات المبنية سوف يكون محدودا للغاية. وكما ذكرنا سابقا، فإن دخل ضريبة العقارات المبنية فى 2015 سوف يكون حوالى مليار جنيه مصرى. ومن شأن التحسينات فى تحصيل الضرائب وأيضا تقليل التهرب الضريبى أن يزيد الدخل الضريبى. ولكن الإعفاءات التى وردت فى القانون سوف تقلل من الدخل الضريبى إلى حد كبير. من المتوقع أن تساهم نسبة 25% المخصصة “لصندوق تطوير المناطق العشوائية” فى تحسين الأوضاع، بالذات لو علمنا أن ميزانية وزارة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات كانت مجرد 600 مليون جنيه فى 2014-2015، وذلك مقارنة بميزانية “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة”، التابعة لوزارة الإسكان، والتى زادت ميزانيتها من 14 مليار جنيه إلى 28 مليار جنيه فى 2015. كما يتوقع أن يزيد الدخل الموجه إلى المحافظات – وهو أمر مفيد نظريا، ولكن توزيع 25% من مبلغ 1 مليار جنيه (أو حتى مبلغ 3.5 مليار لو تمكنت الحكومة من تحقيق هدفها المبدئى) بين 27 محافظة لن يؤدى إلى زيادة ملموسة فى الإيرادات. كما أن هناك شكوكا بخصوص إمكانية وصول تلك الإيرادات إلى المستويات الدنيا من الحكم المحلى.
الأمر الثانى هو المركزية. يتم تحديد الضرائب العقارية فى مصر من قبل المُشرّع القومى – البرلمان أو رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود برلمان كما هو الحال اليوم- ثم يتم تحصيلها وتوزيعها من قبل وزارة المالية. وليس لوحدات الحكم المحلى أى سيطرة على معدلات الضرائب أو على طريقة تحصيلها أو على طريقة إنفاق العائد منها. فالضريبة على العقارات المبنية هى واحدة من بين مختلف مصادر الدخل التى تدار جميعًا بواسطة وزارة المالية، وإن كان من الممكن استخدامها لتمويل المستويات الدنيا من الحكم المحلى فى مختلف أنحاء البلاد. وفى الوقت الذى يقضى القانون فيه بتخصيص 25% من دخل الضريبة العقارية للمحافظات، فإنه ليس هناك ضمان لأن تتمتع بقية تحويلات الحكومة المركزية بالاستقرار. وبعبارة أخرى، فليس هناك ما يضمن زيادة موارد المحافظات على الإطلاق. يمكن مثلا لوزارة المالية، لو لاحظت أن دخل المحافظات قد زاد من موارد الضريبة العقارية، أن تقلل من مخصصات تلك المحافظات من مصادر الدخل الأخرى. وحتى لو زادت موارد المحافظات، فإن تلك المحافظات لا تتمتع بالحرية فى استخدام الأموال كما تشاء، نظرا لأن وزارة المالية تتابع التنفيذ بهدف التأكد من أن المشروعات التى يتم تنفيذها تتفق مع أولويات الخطط القومية.
فى الكثير من البلدان الأخرى، تمثل الضرائب العقارية المصدر الرئيسى لدخل سلطات الحكم المحلية. وتتمتع سلطات الحكم المحلية بالمسؤولية عن تحديد معدلات ضريبة العقارات وعن تحصيل الضرائب في المناطق التي تقع داخل نطاق سلطتها. وهناك مزايا متعددة لذلك.
أولا، سوف يقل العبء الإدارى على الحكومة المركزية وتزيد الأموال التى تصل إلى المستويات المحلية من الإدارة. وهناك طبعا احتمال أن يزيد الفساد على المستوى المحلى، ولكن هذا النوع من التحديات موجود على كل مستويات الحكومة.
ثانيا، يؤثر تحكم الإدارة المحلية فى ضرائب العقارات بشكل إيجابى على تقديم الخدمات العامة المحلية. لنتذكر أن ضريبة البناء هى ضريبة واضحة جدا للعيان ويتردد الكثير من المصريين فى دفعها. ويتوقف عادة استعداد دافعى الضرائب لدفع قيمة ضريبة العقارات المبنية على المزايا التى سيتلقونها في المقابل. وبناءًا عليه تقوم السلطات المحلية بتوجيه الاستثمارات العامة فى مشروعات ذات أثر ملموس بالنسبة لدافعى الضرائب، مثل بناء المدارس والطرقات والحدائق ونظم جمع القمامة وغيرها. ومن المتوقع أن ترتفع كفاءة قرارات القطاع الحكومى عندما يقوم دافعو الضرائب بتأييد تلك الأنشطة على أساس أن مزاياها تفوق العبء الضريبى (سلاك وبيرد، 2014).
من الأفضل أن يتم اتباع نظام لامركزى فى نظام الضرائب على العقارات المبنية، وإن كان بشكل جزئى، على مستوى وحدات الحكم المحلى. ولكن قانون الإدارة المحلية الذى تم نشر مسودته على الجمهور فى أغسطس الماضى، لا يعد البلاد على الإطلاق لعملية اللا مركزية بخصوص الضرائب العقارية. وهذا عيب لا يخلو من قصر النظر وسوف يؤدى إلى تقليل مستوى كفاءة وحدات الإدارة المحلية لسنوات قادمة.
هناك مفارقة واضحة فى سوق الإسكان فى مصر؛ فمن ناحية هناك نقص شديد فى الإسكان منخفض الدخل، ومع ذلك نجد من الناحية الأخرى، وفقا لأرقام “الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء”، أن 25% من الوحدات السكنية فى القاهرة و32% من الوحدات السكنية فى الجيزة و35% من الوحدات السكنية فى الإسكندرية شاغرة. وقد زادت نسبة الوحدات السكنية الخالية منذ 25 يناير 2011 بسبب عمليات البناء الهائلة وغير المنظمة فى مختلف المدن المصرية. وكما ذكرنا قبلا، فإن شراء العقارات بهدف الاستثمار هو نشاط تمارسه كل الطبقات الاجتماعية، وما زال الطلب مرتفعا على العقارات لأنها استثمار آمن نسبيا ويمثل حماية ضد معدلات التضخم المرتفعة. هناك أيضا طلب كبير على الشقق بين الشباب فى سن الزواج. وكثيرا ما تقوم العائلات بشراء شقق وتركها خاوية حتى يصل الأبناء إلى سن الزواج.
لو تم فرض النوع المناسب من القوانين، فإنه يمكن للحكومة استخدام الضريبة على العقارات المبنية كأداة لتشجيع أصحاب الأملاك على استخدام ممتلكاتهم بشكل منتج وهو ما قد يقدم حلا لمشكلة النقص فى الإسكان منخفض الكلفة فى مصر. فى حالة فرض معدل مرتفع نسبيا من الضريبة، من المتصور أن يقوم ملاك الوحدات السكنية بالتفكير فى تأجيرها أو بيعها، الأمر الذى قد يقلل من عمليات البناء غير الرسمى التى تتم حاليا فى مختلف المدن. يمكن أيضا توسيع مجال الضريبة على العقارات المبنية لكى تشمل الأراضى الخالية، وهو ما قد يقلل من أسعار الأراضى ويسمح بالتالى بتوفير اختيارات اكثر لبناء مساكن بأسعار اقتصادية.
يتضمن قانون الضريبة على العقارات المبنية رسائل متناقضة بخصوص تشجيع ملاك العقارات على استخدام أملاكهم على نحو منتج. من جهة، فإن توسيع الوعاء الضريبى ليشمل المجتمعات الجديدة هو أمر جيد، حيث أنه يشجع الشركات العقارية التى تمتلك عددا من الوحدات على بيعها أو تأجيرها عندما تتاح لها الفرصة. وهناك نقطة جيدة أخرى فى القانون وهى أنه يفرض الضريبة على كل الوحدات السكنية الإضافية –التي يمتلكها المواطن ولا يسكنها. ولكن، كما ذكرنا قبلا، فإنه من السهل تجنب دفع الضريبة من خلال تسجيل تلك الوحدات تحت اسم أحد أعضاء الأسرة، وهى ثغرة يجب على الحكومة أخذها فى الحسبان. وفى المقابل، فإن كثرة الإستثناءات الواردة فى القانون من شأنها التقليل من فاعليته.
لم يقم الكثير من المصريين بتسجيل أراضيهم بشكل رسمى ، وهو ما ينطبق بالأخص على المناطق الحضرية اللارسمية فى القاهرة الكبرى، حيث يعيش أكثر من 60% من سكانها. ومن شأن الضرائب العقارية أن تحسّن من أمن حيازة الأراضى فى تلك المناطق، حيث أنها تقدم نوعًا من الحماية ضد الإخلاء القسرى. لو كان هناك مالك لعقار يفتقر إلى عقد رسمى ولكنه يدفع الضرائب، فإن إيصالات تلك الضرائب يمكن اعتبارها دليلا على الملكية فى حالة نشوب منازعات على الأرض. وقد استفاد من هذا الوضع بعض سكان الأحياء اللارسمية القديمة، مثل سكان منشية ناصر الذين قاموا بدفع الضرائب فى ظل قانون 1954. ويلاحظ أن إخضاع المناطق اللارسمية للضرائب العقارية يضعف من أى دعاوى ملكية كاذبة، نظرا لأن ليس من المعقول أن يقوم أى شخص برشوة موظف حكومى من أجل الحق فى دفع الضرائب (كومبى، بدون تاريخ).
كما أنه لو تم تحديث قاعدة بيانات ضريبة العقارات المبنية فى “مصلحة الضرائب العقارية” بخصوص دافعى الضرائب، فإن ضريبة العقارات يمكنها أن تزيد أمن حيازة الأراضى بالنسبة لبعض ملاك العقارات. ولكن لو أخذنا فى الحسبان كثرة الاستثناءات من القانون، فإنه من المتصور أن تركز “المصلحة” جهودها على دافعى الضرائب الأكثر قدرة على دفع الضريبة . وقد أوضحت وزارة المالية أنه، اعتبارا من مارس 2015، تم إرسال 6.4 مليون اخطار ضريبى إلى الوحدات السكنية بالإضافة إلى 1.8 مليون إخطار إلى الوحدات التجارية والخدمية والصناعية.
يقوم قانون الضريبة على العقارات المبنية الجديد بشكل عام بتوسيع الوعاء الضريبى وتوحيد معدل الضريبة وتقصير فترة إعادة التقييم، وهى كلها أمور يفترض أن تؤدى إلى تحسين معدل تحصيل الضرائب مقارنة بالقانون القديم. ولكن هناك بعض جوانب القصور فى القانون المذكور. يمثل مدى اتساع نطاق الإعفاءات إحدى المشاكل الواضحة، ويجب على الحكومة أن تقوم تدريجيا بتقليل تلك الإعفاءات من أجل الاستمرار فى توسيع الوعاء الضريبى فى مختلف أنحاء مصر. من شأن تلك الإعفاءات، وأيضا القيود الموضوعة على زيادة القيمة التقديرية للعقارات، فإن كم الإيرادات المتوقع من هذا القانون سوف يقل على الأغلب عن التقديرات التى تتوقعها الحكومة فى المستقبل المنظور. علاوة على هذا، فإن القانون المذكور لا يفيد كثيرا فى تحسين أوضاع الإسكان فى المناطق الحضرية فى مصر.
من الناحية الهيكلية، سوف يكون تأثير القانون على وحدات الإدارة المحلية محدودا بسبب القيود التى يفرضها قانون الحكم المحلى الذى يقضى بأن تكون ضريبة العقارات ضريبة مركزية. حيث لا تملك وحدات الحكم المحلى تحديد معدل الضريبة ولا كيفية إنفاق عائدها. وبالتالى فإن القانون لن يؤدى فى الأغلب إلى تحسين التعامل مع القضايا المحلية. من المتوقع أن تصل نسبة من الدخل الضريبى إلى وزارة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات، وذلك بهدف تحسين المناطق غير الرسمية، وهو أمر حسن ولكنه لا يكفى لمواجهة المخاطر التى يتعرض لها سكان المناطق غير الآمنة.
باختصار، فإنه من الأفضل أن يتم تطبيق قانون ضريبة العقارات المبنية على كل ملاك العقارات فى مصر باستثناءات محدودة. كما أن فرض ضريبة معقولة على ملاك العقارات سوف يؤدى إلى تقوية الصلات بين الحكومة والمواطنين وإلى إسباغ الشرعية على مطالب المواطنين بشأن تقديم خدمات عامة أفضل، وأيضا إلى توفير دخل ضريبى للحكومة يمكنها من تقديم تلك الخدمات.
المراجع المذكورة
- البيان المالى الخاص بمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/2015.
- الجريدة الرسمية، العدد 10-أ (غير اعتيادى) بتاريخ 4 فبراير 1954. قانون رقم 56 لسنة 1954 في شأن الضريبة على العقارات المبنية
- الجريدة الرسمية، العدد 25-ج بتاريخ 23 يوليو 2008. قانون رقم 196 لسنة 2008 بإصدار قانون الضريبة على العقارات المبنية
- الجريدة الرسمية، العدد36-أ بتاريخ 10 سبتمبر 2011. مرسوم بقانون رقم 118 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 196 لسنة 2008
- الجريدة الرسمية، العدد 49 بتاريخ 6 ديسمبر 2012. قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 103 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر لقانون رقم 196 لسنة 2008
- الجريدة الرسمية، العدد 23-أ بتاريخ 17 أغسطس 2014. قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 117 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008
The content of this website is licensed by TADAMUN: The Cairo Urban Solidarity Initiative under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License
Comments
Trackbacks